محمد وداعة: الجنجويدي التشادى .. الأمين الدودو خاطري    شركة توزيع الكهرباء تعتذر عن القطوعات وتناشد بالترشيد    وكالة الفضاء الأوروبية تنشر صورا مذهلة ل "عناكب المريخ" – شاهد    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    بايدن يعين"ليز جراندي" مبعوثة للشؤون الإنسانية في الشرق الأوسط    مصادر: البرهان قد يزور مصر قريباً    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إقصاء الزعيم!    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    الجيش يقصف مواقع الدعم في جبرة واللاجئين تدعو إلى وضع حد فوري لأعمال العنف العبثية    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    أحلام تدعو بالشفاء العاجل لخادم الحرمين الشريفين    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    دبابيس ودالشريف    البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب الحكيم: وما لا عين رأت ولا أذن سمعت !!اقراء كتاب من 600 صفحة في ثمان صفحات..
نشر في سودانيل يوم 25 - 12 - 2017


ملخص لكتاب الحكيم للدكتور احمد الصافي
السلام عليكم أيها الحكيم، الدكتور أحمد الصافي. ما أنجزته من المعرفة يضعك في درجة الاستاذية ومصاف المكتشفين العظام. أحمد الصافي خلال اربعين عام تجاوز تخصصاته المهنية من درجة الدكتور إلى درجة الفيلسوف الحكيم العارف المحقق. كما يرقى إلى نيل البركة وإلى الصدقة الجارية مدى الخلود.
تقول سيرته أنه من مواليد الدويم، مدينة العلم والمعرفة. وتنبئ سيرته أنه اهتم بدراسة علم المجتمع والانثروبولوجيا وعلاقتها بالصحة. وكذلك الثقافة الصحية الشعبية وتاريخ الطب في السودان. ويشهد له بأنه مؤسس أبحاث الطب الشعبي بالمجلس القومي للبحوث. ثم مركز منظمة الصحة العالمية للطب الشعبي. ولديه في الشأن مشروعات تنبئ عن موهبة وهمة عالية. يكفي أنه ألف وحرر وترجم ونشر أكثر من ثلاثة عشر كتابٍ باللغتين العربية والانجليزية في شأن تاريخ الطب والتراث الطبي. وفوق ذلك هو كاتب وناشر للثقافة الصحية في الصحف السيارة والمجلات.
كتاب (الحكيم)، للدكتور أحمد الصافي، كتاب يستأهل اسم موسوعة تاريخ الطبابة في السودان،. كتاب الحكيم يتاهل إلى صدارة مناهج دراسة وممارسة مهنة الطب في السودان. كنتُ، الفقير إلى الله: الصادق عبدالله عبدالله، في أعوام خلت كتبت ونشرت وأشرت إلى انفصام المعرفة الطبية الشعبية والطبابة الحديثة. وقلت أن هناك حاجزاً وبرزخاً بين الطبيب والمريض يحتاج إلى معرفة وتأهيل من نوع خاص. ودعوت إلى أهمية نقل المعرفة الشعبية إلى مدرجات كليات العلوم الطبية ومشافيها.
الدخول إلى عالم كتاب الحكيم يدخلك إلى جزيرة الكنز ولن يتركك. فإن كان كتاب البروفسور أحمد عبدالعزيز المسمى فقه الطبابة يتحول بموجبه الطبيب إلى فقيه، فكتاب الحكيم ينبت في موضع لا تكتمل مهنة الطبابة ولن يتحول الدكتور إلى حكيم إلا بدراستة دراسة تحقيقية. كتاب دكتور الصافي كما قال عبدالله علي ابراهيم في تقدمته للكتاب فيه ما لا أذن سمعت وما لا عين رأت فيما عرف من مناهج ومقررات التعليم. كتاب يكسر إحتكار تقاليد ووثنيات الحداثة في كليات مهن الطب البيولوجي والجرثومي.
كتاب الحكيم يتجاوز إلى تدريس معارف التراث وتقاليده العلاجية المختلفة. والكتاب دعوة للتاهيل الاجتماعي الثقافي لأطباء الحداثة، وبه يتم ربط مسيرة مهنة الطب بجذورها ويتم تجاوز الإنفصام بين الماضي والحاضر، بين المجتمع واطبائه المعاصرين.
فالمؤلف، طبيب بكامل الدسامة، قال أن رسالته هي ردم الهوة بين مهنة الطب التي مادتها الإنسان وبين العلوم الإنسانية. فالمرض قبل أن يكون حالة جرثومية هو حالة ثقافية وكذلك العلاج. مشيراً إلى أن الممارسة الصينية قد زاوجت بين طبها الحديث والتقليدي. وغاية الكتاب أن يتحول الطبيب إلى حكيم رشيد، وأن يشمل العلاج التداوي بالدواء والجراحة والبركة معاً. البروفسور عبدالله علي ابراهيم، أحد أبرز دعاة علوم المجتمع، قد وصف كتاب الصافي بأنه ذكي وبادرة غراء في البحث المضاد، بعد أن أغلقت الكلية الحديثة أبوابها في جحر ضب التقاليد الوثنية الحديثة دون الآفاق الأرحب.
صدر كتاب الحكيم في نحو ستمائة صفحة من القطع المتوسط (24X17سم). شعاره من أجل: (أطباء أعمق فهماً لمهنتهم ولثقافات مجتمعاتهم وأكثر وعياً ببيئتهم وأحوال أهلهم) . الحكيم أحمد الصافي استغرق في إعداد مادة الكتاب أكثر من أربعين عام، جاء نتاج لقراءة ومتابعة ومشورة ممتدة. يسرد فيها معالم طريق نشأته ومعارفه في واحد وخمسين نقطة منذ مولده والتحاقه بالخلوة وممارسته لانواع من التداوي، ماراً بحادثة رعافه وعلاجه بالكتابة على جبهته وعلاجه. ذاكراً زيارته لأغلب مراكز العلاج الشعبي في السودان وجمعه للمتواتر في الصحة والمرض من أفواه الممارسين، وتوثيقه لتجارب الدكتور التجاني الماحي، وتعرفه على الطب الصيني. وكذلك رابطاً دراساته بعلم الإنسانيات (علم الإجتماع والأعراق sociology and anthropology.
يخلص الحكيم الدكتور أحمد الصافي إلى أنه عمد بحس (وحدس) عميق وحاد على تمليك الماضي بما له وما عليه للشباب. فهم لا شك محتاجون للتعرف على مسيرة المؤسسة الطبية وعلى نظم الطب البديلة ولتجعل الطبيب اقل تحيزاً لقناعاته الدراسية وأكثر إنفتاحاً للتعامل مع غيرها. وذلك لضرورة تاهيل الطبيب اجتماعيا وتوسع مدراكه شرطاً لازماً لمزاولة المهنة.
كتاب الحكيم يحوي أجزاء وابواب مكتملة، يمثل كل منها معرفة متكاملة. يبدأه المؤلف بالمقدمة التي هي ذكر نماذج الطبابة. نموذج الطب البيولوجي. طبيعته مكوناته وأدواته. نموذج الطب الشعبي. نموذج الطب البديل ونماذج الطب التكميلي. العلاج الإيماني. الطب النبوي. العلاج بالقرآن والرقية.
ثم يورد كتاب الحكيم رصدا للصحة في السودان عبر القرون. وكيف بدأ العلاج بالإلهام والمصادفة والحدس والتجريب. ليتوسع في التاريخ المرصود للصحة منذ القرن الثامن عشر. الذي ورد في كتابات الرحالة. وذكرهم لبعض الأمراض . مثل الاستسقاء (الدوبال)، الدسنتاريا. الكوليرا (وتشمل اسماؤها: الريح الأصفر، الشيطة،الهيضة، ابو مزيريق، الزرقة، وقد كتب عنها الشيخ بابكر بدري). الجدري، التراكوما، الدودة الشريطية، الحمى (الوردة). السحائي، الكك (الصرعة). والجذام والجرب
وقد أورد فيما أورد أنماطاً من العلاج، الأعشاب وغيرها مثل ماء البصل، الدلكة، الفصادة، الودك، الطين، حتى أن الحقنة الشرجية في الممارسة الشعبية يستخدم فيها عظم ساق دجاجة يربط فيها قطعة من إمعاء الخروف تملأ لتفرغ في الشرج. وبمراجعته كتاب ود ضيف الله وجد أنماطاً من الأمراض. شملت الجن والشياطين والعين الحارة والوردة، الوتاب (الكوفارة) والحمى الصفرا والجدري (وسنين الجدري). وعلاج وتشخيص الأمراض الذي يشمل الخيرة، البركة، المكاشفة، الكرامة، والدعاء المستجاب، ورفع البلاء بالبليلة. والحجبات والعزيمة وعلاج العقم .
موضحاً أن المعارف الطبية في القرن التاسع عشر تستقى من كتب الطب العربي القديمة ومختصراتها، فمنها القانون لابن سينا، كتاب الرحمة في الطب والحكمة للسيوطي. مشيراً إلى إنه في النصف الأول للقرن العشرين كان في السودان كتابا مقروءا ومحبوبا اشتمل على باب في الطب والعلوم الغيبية هو كتاب مختارات الصائغ، المحتوي عل معارف في الطبابة إلى جانب معارف أخرى.
مفيداَ بأنه لم تكن هناك مستشفيات في فترة سلطنة الفونج، بيد أن الخدمة الطبية الحديثة جاءت مع الأتراك لخدمة الجنود في الثكنات وللمستشفيات في الحاميات الكبيرة (الخرطوم، مدني، الابيض).. لكن التحديات الطبية الجسيمة دعت الباشا لإنشاء مدرسة طب أبو زعبل كأول مدرسة طبية في المنطقة العربية. وقد إلتحق بعض خريجوها بجيش محمد علي في السودان. وقد استعين ببعض الأطباء والازجزية الأوربيين. وعين لكل كتيبة طاقمها الطبي برئاسة طبيب. وقد ورد أن الإمام المهدي توفى بحمى السحائي، وفي رواية أنها حمى التيفوس.
أما في القرن العشرين. فقد انتشرت الخدمات الطبية مع الحكم الجديد.. وبدأت الدراست والتوثيق . وقد بدأت الخدمات الطبية تحت إمرة السلاح الطبي. بقيادة أطباء بريطانيين بمساعدة صغار الأطباء من السوريين، خريجي الجامعات الامريكية في بيروت. ثم قامت المصلحة الطبية في 1904م ، بدأت بخدمات الصحة العامة وحملات التطعيم ضد الجدري. وبنيت سلسلة مستشفيات عرفت بالمستشفيات الملكية في الخرطوم، أم درمان، وادي حلفا، بربر، دنقلا وسواكن. وقد كان بالسودان في فترة الحرب العالمية الاولي سبعة أطباء بريطانيين وممرضتين.
وعن الأدوية التي استخدمت في السودان، افاد بأنه حتى مطلع العقد الرابع لم تكن هناك أدوية للكلازار، كما لم تكن هناك أدوية للقحة بمسمياتها الشعبية (أم قنطو، الكتكوتة، فكك السدر)، والحمى بمسمياتها (السهراجة، أم برد، وردة الخريف، والحمى الراجعة)، وكذلك أمراض الدسنتاريا، والتيفويد، السحائي، الاشقدي، والسيلان إلى أن ظهر عقار السلفا، ثم البنسلين الذي ظهر بعد عام 1941م. كانت قبل ذلك توجد فقط أمصال التطعيم ضد الجدري، ثم الكينين لعلاج الملاريا، وأدوية أخرى بدائية. وقد كان يسود الاستشفاء بالفصادة والحجامة.
لتدخل مجموعة من الأدوية بعد سنة 1950 منها السلفاريستان لعلاج الزهري، التارترايت لعلاج البلهارسيا. وقد كان الطب الشعبي سيد الموقف.
قدم كتاب الحكيم سردا مفصلا لتطور الطبابة في السودان منذ قيام مدرسة كتشنر الطبية في السودان في العام 1024 (كلية الطب جامعة الخرطوم لاحقا)، وكيف أن المحسن بغدادي ساهم في تطويرها، وقيام معامل ويلكم، ومعمل استاك.
ذاكرا بعض أوائل الأطباء الذين ارسو المهنة. ثم ظهور الأطباء الاختصاصيين السودانيين بعد الحرب العالمية الثانية. كما افرد الحكيم بابا اسماه العقد بين الطبيب والمريض والمجتمع. ذاكراً إنه تحد كبير، مفاده أن مصلحة المريض فوق مصلحة الطبيب. ثم المعايير العالية للطبيب. ومسؤولية الدولة في توفير الخدمات الطبية بأنواعها لكل الناس دون تفرقة. وقبل ذلك سن التشريعات والقوانين لتنظيم المهنة. ثم فصل في أخلاقيات المهنة، موثقا للقسم لقسم المهنة.
ثم أورد الحكيم سرداً عن مهارات التواصل بين الطبيب والمريض. وان اللغة المستخدمة لغة هجين. وقد لا تكون هناك لغة حاملة للتواصل الكافي. بل إن فن الإصغاء مهارة مطلوبه من الطبيب. وقد لا يعلم الطبيب عامية المريض. لذلك أورد الحكيم ضمن كتابه قاموسا للمفردات المستخدمة في مسميات الامراض والحالات والأوصاف بالعامية السودانية إلى نحو خمسمائة مفردة وما يقابلها باللغة الانجليزية. منوهاً إلى أهمية امتلاك الطبيب العقل الواعي والتوجه الصحيح والمهارة اللازمة، مفصلاً بدقة في حيثيات يحتاجها الطبيب لأداء مهمته بكفاءة.
كذلك أورد الحكيم فصلاً عن مفاهيم الصحة والمرض في ذهن العامة والذهن الشعبي، موضحاً الفرق بين العلة illness والمرض disease مستعرضا نظرية الأخلاط في الخلق والموجودات الأربعة (الماء، التراب، النار والهواء)، بالطبائع الأربعة (رطب، يابس، حار، بارد)، وسيادتها في السودان والتي هزتها المعارف الجديدة عن القلب والدورة الدموية، ثم اكتشاف المجهر.
ولم ينس الحكيم الطقوس في المرض والممارسة بما فيها من ملابس وأصوات واشكال وكلمات وإيماءات وحركات جسدية وروائح وألوان، بخور وسوائل بما في ذلك الماء واللبن والدم. موضحاً أن الطقوس تعبر عن قيم المجتمع ومعتقداته. ثم استعرض أسباب المرض والإصابة من عوامل البيئة والطبيعة.
مستعرضاً عادات الناس ومفاهيمهم عن الشمس والقمر والكواكب والنيل وحتى عن ظاهرة التوأم (جاث كوث أو ابناء الآلهة) وأولاد الحور. ثم عوارض قوى ما وراء الطبيعة الجن والشاطين من أم الصبيان والريح الأسود والأحمر والزار وممارساته والطمبرة ثم الأحوال الصوفية والإنجذاب وفجة الموت، وممارسات التقشف والسحر والعين الحارة وبخور التيمان والتعويذة. ثم وسائل تشخيص المرض، ومنها التنبؤ عبر الودع، خط الرمل، والرؤية الصادقة والمكاشفة والاستخارة والخيرة(فتح الكتاب) وتفسير الأحلام، والتشاؤم والتفاؤل التنجيم وعلم الحروف وغير ذلك.
مفيداً بأن الناس قد عرفوا النصاحة والعافية. كما عرفوا المرض وشقي الحال منهم يقع في القيد. فالناس منهم مزيور، مسكون، معيون، مقروص، مسحور، مهبوش، مبهوت، موهوم، مهموم ، مغموم، مذهول، مبدول، موسوس، ملحوس، معروق، مربوط، مستهبل، متصنع، أبله، دلاهة، عوير، مشوطن، مغزلن، مجنون، خرفان، عيان، مرضان، ما شديد، حاسي، منوسر. كما عرفوا حالات مرض نفسية كثيرة ، الحزن، الكربة، اللوعة، الورناحة anxiety، الولع، الخوفة (الرهاب) . كذلك العضير، الدوشة، الدوخة، الهضربة، الهلوسة والنسيان.
يعنى المعالجون بصحة الناس ولكل جماعة عرقية حكيمها. هناك الفكي (الفقير)، العشاب، العطّار، المعراقي، الداية، الشلاقي، والحلاق الذي يختن ويحجم ويفصد، الكجور، العرّاف، ومفسر الاحلام والمنجم ، الوداعية، شيخة الزار والرمّالي: وأندب حظي أم آمالي ودهري القصدني مالو ومالي .. شوف الخيرة يا رمالي.. أظن كاتبني عند عمّالي .. عارض يعترض أعمالي ابني و أملي ما تم مالي.
وتوقعات الناس كبيرة في قدرات المعالجين الخارقة (لربما حتى إحياء الموتى). فالشيخ ود الطريفي اشتهر بعلاج السعر (دابي الوعر وخصيم السعر) والجن، وود حسونة اشتهر بعلاج الصرع، والكباشي بمعالجة العقم، ذاكرا قصة ميخائيل الكباشي. ثم الأضرحة والقباب المشهورة والمسايد (المساجد). الإيد اللاحقة (تلحق وتفزع) ثم الدعاء المستجاب (مشهورة قصة الشيخ البرعي) كما يدعى باسم الأعظم، الذي فيه الاسرار الرفيعة. كما يتم العلاج بالأدوية بكافة استخداماتها، مثل التسعيط (السعوط ما يصب في الأنف)،
والعزيمة، اللمس باليد، الرقية، البخرة، المحاية، وبالحروز (ومنها لبس الأحجار الكريمة) والكرامة، الصدقة، الكفارة، الجرتق (من العين الشريرة)، الحجبات والحواطة وغير ذلك. كما يتم العلاج بالبركة (النفع المحض).
أما الادوية فقد شملت الأعشاب والنباتات بكل أجزائها ومنها المحلية والمجلوبة والأملاح (ومنها العطرونً). وغطت الصيدلية السودانية المراهم واللبوسات والمغليات واللبخات والنشوقات والغرغرات وقطرات العين والاذن (ومنها ماء البصا والزيت)، ومدرّات اللبن للنفساء. عرفت الصيدلية السودانية المسكرات بأنواعها. ومواد الكيف، وكذلك عرفت النباتات السامة، بل أورد الحكيم نصوصاً عن الحيوانات السامة من عقارب وثعابين.
وفي شأن الجراحة فقد أورد الحكيم أن السودانيين مارسوا الجراحة كممارسة طبية، بدءا من ختان الذكور والإناث، وفيها وتتم تغطية جروح الختان بالرماد والروث المحروق، وتغطية الجرح بالودك وما ينثر عليه من مسحوق القرض (القرظ). كذلك مارس الترينة (ثقب الجمجمة) والتطويش (الخصي)، الحجامة، الوشم، الفصد، الكي، التشليق(تصحيح النظر)، قطع الريشة، إلى عمليات تجبير العظام (البصارة) وعلاج الجروح.
كذلك الغذاء الذي يكمل ويعزز الصحة والعافية، فقد اختار السودانيون أطعمتهم عبر تجارب طويلة، شملت العسل، الدخن، التمر، الكسرة، البصل، ملاح الويكاب، البليلة، اللبن . بعض الاغذية لها أهمية خاصة في الصحة والعلاج. بالطبع هناك عادات سالبة في مفاهيم المجتمع مثل المعتقد أن صفار البيض يؤخر القدرة على الكلام وغيرها الكثير. أما الماء فهو من ضروريات الصحة والحياة. وقد اعتقد في بعض المياه أنها ذات سمات علاجية مثل نافورة قرية عد الطين قرب القضارف وغيرها.
ثم ليأتي الحكيم إلى خلاصة نتائج الممارسة الطبية في السودان، التي كانت من أكفأ مصالح الدولة يحق لمن شارك في إرسائها الفخر كل الفخر. حيث أنشأت مجالس تنظيم المهن الصحية والدراسات الطبية فوق الجامعية، ومراكز البحوث المتخصصة، إنتشار مراكز التدريب الأهلية، وقيام شركات استيراد الأدوية والمعدات الطبية،ت المهن الصحية، قامت اتحاد ونقابات، والجمعيات الطبية. ليخلص
إلى أنه رغم ذلك قد حدثت إختلالات أدت لفشل نظام المؤسسة الصحية في الوفاء بدورها على أتم وجه. وذلك من خلال مراقبة الإحصاءات ومؤشرات الصحة، ومنها نسبة التغطية بالتطعيم، إصابات الحصبة، التهابات الصدر، الملاريا، الاسهالات، سؤ التعذية، وفيات الأمهات، وغير ذلك. ويعتبر كفاية توازن (ستة كادر مساعد لكل طبيب) الكوادر البشرية في المؤسسة الصحية، أحد أهم المؤشرات.
وقد عانى القطاع نزيف هجرة الأطباء. هذا في وقت استفادت المهنة عالمياً من تطور العلوم والتقنيات بكل ممارسات من تدريب وتعليم وتبادل معارف، إلا أن السودان لم يستطع أن يقدم حلولاً معقولة في صحة مواطنيه.
سرد كتاب الحكيم إحصاءات تفصيلية في نمؤ السكان، والتطورات التشريعية الصحية، وإحصاءات المخاطر الصحية وسياسة الإحصاء والمعلومات الصحية وسياسة الموارد البشرية وكوادر المهن الطبية والتطوير المهني والتعليم الطبي، وقيام المجالس المهنية واستراتيجية قطاع الصحة. ثم مساهمة القطاع الخاص وسياسة الانفاق على الصحة وسياسة التامين الصحي، وتطوير الخدمات الطبية بالقوات المسلحة.
وفي مسرد بحثه، أورد كتاب الحكيم جملة أوردها الدكتور التجاني الماحي مفادها أن: المراجع نصف البحث bibliography is half scholarship، ذاكرا أن ذلك يفتح مغاليق المعرفة، هذا ليصطفي الحكيم ارتالاً وقوائم من مصادره التنوعة، ومنها كتابات أطباء السودان، هذا إضافة لبعض الاطباء البريطانيين الذين عملوا في السودان. ولم يكتف بذلك حتى قدم مشروع كتابة تاريخ الطب وموسوعة الأطباء وبيبلوغرافيا الدراسات الطبية السودانية، مبيناً قسمات تفصيلية في المعارف الطبية والصحية.
ومسك الختام في كتاب الحكيم، أفرد نصاً في الافعال الطبية الضارة والطبابة الرشيدة. في اربع عشرة صفحة، سرد تعريفات وأنماط من الأنشطة الطبية الرشيدة والأخرى الضارة، ذاكراَ استقلال الطب كمثل القضاء، وكيف تحول وضعهم إلى تحول مسؤولياتهم إلى المستشفيات وشركات التامين والسلطات وخضوعهم للقوانين السارية. استعرض الحكيم أنواع المخاطر والأفعال الطبية الضارة، مفيدأ بأن الطبيب يمارس افعالاً تعتبر جرائم إذا مارسها شخص غيره، لذا تباح ممارسة الطب لمن استوفى شروطها، بعد أن يحصل على المؤهل المناسب، ثم يقوم بالتسجيل في سجل المجلس الطبي السوداني، إضافة إلى توفره على مجموعة من الضوابط الأخلاقية، هذا إلى جانب الدراية بطرائق الإنعاش وإنقاذ الحياةلمن تتطلب حالته ذلك.
ثم ذيلت الكتاب ملاحق تشمل مفردات العامية الطبية، ثم قوائم للنباتات الطبية وقائمة للادوية ذات الأصول النباتية، وقائمة للأطباء الأجانب الذين خدموا في السودان، فقائمة القوانين الصحية السارية في السودان، ثم صور تراثية لشخصيات وأدوات في المجال الصحي ولم ينس كشاف الكلمات المفتاحية index ثم مصادر الكتاب bibliography وما أغناها وأوسعها ، أكثرها. لك ألف تحية أيها الحكيم الفيلسوف.
الصادق عبدالله
24 ديسمبر 2017م.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.