شاهد بالفيديو.. كواليس حفل زواج الفنان عبد الله كنة.. إيمان الشريف تشعل الفرح بأغنية (الزول دا ما دايره) ورؤى نعيم سعد تظهر بأزياء مثيرة للجدل والمطربون الشباب يرقصون بشكل هستيري    شاهد بالصورة والفيديو.. المذيعة شهد المهندس تشعل مواقع التواصل بعد ظهورها وهي تستعرض جمالها بأزياء مثيرة للجدل ومتابعون: (لمن كنتي بتقدمي منتصف الليل ما كنتي بتلبسي كدة)    شاهد بالفيديو.. كواليس حفل زواج الفنان عبد الله كنة.. إيمان الشريف تشعل الفرح بأغنية (الزول دا ما دايره) ورؤى نعيم سعد تظهر بأزياء مثيرة للجدل والمطربون الشباب يرقصون بشكل هستيري    هل فشل مشروع السوباط..!؟    بلومبيرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا    صلاح في مرمى الانتقادات بعد تراجع حظوظ ليفربول بالتتويج    سوق العبيد الرقمية!    مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية    أمس حبيت راسك!    راشد عبد الرحيم: وسقطت ورقة التوت    وزير سابق: 3 أهداف وراء الحرب في السودان    معتصم اقرع: لو لم يوجد كيزان لاخترعوهم    الصين تفرض حياة تقشف على الموظفين العموميين    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    وكالة الفضاء الأوروبية تنشر صورا مذهلة ل "عناكب المريخ" – شاهد    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    مصادر: البرهان قد يزور مصر قريباً    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إقصاء الزعيم!    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما هي "غبينتنا" مع ماركس والماركسية؟! (6) ماركس الأيديولوجي وخطيئة الترجمة .. بقلم: عزالدين صغيرون
نشر في سودانيل يوم 15 - 08 - 2018

لم يكن اعتماد النسخة اللينينية من الماركسية كمرجعية يتأسس عليها التنظير والعمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي عند الأحزاب اليسارية والشيوعية في المجتمعات العالمثالثية وحده هو حائط الصد الذي حال بين هذه الجماعات المتمركسة وبين ماركسية ماركس، إذ لعبت عملية ترجمة وتأويل النصوص الماركسية وانتقالها وتنقلها بين فضاءات لغوية مختلفة، دوراً كبيراً في وصولها إلى السواحل العربية والاسلامية، أو ذات التوجه الفكري والسياسي المتأسلم وقد لحق بها ما لحق من تشوهات وتحريفات طالت بإصاباتها حتى العظم من جسد الماركسية المنهك، بسبب هذه الرحلة الشاقة بين التيارات الفلسفية والسياسية والثقافية والاجتماعية الطويلة المرهقة.
فهي أولاً: ماركسية/ لينينية "منزوعة الدسم" الفلسفي الماركسي، أو باختصار وصلت ك"أيديولوجيا" تقدم وعيها "الزائف".
والأيديولوجيا في جوهرها هي "وعي زائف".
هي ليست ديناً، وليست فلسفة، وليست جدلية.
هي ليست علماً لأنها ترفض اخضاع مقدماتها للتجربة والاثبات، كما قلنا، على عكس العلم، بل وتتعامل مع هذه المقدمات كمسلمات، وتضرب صفحاً عن كل ما من شأنه أن يكذِّب مبادئها".
وهي ليست فلسفة لأن كل فلسفة حقيقية هي تساؤل عن مشكلة الوجود الجوهرية، وعن وضعية الإنسان الوجودية. في حين تظل الأيديولوجيا نسقاً مقفلاً ومنغلقاً على نفسه.
كما أن الأيديولوجيا ليست فكراً جدليَّاً، لأنها تفزع من السلبية، وتكتفي من المنطق بتماسك الأفكار المسبقة وما يترتب عليها من نتائج. وكما تقول حنَّه آرندت بأن "الأيديولوجيا تتبنى المسلمة القائلة بأن فكرة واحدة تكفي لتفسير كل شيء انطلاقاً من المقدمة من المقدمة، لأن كل شيء مفهوم ضمن هذا التدرج المتماسك للاستنتاج المنطقي" (1).
وتتساوى في هذا النازية، والماركسية/ اللينينية، و الإسلاموية.
فإذا كانت الفكرة الرئيسية تؤكد بأن الجنس الأرقى هو وحده الذي يجب أن يستمر بما أنه الأقوى، أو أن الطبقة الوحيدة التي يجب تسود هي تلك التي حملتها الطبيعة تلك الأمانة التاريخية، أو أنه لا حقيقة إلاَّ تلك التي تضمَّنتها الكتب المقدسة، فإن منطق الأيديولوجيات العنيد والاختزالي يقضي بأن تزول من الوجود الأجناس "الدونية" العاجزة، وأن تضمحل الطبقات "المتحضرة"، وأن يُباد في الحالة الثالثة "الكفَّار".
وأخيراً فإن الأيديولوجيا ليست ديانة أيضاً، لأنها تنفي كل تعال وكل وحي. إنها بمعنى من المعاني الوليد الطبيعي لعصر الأنوار. ونتيجة لذلك لا تستطيع ان تؤثر في عالم ديني تقليدي، ولا في عالم تهيمن عليه الفلسفة. ولكنها تصبح فاعلة ومؤثرة عندما يصل العالمان إلى طريق مسدود. أي عندما تزاح الفلسفة من المحور المحرك للحياة الاجتماعية، وعندما تتفتت الديانة وتحتضر الآلهة.(2).
في حين أن فلسفة ماركس، كحال معظم الانتاج الفكري الوجودي، تمثل، كما يقول إريك فروم احتجاجاً ضد "اغتراب" الإنسان وضياعه عن نفسه وتحوله إلى شيء، خلال عملية تطور الثورة الصناعية الغربية، وتوجه نقداً قاسياً لكل الحلول المطروحة لمشكلة الوجود التي تحاول أن تقدم رؤى تنكر من خلالها، أو تُموِّه مشكلة الثنائية في الوجود الإنساني. ومن هذا المنطلق يمكن الاعتبار أن فلسفة ماركس تمتد بجذورها إلى التقاليد الفلسفية الإنسانية الغربية، التي يُشكّل الانسان ككائن والطرق المؤدية إلى تحقيق طاقاته واقعيِّاً جوهرها الأساسي. هذه التقاليد التي تبدأ بسبينوزا وتنتهي بغوتة وهيغل مروراً بفلاسفة عصر التنوير الفرنسيين والألمان في القرن الثامن عشر. وبالنسبة لفلسفة ماركس، والتي تجد تعبيرها الأكثر وضوحاً في "المخطوطات الفلسفية والاقتصادية" فإن المسسألة المركزية هي مشكلة وجود الإنسان ككائن فردي واقعي يتحدد معنى وجوده من خلال عمله، والذي تتجسد "طبيعته" وتحقق ذاتها في الصيرورة التاريخية.
(2)
في الماركسية/ اللينينية تم اسقاط هذا الجانب الأنطولوجي والأنثروبولوجي من الماركسية.
وبالتالي فإن ما راج وشاع في مجتمعاتنا.
وما شمَّر الفكر الرأسمالي والإسلاموي، كليهما، عن سواعدهما لحربه، لم يكن اطروحات ماركس النظرية والفلسفية، بل كان شبحاً ما يحاربان، وهو ماركسية دوغمائية مبتذلة، حرفَّتها مصفاة اللينينية.
إنها كما قال شايغان أيديولوجيا تدنس البرجوازي وتقدس البروليتاري، مع أنهما لا يوجدان في مجتمعاتنا التقليدية إلا في صورة غائمة نراها "طشاش".
وفي هذه الرؤية المانوية تتحول الرأسمالية – أي الغرب كله – إلى قدر غاشم..
ويصبح الاستغلال، نظير الخطيئة الأولى ..
والبرجوازي، رمز القوى الشريرة..
والبروليتاريا ملاكاً محرِّراً ..
والثورة، بعثاً
والمجتمع اللاطبقي، الجنة المفقودة وقد استعيدت.
"إن الثورة وعلاقات الإنتاج وغائية التاريخ ويوتوبيا مجتمع لا طبقي، تشكِّل كلها إطاراً ثابتاً ملائماً لأي عقيدة وأي فكرة. وأيا كان مضمون الثورة المعلن (هندوسي، بوذي، صيني كنفوشيوسي، إسلامي)، فإنه ينزاح بمجرد اندماجه في بنية العصر الأيديولوجية عن مدار كوكبته ويسقط في مدار آخر، فيخضع لقوانين أخرى ويعانق أفكاراً مرتبطة بالمفاهيم الثورية، لا بالاطار الديني الذي انبثق ذلك المضمون منه.
قد تكون الأفكار المستدخلة أصيلة، ولكنها مع ذلك تظلّ مجرد صياغة محلية لذلك النموذج الذي بلغ من التأثير ما جعله يمثل شكلاً لاواعياً للتغرب. وإن نتيجة هذه العملية هي دائماً ميلاد الأيديولوجيا. ويرجع شايغان أسباب هذا إلى أن الأفكار التي فرضت على هذه المجتمعات التقليدية لا تظهر في نقائها الأصلي، بل في صورة أفكار متحجرة. فقد يصبح الفرد، ماركسياً مبتذلاً، وفي أحسن الحالات ماركسيَّاً لينينيَّاً، إلا أنه لا يعرف ماركس الأنسي النزعة، والمرتبط بالموروث المثالي الألماني، أي بكل جينولوجيا الفكر الغربي. ثم أن الأفكار التي فرضت نفسها علينا – ثانياً – هي بنى مؤدلجة، أي فلسفات مستنزفة ومتحجرة، ثم أن هذه الأفكار التي تعوزها كل إمكانية نقدية قادرة على وضع الأشياء على محك النظر – ثالثاً – تتيح للمعتقدات السحرية الدينية أن تتمظهر في إطارها، وبذلك نتوهم أننا ننحت نسقاً فلسفياً جديداً.(3).
ويكمن خلف هذه المطابقات كمّ هائل من التغرب اللاواعي والخطير إلى درجة أن الذين يدَّعون مواجهة هذه الأشكال الفكرية المهيمنة، هم أنفسهم الذين يفتتون بها رغماً عنهم، فهم المخدوعون إذ ينكرون المبادئ التي هم لها خاضعون من غير دراية.
وقد نبهنا المفكر والأكاديمي المغربي عبد الإله بلقزيز إلى هذا الافتتان والتأثر بالفكر اللينيني. فهو يرى بأن الإسلام السياسي – ويسميه الفروعية – انصرف عن الاجتهاد، الذي كانت عليه الحركة الإصلاحية – ويسميها الأصولية – إلى الممارسة السياسية و "الجهاد". غير أن التسييس المغالي للدين، وإن باعد بينها وبين الفكر والأصول، لم يقطع الصلة بينها وبين العصر وأفكاره، خاصة في ميدان السياسة. فانغلاقها على الفكر الأصولي لم يوازه في الكم والدرجة إلا انفتاحها على مرجعيات فكرية سياسية حديثة والانتهال منها دون تحرّج، بسبب ادراكها أهمية تلك المرجعيات في مدّ مشروعها السياسي بأجوبة عن أسئلة عالقة فيه. ويدلل بلقزيز على مشروع سيّد قطب السياسي، والانفتاح الذي أبداه على المشروع السياسي اللينيني الاشتراكي!.
(3)
لقد رأينا من قبل المحاور التي قام عليها مشروع لينين السياسي، وتكاد هي تكون نفس محاور مشروع سيِّد قطب، والتي تتمحور هي أيضاً حول وعي الثورة بوصفها انقلاباً. أي بصفتها فعلاً سياسياً عنيفاً تنهض بعبء تحقيقه صفوة تنتدب نفسها لأداء هذا الدور الخلاصي.
وتعبِّر هذه النزعة "الثورية" عن نفسها نظريّاً في فكرة "الطليعة"، وهي قوة اجتماعية قليلة العدد عظيمة النوع، تنفرد عن من سواها بوعي سياسي مميز ورباطة جأش في الممارسة والإقدام أعلى. والحقيقة أن المسافة الفكرية بين تيارات الوعي السياسي العربي اختصرت كثيراً بفعل تأثير الفكرة الطليعية الجامعة بينها. بل إن التناص طغى بين هذه التيارات ذات المنزع الانقلابي، وطغى بالتالي مشهد الردائف والأشباه. ومن ذلك مثلاً نستطيع أن نضبط الفكرة الخوارجية في حالة تلبس في فكر اليسار العربي الماركسي بوعي منه أم بغير وعي، ونستطيع فهم أسباب ولع اليسار العربي بتجارب القرامطة والزنج وثوار الصحابة (أبو ذر الغفاري وعمار بن ياسر وعمر بن الخطاب ..الخ، ثم فكر ابن رشد وابن خلدون، ولعل كتاب طيب تزيني " مشروع رؤية جديدة للفكر العربي في العصر الوسيط"، وكتاب حسين مروّة "النزعات المادية في الفلسفة العربية" خير شاهدين. كما بتنا نفهم أسباب انتشار الفكرة الشيوعية في أوساط الشيعة في لبنان والعراق مثلاً. وأسباب الصلة العميقة بين الثقافة الثورية الفدائية الحديثة وتقاليد الجهاد والاستشهاد.(4)
وإذا كان هذا الاتكاء والاستلاف اليساري من التراث العربي والاسلامي يبدو طبيعياً ويمكن تبريره بحكم ارتباط اليسار القومي والماركسي بجذورهما الدينية والحضارية. فإن الذي يحتاج إلى شرح وتبرير حالة معاكسة، حين يلجأ الخطاب الثوري الاسلامي إلى تراث يساري غريب كالتراث البلشفي. فقارئ نصوص سيد قطب لا يسعه إلا أن يقف على أوجه الشب والمماثلة بين تصورات برنامجه للثورة والتغيير وبناء المجتمع الاسلامي، وبين ما أفصح عنه التراث البلشفي من أفكار سياسية، وكتابات لينين على نحو خاص!.
ثمة صلة قرابة قوية بين موضوعات سيد قطب النظرية في العمل السياسي، وبين تلك التي عبر عنها لينين، ولا يقتصر الأمر على دعوة كليهما إلى العنف الثوري سبيلا للوصول إلى السلطة، وإنما يمتد إلى الأطروحات الثلاث التي تحدثنا عنها من قبل حين تحدثنا عن اطروحات برنامج العمل السياسي عند لينين. وتتجلى عناصر الشبه والمماثلة في هذه الأطروحات في كتابي لينين "ما العمل"، وسيد قطب في "معالم في الطريق".
تتعلق الأطروحة الأولى بمركزية العمل السياسي وأولويته عندهما. ومثلما وجه لينين نقداً قاسياً للنزعة النقابية. انشق قطب عن عن استراتيجية الإرشاد والإعداد التربوي والثقافي ليأخذ باستراتيجية العمل السياسي لبناء الدولة الاسلامية، وهذا أيضاً ما فعله حسن الترابي في السودان، بالاقضاض على السلطة، مثلما فعل لينين لبناء دولة السوفيت التي ستقوم بتثوير كل المجتمع، أو أسلمة الحياة في السودان!!.
وتتعلق الأطروحة الثانية في تعويلهما على نخبة أو صفوة تتمتع بالإخلاص للفكرة لتنهض بمسؤولية إقامة دولة العدل التي في مخيلتهما، وشرط قيامها بهذا الدور التاريخي هو الانفصال عن مجتمعها الطبيعي وعن مستوى الوعي فيه.
وأما ثالثة الأطروحات فتتمثل في نزعتهما الحدية في بناء برنامجهما السياسي، فهما لا يؤمنان بالتوسط ولا بالتدرج. وكما ليس هناك تدرج أأو حلقة وسطى بين المجتمع الرأسمالي والمجتمع الإشتراكي عند لينين، كذلك ليس هناك من منطقة وسطى بين مجتمع الجاهلية والمجتمع الاسلامي عند سيد قطب.
وعلى كل، مشرقاً أو مغرباً، أينما يممت وجهك شطر الحركات السياسية ستجد هذا الخيط الرفيع الذي يربط بين الخوارج، واليعقوبيين، والبلاشفة، والقطبيين وسواهم، لأنهم من نفس أديم التطرف والعنف والصفوة المختارة يخرجون.
(4)
لم تكن القراءة السيئة، أو التأويل الخاطئ، وخطيئة إعادة صياغة النص الماركسي على نحو أحاله إلى أيديولوجيا، بل ولا حتى تطبيق كل أولئك حرفياً في البيئة غير الملائمة، هو ما حال دون الماركسية لأن تجالد الصيغة الرأسمالية بكفاءة، ما حدا بإريك فروم أن يصرِّح في مقدمته ل "مخطوطات 1844"، بأن قيمة وأهمية وضع ترجمة هذا العمل في الولايات المتحدة تكمن في أنه رغم أن العالم حينها (1961) يعاني من حالة الانقسام نتيجة الصدام بين الأيديولوجيتين المتنافستين، الماركسية والرأسمالية، إلا أن النظامين الاشتراكيين الأبرز الاتحاد السوفيتي والصيني يستعملان جاذبية الأفكار الماركسية لكي يزكيا نظاميهما لدى شعوب آسيا وأفريقيا، رغم أن الاتحاد السوفيتي نظام لرأسمالية الدولة، والنظام الصيني ينكر من خلال الأساليب التي يتبعها أن انعتاق الانسان كفرد هو الهدف الأساسي للاشتراكية. والنتيجة أن جماهير العالم المترددة وضعت في خيار البدائل بين الماركسية والاشتراكية في جانب والرأسمالية في الجانب الآخر، والذي يعني في أمريكا الخيار بين "العبودية" من جهة و"الحرية" أو المشروع الحر من جهة أخرى. وبالتالي فإن من أهداف نشر الكتاب في أمريكا كما يقول فرون "أن نفهم فلسفة ماركس، وأن نطرح جانباً الصورة الجاهلة والمشوهة السائدة عن الماركسية في التفكير الأمريكي" (5).
إلا أن هناك عامل آخر كان له إسهامه الكبير في ما لحق بالماركسية من تشويه قعد بها أن تُحدث التأثير الذي يحتاجه العالم ليكون أكثر استقراراً وللحياة فيه أن تكون أكثر جدارة بتحقيق حاجة الناس للسلام والرفاه والسعادة، رغم أنها تملك ما تساهم به، وما تقدمه في سبيل تحقيق هذه الطموحات المشروعة.
ويتمثل هذا العامل، في ما لفت انتباهنا إليه، بهجومه اللاذع، المفكر التونسي العفيف الأخضر، على ترجمات ومترجمي ماركس للعربية، في عنوان لافت لترجمة "البيان الشيوعي: في أول ترجمة غير مزوَّرة". مستشهداً في إجابته على السؤال: لماذا هذه الترجمة؟، بما قام به ماركس من تنديد بخيانة ادجار باور في ترجمته لكتاب الفوضوي برودون "ما هي الملكية" مستعرضاً "الفقرات المغدورة في ترجمة النقد معقباً عليها بكشف الدوافع التي كانت وراء تزوير ادجار لكتاب برودون. وعلى امتداد 35 صفحة وقف ماركس عند كل تزوير قصدي وعند كل خطأ ناشئ عن جهل اللغة والنحو الفرنسيين"(6).
وبعد استعراضه لنماذج من نقد ماركس، يعرج الأخضر على المترجم العربي قائلاً "لو حاسبنا مترجمي ماركس وانجلز بهذا القدر من الدقة الذي طالب به ماركس لترجمة "ما هي الملكية" لبرودون لاكتفينا في هذا التقديم بجملة قصيرة "أحرقوا ترجمات البيان الثلاث المتداولة حرقاً. لأنها لم تكتفِ بقصقصة أوصاله ولا حتى بقضقضة عظامه بل دقت عنقه بسيف سلطان مملوكي غبي ومستبد فأحالته إلى جثة هامدة متصالحة مع كل عفن البيروقراطية الصغيرة الشرقية"!.(7). ثم راح يتابع نماذج للترجمات التي حاولت أن "تقومن" الماركسية، أو أن تبعد نقد كل "قومانية" ضيقة في النص الماركسي. منوهاً إلى أنه ليس بين مترجمي ماركس ماركسي عربي واحد!. وبتتبع ما رصده الأخضر من تزوير لأفكار ماركس في الترجمات العربية، وما فيها من أخطاء لغوية بعضها يثير الضحك، ويثير السخط بعضها، سيجد أن ماركس تعرض لتشويه كبير وهو يدخل مُتَرجماً إلى سوق الثقافة العربية الملوثة بالأهواء أصلاً.
هوامش
(1) داريوس شايغان، ما الثورة الدينية،
(2) شايغان، السابق، ص
(3) نفسه، ص 255، 256
(4) عبد الإله بلقزيز، "الإسلام والسياسة: دور الحركة الإسلامية في صوغ المجال السياسي"، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء/ المغرب، الطبعة الأولى 2001م، (ص: 145، 146).
(5) إريك فروم، مفهوم الإنسان عند ماركس، دار الحصاد للنشر والتوزيع، دمشق/ سوريا، الطبعة الأولى 1998، ص (11 – 13).
(6) العفيف الأخضر، "البيان الشيوعي: في أول ترجمة غير مزوَّرة"، منشورات الجمل، بيروتبغداد، 2015م. ص (7).
(7) العفيف الأخضر، سابق، ص (9).
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.