الذي يتصدى لتفسير وتحليل احداث بورتسودان الأحيرة عقب المواجهات الدامية غير المسبوقة بين المكون الرئيسي الام (البجا) وأحد الفروع الأصيلة (البني عامر ) توطئة لوضعها بملابساتها واسبابها وتداعياتها على طاولة التشريح بكل هدوء وعقلانية سيصاب بالحيرة والصدمة لأن نيران هذه الاحداث المفجعة التي كانت بكل المقاييس نبتا شيطانيا كادت ان تحرق الأخضر واليابس انطلقت من أطراف بورتسودان ومن قلب العدم لهبا من دون مقدمات سرعان ماتعالت السنته يهدد كل مظاهر الحياة في هذه المدينة الاستراتيجية الهامة التي تعتبر دون منازع اكثر مدن السودان حساسية . (2) المظهر المأسوي للأحداث يؤكد لكل من يملك قدرة الاصغاء ونعمة البصر والبصيرة بأن فتيل الاشتعال لم يكن وليد تراكمات طويلة من العداء والدليل ان قبائل البجا بكل تفريعاتها بما فيها البني عامر أنفسهم تعايشوا على مدار مئات السنين في امن وأمان ولم نعرف مواجهات ونزاعات ومعظمها حول الارض واذا حدثت فسرعان ما يمكن احتوائها من قبل الادارة الاهلية . (3) ندرة الخلافات والنزاعات يعود الى القناعات الراسخة في أذهان الجميع بأن الارض وملاكها معروفين من حدود اريتريا جنوبا الى حدود مصر شمالا ..كل فرد في هذه الفسيفساء بمختلف المسميات يعرف حدوده التي ورثها أبا عن جد شبرا شبرا والقفز فوق هذه المسلمات انتحار. اذا كان الامر كذلك فكيف اندلعت المواجهات الشيطانية وكيف يمكن تأمين ضمانات مستقبلية لعدم تكرارها واعادة انتاجها قبل أن تتحول الى مرارات تغذيها الثارات والثارات المضادة ؟. (4) بجانب عصبية القبيلة فهناك قضية جوهرية هنا تتمثل في الفقر وضنك المعيشة وغياب فرص العمل اذ ان المنطقة تتصدر اقاليم السودان في قائمة الاقل حظا في التنمية ولعل هذا يفسر البحث عن مناطق نفوذ والصراع على الموارد الشحيحة أصلا .اتفاقية الشرق تنبهت الى هذه (القضية المنسية) ووضعتها ضمن مخرجاتها تحت شعار التمييز الايجابي ولكن ماتم تنفيذه على ارض الواقع كان زهيدا ان لم يكن صفرا على الشمال وأظن ان الدكتور حمدوك قد أشار لها بعد زيارته للبحر الاحمر . هذه قنبلة موقوتة وتجاهلها كارثة . (5) أصابع الاتهام تتجه أيضا وفي اطار تحليل الازمة الى وسائل التواصل الاجتماعي التي وظفها ضعاف النفوس في شحن النفوس المسكونة بالقبيلة بالعداوات والكراهية .ولكن هناك ايضا حقائق ماثلة لا يمكن اغفالها . (6) هناك رسائل متطرفة سالبة من كلا الطرفين يتحمل الوزر الاكبر منها صراحة قلة من الصقور من اخواننا البني عامر الذين ملأوا فضاء الاسافير برسائل لايفهم منها الى الدعوة الصريحة الى الحرب والمواجهات واعداد العدة من رباط الخيل والقوة لاثبات الذات ! (7) هؤلاء على دراية تامة بقيمة الارض رغم بؤسها وتعاستها عند الانساني البجاوي بالمعنى الواسع للكلمة (هدندوة ..أمرأر ..بشارين ..بني عامر ) يعرفون أن هذا الانسان البائس جاهز للموت من اجل متر منها وانه يحنى رأسه للفاقه والحرمان الا الارض فهي مقدسات لاتقبل النقاش فهل يتم اثبات الذات عبرادعاء ملكية ارض ليست ارضهم ببسط فرش على المساحة من مرافيت الى حلايب والزعم بانها تعود لأسلافهم . (8) اي منطق هذا..اي جنون هذا .. لمن تقرع هذه المزامير ولمن يريدون اثبات الذات اذن ؟ هل لهذا الشعب البائس التعيس الذي يكد ليله بنهاره لتوفير لقمة العيش في ادنى مستوياته لابنائه . الخطاب التعبوي في حاجة الى ضبط والتجاوزات والمزايدات هنا لا تجدي شيئا سوى صب المزيد من الزيت الى النار المشتعلة أصلا . (9) قطع شك هؤلاء ليسوا من طينة قاسم ضرار ولا الراحلين المقيمين الدكتور محمد نور محمد موسى وزوجته مريم محمد على وجعفر محمد على ومحمد سعيد سراج (عاشق هوشيري) وليس منهم ايضا اخوتنا في الرياض عمر امير وابوبكر والكاتب والمفكر الكبير محمد جميل . وزملاء اعزاء كثر أكلنا معهم العيش والملح في الاغتراب. (10) العد التنازلي للقلد (الهدنة) التي تم ابرامها بين البني عامر والبجا يقترب من خط النهاية والاجواء متوترة ولاندري ماذا فعل الوسطاء (الحكومة تحديدا ) لايجاد مخارج نحو السلام المستدام لقفل باب الاحتمالات المفتوح على مصراعيه وعلى كل الاتجاهات . (11) وتبقى كلمة اخيرة ينبغي ان لا تفهم بعد ضحى الغد وهي أنه لا خيار أمام انسان الولاية سوى السلام والتعايش السلمي المستمد قوته من الاعراف والتقاليد المسنودة من شرع الله ..عدا ذلك فان كل الطرق مسدودة والبدائل مفقودة فقد علمنا التاريخ أن لارابح من الرهان على العنف والحرب هناك دائما خاسرواحد هو ابن المنطقة . عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.