سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    تقارير: الميليشيا تحشد مقاتلين في تخوم بلدتين    جنوب إفريقيا ومصر يحققان الفوز    مجلس التسيير يجتمع أمس ويصدر عددا من القرارات    المريخ يواجه موسانزي ويستهدف فوزه السابع تواليا    شاهد بالصورة.. الناشط محمد "تروس" يعود لإثارة الجدل ويستعرض "لباسه" الذي ظهر به في الحفل الضجة    شاهد بالصورة.. الناشط محمد "تروس" يعود لإثارة الجدل ويستعرض "لباسه" الذي ظهر به في الحفل الضجة    سيدة الأعمال رانيا الخضر تجبر بخاطر المعلم الذي تعرض للإهانة من طالبه وتقدم له "عُمرة" هدية شاملة التكاليف (امتناناً لدورك المشهود واعتذارا نيابة عنا جميعا)    شاهد بالصورة والفيديو.. المذيعة تسابيح خاطر تستعرض جمالها بالفستان الأحمر والجمهور يتغزل ويسخر: (أجمل جنجويدية)    سيدة الأعمال رانيا الخضر تجبر بخاطر المعلم الذي تعرض للإهانة من طالبه وتقدم له "عُمرة" هدية شاملة التكاليف (امتناناً لدورك المشهود واعتذارا نيابة عنا جميعا)    شاهد بالصورة والفيديو.. المذيعة تسابيح خاطر تستعرض جمالها بالفستان الأحمر والجمهور يتغزل ويسخر: (أجمل جنجويدية)    القيادية بالحرية والتغيير حنان حسن تفاجئ الجميع وتدافع عن الطالب الذي أهان معلمه بالرقص أمامه: (ما شفت رقصه قلة أدب ولا عدم تربية وانتو خالطين بين الاحترام والخوف وبين التربية والقسوة)    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    جامعة الدول العربية تردّ على مبادرة كامل إدريس    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    الإشكالية فوق الهضبة الإثيوبية    خطة أميريكية لوقف القتال في السودان    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    في افتتاح منافسات كأس الأمم الإفريقية.. المغرب يدشّن مشواره بهدفي جزر القمر    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    تعرف على القيمة السوقية للاعبي المنتخب السوداني المشاركين في أمم أفريقيا.. نجم الدوري التايلندي الأغلى.. صلاح عادل يتفوق على الغربال وروفا في مركز متأخر ب 100 ألف فقط    مكافحة التهريب بكسلا تضبط 13 ألف حبة مخدرات وذخيرة وسلاح كلاشنكوف    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    ريال مدريد يزيد الضغط على برشلونة.. ومبابي يعادل رقم رونالدو    وفاة مسؤول بارز بناد بالدوري السوداني الممتاز    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    تونس.. سعيد يصدر عفوا رئاسيا عن 2014 سجينا    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    ترامب يلغي وضع الحماية المؤقتة للإثيوبيين    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هوامش على خلفية الجدل حول مشروع موازنة 2020: ما من سبيل للإصلاح الاقتصادي في غياب نموذج تنموي تضامني .. بقلم: خالد التيجاني النور
نشر في سودانيل يوم 27 - 12 - 2019


(1)
على نحو يبدو معه كمن فوجئ الجميع بحلول موعد ضرورة جهوزية الموازنة العام للدولة للعام 2020 الذي تبقت له أياما قليلة، حتى بات النقاش حولها يسيطر على الساحة العامة وسط جدل محموم انخرط فيه عامة الناس، كما انشغل به الخواص في الطبقة السياسية، وشهد شداً وجذباً بين وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، واللجنة الاقتصادية بالمجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، الحاضن السياسي للحكومة الانتقالية، على خلفية اختلافات عميقة بين الطرفين، ليس حول السياسات والأرقام، بل مضى أبعد من ذلك إلى المنطلقات، مما أفرز سيناريوهين متباينين لمشروع موازنة العام الجديد، فيما انخرط مجلس الوزراء في محاولة توفيقية بين الطرفين أوكل مهمتها إلى لجنة مصغرة برجاء أن تصل إلى معادلة يجيزها المجلس اليوم الخميس وقد آذن العام بالرحيل، وسط مخاوف أن يبزغ فجر العام الجديد والحكومة بلا موازنة في سابقة ذات دلالات خطيرة.
(2)
صحيح أن هذا الجدل في حد ذاته وإثارة النقاش حول موضوع مشروع الموازنة وخيارات السياسة المالية المطروحة أمر محمود ومطلوب بشدة من باب توسيع مجالات الحوار حول قضية عامة تمس حياة كل مواطن، إلا ان السياق الذي يجري فيه هذا الجدل يثير القلق حقاً بشأن مستقبل أوضاع السودان الاقتصادية، وبالتالي تداعياتها السياسية والاجتماعية بحكم التبعات المترتبة عليها، وأول مثيرات القلق أن يتحول إلى نقاش غير منتج، على خلفية دوغمائية التحيّزات الأيدولوجية والحزبية، بدرجة تجعله حواراً دائرياً في حلقة مفرغة، هدفها الانتصار للذات الأيدولوجية أو الحزبية على حساب المصلحة العامة لسائر الشعب الذي يملك وحده حق تقرير مصائره السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتحديد وجهاتها.
(3)
المسألة الثانية المثيرة للقلق تتعلق بمحدّد آخر لمردود الحوار مسكوت عنه في ظاهر الأمر لكنه في الواقع يشكّل عاملاً بالغ التأثير في تحديد اتجاهات ومسارات ونتائج هذا النقاش، والمقصود هنا التبعات السياسية الناجمة عن الخيارات الاقتصادية المطروحة بهدف الإصلاح، ذلك أنه مما لا شك فيه أنه لأية عملية إصلاح اقتصادية، وهي مؤلمة بطبعها لا سيما في ظل مأزق الاقتصاد السوداني الراهن وواقعه المأزوم، كلفة سياسية باهظة الثمن ليس أقلها تبديد الرصيد الشعبي، وهو ما يطرح تساؤلاً مهماً إن كانت دوافع بعض قوى الحرية والتغيير الساعية لاستدامة سيناريو "حالة الأمر الواقع" الراهنة للاقتصاد السوداني الموروثة من النظام السابق يفرضها عدم الاستعداد لدفع الكلفة السياسية الحتمية لأي عملية إصلاح، بغض النظر عن سيناريو وزير المالية والتخطيط الاقتصادي د. إبراهيم البدوي، فالظاهر ان الخشية من دفع ثمن هذا الكلفة السياسية هو المحفز لمقاومة استحقاقات التغيير، بأكثر من الانشغال بضرورات الإصلاح بكل تبعاته سوى على المدى القصير أو البعيد، وهي نظرة لا تخلو من أنانية تقدم المصلحة الحزبية الضيقة على المصلحة العامة المتوخاة.
(4)
ويقود هذا إلى جانب آخر هو محدودية أطر النقاش، وحصره في نطاق ضيّق، مثلما ما نشهد من احتدام الجدل حول موضوع ما يعرف في الأوساط العامة ب "رفع الدعم"، الذي يستدعي إلى الآذهان مياشرة الأثر المترتب عليه برفع أسعار السلع والخدمات كافة، لا سيما تلك التي كانت توصف بأنها "مدعومة" من قبل الحكومة، هذا الجدل المحموم حول "رفع الدعم" الذي يسيطر على الساحة، وينخرط فيه أهل الخاصة من القادة والمختصين، كما يشغل بال عامة الناس من المستهكلين، يقوم دليلاً ساطعاً على الخلل الكبير في تناول الشان الاقتصادي بتبعيض وتجزئة مضللة تقود إلى نتائج خاطئة تماماً، جراء التشخيص الخاطئ لجذور علل الاقتصاد السودانئ، وبالتالي إلى تقديم وصفات علاج غير فعالة ولا ناجعة، تؤدي في خاتمة المطاف إلى استدامة المرض بدلاً عن علاجه.
(5)
كثرة الحديث عن "رفع الدعم" وسبل علاجه مقاربة فاشلة بامتياز في مخاطبة أزمة الاقتصاد السوداني، ذلك أن دعم السلع والخدمات ليست هي سبب مرض اقتصادنا العليل، فهي لا تعدو إلا أن تكون واحدة من أعراضه ىالمستفحلة، فاللجوء إلى الدعم هو نتيجة وليس سبباً في المأزق الاقتصادي، وهي واحدة من مظاهر الاختلالات الهيكلية في مؤشرات الاقتصاد الكلي المعتلة، لذلك فإن الحديث عن إزالة الدعم والإصرار عليه، وكأنه عصاة سحرية ستصحح بلا شك الأوضاع الاقتصادية المتعثرة هو ضربا من الخيال، فالأصل في الأصلاح هو تبني استراتيجية شاملة بهدف إزالة الخلل والتشوهات في الاقتصاد الكلي لخلق المناخ الملائم للنمو الاقتصادي المستدام، وبمعدلات عالية في ظل حالة استقرار اقتصادي طويل المدى، وأهم مؤشرات الاقتصاد الكلي المعنية المعروفة ب العناصر المتغيرة، من معدلات التضخم وسعر الصرف وموقف الحساب الجاري الخارجي، ومعدل نمو الناتج المحلي الإجمالي، وبغير معالجة التضخم، الذي تتآكل معه القوة الشرائية للعملة الوطنبة، وكبح جماجه يصبح اي حديث عن إصلاح الدعم بمثابة حرث في البحر، أو كالدوران في حلقة مفرغة، وبالتالي فإن التضخم من أهم العلل التي تؤدي إلى الخلل في الاقتصاد الكلي، وبالتالي عدم الاستقرار في الاقتصاد بفعل تأثيرها على العناصر الأخرى المحركة للطلب الكلي، مثل سعر الصرف، والحساب الخارجي، وعجز الموازنة العامة.
(6)
يكشف هذا التعاطي المختل للقضية السودانية الاقتصادية عن مشكلة أعمق هي الافتقار إلى رؤية كلية شاملة عند الأطراف كافة لمستقبل البلاد الاقتصادي، بالطبع ضمن اشتراطات توفر إطار سياسي موات، فقد ظل الديدن الدارج هو الانشغال بمناقشة الفروع وليس الجذور، والأعراض وليس الأمراض، فأصبح أمر الاقتصاد يناقش ويدار في إطار الإجراءات الروتينية والبيروقراطية، وليس على خلفية الرؤى المبدعة والأفكار المبتكرة، وهو ما ظل يفتقر إليه اقتصاد بلد غنية بالموارد المتنوعة، فأحال قصر النظر وغياب الرؤية والافتقار للقيادة الملهمة المفجرة للطاقات والمحفزة للهمم، أحالها إلى نقمة بدلاً من أن تكون نعمة، وحلت بنا "لعنة الموارد" الوفيرة الكامنة في ظل عجز قيادي تاريخي عن تحويلها إلى فرص نهوض لا تنضب، وأحالت البلاد إلى عالة على غيرها متسولة للهبات والعطايا، وأراضيها عطشى للتنمية يقتلها الظمأ والماء على ظهورها محمول، أو كما لخص صلاح أحمد إبراهيم مأساة السودان: النيل هنا .. وكل خيرات الأرض هنالك... ومع ذلك .. ومع ذلك...
(7)
والجدل الذي تفجّر مع إعداد مشروع الموازنة يكشف أيضاً جانباً مهماً عن مشكالة في فهم ما تعنيه، فهي ليست نهاية الكلم، ولا هي القول الفصل في شأن الاقتصاد، فضلاً عن أنها لا تحيط بكل جوانبه، وبالتالي لا ينبغي أن تعتبر وكأنها أم العقبات كلها، فالموازنة العامة للدولة، هي الأداة المالية لتشغيل الحكومة للقيام بواجبها في إدارة شأن المواطنين، فهي في جانب منها بيان تقديري تفصيلي معتمد يحتوي على الإيرادات العامة التي يتوقع أن تحصلها الحكومة، والنفقات العامة التي يلزم إنفاقها خلال سنة مالية قادمة؛ فالموازنة تعتبر بمثابة البرنامج المالي للخطة عن سنة مالية مقبلة من أجل تحقيق أهداف محددة في إطار الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة.
(8)
وما ينقصنا حقاً في واقع الأمر هو عدم وجود استراتيجية أو خطة عامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهذه مهمة ليست منوطة بوزارة المالية والتخطيط الاقتصادي وإن كانت جزءاً مهماً منها، بل هي مهمة مجتمعية بامتياز، تشترك فيها قيادات إدارات الحكم، كما تشارك فيها القوى السياسية، والمؤسسات الأكاديمية والمراكز البحثية، وعامة الناس، فالحوار المجتمعي المطلوب هو للتواضع على الرؤية الكلية للنموذج الاقتصادي التنموي المطلوب للسودان سواء على مدى القصير أو المتوسط أو الطويل، وهذه هي الفريضة الغائبة حقاً فبعد ثورة ديسمبر المجيدة كان حرياً الدعوة لهذا الحوار المجتمعي الموسع، للتوافق على الأهداف التنموية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية وفق رؤية واستراتيجية وتراض وطني، لأنها هي وحدها التي تحدد خارطة طريق المستقبل ووجهته، وتبقى من بعد ذلك كل البرامج والخطط هي مجرد أدوات لتنفيذ النموذج التنموي الذي تم الاتفاق العام حوله، وحينها لن يكون هناك مجال لجدالات انصرافية حول تفاصيل صغيرة. وهذا ما يجعل الحاجة ماسة للإسراع في عقد مؤتمر جامع يناقش هذه القضايا المصيرية بأسرع ما يتيسر، ليس ترفا بل أول شرط لتعبيد طريق الإصلاح الحقيقي.
///////////////////


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.