وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    مليشيا التمرد تواجه نقصاً حاداً في الوقود في مواقعها حول مدينة الفاشر    ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية    شاهد بالفيديو.. شاعرة سودانية ترد على فتيات الدعم السريع وتقود "تاتشر" للجيش: (سودانا جاري في الوريد وجيشنا صامد جيش حديد دبل ليهو في يوم العيد قول ليهو نقطة سطر جديد)        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جنوب كردفان ما بين مطرقه الفدرالية وسندان الحكم الذاتي .. عبدالجليل الباشا محمد احمد
نشر في سودانيل يوم 08 - 08 - 2019

غرامشى (الماضى يحتضر والجديد لم يولد بعد,وفى هذا الفاصل الانتقالى سوف تظهر امراض متنوعه ومتعدده العاقل من يتجنبها او يتحصن ضدها)
ملخص الورقه
لقد تناولت هذه الورقه الوضع الدستورى الانسب لولايتى جنوب كردفان والنيل الازرق فى ظل السودان الموحد ارضا وشعبا, وذلك من خلال مناقشة صيغ الحكم اللامركزى المختلفه المطروحه من قبل ابناء الولايه بما فى ذلك الحركه الشعبيه –قطاع الشمال/الحلو, حيث بدات الورقه بمقدمه حددت المشكله , ومن ثم تناولت التركيبه السكانيه لولاية جنوب كردفان/جبال النوبه لعلاقتها بنظام الحكم الافضل والامثل فى دعم الاستقرار وتعزيز التعايش السلمى بين مكونات الولايه المختلفه, ثم ناقشت الورقه آفاق الحلول بين الخصوصيه والشمول ,ورات ان الحلول الجزئيه قد ثبت فشلها من خلال التجارب السابقه, فالافضل ان تخاطب قضايا الولايه من خلال الحل الشامل لازمة الحكم فى السودان الذى يراعى خصوصية المنطقه من خلال التمييز الايجابى سياسيا وإقتصاديا وتنمويا لإعادة ما دمرته الحرب فى ظل بيئه مواتيه لبناء السلام وتعزيز التعايش السلمى بين اهلها بمختلف انتماءاتهم السياسيه والاجتماعيه والثقافيه, وربما قد تطول فتره الحل الشامل فالاستثناء الوحيد فى هذا المضمار هو الاستعجال فى إيقاف الحرب وتحقيق السلام وايصال المساعدات الانسانيه لارتباطهما بحق الانسان فى الحياه. ومن بعدها استعرضت الورقه مفاهيم ومضامين الخيارات المختلفه سواء إن كانت الفدراليه او الحكم الذاتى او تقرير المصير وربط ذلك بالتطور الادارى لولاية جنوب كردفان الذى شهد انماطا مختلفه من اشكال الحكم اللامركزى,وخلصت الى استبعاد خياريى الحكم الذاتى وتقرير المصير لاسباب اجتماعيه وثقافيه واقتصاديه وجيوسياسيه لاسيما وان تطبيق هذان الخياران مرتبط بأقليه ذات لغه وثقافه مشتركه, تسكن فى ارض محدده تعرضت لاضطهاد وتمييز عنصرى ممنهج الشى الذى يتنافى مع واقع التداخل الاجتماعى والثقافى فى المنطقه والتجاور والتساكن بين مكوناتها المختلفه, وعليه اكدت الورقه بان النظام الفدرالى هو الانسب اذا ما طبق بصوره حقيقيه وفق المعايير المتعارف عليها علميا متجاوزا كل سلبيات التطبيقات الشانهه التى مارسها النظام المخلوع مما ادى الى تضخم الصرف الادارى على حساب التنميه وتكريس الجهويه والنعرات القبليه التى اصبحت من مهددات الاستقرار والتماسك الاجتماعى بالمنطقه. وتأتى اهميه هذه الاطروحه من انها جاءت فى ظل التغيرات والتحولات المتسارعه التى فرضتها ثوره ديسمبر المجيده التى قدم فيها شبابنا اروع الامثال فى البطوله والتضحيه والفداء من اجل الحريه والعداله والكرامه الانسانيه, لاسيما وان السلام اصبح الشغل الشاغل لكل اهل السودان لارتباطه بالنماء والتقدم والاستقرار, ليس هذا فحسب ,بل اصبح يحتل الصداره فى اولويات الحكومه الانتقاليه.وعليه يمكن ان تساهم هذه الورقه فى اثراء النقاش والحوار حول كيفية بناء السلام المستدام فى السودان.
المقدمه:
إن اى فكره او ايدولوجيه او رؤى لا تقاس عند الناس بجودتها النظريه او صياغتها اللغويه بقدر ما انها تقاس بمدى قدرتها على مخاطبة هموم ومشاكل الناس على ارض الواقع,وطالما ان هذا الواقع يختلف من دوله الى دوله, ومن اقليم الى اقليم, ومن منطقه الى منطقه,فأن معرفة حقائق هذا الواقع التاريخيه والآنيه والاحاطه بدينامياته المتعدده فى سيرورتها المتوازيه والمتقاطعه يشكلان المدخل السليم للتعاطى مع قضاياه المختلفه, إن دافعى من وراء كتابه هذه الاسطر هو ما استرعى انتباهى فى الآونه الاخيره من حوارات ونقاشات كانت و مازالت تدور حول مستقبل الوضع الدستورى والقانونى لمنطقتى جنوب كردفان /جبال النوبه والنيل الازرق خاصةً فيما يتعلق بنظام الحكم الامثل الذى يخاطب المظالم التاريخيه ويحقق العدل والمساواه والحريه والكرامه لاهالى هذه المناطق.وبالرغم من أهمية هذه المداولات التى عكست تفاعل ابناء المنطقه مع هذه القضيه الحساسه إلا ان معظمها كان يدور حول المسميات دون سبر اغوار المضامين ويركز على الحواشى اكثر من المتون, ويمكن تصنيفها فى اتجاهين أولهما تفاعل متفائل يرى بأن الحراك الآنى يمكن ان يقود الى وضع جديد يضع حد لهذا الواقع المأساوى بالمنطقه والاتجاه الآخر تفاعل مشوب بالحذر والتخوف يخشى بأن لا يستوعب هذا الجديد كل مكونات الولايه وبالتالى يكون هذا بمثابه(كعب أخيل) الذى يستغله الآخرون فى تأجيج حروب الوكاله الاثنيه,ولكن فى تقديرى الشخصى ان ما اثارته هذه الحوارات والمساجلات من اراء وتوقعات ومخاوف ومواقف بين دعاة الابقاء على الوضع الفدرالى الراهن مع إصلاحه والمطالبين بالحكم الذاتى او تقرير المصيروالمنادين بالعوده الى النظام الاقليمى القديم تشكل فى حد ذاتها ظاهره صحيه لانها تعزز من معرفتنا لبعضنا البعض من خلال الوقوف على لآراء والافكار ووجهات النظر المختلفه التى تجعلنا نبتعد عن الفوارق ونركز على الجوامع, وكما يقولون وراء كل موقف مصلحه,فكلما انتقل الحوار من المواقف والمسميات الى المصالح الحقيقيه, كلما كانت القواسم المشتركه اكثر وضوحاً من الشمس فى رابعة النهار,ولا ننسى فى خضم بحر الساحه السياسيه المتلاطم الامواج باننا نناقش ازمه بالغة التعقيد والتداخل وذات ابعاد محليه واقليميه ودوليه مما يستوجب بذل جهداً عميقاً على المستوى الفكرى والسياسى والاجتماعى لإعادة لحمة التماسك الاجتماعى ومن ثم الانطلاق نحو الحل الجذرى الذى يلبى تطلعات واشواق اهل المنطقه بمختلف انتماءاتهم القبليه والدينيه ومشاربهم الفكريه والسياسيه فى الحريه والعدل والسلام المستدام.
التركيبه الاجتماعيه لولاية جنوب كردفان
تقع ولاية جنوب كردفان فى منطقة السافنا الغربيه للسودان فى مناطق الحزام الساحلى المدارى للنصف الشمالى من الكره الارضيه, اى فى جنوب اواسط السودان قبل ان تصبح الجنوب الجديد بعد الانفصال بين خطى طول92-32 شرقا وخطى9-13شمالا, وتبلغ مساحتها 82000 الف كلم مربع, حيث تحدها من الشمال ولاية شمال كردفان ومن الشرق ولايتى النيل الابيض واعالى النيل بدولة جنوب السودان, ومن الغرب ولاية غرب كردفان ومن الجنوب ولاية الوحده,ويبلغ تعداد سكان ولاية جنوب كردفان ، حوالي 2.500.000،اثنين مليون وخمسمائة ألف حسب آخر إحصاء سكاني في انتخابات عام 2011م هؤلاء السكان ينتشرون في مناطق الولاية المختلفة حيث تسكن الولاية أكثر من 24 مجموعة قبلية تأتى على راسها قبائل النوبه والحوازمه والمسيريه واولاد حميد وكنانه والكواهله وقبائل الفلاته والبرقو والبرنو وبعض التجار من مناطق السودان المختلفه,حيث تداخلت هذه القبائل جغرافيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا من خلال علاقات تصاهر وتعاون وتكافل محميه بالاعراف والعادات والتقاليد التى سنها الرعيل الاول من الابآء والاجداد بعبقريه قلما يجود بها هذا الزمان تجسدت فى التحالفات التاريخيه التى حافظت على التماسك الاجتماعى والتعايش السلمى بين المكونات المختلفه لمئات السنين, ولم يتبدل هذا الحال الا بعد ان اشتد أوار الحرب بين حكومة المؤتمر الوطنى والحركه الشعبيه فى بداية التسعينيات، و التى فرضت توجهات وافكار واساليب جديده اثرت سلبا على العلاقات القبليه لاسيما وان التعبئه بين طرفى الصراع السياسى كانت تقوم على الاستقطاب الاثنى حيث تحاول الحركه الشعبيه استماله العنصر النوبى الى صفها بينما يحاول المؤتمر الوطنى كسب دعم العناصر العربيه, ولكن قوة الترابط الاجتماعى كانت ومازالت وستظل الصخره التى تتحطم عندها كل دعاوى الفتن و الفرقه والشتات, وهنا لابد من الاشاره لحقيقه تاريخيه وهى ان كل المجموعات السكانيه فى هذه الكيانات هى اقرب للشعوب منها للقبائل , فشعب النوبه فى جنوب كردفان على سبيل المثال شعب جمعته الجغرافيا فى جبال النوبه بالرغم من تعددلغاته وتعدد اعراقه وتعدد الجهات التى قدم منها الى الجبال, وكذلك شعب الحوازمه والجوامعه والمسيريه فهى عباره عن تحالفات وتحزم تم عبر الاجتماع التاريخى بين العديد من الاسر الممتده والعشائر والبطون التى وفدت الى المنطقه من جهات عدة وأسست إجتماعها التاريخى على بعض الروابط والضرورات وتحولت فى بضع قرون الى قبائل. ولذلك اى حل سياسى لازمة الولايه ينبنى على اقليه او اثنيه بعينها سيكون مصيره الفشل باعتباره مغالطه لحقائق الواقع والتاريخ والجغرافيا.
آفاق الحلول بين الخصوصيه والشمول
إن الحرب الدائره فى جنوب كردفان والنيل الازرق ودارفور ما هى إلا تمظهر لتداعيات ازمة الحكم التى لازمت البلاد منذ الاستقلال بأعتبار ان الانظمه الوطنيه التى تعاقبت على البلاد قد فشلت فى إيجاد الصيغه المثلى فى إدارة التنوع السودانى بالشكل الذى يحقق التوازن المطلوب بين مكوناته المختلفه, مما ساهم بشكل كبير فى اتساع رقعة التهميش السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى لهذه المناطق, بيد ان ذلك لاينفى ان نظام الانقاذ يحتل الصدارة بلا منازع فى تأجيج ومفاقمة الازمه لانه فرض آحاديه سياسيه وثقافيه بقوة الحديد والنار على مجتمع متعدد الاعراق والثقافات فى ظل بيئه شموليه نافيه للآخر ومنفرده بالشأن الوطنى ,حيث كانت النتائج المباشره لهذه السياسات هى انفصال الجنوب وعودة الحرب لجنوب كردفان و النيل الازرق والتى دخلت عامها السابع رغم آنات وصرخات واستنجادات مواطنى المنطقه والمبادرات التى لا تحصى ولا تعد دون ان تجد اذن صاغيه لدى طرفى النزاع.وقد اثبتت التجربه ان الحلول الجزئيه والاتفاقيات الثنائيه قدفشلت فى تحقيق الاستقرارو السلام المطلوب بما فى ذلك اتفاقية نيفاشا الموقعه عام 2005م والتى لم تحقق اى من اهدافها الثلاثة المتمثله فى الوحده والسلام والتحول الديمقراطى وذلك لانعدام الاراده السياسيه والجديه والشمول, علاوةً على ان هذه الاتفاقيات لم تخاطب جذور المشكله,بل كانت تركز على النتائج والمحاصصه فى تقسيم السلطه بين اطرافها.وعطفاً على ما سبق نقول ان الحل الشامل الذى يراعى خصوصية هذه المناطق عبر مبدا التمييز الايجابى هو الافضل بحسبان ان هنالك قضايا على مستوى هذه المناطق لا يمكن ان تحل إلا من خلال إعادة هيكلة الدوله وسياساتها بما يسمح بالعداله فى قسمة السلطه والثروه,مضافاً الى ذلك ان ما تحتاجه هذه المناطق من امكانات وموارد وسلطات وصلاحيات لإعادة ما دمرته الحرب اكبر بكثير مما توفره هذه المسميات سواء إن كان حكماً إقليمياً او فدرالياً او ذاتيا وسيتضح ذلك من خلال التعرف على مضامين هذه المفاهيم واستعراض التطور الادارى لاقليم كردفان والذى شهد انماطاً مختلفه من الحكم اللامركزى لا ظهراً ابقت ولا ارضاً قطعت ,فكان الحصاد مانعيشه اليوم من دمار وخراب وتشريد استعصى فتقه على الراتق المحلى والاقليمى والدولى.فلاولويه فى تقديرى هى ان يتفق ابناء المنطقه على ماذا يريدون سياسيا واقتصاديا وتنمويا وخدميا واجتماعيا وثقافيا,وكيف يديرون تنوع المنطقه بشكل يحقق الوحده والانسجام بين مكواناتها المختلفه ويعزز عملية التعايش السلمى من خلال القبول المشترك والاحترام المتبادل وحينها سيكون الاتفاق سهلا حول المسمى فى اطار السودان الكبير.
اللامركزيه
دون الخوض فى التفاصيل الاكاديميه,فاذا كانت المركزيه هى درجه تركيز السلطه فى المركز,فعلى عكسها تماما اللامركزيه والتى تعنى تشتيت اوإعاده توزيع المهام والصلاحيات والاشخاص بعيدا عن موقع المركز او السلطه,وقد لا يختلف اثنان فى ان اللامركزيه كما يعرفها ليونارد وايت بانها(نقل السلطه تشريعيه كانت اوتنفيذيه اوماليه من المستويات الحكوميه العامه الى المستويات الدنيا) تمثل افضل الصيغ لإدارة التنوع, حيث هنالك ثلاثه اشكال لللامركزيه الاولى هى اللامركزيه المصلحيه او المرفقيه فيها تمنح االسلطه المركزيه مرفق عام(كالمؤسسات او الهيئات العامه) Delegation صلاحية ممارسة نشاط معين تحت رقابتها, والثانيه هى اللاتمركز الاقليمى او المحلى De-Concentration والثالثه هى الايلوله Devolution والاخيره تعطى صلاحيات واسعه يكون مصدرها القانون او الدستور.وتعتبر اللامركزيه من افضل انظمة الحكم ملائمةً للسودان نسبةً لإتساع اراضيه وتعدد اعراقه وتنوع موارده وذلك لما لها من دور محورى فى توسيع قاعدة المشاركه وإدارة التنوع بشكل متوازن وزيادة فعالية وكفاءة الاداء العام, هذا فضلا عن تخفيف حدة النزاع والتوتر مما يساعد على حفظ وبناء السلام وصيانة الوحده الوطنيه,والمتتبع لتاريخ السودان يجد ان اللامركزيه سواء ان كانت سياسيه اوإداريه اوماليه قد طبقت عبر مراحل مختلفه ولكل تجربه إيجابياتها وسلبياتها,ولاغراض هذه الورقه سوف نركز على مفاهيم ثلاثه انماط من انماط الحكم اللامركزى وهى الفدراليه والحكم الذاتى وتقرير المصير.
الفدراليه
النظام الفدرالى نظام سياسى متكامل ينظمه الدستور وهو اتفاق فيما بين السكان للمشاركه فى السلطه وفق توزيع عادل يضمن عدم تدخل اى مجموعه فى شؤون مجموعه اخرى, او التعدى عليها ويمكن تعريف
الفدراليه بانها شكل من اشكال الحكم تكون السلطات فيه مقسمه دستورياً بين حكومه مركزيه اوحكومه فدراليه او إتحاديه ووحدات حكوميه أصغر(الاقاليم والولايات والمحليات),ويكون كلا المستويين المذكورين من الحكومه يعتمد احداهما على الآخر وتتقاسمان الموارد فى الدوله,واما الاقاليم او الولايات فهى تعتير وحدات دستوريه لكل منها نظامها الاساسى الذى يحدد سلطاتها التنفيذيه والتشريعيه والقضائيه,ويكون وضع الحكم فى هذه الولايات اوالاقاليم منصوص عليه فى دستور بحيث لا يمكن تغييره بقرار آحادى من الحكومه المركزيه. و يهدف النظام الفدرالي الي ادارة التنوع في المجتمعات شديدة التباين والتعدد الاثني والعرقي والثقافي والديني وذلك بخلق مستويات عديدة للحكم وتطبيق نظام ديمقراطي يمكن اي اقلية ويجعلها أغلبية في مكانها وتحكم نفسها بنفسها وذلك ضمن عوامل عديدة اخري لضمان نجاح اي نظام فيدرالي بجانب قسمة السلطة والثروة وضمان حق انشاء تشريعات تراعي خصوصية أي اقليم او ولاية او اي مجموعة ثقافية او عرقية او دينية فلا قيمة لكل ماتقدم إذا لم يحظي التطبيق العملي في بيئة ديمقراطية ونظام ديمقراطي حقيقي يمثل الحاضنة ويوفر الحوامل التنظيمية لكافة التفاعلات السياسية وديناميات الحراكات كافة وبخاصة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية منها ويتيح في جو من الحرية أرحب للتعبير والمشاركة الواسعة لكل المكونات المختلفه, فالحكم الفدرالى واسع الانتشار على المستوى العالمى حيث نجد ثمانيه من بين اكبر دول العالم مساحه تحكم بشكل فدرالى تأتى على راسها الولايات المتحده الامريكيه, واما على المستوى العربى فيمكن ان نأخذ بتجربه الامارات العربيه المتحده.ولكن الخلل دوما يكمن فى التطبيق المشوه كالذى مارسته الانقاذ فى السودان.
الحكم الذاتى
يعتبر الحكم الذاتى ذو تاريخ طويل فى التفكير الانسانى والفلسفى,هذا الامر اكسبه شيئا من الغموض والتعقيد نتيجه للمعانى والادوار التاريخيه التى مر بها, وللازدواج فى مدلوله بين الجانب السياسى والجانب القانونى, ويقول الباحث محمد بوبوش(إن الحكم الذاتى كمفهوم يصعب ضبطه نظرياً,فهو يثير الخلاف ويستعصى بشأنه الاتفاق, إذ هو غامض ومتسع,يتضمن قدا كبيرا من المرونه,اذ يقترب فى احيان كثيره من الاداره والقانون,اى يمكنه ان يكون( حكما ذاتيا إداريا),وفى حالات اخرى يقترب من السياسه,وفى بعض التطبيقات قد يجمع بين الطابع الإدارى والقانونى والسياسى معاً.
مفهوم الحكم الذاتى فى القانون الدولى العام
يمكن القول ان الحكم الذاتى من وجهه نظر القانون الدولى هو ان يحكم الاقليم نفسه, ويقصد به ايضاً(صيغه قانونيه لمفهوم سياسى يتضمن منح نوع من الاستقلال الذاتى للاقاليم المستعمرة لانها اصبحت من الوجهتين السياسيه والاقتصاديه جديره بان تقف وحدها مع ممارسة الدوله المستعمره السياده عليها) وقد يطلق عليه ايضا الحكم الذتى الدولى وهو ينشأ بواسطه وثيقه دوليه, سواء ن كانت معاهده دوليه تعقد بين دولتين بشأن اقليم خاضع لسيطرتهما, او عن طريق اتفاقيات تبرمها منظمه الامم المتحده وقبلها عصبة الامم.وقد تم النص عليه فى الفصل الحادى عشر من ميثاق الامم المتحده من خلال المواد73و76
وقد بدأ مفهوم الحكم الذاتى فى البروز عندما هجرت الدول الاستعماريه سياسة اللامركزيه فى إدارة شئون مستعمراتها ولجأت الى تطبيق الحكم الذاتى بهدف تحويل رابطة الاستعمار بينها وبين مستعمراتها الى علاقة اشتراك بمعنى آخر بقاء المستعمرات فى حالة تبعيه لكن فى اطار جديد هوالحكم الذاتى, بأعتبار ان ذلك افضل من مدلولات الصيغ الاخرى التى ارتبطت بتلك المرحله كما هو الحال فى تجارب الانتداب والوصايه الدوليه.
مفهوم الحكم الذاتى فى الداخل:
ويمكن القول أن المقصود بالحكم الذاتى الداخلى هو نظام قانونى وسياسى يرتكز على قواعد القانون الدستورى, وبتعبير آخر هو نظام لا مركزى,مبنى على اساس الاعتراف لإقليم مميز قوميا او ثقافياً داخل الدوله بالاستقلال فى فى إدارة شؤونه تحت إشراف ورقابة السلطه المركزيه. ولهذا فهو فى نطاق القانون الداخلى اسلوب للحكم والاداره فى اطار الوحده القانونيه والسياسيه للدوله. وبمعنى آخر فهو نظام سياسى وإدارى وأقتصادى يحصل فيه اقليم او اقاليم من دوله على صلاحيات واسعه لتدير شئونها بما فى ذلك انتخاب الحاكم والتمثيل فى مجلس منتخب يضمن مصالح الاقليم على المستويات المختلفه,وبناء على ذلك يمكن القول ان الفدراليه شكل متقدم من اشكال الحكم الذاتى.
إن الهدف الاساسى من تطبيق الحكم الذاتى فى القانون الوضعى هو حماية قوميه او جماعه عرقيه معينه,تقطن فى اقليم(مميز تاريخيا وجغرافيا) ضمن اقاليم الدوله التى تمتاز مجتمعاتها بالتعدد العرقى والجغرافى, وبالتالى يرتبط مفهوم الحكم الذاتى بمبدأ القوميات ارتباطاً هاماً ووثيقاً.كما ان تطبيقات الحكم الذاتى الداخلى لا تأخذ شكلا واحداً,بل ان تطبيقاته تختلف من دوله لاخرى حسب الظروف التاريخيه والسياسيه والقانونيه. وهو حالة ليس بالضروره ان تستمر الى الابد حيث يمكن رجوع الاقليم الى وضعه الطبيعى متى ما انتفت الاسباب التى ادت الى المطالبه بالحكم الذاتى.
الفرق مابين الحكم الذاتى والحكم الفدرالى
نجد ان الحكم الذاتى يقترب من النظام الفدرالى اذ ان نطاق كل من الاقاليم والمناطق التى تتمتع بالحكم الذاتى تقتصر على السلطات الداخلية ولايمتدان بأثرهما الى المجال الخارجى ويستمد كل من النظامين شرعيته من الدستور الا ان و حدة قيامهما لاتقضى على الاختلاف الجوهرى القائم بينهما رغم دقة الفوارق بين الحكم الذاتى والنظام الفدرالى الا ان الاختلاف بينهما يبدو واضحا فى الامور الاتية
1 - من حيث الاستقلال
الاستقلال الذاتى الذى تتمتع به الاقاليم فى النظام الفدرالى يعد استقلالا قائما من حيث الاصل ويتولى الدستور الاتحادى تحديده ولايجوز للمشرع العادى المساس به الا بتعديل الدستور الاتحادى بينما يحدد الوضع بالنسبة للاقليم التى تمتع بالحكم الذاتى قوانين او مواثيق خاصة تقر عادة من قبل مجالس منتخبة محليا ومن ثم يصادق عليها البرلمان المركزى باعتبارها قوانين دستورية كما فى ايطاليا
2 - من حيث الرقابة
هناك اختلافات واضحة فى درجة وطبيعة العلاقة القائمة بين الاقاليم والسلطة الفدرالية والعلاقة بين المناطق المتمتعة بالحكم الذاتى والسلطة المركزية, ففى النظام الفدرالى تكاد تنعدم فيه الرقابة بالنسبة لبعض الاختصاصات المانعة التى تتفرد الاقاليم ببمارستها دون اى رقابة عليها من جانب الحكومة المركزية .واخيرا إن سلطة الحكم الذاتي ليست ذات سيادة فهى تحتفظ بمقومات السيادة ، لاسيما العلم والنشيد الوطني والعملة، وبناء على ما تقدم ذكره نقول قد يكون من الصعب او المستحيل تطبيق الحكم الذاتى على اقليه او اثنيه محدده بولاية جنوب كردفان لما فيه من تصادم مباشر مع طبيعة التركيبه الاجتماعيه بالمنطقه, لا سيما وان النظام الفدرالى اكثر استقلالا وعدالتا بحكم العلاقه الدستوريه بينه وبين المركز .
تجربة الحكم الذاتى لجنوب السودان
بموجب اتفاقية اديس اببا فى العام 1972م تم منح جنوب السودان حكماً ذاتياً ولكن التجربه فشلت نتيجه للتدخل المركزى عندما قام نميرى بتقسيم الجنوب الى ثلاثه اقليم ناقضا بذلك الاتفاقيه مما تسبب ضمن عوامل اخرى فى اندلاع الحرب فى العام1983م والتى انتهت بأتفاقيه نيفاشا التى ادت الى انفصال الجنوب.
إن تجربة سلام نيفاشا الثنائية اعتبرت عبر اتفاق غير مكتوب او معلن ان الموتمر الوطني والحركة الشعبية كشريكين يتقاسمان السلطة والثروة في الولاية دون مشورة بقية المكونات السياسية والاجتماعية في المنطقة مما افرز وضعا محتقننا في المنطقة جعل قابلية عودة المنطقة للحرب ممكنة وهذا ماحدث عقب الانتخابات التكميلية التي فصلت علي مقاس الشريكين وعند اختلافهما حول نتيجة الانتخابات عادت الحرب التي زرعت بذورها في تربة الولاية علي طول فترة الحرب والانتقال ثم العودة إلى الحرب المستمرة الآن ، ان المدخل السليم لاى حوار او تفاوض حول مستقبل المنطقة ينبغي ان يشمل كل مكونات الولاية السياسية والاجتماعية بكل اثنياتها واعراقها وان الذي يتفق عليه يصبح ملكا لجميع اهل الولايةوالسودان
ولكن قبل ذلك نقول إن الوضع المأساوى الذى يعيشه اهلنا بالولايه يستوجب الوقف الدائم لأطلاق النار وتقديم المساعدات الانسانيه باعتبارها قضايا مرتبطه بحق الانسان فى الحياه لا تحتمل اى نوع من التأجيل او التأخير او التسويف ,علاوةً على ان الواجب الدينى والاخلاقى والانسانى يحتم علينا بذل كل ما هو ممكن من جهد من اجل تحقيق هذه الاهداف الساميه النبيله
حق تقرير المصير
عرف بعض فقهاء القانون الدولى حق تقرير المصير بانه ( حق اى شعب فى ان يختار شكل الحكم الذى يرغب العيش فى ظله والسياده التى يريد الانتماء إليها) باعتبار ان السياده ركن اساسى من اركان تقرير المصير, وبالرغم من ان مبدا تقرير المصير قد استهل فى العام 1526م لكنه لم يجد التطبيق الفعلى إلا فى بيان الاستقلال الامريكى المعلن 4/تموز/1776م وبعدها اقرت به الثوره الفرنسيه 1789م, كما ضمنه الرئيس الامريكى وودرو ولسن فى نقاطه(14) الاربعة عشر التى اعلنها بعد الحرب العالميه الاولى, والذى نسب اليه المصطلح بالرغم من استخدام مصطلحات مشابه من قبله, وعليه فان حق تقرير المصير Self-Determination هو مصطلح فى القانون الدولى يعنى منح الشعب او السكان المحليين إمكانية ان يقرروا شكل السلطه التى يريدونها وطريقة تحقيقها بشكل حر وبدون تدخل خارجى. حيث كان مبدا حق تقرير المصير فى جوهر اتقاقية فرساى التى وقعت بعد الحرب العالميه الاولى وامر باقامة دول قوميه جديده فى اوروبا بدلا من الامبراطوريه النمساويه المجريه والامبراطوريه الالمانيه, وفيما بعد كان هذا المبدا اساس المطالب لمناهضة الاستعمار بمعنى الدعوه الى إلغاء السيطره الاوروبيه الاستعماريه على افريقيا وآسيا, وتطرق مصطلح تقرير المصير منذ البدايه الى السكان الذين تربط بينهم لغه مشتركه وثقافه مشتركه(قوميه) والمقيمين فى منطقه محدده, حيث جرى تطبيق حق تقرير المصير من خلال الاعلان عن المنطقه وعن الجمهور المقيم عليها كدوله قوميه او كجزء يتمتع بحكم ذاتى داخل اتحاد فدرالى. وقد اتضحت الاشكاليه الكامنه فى تطبيق مبدا حق تقرير المصير فى الفتره الواقعه بين الحربين العالميتين وتمثلت تلك الاشكاليه فى ان قبول جميع المطالب بحق تقرير المصيرقد هدد تقسيم اوروبا الى دويلات صغيره وخلق المزيد من الحدود السياسيه التى تحول دون العبور الحر للناس والبضائع, ولقد حاولوا حل هذه الاشكاليات من خلال اقامة فدراليات مثل يوغسلافيا وتشيكوسلفاكيا وغيرهما. غير ان هذا الحل باء بالفشل لان الشعوب التى كانت تقيم فى هذه الدول لم تتمكن من تطبيق سلطه مشتركه لزمن طويل,ليس هذا فحسب, فلم يقطن كل شعب فى منطقه محدده, فيهود اوروبا اقاموا فى مجتمعات صغيره نسبيا منتشره فى جميع انحاء القارات, وكان الهنغاريون موزعين ما بين هنغاريا نفسها وإقليم ترانسلفانيا فى عمق الاراضى الرومانيه. ولقد جابه تطبيق حق تقرير المصير مشاكل اصعب فى فترة إلغاء الحكم الاستعمارى فى اواخر سنوات الاربعين من القرن العشرين, وفى سنوات الستين من القرن ذاته. ومن المعلوم انه قد تم تعريف الحدود السياسيه فى افريقيا وآسيا بموجب مصالح الدول الاوروبيه العظمى وكثيرا ما تجاهلوا المزايا الخاصه للسكان المحليين كالدين, العادات, اللغه وما شابهها, رات الامم المتحده التى قبلت بحق تقرير المصير كجزء من ميثاقها فى العام 1951م ان تطبيق حق تقرير المصيرهو داخل الحدود القائمه مما ادى الى اقامة دول متعدده القوميات تواجه صعوبه فى تطبيق حكم مشترك. وعموما يعتبر حق تقرير المصير حقا جماعيا وليس فرديا, بمعنى ان هذا الحق لا يمكن ان يمارس فقط من خلال فرد واحد او مجموعة افراد, بل هو خاص بعدد كبير من الناس توجد بينهم روابط مشتركه مثل اللغه والتاريخ والثقافه, وقد قيد القانون الدولى هذا الحق بعدة قيود حتى لا يؤدى الى تفتيت الدول وزعزعة سيادتها, فلو ان كل الاقليات فى الدول ستقول بان لها لغه وتاريخا مشتركا كأقليه, وبالتالى نطالب بالانفصال عن الدوله الام, فأن هذا يعنى تفتيت الدول , وعليه يمكن القول ان الحق فى تقرير المصير محصور فى حالتين الاولى هى حالة الشعوب الخاضعه للا ستعمار او الاحتلال, حيث بموجب هذا الحق يكون لها حق التخلص من الاحتلال الاجنبى اوالتمييز العنصرى, والثانيه هى حالة الاقليات التى تتعرض للاضطهاد او التمييز العنصرى الممنهج من قبل الدوله. وعليه اذا استبعدنا الحاله الاولى. فان الحاله الثانيه لا تنطبق على اقليه بعينها فى المنطقه باعتبار ان كل مواطنى جنوب كردفان قد عانوا من الظلم وويلات الحرب ولو بدرجات متفاوته ولذلك ياتى رفضنا لخيار تقرير المصير للاسباب الاتيه:-
1-إن وحده السودان ارضا وشعبا اصبحت تشكل راى الاغلبيه فى ولاية جنوب كردفان.
2- إن التنوع والتداخل السكانى بالمنطقه يجعل من الصعب تطبيق هذا المبدأ لاثنيه بعينها وإلا سيقود الى فتنه تهدد التماسك الاجتماعى والتعايش السلمى بين اهل الولايه.
3- قوة الارتباط التاريخى والثقافى والاجتماعى(اللغه العربيه, التصاهر, المصالح الاقتصاديه) بين اهل الولايه وبقية مناطق السودان الشمالى.
4- ابناء النوبه منتشرون فى كل ولايات السودان ولديهم انجازات تاريخيه على المستوى القومى, فليس من المنطق التنازل عن هذه الانجازات والتقوقع فى رقعه جغرافيه صغيره.
5- اتفاقية السلام الشامل الموقعه فى عام 2005م اقرت حدود 1/1/1956م فى ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب وبموجب ذلك اصبحت هذه المنطقه تتبع للشمال.
6- من الناحيه الجيوسياسيه ان هذه المنطقه مقفوله وليس لديها اى منافذ للخارج حيث يعتبر ميناء بورتسودان هو الاقرب مقارنتا بالموانىء الافريقيه كممبسا ودار السلام.
7- اقتصاديا فان الموارد الشحيحه او الغير متجدده قد لا تكون كافيه لتغطية احتياجات المواطنين فى ظل الانفجار السكانى المتوقع لا سيما وان الكثير من الدراسات اكدت يان اكثر انواع النزاع انتشارا فى الولايه هو النزاع حول الموارد الطبيعيه.
8- قد تؤدى المطالبه بحق تقرير المصير الى تشجيع العديد من المناطق للمطالبه بذات الحق مما يهدد وحدة وتماسك البلاد.
التطور الادارى لإقليم جنوب كردفان
كانت فى اقليم كردفان قبل التركيه سلطنات اهمها سلطنة المسبعات فى شمال كردفان وتقلى فى جنوبها والداجو فى غربها, ولم تكن سلطات هذه السلطنات تغطى كل محيطها, اذ توجد مكوكيات وسلطات قبليه مستقله او ضعيفه الروابط مع سلطة هذه السلطنات وقد نجد سلطات قبليه او مكوكيات كبيره يسمى رئيسها سلطانا وهو سلطان قبيله او مجموعه معينه اكثر من كونه يقود سلطنه بحدود جغرافيه معروفه.وبالتالى فأن اقليم كردفان قد تعرض لتغيرات وتحولات كثيره فى حدوده الاداريه عبر الحقب التاريخيه المختلفه نتيجة لعدم الاستقرار السياسى والاقتصادى فى البلاد, حيث نجد ان بروز كردفان كوحده إداريه يرجع الى الحكم التركى المصرى 1821م-1885م,وفى اعقاب سقوط الدوله المهديه أنشىء الحكم الثنائى مديرية كردفان فى العام 1903م والتى مرت بتغيرات عديده خاصةً بعد استقلال السودان فى عام 1956م,فالمتتبع لتاريخ كردفان يجد ان الحكم الثنائى وفى اطار سياسة المناطق المقفوله قد انشئ مديرية جبال النوبه وفقا لقانون المناطق المقفوله الصادر 1922م,حيث كانت كل القوانين واللوائح اللاحقه بما فيها قانون الحكم المحلى للعام1951م وقانون الحكم الشعبى المحلى للعام 1971م وقانون الحكم الاقليمى للعام 1981م تتعامل مع الجزء الجنوبى والشمالى من كردفان كوحده إداريه واحده,وفى العام 1974م قام النظام المايوى بتقسيم كردفان الى مديريتين وهما مديرية شمال كردفان وعاصمتها الابيض ومديريه جنوب كردفان وعاصمتها كادوقلى,وفى بدايات العام 1980م عندما اتجه نظام نميرى نحو اللامركزيه وتفويض السلطات للمستويات المحليه,تم إنشاء اقليم كردفان والذى ضم مديريتى جنوب وشمال كردفان كما كان عليه الحال فى العام 1974م, والاختلاف الوحيد هو ان النهود اصبحت عاصمة لشمال كردفان بدلاً عن مدينة الابيض, واستمر هذا الحال الى ان جاءت الانقاذ فى يونيو 1989م والتى اتجهت نحو اللامركزيه السياسيه بأصدار قانون الحكم الفدرالى عام 1991م,ولم يدم الحال طويلاً اذ انه تم اصدار المرسوم الدستورى العاشر فى العام 1994م والذى قسم السودان بموجبه الى (26) ولايه,كان نصيب كردفان منها (3) ولايات وهى(جنوب وغرب وشمال كردفان), وبعد (10) عشره سنوات من ذلك تم حل ولاية غرب كردفان وضمها لجنوب كردفان تلبيتاً لمطلوبات اتفاقية السلام الشامل,ولم تستمر هذه الحاله كثيراً حيث تم إعادة ولاية غرب كردفان مره اخرى فى العام 2013م كاستجابه لمطالب اهلها, و حينها عادت كردفان الكبرى للمره الثانيه بولاياتها الثلاثه. ويتضح من هذا السرد التاريخي أن المسمى لا يسمن و لا يغني من جوع، و قد يكون في كثير من الاحيان بمثابة (حبال بلا بقر). ولكن العبرة في المضمون الذي يخاطب جذور المشكلة سواء ان كان على المستوى المحلي أو الاقليمي أو الدولي.
الخاتمه
وبناءً على ما سبق ذكره لا اعتفد ان الحكم الذاتى او تقرير المصيرهما الانسب للولايه لانهما يرتبطان فى الاصل بحماية عرقيه معينه مما يجعل تطبيقه أمراً ليس بالسهل فى ظل منطقه تتميز بالتعدد الاثنى والدينى والثقافى لا سيما وأن هنالك خلافاً حول مسمى الولايه يحمل فى طياته صراعاً إثنياً خفياً,له انعكاساته على جغرافية المنطقه فالذين يطالبون بأسم(جبال النوبه) يقصدون فى ارض الواقع ولاية جنوب كردفان بحدودها الحاليه مضافاً إليها محافظة لقاوه,بينما يرى الآخرون ان اسم(جنوب كردفان) هو اكثر حيدةً لعدم ارتباطه بأى مدلول اثنى,هذا فضلاً على ان تجارب الحكم الذاتى فى معظم الدول كانت نتيجتها النهائيه هى الانفصال بسبب التدخلات المركزيه,ولذلك فى تقديرى الشخصى ان الافضل للولايه فى هذه المرحله تبنى اى صيغه من صيغ الحكم اللامركزى سواء إن كانت حكماً اقليميا او فدرالياً بحيث يطبق بصوره سليمه تحقق للمنطقه العدل فى قسمة السلطه والثروه وتعمل على تأهيل وإعادة ما دمرته الحرب وتسمح بالتعبير المتوازن عن التنوع الاثنى والدينى والثقافى بشكل يساهم فى تعزيز التماسك الاجتماعى والتعايش السلمى وصيانة الوحده الوطنيه ليس على مستوى المنطقه فحسب, بل على مستوى الوطن الكبير. بيد ان ذلك لا ينفى بأن هنالك من يرى ان الامثل للولايه هو تطبيق نظام فيدرالي حقيقي بوجود ثلاثة مستويات للحكم اتحادي وولائي ومحلي تسبقها ترتيبات لحوار حقيقي بين كافة مكونات الولاية السياسية والاجتماعية ترسي دعائم اتفاقات وتوافق علي القواسم المشتركة بين الجميع وتحدد اولويات المنطقة وحاجياتها والتمييز الواجب ان تحظى به في فى فتره الانتقال. واستمحيكم عذرا فى ان اسدل الستار على هذه الورقه بما قاله الامام الشافعى(راينا صواب يحتمل الخطأ وراى غيرنا خطأ يحتمل الصواب).
عبدالجليل الباشا محمد احمد
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
0912191878
المراجع
الكتب
1-د الاصم،الفدراليه فى السودان بين التحديات والتطبيق.
2- د محمد سليمان، حروب الموارد والهويه.
3- حامد البشير،جبال النوبه-الحكمه الغائبه والوعى المفقود.
4- حزب الامه القومى،رؤية الخلاص الوطنى.
5- السيد\ الصادق المهدى،مسالة جنوب السودان.
6- د- منصور خالد، النخبه السودانيه وإدمان الفشل.
الاوراق
7- ذو النون عبد النبى احمد الحكم، المحلى وعلاقته بالقطاعات النوعيه.
8- د عمر محمد عباس محجوب، مهام الفتره الانتقاليه-قراءه فى الاتفاقيات الوطنيه.
10- احمد على سبيل، التعايش السلمى وكيفية بناء النسيج الاجتماعى.
11- د محمد احمد بابو، خلفيه تاريخيه عن التعايش السلمى بالولايه.
12- عبدالجليل الباشا محمد،خلفيه عن النزاع فى السودان.
Analysis of nine conflicts in Sudan- UNicef
Race , Ethnicity, and tribal conflict- Journal of Adventist mission studies
D- AbdalbasitSaeed - Challenges facing Sudan a after Referendum
--
Sent from Outlook Email App for Android


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.