يقف الإنسان طويلاً في آيات القرآن التي تتضارب فيها شروح المفسرين، ومنها شروحهم كون القلب هو العقل، والعقل هو القلب، رغم أن الله في كتابه العزيز وصف لهم الموقع البيلوجي للقلب في جسم الإنسان وألزمهم الحجة "إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور"، في الصدور وليست في الرؤوس، والتخريج التفسيري المتعسف للقلب والعقل يخفي على مثلي من البسطاء حقائق كبيرة، منها الحيرة عندما يتصرف شخص لديه علم متخصص نال فيه شهادات عليا ولكنه في نفس الوقت يقف مواقف حيال بعض القضايا يستغربها البسطاء ممن يتعاملون بالفطرة والسليقة، والتفسيرالمتعسف حين فعل ذلك لم يفعله عن جهل وإنما لتمرير مشروع تم التعارف عليه في الفقه ب ( إجماع العقلاء) وذلك بغرض تمرير مشروع يؤسس لإدخال آراء رجالية في عملية الأحكام الفقهية ليس هنا مجال ذكرها.... من النباهة ملاحظة حكم العوام على شخص ما بأنه (طيب القلب).. فكيف عُرف الشخص بأنه طيب القلب ومطلقو ذلك الحُكم لم يروا قلبه البيلوجي إذاً لم يكن القلب هو المُتحكم الفعلي في العقل الذي يرتب تصرفات الشخص الموصوف بالطيبة حسب إرادة الذات (القلب) بما يجعل الناس يحكمون على تلك الأفعال بأنها طيبة، ثم من النباهة ملاحظة أن الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم "يا محمد نظرت في قلوب الخلق فوجدت قلبك أطيبها فاصطفيتك لرسالتي"،* والقرآن العظيم ما مدح العقل ولا في آية واحدة بينما يذهب فيه المدح للقلب .. لماذا يا ترى؟. يؤكد القرآن أن القلب والعقل أداتان منفصلتان بيولوجياً ولكنهما مرتبطان في عملية تلقى الأوامر والنواهي فالذات (القلب) هو المُبرمج الفعلي للعقل، والعقل معلول للقلب فهو كما الحاسوب الذي يتلقى البيانات وينظمها فإذا بُرمج القلب العقل بأن يتلقى المعلومات بالطريقة التي يريدها هو (القلب) فلا مفر للعقل من ذلك، حال ذلك حال مبرمج الكمبيوتر يضعه على برنامج محدد ويغلقه عليه ولا مندوحة للكمبيوتر في تغيير ترتيب المعلومات التي وضعها المبرمج، لذا فان الفقاهة في القرآن لم ترتبط بالعمل العقلي بل بالمركز الآمر للعقل ( القلب) وهذا ما أوهم المفسرين بأنهما يتبادلان المواقع وهو ليس كذلك فالفعل الفقهي مرتبط بالقلب حسب الآية (( لهم قلوب لا يفقهون بها) فالتحميل المعلوماتي(information upload) خاصة في أمر الدين والحكمة والأخلاق، وحُسن وقُبح الأشياء يتلقاه القلب ويفرغ (offload) برنامجه بقبول أو عدم قبول المعلومة المتلقية للعقل الذي يتلقى ذلك ويرتبه حسب إرادة الذات (القلب) ثم يبدأ العقل في إطلاق أحكام عنيدة، أو قاسية، أو متجبرة أو طيبة...الخ حسب وصاية وإرادة الذات ( القلب)، وما يؤكد أن عملية الفقاهة ليس لها علاقة بالعقل إطلاقا، وإنما جماع أمرها في القلب، قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (( رب حامل فقه لمن هو أفقه منه)) وقول أهلنا البسيط في بعض الحالات التي يرونها شاذة عند المتعلمين " القلم ما بزيل بلم"...وحالة الحجاج بن يوسف الثقفي الذي حفظ القرآن وكان معلماً له ولكنه حينما تولى السُلطة كان يأمر حاجبه بقطع رؤوس مخالفيه وهو يتناول الطعام ولا يرف له قلب .... فأين القرآن الذي يحفظه هل هو في (قلبه) أم في ( عقله) ... ومثال ذلك أيضاً أن أحد المزارعين كان راجعاً من حواشته على ظهر حماره وكان الناس يترقبون ثبوت شهر رمضان فوجد مجموعة من أهل القرية فسلم عليهم فردوا عليه وقالوا له "هلال رمضان ثبت" فقال ليهم الثبتو منوا ..... قالوا لي فلان وفلان وفلان ( عندو معاهم مشكلة قبلية) فقال ليهم ( لو جابو ختو لي في ضهر حماري ده ما بصوم معاهم )... إذاً عملية الحكم على مسألة ترتبط بمركزين للإدراك العقلي وسيد الحمار قلبو مسبقاً مابي الجماعة الثبتو هلال رمضان لذلك أطلق حكمه الذاتي دون تردد من مركز الإدراك( القلب) للعقل وخرج بحكم "لو ختو لي في ضهر حماري ده ما بصوم معاهم" ومثل هذه الذاتية تحدث لدينا كبشر في أمور كثيرة وهي المحك الحقيقي لقضية التسليم لله.... وبهذه المناسبة للدكتور منصور خالد تواضع في هذا المجال إذ ما يفتأ في كتاباته ينفي عن نفسه صفة الفقاهة على الرغم من علمه الغزير في السيرة والفقه، ولو ارتدى دكتور منصور جلابية وعمة وصعد المنبر وألقى خطبة الجمعة لاحتار خريجو المعاهد الدينية في غزارة علمه ولجمع حوله حُواراً كُثراً ولكن الرجل يدرك مهالك التصدي لمثل هذا الطريق فآثر السلامة وهذا نوع من (التدين الذكي)..... دافع هذا المقال ( ولكل مقال دافع)، وجود شخصيات في السودان محسوبة على الحكومة تؤجج في أدبياتها نار الانفصال بلغة عنصرية لا تصدر ممن يعرف سعة الإسلام وأناته، فالذي يدعوا للعنصرية أياً كان نوعها ومهما بلغت سواء كان متديناً بالمعنى الاصطلاحي أو حامل لأرفع الدرجات العلمية هو من شاكلة صاحب الحمار، وهو إذ ينادي بها وهي النتنة كما وصفها سيد ولد آدم وما افتخر، إنما يدق اسفيناً في سعة الإسلام في السودان، ويحاول أن يسوق البلاد في وجهة ساق بها أبو الأعلى المودودي مسلمي الهند إلى باكستان ( باك) تعني المقدسة و(ستان) تعني الأرض، فهل باكستان الآن مقدسة؟، وهل الاسم يخلق قدسية؟، لقد خسر الإسلام وجوده المعنوي في الهند بسبب انفصال إقليمي باكستانالغربية والشرقية، خسر وأسقطه المودودي بفهمه الجغرافي الضيق لمعنى الإسلام ومعه محمد علي جناح فسقطوا في المكيدة الانجليزية التي رأت انتشار الإسلام في الهند ودخول الهندوس في الإسلام بكثرة إبان قيادة المسلمين للنضال ضد الاستعمار الإنجليزي، ولكن عناية الله هي التي حفظت الإسلام في الهند لا الدعوات العنصرية وفي التسعينات كانت الإحصائيات تشير إلى أن عدد المسلمين في الهند 350 مليون نفس، وقد صادقت كثيرين منهم لمدة ست سنوات أثناء دراستي هناك وخرجت في الإجازات مع جماعات التبليغ نطوف على الهندوس في حوانيتهم لتعريفهم بالإسلام، وأجزم بأن الحرية الدينية وحرية الرأي المكفولة لدى المسلمين الهنود في الهند أفضل من الحرية المكفولة للمسلمين في الدول الإسلامية بالأصالة. فأي دولة يريد دعاة الانفصال في السودان إقامتها في الشمال؟ .... باكسودان!!!. * مترجم مقيم بالبحرين