لقد كنا طوال عمرنا السياسي نضع في حزب الأمة قدراً مهولاً من الثقة في تعدديته وفي عقلانية قيادته، ولكن تعاقب الاحداث شككتنا في قيادته لضيق الأفق لديها الذي سبب ضيق الرؤيا من خلال احترامٍ وثقة في الأديان التي لا شك هي المنقذ من الجنون البشري لممارسة اللامعقول في العدالة والعصمة من الإسراف في الانغماس في زهو السلطة ونعم الجاه، وفي ظلم الرعية والانجراف في تيار الفوقية والتسلط بسلطان الدين السياسي، ولكن كل ذلك الذي تأباه الأديان قد بدر من قيادة حزب الأمة في كل الأمثلة التي أضاع فيها الحزب الأمانة للدكتاتورية برضىَ أو بسكوتٍ عن رضا، أو سكوتٍ عن قهر، واليوم الذي انفجر الشعب بحثاً بعصاه يتحسس بها طريقه بعد أن خذلته مؤسساته الديمقراطية، تأتي تلك المؤسسات لتعتلي مقعدها وتقلب منه منصة قيادة قبل أن تقدم للشعب ما يمكن أن يقبله منها من عذرٍ تعلل به خذلانها له في كل هذا العمر من تأريخ السودان المستقل، وأقله أن تحجم عن الزهو بتأريخ الأجداد في زمن حكم المهدية الذي إن يشهد يشهد فقط ببسالة ذلك الرعيل الوطني ومفخرة الإنجاز التأريخي في صدر الوطن، ولكن ليس لدعوة الأمة للرجوع إلى حمار النوم القاتل الذي أعدته له تلك الحركة الطائفية المنبثقة من الثورية الوطنية، لبناء حصن طائفية مجدداً من أجل بقاء الأسياد في النعيم ويرجع البنيان للجحيم. كنت أتوقع من دخول السيد الصادق، وهو رجلٌ له حظٌّ من الذكاء وبعد النظر أن يحرر نفسه من ذلك المحور الذي يأسر نفسه فيه، ويؤكد ولو ببنت شفه عن عزمه على الابتعاد من الدين السياسي والرجوع للديمقراطية التي ارتوى جزبه من ثديها, والعقلانية التي صارت ضرورة حادة لحسم الخلاف الذي يتهدد النظام العالمي والتمحور الذي بدأ في إعادة الجنون البشري. هذا ليكون أحسن ميثاق يقدمه السيد الصادق لهذا الشعب الذي ائتمنه كثيراً لعزمه الذي كان يبديه له، ويفقد فيه مصداقيته حالما تلاقي عيناه عيني الدين السياسي المغري... هذه المرة على الأقل فليعلن حزب الأمة عن طريق إمامه الصادق المهدي رفضه لزج الدين في الدولة فالدين أكرم من أن يتولى أمره بشرٌ عن الله عز وجل، وهو صاحب الرسالة وهو الذي يحاسب عليها ويقضي بحكمه في التسليم لها او الخيانة بإسمها. وليعلم أن عداءه للشيوعية بحكم أنها معادية للدين سيعود به إلى مهالك القومية العنصرية وبعيداً عن الديمقراطية ومزيداً من الانقسام المبنى على قتل الحوار، وليس هناك من لا يسهل الحوار معه، وآن الأوان إلى الفهم المثقّف بأن كون الدين استخدم مخدراً للشعوب لم يطل العقيدة، فالعقيدة هي محرر العقول، ولكن الدين السياسي هو المخدر الذي يجعل من الفرد موزّع صكوك الغفران ووزير الله في أرضه والعياذ بالله. إن تغيير المسار فيه بعض المجازفة بفقدان بعض الولاءات، ولكنه "تقصيم الزرع من مسرف فروعه وتالف أغصانه لنشاته معافياً مقاوماً لأفات المستقبل.... هلا تريّثت في تلك الرؤيا وإلا فإن القوم اليوم لن يرحموا أبداً ولو صمتوا لبعض الوقت، ولا يعجزهم، كما ترى الآن الصبر لتنشئة بنيانٍ جديد لو خذله أولياءه السابقون. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.