عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. كتب السفير خالد موسى دفع الله مقالا "بصحيفة السوداني" عن اليمين السياسي جاء المقال على خلفية المظاهرات الشعبية التي لاتزال تعم البلاد منذ اشهر ماضية.. محاولا خلق تاريخ ناصع للرئيس عمر البشير الذي نالت منه تلك المظاهرات الشبابية التي طالبت برحيله تحت شعار "تسقط بس" ما لم يكن متوقعا. قال ضمن فقرات مقاله الذي من الواضح أنه يهدف لمؤاساة الرئيس فقد أدنى مقومات الزعامة قياسا بردود أفعال ثلاثة اجيال هي الآن تطالب برحيله من السلطة! يقول خالد موسى "عندما يترجّل الرئيس البشير عن كرسي الرئاسة والحكم حسب مسار الاستحقاق الدستوري الراهن، سيترك للمُؤرِّخين سجلاً ضخماً من الأحداث والتحولات، يضيف "سيجري حكم التاريخ بأنه غير وجه السياسة في السودان للأبد باعتباره أول رمز "للاسلام السياسي" في العالم السني وخاتمة المشروع السياسي لليمين السوداني في السياسة والحكم، بما يعني أن حكم الإنقاذ قد دفع بأجندة اليمين السياسي إلى نهاياتها المنطقية." هذه المقولة وشذرات أخرى من المقال المذكور نناقشها في نهاية هذا المقال. لكن دعنا نبدأ ونقول ان ما كتبه السفير خالد موسى واضح فيه غرض رد إعتبار واستعادة روح معنوية لرئيس يعاني ظروف نفسية بالغة التردي في ظرف بلغت فيها مآساة الشعب السوداني دركا لم تبلغه علي مختلف العهود، وفي ذات الوقت الذي تجمع فيه دوائر السياسة العالمية بوصف الرئيس عمر البشير بأنه أفشل رئيس يمر على دولة من دول العالم على العهد الحديث. يقول السفير خالد موسى"الذي ينعم بدولارات الشعب السوداني بعيدا عن واقع معاناة اهله"..ان الرئيس البشير حافظ على دولة السودان "وأنه حافظ على كيان الدولة السودانية في ظروف بالغة التعقيد إنهارت بأسبابها دول أشد رسوخاً في أسس الدولة والمجتمع والسياسة من السودان، وحَقّقَ إنجازات ملموسة في مجال التنمية والخدمات والبنية التحتية." اولا القراءة المنصفة لتاريخ السودان أنه لم يتعرض لمهدد تمزّق حقيقي إلا خلال حكم الرئيس عمرالبشير فهو وضع نواة الانفصال لاقاليمه في دارفور والنيل الازرق..الخ بعد فشله في المحافظة على وحدة السودان حين تم فصل الجنوب على عهده، وأعقب ذلك تململ أقاليم أخرى في دارفور والنيل الازرق وجنوب كردفان نتيجة سياسات خاطئة تسببت في كوارث وموت مئات الالاف من أبناء السودان متهم هو بارتكابها ومدان من قبل المجتمع الدولي ومحكمة الجنايات الدولية. نعم إنه حافظ على وحدة السودان الحالية رغم تفشي الحركات المسلحة بعد انفصال الجنوب، ولكنه هو الذي حقن في السودان جرثومة التمرد التي تفتك به وبوحدتة الان. أما فيما يتعلق بانجازات التنمية والخدمات والبنية التحتية التي ينسبها الكاتب للرئيس عمر البشير، ففي المعادلات الاقتصادية يضع الاقتصاديون قيمة لعنصر الزمن مقارنة بما يتحقق من نجاحات وبالنظر لفترة الحكم الطويلة(30 عاما) لا يمثل ما أُنجز من مشاريع في السودان على عهد الرئيس البشير سوى (صفر) ضمن حيثيات الزمن الذي له الف حساب في اقتصاديات الدول. بل حتى في إطار المقارنات بدول جارة اذا نظرنا الى ما حققته حكوماتها من إنجازات ضخمة وطفرات اقتصادية رغم قصر مدتها في السلطة، يعتبر السودان دولة منهارة في حين شهدت لتلك الدول مؤسسات الرقابة الاقتصادية الدولية بالنجاح والترقي. والسؤل البدهي فيما أشار اليه الكاتب في إنجازات البشير التنموية..أين تنعكس هذه الانجازات في ظل الفشل الاقتصادي والمعاناة التي يعانيها أهل السودان وهم لا يجدون أدنى مقومات الحياة، مما تسببب في هجرات مئات الالاف من الشباب السودانيين الذين لايزالون يطرقون أبواب الدول الاخرى بحثا عن حياة كريمة، في حين تنعم دول أخرى جارة باستقرار في حياتها وإستقرار في عملتها ونهضة وفي تنميتها. حتى دولة الصومال التي كان يُضرب بها المثل في انهيار الدولة ظلت تعيش اقتصادا صحيا وهي في اوج انهيارها. فحسب وكالة الاستخبارات الامريكية والبنك المركزي الصومالي "بلغ الناتج المحلي الصومالي عام 1994.( 3.3 ) مليار دولار . وبحلول عام 2009 قدر الناتج المحلي ب (7.5) ([1]) (الناتج المحلي (GDP) هو القيمة السوقية لكل السلع النهائية والخدمات المعترف بها بشكل محلي والتي يتم إنتاجها في دولة ما خلال فترة زمنية محددة) غالبًا ما يعتبر إجمالي الناتج المحلي مؤشر لرفاهية الفرد في الدولة.([2] ) الان حال السودان وباعتراف الواقع المعاش الذي تكشّف عن خواء خزينة الدولة من المال والعملة الاجنبية يعطي مؤشرا خطيرا عن مدى الاهمال في مواجهة الحاجات الاساسية للمواطن السوداني،هذا فضلا عن تنمية ومشاريع اقتصادية وحيوية هي للسودان "كعالم الاحلام" في ظل قيادة فاشلة لا تراعي ابسط واجباتها . فشل وانهيار اقتصادي كامل من هو وراء هذه المآساة بالطبع ليس هناك "مسؤلا مقدما" في تحمل المسؤلية والفشل علي الرئيس، الذي لم يكن له اي (كاريزما) يحقق بها تفعيل ونجاح حكوماته المتعاقبة طيلة ثلاثين عاما هي أطول فترة حكم "فاشل" تشهده دولة من دول العالم. ضمن فقرة اخرى "هذه المرة للتمجيد" يقول السفير خالد موسى "وربما سيزيد العقل الشعبي في رواياته الشفوية الذي يحتفي بمناقب التواضع والفروسية في تمجيد شجاعته السياسية وهو يقتحم الأخطار ويقاوم آثار الحصار الدولي على البلاد ويتصدى لمؤامرة المحكمة الدولية ويواجه خصومه متجرداً في ميدان السياسة والقتال العسكري." لكن يتجاهل الكاتب ذات العقل الشعبي الذي يرصد معاناة المواطن السوداني، وتفشي الفساد في البطانة والاقربين،والانهيار الاقتصادي الشامل بسبب تردي الادارة وسوء النظام ، وتقييد مصالح البلاد، وإرتهان دولة السودان لإملاءات الاعداء ، بل لا يغيب عن هذا العقل وعن التاريخ عدم شجاعة الرئيس البشير في مواجهة المحكمة الدولية التي كان من الممكن ان يذهب اليها طائعا ليبرئ نفسه من تهم القتل الجماعي الذي أرتكب في دارفور، بدلا من الإحتماء بالغير وفرش الحقوق القومية على بساط التنازلات. كان يمكنه تبرئة نفسه كما فعل الرئيس الكيني أوهورو كينياتا الذي برأته محكمة الجنايات الدولية عام ( 2014 )، بدلا من ان يجعل وطنه السودان رهينا طيعا لأوامر الاعداء الذين نالوا منه مانالوا ،ولا يزالون ينفذون مخططاتهم إذلالا للسودان ورئيسه الهارب من العدالة الدولية. علي النطاق السياسي الداخلي فشل في تحقيق ديمقراطية جامعة لاهل السودان تفضي لاستقرار وتداول سلمي للسلطة كي ينعكس ذلك في سلام وتنمية ورفاهية للمواطن الذي لا يجد كفاف العيش، ولا هو حر حتى في التصرف في أمواله ان كانت اصلا له أموال. عن الإستحقاق الديمقراطي يقول الكاتب في إعتراف صريح عن حقيقية الواقع السياسي الذي تعانيه المعارضة بسبب دكتاتورية النظام "ستنشغل الطبقة السياسية بقضية الحريات والمشاركة السياسية وإقصاء الخصوم والتنكيل بهم" يأتي قوله هنا لتوصف هموم عاشتها المعارضة بالفعل، وهي التي ظلت تطالب بالحريات والمشاركة السياسية النزيهة. أما قوله الذي أرجيناه من قبل في وصفه الرئيس البشير بانه "أول رمز "للاسلام السياسي" في العالم السني وخاتمة المشروع السياسي لليمين السوداني...الخ الرئيس البشير لم يكن ليتقلد سلطة رئاسة السودان لولا الحركة الاسلامية بقيادة الزعيم الاسلامي المرحوم الشيخ حسن الترابي، وأول ما سيذكره التاريخ في قيادة البشير للسودان خيانته لعهد الحركة الاسلامية التي بوأته مقعد الرئاسة ليتنكر على زعامتها ويرمي بهم في السجون ويطرق طريقا دكتاتوريا يسخر عبره بعض رموز الاسلاميين الطامعين في خلافته لتحقيق غاياته السلطوية. ما يتحدث عنه الكاتب في رمزية البشير للإسلام لا تخرج عن كونها شعارات حق لا ينشد بها حق، بل ينشد بها تكريس للسلطة بدليل تفريغ تلك الشعارات الاسلامية من معانيها السامية، وإنتهاج وسائل وأساليب لا تمت للاسلام بصلة وفي مقدمتها "الكذب الصراح" رغم تحريمه وذمه بين عامة الناس فضلا عن رئيس يأسف له الناس والتاريخ مواقف واقوال لا تمت للصدق بصلة. فأين رمزية الاسلام لا هي إتضحت في صدق قول مع الشعب السوداني تبرهنه الافعال واقعا لحياة كريمة مستقرة يحياها الناس، ولا حتى وعودا لحياة سياسية ديمقراطية منصفة بهدى الاسلام يتبادل فيها الناس السلطة بصدق الفعل والتوجه الوطني المخلص لله والوطن، وفي الآثر النبوي (الرائد لا يكذب أهله). اين هدى الاسلام السياسي اليميني الذي يتحدث عن السفير خالد موسى وينسبه لافعال تحجر على المواطنين السودانيين حرية التعبير والتطلع، وتعاقبهم على ذلك بالقتل حتى في بيوتهم، ملاحقة لهم ليس لجريمة سوى مطالبتهم بالحرية وإحتجاجهم على الفساد، في حين يحفظ التاريخ للشعوب الكريمة مقولة أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله عنه "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا".؟ حيث أورد كتاب "الولاية على البلدان" لعبدالعزيز بن ابراهيم العمري عضوء اتحاد المؤرخين العرب قصة ابن القبطي الذي اقتص له الخليفة عمر ابن الخطاب رضي الله عنه من ابنٌ لعمرو بن العاص حين ضربه إعتمادًا على سلطان أبيه فأشتكى والد الغلام لأمير المؤمنين عمر فناول عمر رضي الله عنه الغلام القبطى سوطًا وأمره أن يقتص لنفسه من ابن عمرو بن العاص، فضربه حتى رأى أنه قد استوفى حقه وشفا ما فى نفسه. ثم التفت الخليفة المسلم إلى عمرو بن العاص قائلاً: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟.([3]) هذا عمربن الخطاب رضي الله عنه يقتص لغلام قبطي، وهذا عمر البشير يرسل جلاديه ليلاحقوا شبابا وأطفالا في بيوتهم لقتلهم وسحلهم وحبسهم في السجون ليس لجريرة سوى المطالبة بحقوق المواطنة. اين يمينية او يسارية الاسلام وقد أعطى واقع السودان على عهد الرئيس عمر البشيربعد تنكره لقيادة الحركة الاسلامية وإنحرافه عن عهدها أسوء أنموذجا لنظام لم يلبي أبسط حقوق مواطنيه في العيش الكريم، فما بال الإدعاء بفكر اسلامي هو بعيد كل البعد في اي توجه او طرح سياسي. نعم هناك حقيقية هامة تصب لنظام البشير وهي إلحاق تبعاته أي(النظام) بالاسلام وما ينبني على ذلك من ردود أفعال يتوقع المراقبون أن تؤثر على مسار الاسلام السياسي وجماعاته ليس على نطاق السودان فحسب ولكن حتى على نطاق العالم العربي والاسلامي. وقد تبنت بالفعل بعض مناهج التعليم في إحدى البلدان الخليجة تدريس تجربة ما يُطلق عليه بالاسلام السياسي في السودان كرمزية للفشل!! اما ما يخص السودان فليس كما يوًهم الاستاذ خالد موسى "على طريقته" الرئيس البشير ونظامه في وصفه "اول رمز "للاسلام السياسي" في العالم السني وخاتمة المشروع السياسي لليمين السوداني" هذا وهمّ لا تسنده تجربة حكم فاشل أصلا، ولا يشفع التمسح بالاسلام كوسيلة في إقناع مواطن مسلم تكشفت له الحقائق، كما لا يتوقع إلا ان تكون هناك ردود أفعال سلبية على الساحة السودانية وقد بدأت بالفعل كذلك مؤشراتها فيما يوجه للاسلاميين من جملة إتهامات لا تفرق بين أهل نظام فاسد واهل صدق توجه, هذه الاتهامات قطعا سيكون لها مردودها السيئ على مدى ليس بالقصير وتأثيرها على مجمل العمل السياسي على الساحة السودانية. سيذكر التاريخ ان السودان لم يشهد في اي عهد من عهوده رفضا لنظام وإجماع كراهية لرئيس كما هو حال هذا النظام ورئيسه بدليل مظاهرات الرفض والاحتجاجات التي تستمر لشهور وشهور وتفدى بالشهداء والمقيدون الى السجون.. سيذكر التاريخ إجماع أهل السودان على عبارة (تسقط بس). وأسوء ما سيذكره التاريخ إحتماء الرئيس عمر البشير بالمؤسسة العسكرية وتحريضها قتل المواطنين السودانيين العزل بدلا من الإستجابة لمطالبهم وإنصافهم بنظام جديد يحقق نهضتهم وعزة بلادهم.. ما فعله الرئيس في إعلانه حالة الطواريء وتفويضه المؤسسة العسكرية بدعة حديثة ولكنها فعلة كانت لفرعون حينما إستعلى هو وجنوده " وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَا مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إله غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ الى إله موسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي االيم فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ(40) " صدق الله العظيم. (38)(39)(40) القصص ________________________________________ [1] https://ar.wikipedia.org https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%82%D8%AA%8)%B5%D8%A7%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%88%D9%85%D8%A7%D9%84 [2] المصدر السابق ([3] اوردها أبو العرب مُحَمدُ بنُ أَحمدَ بنِ تَمِيم المَغرِبيّ في "كتاب المحن" (ص: 317)