عندما طاردت السلطات المصرية الكاتب والمفكر المصري عباس محمود العقاد في بداية الخمسينات لم يجد مفراً إلا باللجوء إلى السودان، وجاء العقاد يحمل في مخياله تفوق مصر على السودان في كل شيء وتخلف السودان عن أم الدنيا في كل شيء حتى في الأدب واللغة. ولكنه ما درى وهو المفكر ذائع الصيت أن في سودان وقتذاك فحول في السياسة وفي الأدب بينهم المحجوب والفضلي وزروق، ودُعي الكاتب العملاق لأمسية في نادي الخريجين فقر فيها فوه من جزالة المتحدثين والملامهم بالأدب لا العربي فحسب بل الانجليزي فطافوا بين الشاعر كيتز، وورد وورث، وشكسبير ولغته ثم حطوا به في روائع الأدب الجاهلي والعباسي والاموي، وكان الفضلي ( توفي وزيراً للإسكان في بيت إيجار) قد أذهل العقاد في مقارنات شعرية حول قصيدته: شذى زهرٍ ولا زهرُ .. فأين الظلُ والنهر وبي سكر تملكني فاعجب كيف بي سكرُ ثم إن العقاد كان وقت مجيئه للخرطوم يكتب كتابه الشهير ( عبقرية عمر) وكان يخشى أن لا يجد في السودان المتخلف المراجع التي يستند عليها، لكنهم مرة ثانية أذهلوه إذ أنه ما طلب مرجعاً إلا وجاءه به ، فقد كان التواصل المعرفي بين النخبة المثقفة آنذاك موصولاً وعلمهم موفوراً. وقد أشار العقاد في مقدمة الكتاب إلى ذلك. حقيقةً أن ما دعاني لكتابة هذا الموضوع ليس الكورة ولا العقاد، وإنما كتاب المرشد لأشعار العرب لعلامتنا الراحل المقيم ملأ الله قبره نوراً العالم عبدالله الطيب، هذا الكتاب الذي كان لا يفارقني وفتح لي آفاقاً في تدبر معاني الشعر الجاهلي. أتدرون ما قصة هذا الكتاب مع المصريين.. عندما أصدر صناجتنا عبدالله الطيب هذا الكتاب كان في مصر وقتذاك طه حسين والعقاد .. الخ فقام المصريين بمهاجمة الكتاب لا لنقص فيه ولا عيب يحويه لا والله فعبدالله الطيب يعلم من أسرار العربية ما يجهله كثيرون ممن تولوا مشيخة الازهر، ولكن حسداً من عند أنفسهم أن يكتب هذا الكتاب الرائع سوداني ... والأمر والأدهى يصغرهم سناً ً، وهم لا يعرفون أن للمجاذيب جينات وراثية يصعب أن توجد في من اختلطوا عرقاً بحملة نابليون وإصلاحات محمد علي باشا، وأن لهم ناراً أشعلت شاعرية محمد المهدي المجذوب. .... ولكن الكارثة الكبرى أنهم بعد أن شنوا هجومهم على المرشد لأشعار العرب وبعد أن قتلوه معنوياً في عيون الدول العربية الأخرى إذا بهم بعد مضي فترة من الزمن يدرسونه في جامعاتهم ..... نحن معشر السودانيين لا نرفع قدر كبارنا لذلك يزلنا الاصاغر من الناس ويسرقوا مجهودنا....جلسنا ندرس شوقي شاعر البلاط وعندنا العباسي، وعبدالرحمن الريح الذي حير الموسيقار محمد عبدالوهاب، وإدريس جماع ... والمجذوب ومحمد صالح كجراي الذي تذكرني قصائده بقصائد تي اس اليوت الذي يعتبره نقاد الأدب الانجليزي أب القصيدة الحديثة ..... وإني أتحدى أن يكون في أيامنا هذه شاعر مصري في قدرة عاطف خيري حتى الابنودي الذي يحبنا لن يتمكن ولو جاءه مليون شيطان شعر أن يكتب قصيدة في مبنى ورمزية الجالوص .... التي عندما أقراها تشخص أمامي معاني الرمزية والواقعية التي أسسها كبلنج واندريه برايتون .... للأسف التمثيلية ذات الفصول القبيحة التي نسجها المصريون عنا بعد مباراة الجزائر لم تجد لها فحولاً يفحمونهم كما فعل المحجوب والفضلي وزروق وأفحموا زعيمهم الذي علمهم الأدب وحنوا هامته ومن الصعب أن تنحني قامة العقاد في الأدب لأياً كان فمن قرأ ( في صالون العقاد) يعلم أن العقاد : عصي القهر.. شيمته الفخرُ وبما أني أومن بأن لكل أسم معنى داخلي تحتويه حروفه التي لها معنى زماني ومكاني، تعالوا معي نفكك كلمة (مصر) و (السودان): م ص ر = مصر مر، مص، صم، رم احتمالات ضعيفة لتكوين صفات وأفعال وأسماء منفتحة ... ا ل س و د ا ن = السودان أولا حرف الألف هو عين الحركة الزمانية المكانية في الكلمة وهو تشكلها أيضاً في الساحة الطبيعية: أسد، أسود، السود، سد ، ناس، ند، دوس، ألوان (ألوان شتى ولكن لوننا الأصلي هو اللون السوداني)، دنا .... الخ وإذا استمرينا في تفكيك كلمة السودان سنكون منها ألوف الاحتمالات لصفات وأفعال كثيرة في حين أننا لو طبقنا القاعدة على (مصر) تجدها كلمة ثلاثية محصورة ولا يمكنك تأسيس احتمالات بصفات وأفعال وأسماء كما في حالة (السودان) ... حتى نحوياً منعوها من الصرف... وبالتالي كلمة السودان في ساحة الحياة الطبيعية تحمل مفككاتها التي ذكرتها كما تحمل انفتاحها لاحتمالات أكثر إذا ما طبقنا قاعد التفكيك المذكورة ... لذلك ألا ترى جزئية (ناس) تؤكد أننا شعوب وقبائل كبيرة، أما كلمة أسود فقد وصف بها أحد القادة الايطاليين السودانيين، أما (سد) فالسودان كما يوصف سد لأفريقيا وللعرب. كلمة سودان تعني السودان في ساحته الطبيعة المعروفة ... فكك الكلمة أكثر هل تجد السودان الطبيعي .. غير كلمة السودان..... ثم من الملاحظات أن كلمة سودان خالية تماماً من أي حرف تحويه كلمة ( عرب)... لأن الكلمة حينما أطلقت على السودان الأرض كان كذلك.. مترجم بالبحرين