[email protected] ان مسالة عودة النازحيين ولاجئيين الى قراهم بمنطق الحكومة كلمة حق اريد بها الباطل. ليس من العقل او حتى المعقولية ان يذهب الناس الي المواقع القديمة لقراهم اذا امكن التعرف عليها وان يظلوا تحت الاشجار ان وجدت الى ان يجود السماء بخيراته' ان صدق موسم الامطار لتبني منها العشوش والاكواخ , وينعم الساكنيها براحة خالدة بما تقدمها حكومة البشير من الحبوب ما يغنى حاجة الناس الى المنظمات والنصاري الذين يكيدون للسودان كيدا . الواقع ان تفريغ النازحيين واللاجئيين من مواقعهم الحالية الي قراهم القديمة امر لم يكن بذات السهولة . وحتي هذه اللحظة ان الحكومة والمسالمين معها لم يدركوا الابعاد الحقيقية وما انطوت عليها من تدمير وسائل الحياة وحرق القري. اذا كان اهل هذه القري هم انفسهم لم يكونوا راضيين بانماط حياتهم القديمة ابتداء من الاسكان والمقومات الحياتية الاخري في الدولة التى تذخر بالموارد كالسودان' وكانت تلك وراء الثورة التى قادتنا الي هذا الجدل ولا يعقل ان تأتي الدولة وتعمل علي تدمير تلك المقومات علي قلتها وتعرض لما هو اكثر تواضعا. ان ماساة انسان دارفور اوشكت ان تكتمل ايامها عقدا كاملا ولا احدا يستطع مجرد التخيل كيف ان يعود الي القرية ويواجه الحياة بدون المقومات الضرورية . اولها التعامل مع السلاح الذى تم توزيعه بالطريقة العشواعية ، والحاجة الماسة الى المواد البناء ايا كانت نوعها ' ومصادر المياه غير تلك التى سممتها الحكومة , والمدارس والمنشأت الاخري التى بنيت بجهد شعبي بعد جهد جهيد وتم تدميرها بيد الحكومة ، وارضا مليئة بالالغام تم زراعتها بالطرق العشواعية ، والثروة الحيوانية التى هي عماد الاسر تم نهبها طعاما للجنود وحوافزا للجنجويد، وحدائقا وجنايينا تم اتلافها عن قصد . ولذلك، ان استمرار وجود هذه المعسكرات الى عقد اخر من الزمان امر لم يكن مجرد احتمال ، بل مؤكدا، وهي الفترة الكافية لنشؤ جيلا جديدا تربي علي يد المنظمات الغربية بخصائص تختلف من انسان دارفور، الذى يطلق سراح جميع الاسري بمن فيهم كبار ضباط الجيش الذى ادمن قتل الاسرى في كل تأريخه. وهنا الحديث بالحديث يذكر ان الجيش السودانى مرشح بالقوة في الدخول الموسوعة القنيس للارقام القياسية باعتبارها المؤسسة العسكرية الوحيدة التى حاربت نحو نصف قرن ولم تحتفظ حتى بأسير واحد فيما عدا الذين صدرت احكام الاعدام علي ذمتهم و ذلك لا يغير في الواقع شيئا . والعودة للموضوع ، صحيح ان قلق الحكومة لهذه المعسكرات لها مايبررها ، لانها تنتج جيلا من الشباب يميلون للانتقام ، ولم يرضو بالقري النموذجية ،ولا حتى بمدن دارفور المظلمة ناهيك عن العشوش . وعلي الحتمية ان هذه المعسكرات تنتج انسانا مختلفا منه يبدا فكرة التغير الواقع السياسي السودانى ومن المؤكد انهم لا يتنازعون في قيادة قوة غير موجودة ولا يعملون لحساب الغير بالوكالة. لا احدا يريد الحرب اواستمرار هذه المعاناه ، ولكن المؤكد ان سياسة الخرطوم التى ربطت استمرار معاناه اهل دارفور بتخلي ابناؤهم الحرب ضدها حتما ستؤدى الي نتائج كارثية علي مبدأ عندما يصبح الموت حتما فالافضل بيد الظالم . و يمكنك الرجوع الي ما قاله الناشط في احدى المنظمات الطوعية التى تم ابعادها من السودان في صحيفة واشنطن بوست " ان حكومة الخرطوم اخطأت عندما طردت المنظمات الانسانية واذا استمرت في هذه السياسة فانها تعمل علي التجويع عمدا حتي الموت الجماعي. هذه المرة وعليها ان تتذكر انها لم تنتصر علي اهل دارفور بالرغم من القتل والتدمير الا بعد دخول المنظمات و اوتهم واطعمتهم ' فان التجويع لا يعنى موت اهل دارفور فقط بل موت الحكومة علي الاقل في دارفور بشكل نهائي وحتى الخرطوم لم تكن عصية علي الشرارة –انتهى" ونحن مازلنا نؤكد ان حياة البشر في دارفور غير قابلة للتفاوض ، وان محاولة وضع سكان الاقليم موضع الرهائن لتقوية موقفها التفاوضى او الصراع بشكل عام ، قد تبدو سياسة ناجحة الان . ولكن، بالتأكيد ابعادها المستقبلية بالغة الخطورة لانهم ليسوا في حاجة الي وضعا يمكنهم من الانتصار وحتى الانتقام ان ارادوا سوى اعادة ترتيب صفوفهم ، وهو شيئ لم تندرج في باب المستحيلات. ولذلك، ان عودة النازحيين واللاجئيين امرا مهما للغاية لصناعة السلام ولكن هذه العودة مرتبطة بجملة من الاجتهادات ليس من بينها جهود منياوى او خليل او عبد الواحد او التجانى اوغيره جملة كانوا او فرادى . فان استحقاقات هذه العودة قد تكون مكلفة لكن لابد منها في شقها السياسي تكمن في اعادة النظام الامنى ، والعمل علي السيطرة علي نحو مليونى قطعة السلاح ،ورتق النسيج الاجتماعي. متزامنا مع اعادة بناء النظام الاقتصادى المنهار كليا في اقرب فرصة ممكنة بتسهيل اجراءات الجمركية والتريب تجارة الحدود ومشروعات تستوعب اكبر عدد ممكن من الايدى العاملة ومصانعا للمنتجات المحلية واعادة صيانه المزارع و المراعى المتدهورة بصناعة السلامن وزالة الالغام وتخصيص جزءا معتبرا من عائدات البترول في مشروعات التنمية ، ومنح دارفور فرصة ابرام الاتفاقيات مع دول الجوار ومع كامل التمثيل الدبلوماسي مع هذه الدول ودفع التعويضات الفردية والجماعية المادية والمعنوية. وعلي الشعب السودانى ان يكون مستعدا لدفع ثمن السلام او الاستمرار في دفع ثمن الحرب،و من المؤكد سوف تفرخ هذه المعسكرات عناصر يصعب السيطرة علي سلوكهم وطموحاتهم ، قد يطال اكثر من حكومة البشير. نعم، ان الحكومة تعلم تماما بان بناء مساكن ايا كان نوعها لربع سكان دارفور او اكثر امر ليس بذات السهولة . ولا اعتقد ان الحكومة تنوى فعل ذلك ، لان بناء هذا العدد من القري النموذجية او العادية يتطلب اكثرمن مصنعة للاسمنت ، والطرق لنقل المواد اللازمة للبناء، وتوفير المياه لهذه الاستخدامات مع ديمومتها، والكهرباء لتشغيل المعدات، وبنكا عقاريا تؤسس لهذا الغرض تستقطب دعما محليا ودوليا وتكون تحت ايدى امينة وليس تلك الايدى التى طالت اموال طريق الانقاذ وتركوها مستورة . بيد ان الواقع لا تبدو شيئا من هذا القبيل في الافق، الا اذا قررت السلطة اعادة العشوش . واحسب ان ذلك اكثر الصعوبة بسبب عدم وجود المواد اللازمة ، علي الاقل في شمال دارفور حتي اذا رضى اصحاب الشان . وفي كل الاحوال ، طال الزمن او قصر' ومهما عظمت الكلفة فان الدولة ملزمة الزاما كاملا بشأن ايجاد المأوى المناسب ' واعادة المتلكات المنهوبه. وخاصة ، اذا كانت هي السبب في التدمير والتشريد مع سبق الاصرار. ولذلك، ان عودة النازحيين واللاجئيين هي قضية حرب في دارفور برمتها وليس مجرد الحديث في حلقات الرقص او كاحدى بنود الاتفاق لاتفاقيات الفرعية.