قطر.. متقاعد يفقد 800 ألف ريال لفتحه رابطاً وهمياً    القبض على تاجر مخدرات بتهمة غسل 40 مليون جنيه    خبير نظم معلومات: 35% من الحسابات الإلكترونية بالشرق الأوسط «وهمية ومزيفة»    محمد وداعة يكتب: حرب الجنجويد .. ضد الدولة السودانية (2)    اجتماع للتربية فى كسلا يناقش بدء الدراسة بالولاية    مواطنو جنوب امدرمان يعانون من توقف خدمات الاتصال    من الزيرو إلى الهيرو    تفاصيل إصابة زيزو وفتوح في ليلة فوز الزمالك على الأهلي    "مطارات دبي" تدعو المسافرين التحقق من حالة رحلاتهم "الحالة الجوية السيئة"    شركة تتهم 3 موظفين سابقين بسرقة عملائها    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    ضبط الخشب المسروق من شركة الخطيب    البنى التحتية بسنار توفر اطارات بتكلفة 22مليون لمجابهة طوارئ الخريف!    رسالة من إسرائيل لدول المنطقة.. مضمونها "خطر الحرب"    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الثلاثاء    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الثلاثاء    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    قصة مانيس وحمدوك وما ادراك ما مانيس وتاريخ مانيس    ضياء الدين بلال: الرصاصة الأولى ونظريّة (الطرف الثالث)..!    وزير الخارجية يكتب: الإتحاد الأوروبي والحرب في السودان ..تبني السرديات البديلة تشجيع للإرهاب والفوضى    تنسيقية كيانات شرق السودان تضع طلبا في بريد الحكومة    رفع من نسق تحضيراته..المنتخب الوطني يتدرب علي فترتين    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    أحمد موسى: ده مفيش ذبابة ماتت من الصواريخ والمسيرات اللي إيران وجهتها لإسرائيل    إسرائيل تعيد فتح المدارس!    ليفربول يسقط في فخ الخسارة أمام كريستال بالاس    شاهد بالصورة.. إبن عضو مجلس السيادة رجاء نيكولا يحمل السلاح مدافعاً عن وطنه وجمهور مواقع التواصل يشيد ويعلق: (أبناء الإسلام والمسيحية في خندق واحد لحماية السودان من الجنجويد)    شاهد بالفيديو.. مالك عقار يفجرها داوية: (زمان لمن كنت في الدمازين 2008 قلت ليهم الجنا حميدتي دا أقتلوه.. قالوا لي لالا دا جنا بتاع حكومة.. هسا بقى يقاتل في الحكومة)    شاهد بالفيديو.. الفنانة هدى عربي تدهش وتبهر مذيع قناة العربية الفلسطيني "ليث" بمعلوماتها العامة عن أبرز شعراء مسقط رأسه بمدينة "نابلس" والجمهور يشيد بها ويصفها بالمثقفة والمتمكنة    أرسنال يرفض هدية ليفربول ويخسر أمام أستون فيلا    بعد راحة العيد...المنتخب الوطني يُعاود تحضيراته أمس    الموعد الأضحى إن كان في العمر بقية،،    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    والي الخرطوم يزور رموز ونجوم المجتمع والتواصل شمل شيخ الامين وقدامى المحاربين والكابتن عادل أمين والمطرب عوض الكريم عبدالله    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    لن تنهار الدولة ولن ينهار الجيش باذن الله تعالى    انتحلوا صفة ضباط شرطة.. سرقة أكبر تاجر مخدرات ب دار السلام    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    الضربة المزدوجة الإنهيار الإقتصادى والمجاعة في السودان!    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حيازة الاراضى بين السلطات الادارية ووزارة التخطيط العمرانى: صراع الواقع والقانون .. بقلم: ناجى احمد الصديق/ المحامى
نشر في سودانيل يوم 18 - 02 - 2019

خلق الله الارض فجعلها مهدا للانسان وسلك له فيها سبلا ، وانزل له من السماء ماءا واخرج له منها ازواجا من نبات شتى ، ومنها خلقه وفيها يعيده ومنها يخرجه تارة اخرى ، ولعل ذلك الانسان الذى قتل اخاه انقيادا وراء اطماع النفس الجسدية اوشباعا لحاجات الشهوة والانتصار لن يرعوى ان يقتل اخاه من اجل اطماع النفس المعنوية واشباعا لحاجتى الثروة والسلطة ، فالارض لها ارتباط مكنون بالنفس البشرية ، لان الله قد خلقه منها ، وقد جعلها له مهدا ومستقرا ، ولهذا فان ارتباطه بها ، وتعظيمه لها وابداء استعداده الدائم للدفاع عنها بروحه لا يخالجه شك .
حيازة الاراضى فى السودان لها قصة آخرى، فحب الارض يجرى مجرى الدم فى عروق السودانيين وارتباطهم بها ارتباط الروح بالجسد وتعظيمهم لها يرضعونه مع لبن امهاتهم ،وصراعاتهم عليها فيها دموع ودماء وآلام واحزان ، فما هى اذن قصة حيازة الاراضى فى السودان حتى تكون واحدة من مؤرقات الدولة باكملها؟ ، وذكرى ملئها الحزن والالم والموت الفاجع والعداوة والبغضاء ؟؟
يقول المهندس محمد الطيب التوم فى كتابه وقائع التصرف فى الاراضى فى السودان على صفحة 16((بدأت حيازة الاراضى فى السودان او ما بدأت شائعة بين البشر كل حسب حاجته ، تحرسها وفرتها الامحدودة فى المجتمعات الرعوية والزراعية البدائية ، ثم اصبحت مشاعة ومقفولة لاهل الاقليم ، ثم على القبيلة فقط ترعاها السيوف من التعدى ، ثم لافراد الاسرة الواحدة ترعاها الاعراف ثم اصبحت منغلقة على الافراد ترعاها القوانيين والتشريعات والنصوص المكتوبة )) ، هذا هو نظام حيازة وتمليك الاراضى فى السودان ، اورده خبير فى الاراضى ، ولهذا فان التطور التاريخى لنظام حيازة الارضى الذى اورده المهندس محمد الطيب التوم فى كتابه المشار اليه ، يمثل تطور نظرة السودانيين لحيازة الارض زمنيا من ناحية ، واجتماعيا واقتصاديا من ناحية اخرى ، فمن ناحية التطور الزمنى نجد ان نظرة السوادنيين لحيازة الاراضى فى الزمن الماضى كانت تتسم بالهدوء والراحة لسعة الارض من ناحية ولقلة عدد الناس من ناحية اخرى وعليه فاننا قل ما نجد نزاعا حول الاراضى فى ذلك الوقت ولكننا نرى توجس الناس وحساسيتهم المفرطة تجاه حيازة الاراضى ، وكلما تقدم الزمن اذداد ذلك التوجس وتضاعفت تلك الحساسية والسبب فى ذلك يرجع الى اذدياد اعداد الناس الذى ادى الى بروز اهمية الارض وارتفاع قيمتها االاقتصادية والاجتماعية ، والتى تمثلت فى اعتبارها مصدرا من مصادر القوة والنفوذ.
على سبيل التتبع التاريخى لنظام حيازة الاراضى فى السودان اورد الاستاذ\ محمد الطيب التوم فى كتابه المشار اليه على صفحة 49 ان الارض فى سلطنة الفور كانت تمنح للرعايا والقبائل والقبائل (كعطايا ) وفق ثلاث نظم متفاوتة الاهمية والمساحات :
1\اراضى يمنح فيها حق المرعى للقبائل الرعوية لرعى انعامهم عليها مقابل خدمة تقدم الى وكيل السلطان فى الجهة التى ترعى فيها الانعام مقابل الامن والحماية من السلطة المحلية .
2\اراضى تمنح للقبائل الرعوية مقابل حقوق العرف والشريعة ، ويمكن للسلطان ان يتنازل عن حقوقه اذا شاء حسب ما يكون وضع القبيلة فى سياسة الدولة وما لها من مكانة اجتماعية ورضا السلطان عنها
-اراضى تقطع الافراد وهى فى شكل اقطاعيات وهى نوعان
* 3\ارض تعطى لشخص للزراعة والعيش عليها وهى غالبا ما تكون صغيرة المساحة توصف بالملك والهبة او الصدقة
* ارض تسمى بالحيكورة وهى ارض واسعة تمتد أحيانا لأميال
اذن فان منح الاراضى كان فى ذلك الزمان يكون بامر من السلطان ، ويعطى ذلك السلطان الارض للقبائل والافراد بحسب المكانة الاجتماعية والاقتصادية لهم ، وبحسب قربهم او بعدهم من ذلك السلطان ، وتكون الارض بحسب هذا النظر مظهرا من مظاهر القوة والنفوذ للقبائل والافراد على السواء ، وهذا ما يفسر تعلق نفوس الناس بها وابداء الاستعداد دائما للدفاع عنها
ولعل تلك الحواكير التى كانت تمنح للقبائل فى السودان الغربى هى التى كانت بعد ذلك سببا لصراعات دامية بين القبائل الروعوية والزراعية ، وان كان السبب الرئيسى للصراعات الدموية فى غرب السودان هو نظام حواكير الاراضى فان السبب الاول للصراعات فى وسط وشمال السودان هو الحقوق التاريحية للقرى النيلية على الاراصى وكلا النظامين قد اوجدهما ارتباط الانسان اللامحدود بالارض فى تلك المناطق من جهة ووجوده عليها منذ الآف السنين بشظف عيشها وضيق حياتها ورهق البحث عن الرزق بين جنباتها من جهة اخرى.، وبروز الارض كمصدر رزق وحيد من جهة ثالثة ، والحق ان فكرة الحق التاريخى لسكان الاراضى النيلية فى وسط وشمال السودان شىء يجب الوقوف عنده حينما يقوم الناس ببحث صراع القبائل حول حيازات الاراضى ، لان الذى وجد آبائه واجداده فى تلك المنطقة لا يكون له استعدادا ابدا بقبول فكرة ان الاراض التى يقيم فيها هى ملك للدولة تفعل فيها ما يشاء ، وبهذا فانه لن يتقبل مبدأ تهجير اشخاصا اليها وتمليكهم لها الا عن رضا وقبول .
تحكم حيازة الاراضى فى السودان بعد صدور قانون التصرف فى الاراضى لعام 1971م قوانيين الحكم الشعبى المحلى التى اعطت سلطة تنظيم حيازات الاراضى الغير مسجلة للمجالس الشعبية المحلية واصبحت تقوم بتلك المهمة من خلال التسجيل فى ما يسمى بدفاتر المجالس المحلية ولنا ان نتصور حجم المشاكل القانونية التى افرزتها تلك التجربة ، اذا علمنا ان من يقومون بتلك المهمة هم الاعضاء الشعبيين لتلك المجالس ، وهم بخلاف عدم التدرب على اعمال تسجيل الحيازات وعدم وجود الرقيب الذى يقوم بمتابعة تلك الاعمال ، معرضون لاغراءت تجار وسماسرة الاراضى فى التلاعب بتلك السجلات ، وقد امتللآت المحاكم المدنية والجنائية فى سبعينات وثمانينات القرن الماضى بقضايا التعدى على الحيازات الى ان تم ايقاف سيل تلك القضايا بسابقة قضائية شهيرة اصدرها رئيس القضاء فى ذلك العهد مولانا عبيد حاج على انتقل النزاع حول الحيازات على اثرها من المحاكم الجنائية والمدنية الى المحاكم الادارية ، ولكنه عاد بعد ذلك حينما اعتقدت اللجان الشعبية للقري ان القانون قد منحها سلطة توزيع الحيازات واصدار شهادة بذلك فاخذ الناس يتبارون فى امتلاك الحيازات بوسطة اللجان الشعبية يدفعهم فى ذلك اعتقادهم الراسخ بان تلك الاراصى هى حقهم التاريخى الذلى لا يجب ان ينازعهم فيه احد ولم يتوقف سيل تلك القضايا حتى بعد ان صدر قانون الحكم الشعبى المحلى لسنة 2007م واصدار والى الخرطوم لاكثر من منشور منع فيها اللجان الشعبية من توزيع الحيازات او اصدار شهادات حيازة للاراضى الغير مسجلة. ولعل السبب الاساسى فى عدم توقف اهالى القرى النيلية من توزيع الاراضى هو ذلك الاحساس الطاغى بان تلك الارض هى ارضهم وان ليس لاحد غيرهم الحق فى تملكها طالما انه ليس من السكان الاصليين لتلك القرى .
على كل فان صراع الناس على حيازات الاراضى التى هى ملك للدولة بلا منازع اصبح صراع هوية ووجود بل انه اتخذ ابعادا اكثر من ذلك حينما تتداخل صراع القبلية والجهوية مع صراع الاراضى الشىء الذى افرز الصراعات المسلحة (ان جاز التعبير) سواء بين الافراد ام بين القبائل والجهات وبرز ت الى الوجود جرائم القتل الفردى والجماعى على السواء واصبح يشكل تهديدا ليس على امن المتطقة وحدها بل على الامن القومى للسودان كله
ان الصراع المسلح الدموى الذى يحدث بين المواطنيين من حين لاخر والذى غالبا ما يكون بين القرى النيلية والوافدين اليها من مناطق اخرى ما هو الا حلقة من حلقات صراع الهوية والوجود مركز ثقلها الاساسى هو الارض ، وان التوجس والخوف من فقدان الاراضى وبالتالى فقدان الهوية هو ما يدفع الناس الى العداء الذى يصل الى درجة اقتلاع الاخر حتى وان كان الموت وسيلته لذلك
ان وجود فبائل مختلفة على الشريط النيلى شمال وجنوب نهر النيل منذ الاف السنين شكل نوع من الاعتقاد الراسخ بان الاراضى التى يقيمون عليها هى ماكهم توارثوها عن اجدادهم . وان تلك القائل قد سكنت هذه الاراض منذ امد بعيد حتى انهم يحكون ويتحاكون دوما بان العاصمة المثلثة فى ذلك الوقت كانت صحراء جرداء الا من منازل قليلة وانها كانت ارضا ليس لها قيمة وانهم فضلوا عليها قراهم ومزارعهم ، وانهم ظلوا يقيمون على تلك الاراضى بالرغم من شظف العيش، وضيق الرزق ، اى انهم اصحاب حقوق تاريخية على تلك الاراضى لا يستطيع كائن من كان نزعها منهم حتى الدولة نفسها ، وبهذا فانهم يقفون فى وجه من يتعدى على تلك الاراضى ، ولهذا فان على الدولة معالجة مشاكل الاراضى بشىء من الحكمة والتأنى ، فى ظل هذه العلاقات المعقدة والمتشابكة مستصحبة معها التاريخ والجغرافيا والسلطة والقانون .
،
عل كل فان النزاع حول الاراضى نزاع قديم متجدد لن يتوقف الا بتوقف الحياة ولكن التاريخ يقول ان تسوية تلك النزاعات لا يتأتى الا عن طريق ما يسمى العدالة الانتقالية عند اهل القانون، اى انه يجب الانتقال من حالة النزاع الى حالة التسوية بعدالة تثبت الحقوق، وتدين المخطىء، وتعاقب المجرم ، فاثبات الحق فيه ترضية للنفوس ومحوا للغبن ، وادانة المخطىء فيه ارضاء للمظلوم وتبصرة للظالم ، ومعاقبة المجرم فيه تقويم للسلوك وتثبيتا لقواعد العدالة ، فالعدالة وحدها هى التى تقود الى الاستقرار، والظلم وحده ولا سواه هو ما يقود الى الصراع ، والصراع حول الاراضى كما يعلم الناس كلهم اصبح نزاعا مسلحا يموت فيه الناس
قانون التخطيط العمرانى لسنة 1994م هو وحده الذى يحكم منح وتنظيم الاراضى فى السودان ، ووزارة التخطيط العمرانى هى وحدها من يقوم بالاسراف على تنظيم وتوزيع الاراضى فى السودان ، وعليه فانه ليس فى مقدور احد نظيم وتوزيع الاراضى خلاف وزارة التخطيط العمرانى وهنا نأتى الى بيت القصيد وهو سلطة اللجان الشعبية والوحدات الادارية فى تخطيط وتوزيع الاراضى .
لا ينكر احد ان اللجان الشعبية فى السودان بصفة عامة وفى ارياف ولاية الخرطوم بصفة خاصة قد اضطلعت بدور تخطيط وتوزيع حيازات الارضى تحت اشراف المحليات والودات الادارية ، كما لا ينكر احد ان دور اللجان الشبية فى هذا الخصوص كان فى معظمه دورا ايجابيا ادى الى سكن الناس بصورة منظمة تماما كما ادى تحسين الحالة الاقتصادية لاهل الارياف بتمليكهم سندات لحيازاتهم مكنتهم الى الدخول الى سوق بيع الاراضى ، هذا كله كان ذو وجه مشرق لاهل الريف ولكننا – كأهل قانون – علينا ان نصدح بما نص عليه القانون لا بما يفيد منه اهل الريف على علاته ... فنصوص قانون التخطيط العمرانى تجعل من وزارة التخطيط مكان اوحدا لتخطيط الاراضى تمهيدا لتوزيعها على المواطنيين وفق الاسس التى نصت عليها لوئح المنح ، وقانون تسوية وتسجيل اراضى مقروءا مع قانون المعاملات المدنية جعلا شهادة البحث هى الوثيقة الوحيدة التى تثبت تمليك الاراضى للمواطنيين وعليه فانه ليس للجان الشعبية ادنى سلطة فى تخطيط وتوزيع الاراضى كما انه ليست لشهادة الحيازةالتى تصدرها اللجان الشعبية ايى اثر قانونى فيما يختص بتمليك الاراضى ، ولعل السلطة التى تستند اليها اللجان الشعبية والوحدات الادارية فى منح الاراضى ناتجة من زمن قديم كان قانون الحكم الشعبى المحلى قد اعطى المجالس الشعبية سلطة تسجيل الحيازات فى دفاتر المجلس واعتبار ذلك السجل حجة امام المحاكم على صحة واسبقية التسجيل ، ولكن زال ذلك الاثر بصدور قانون الحكم الشعبى المحلى لسنة 2007م ثم 2013م وفيهما اخرج المشرع مسألة تخطيط وتوزيع الاراضى من اختصاصات اللجان الشعبية وتأكيدا لهذ الامر اصدر والى الخرطوم منشورا واضحا وصريحا بمنع اللجان الشعبية والودات الادارية والمحليات من القيام باستخراج شهادات الحيازة . ثم صدرت سابقة قانونية من المحكمة العليا توكد ان شهادة الحيازة التى تصدرها اللجنة الشعبية غير ذات اثر على اثبات حيازة الشخص الارض.
اذن فان الامر بالنسبة لحيازة الاراضى غير المخططة تحكمه بصورة اساسية المادة (631) وما بعدها من قانون المعاملات المدنية لسنة 1984م وهى ما سمى فى القانون بالحيازة الفعلية وهى ان الشخص الذى يحوز الارض هو صاحب الحيازة الفعلية بالبناء والسكن وذلك ان كل الاراضى الغير مسجلة ملكا حرا تعتبر ملكا للدولة ولكن من الجائز ان يقوم المواطنيين باكتساب الحيازة عليها ولهم حق اللجوء للمحاكم لحماية تلك الحيازة وليس هنالك ما يمنع ان تمنح اللجان الشعبية شهادة بان شخصا ما يحوز على قطعة ارض استنادا على حيازته الفعلية لها وليس الى حق اللجنة فى منحه تلك القطعة وبعد هذا كله فان جميع تلك الاراضى تعتبر ملكا للدولة دون منازع ولها الحق بموجب هذاه الملكية بالتصرف فى تلك الاراضى بحسب ما نص عليه قانون التخطيط العمرانى ولوائح تنظيم القرى عند توزيع تلك الاراضى على المواطنيين
صدرت العديد من السوابق القضائية فى هذا الخصوص تأرجحت فى احيان كثيرة بين ترجيح الحيازة الفعلية على الحيازة الحكمية بين ترجيح الحيازة الحكمية التى تستند على اوارق قانونية على الحيازة الفعلية التى لا تستند على اوراق او تستند على اوراق غير قانونية ولكنها تتفق فى نهاية الامر على ان الاوراق القانونية الت تكون سند للحيازة هى اولااق المستخرجة بواسطة وزارة التخطيط عبر اى من مراحل عملها فى تخطيط وتوزيع الاراضى ولهذا فان الشهادات المستخرجة بواسطة اللجان الشعبية لا تعتبر اوراق قانونية بالمعنى الذى اشارت اليه تلك السوابق ، ففى سابقة ادم عبد الله جبريل ضد فاطمة محمد احمد بالرقم 267\1989م الصادرة من المحكمة العليا قررت المحكمة ان الحيازة الفعلية العشوائية ليست بافضل من الحيازة التى لا تزيد على كونها تملك اوراق ومستندات ووثائق ثبوتية تثبت تصديق الدولة بحيازة الارض المملوكة لها ، ولتعريف معنى الاوراق الثبوتية مضت المحكمة قائلة (وذلك ان الحيازة الفعلية هى حيازة غير مشروعة وغير قانونيةفى حين ان الحيازة الحكمية حيازة مشروعة وقانونية تحصل عليها صاحبها بعد ان اتبع جميع الاجراءات القانونية وباركتها وصدقت عليها الدولة مالة الارض وصاحبة الحيازة الحقيقية) ون المعلوم ان الدولة تمنح الاراضى بواسطة وزراة التخطيط وحدها وان اية اوراق ثبوتية لم تصدر عنها تعتبر اوراق غير قانونية ولا تعطى الحيازة الحكمية بالمعنى الوارد فى هذه السابقة واخير صدرت من المحكمة العليا دارة الولايات الوسطى والقضارف مجلة الاحكام لسنة 2017 على ص 101 السابقة بالرقم 563\2017م والتى است المبدأ الذى يقول (اللجان الشعبية ليست واحدة من اليات قانون التخطيط العمرانى والتصرف فى الاراضى لسنة 1994م المختصة بمنح الاراضى او التصرف فيها ، فاذا تدخلت بالمنح او غيره فلا يغل ذلك يد المحاكم الجزئية للتصدى للنزاع والفصل فيه باعتبار ان اللجان الشعبية غير مختصة بمنح الاراضى والتصرف فيها) وفى ملوظة المحرر على هذا الحكم اوضح بصورة جلية نسخ الحكم لحكم محكمة الاستئناف الصادر عام 1981م بالسابقة رقم 28\81 والذى ارسى مبأ ان القرار الذى ييصدره مجلس القرية بمنح الارض يعتبر قرارا اداريا ، وعليه فانه قد وضح جليا عدم اختصاص اللجان الشعبية بمنح الاراضى وان الحيازة الفعلية للقطعة او الحكمية التى تستند على اجراءت قامت بها وزارة التخطيط هى التى تتمتع بحماية القانون.
نخلص من هذا المقال الى اننه يجب على المواطن ان يحوز الارض حيازة فعلية وذلك بالسيطرة عايها وممارسة كل ما يمكن ان يمارسه المالك حتى يتمكن من الاستمتاع بحماية القانون ولا ضير ان تكون تلك الحيازة باشراف اللجان الشعبية لا كجهة مانحة للحيازة انما جهة مشرفة فقط على تنظيم الحيازات الموجودة فعلا وواقعا وذلك الى حين تدخل الدولة عبر وزارة التخطيط لتوزيع ومنح الاراضى لمستحقيها بحسب ما نتص عليه لوائح المنح سواء اكانت عبر لجان التخطيط او لجان تنظيم القرى
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.