تربيتنا فى طفولتنا تختلف عن تربية أبنائنا وأحفادنا اليوم. طفولتنا كان يكتنفها نوع من الخوف.. الخوف من العقاب أياً كان ضرباً أو حبساً أو حرماناً أو زجراً أو جميعها معاً حسب نوع وحجم الخطأ أو الجريرة. فالعصا كانت إحدى طرق التربية ومن أدوات العقاب للأبناء من جانب الأب والمعلم ولذلك فالرابطة بين الإبن والأب والمعلم كانت رابطة تشوبها الرهبة والخوف. تحديداً كان الخوف مبعثه مصدرين، .المصدر الأول الأب والمصدر الثانى المعلم بنفس القدر والمستوى.. لكن بالنسبة لطفولة اليوم فالآيتان معكوستان بمعنى أن الطفل يكون مدللاً لدى الأب كما أنه يكون صديقاً للمعلم.. فالرابطة إذن هى الحب فى الحالتين.. فشتان مابين طفولة الأمس وطفولة اليوم وما بينهما من أجيال. عن نفسى وإخوانى كان لدينا شعور بالخوف من أبى رغم أنه لم يمد يده علينا يوماً ما ولم أره يحمل بيده عصاة ولو لزوم الوقار أو الإتكاءة اعندما بلغ الكبر. ولا أعنى هنا بالخوف الجزع أو الهلع لكن أعنى تحديداً الإحترام والتقدير المصحوبين بالرهبة والطاعة بحيث أنك لا تتحدث إلا إذا سئلت ولا تخالف إذا أمرت ولا تغيب إلا إذا إستأذنت. بيد أن أبى كانت تغلب عليه عاطفة الأبوة على الرغبة فى تطبيق الجزاء. فهو لا يتحمل أن يعاقبنا بنفسه ولذلك يوكل هذه المهمة الصعبة مضطراً إلى جهتين متخصصتين، الجهة الأولى خالي "محمد حسن دهب" الذى كان على أهبة الإستعداد بكل أدوات العقاب والتعذيب من كفيتٍ وعصىٍ وخيزران وسوط عنج وفلقة وخلافه. والجهة الثانية ناظر المدرسة الذى وظف صول متقاعد تخصص فى الضرب، ضرب الطلاب وضرب جرس المدرسة. الأمثلة عن الطفولتين كثيرة.. ولعهد طفولتنا سأكتفى بمثال. وأنا طالب كنت أمارس هواية لعبة كرة القدم مع فريق خارج إطار فريق المدرسة الشيء الذي كان لا يُرضى أبى فقد كانت إرادته أن أحصر نشاطي الرياضي على فرق المدرسة فقط. فى يوم من الأيام خالفت أمره وإشتركت فى مباراة مصيرية لفريق الحىّ. وأثناء المباراة لمحت سيارة أبى "الموريس ماينور" الصغيرة توقفت أمام الميدان فأدركت الخطر القادم وخرجت من الميدان وركبت معه السيارة. لم يتحدث أبى معي طوال المشوار ولدهشتي اتجه صوب مدرستي واذا به يتوقف أمام منزل ناظر المدرسة المرحوم الاستاذ "حسين النور". جلسنا معه وحكى له أبى قصة الكرة والفريق ومخالفتي لأوامره، فاستمع الناظر الى أبى جيداً وهدأ من غضبه و وعده خيراً وخرجنا منه. وفى طريق العودة كنت أفكر فى ذلك الخير القادم وصرت أكثر قلقاً لما يخفيه صباح الغد من ذلة وعقاب. وفى الصباح استدعاني الناظر بنفسه في طابور الصباح ثم ألقى محاضرة عن عقوق الوالدين وضرب مثلاً حياً بحالتي ثم عوقبت بعشرين جلدة أمام حشد الطلاب. الشاهد أن أبى رغم أنه لم يعاقبني لمخالفتي لأوامره، وترك هذه المهمة لناظر المدرسة، إلا أن حاجز الخوف كان متأصلاً فينا. كنا نخاف منه دون مبرر فقلبه كان أضعف من أن يحتمل خدشة فينا أو دمعة فى مآقينا. أما مثال طفولة اليوم فقد رأيت حفيدي "كريم" خارجاً يحمل معه هدية مغلفة ولحب الإستطلاع سألته أين ذاهب؟ فأجابنى: أنه مدعو لحفل عيد ميلاد معلمه...عجبى..المعلم بحالوا!! عندما كنا نلمح الأستاذ فى الشارع كنا نترك له الشارع الذى يسير فيه ونهرب إلى شارع آخر. مثال آخر فى نفس السياق.. صديقى "سعد سيد" غضب غضباً شديداً من إبنه جمال لأن معلمه أرسل له رسالة بلغه فيها أن الطفل جمال يشكل مصدر إزعاج فى الفصل..فقال جمال لوالده مهدئاً : أخبرنى ماذا يرضيك وسوف أحضر لك رسالة إعتذار مكتوبة من المعلم نفسه لما سببه لك من غضب !! إزاء هذه العلاقة الممزوجة بالعاطفة والرهبة فى طفولتنا، والتى لم تكن حالة خاصة بل حال أجيال وأجيال، كانت الصراحة مع أبى يشوبها الخجل والتردد وتسقط أرضاً قبل أن تحلق. فكان لابد من وجود بوتقة تنصهر فيها كل رغباتنا و أحلامنا قبل أن يشكلها الصائغ وتصل إلى مرحلة التقييم. كانت أمى المرحومة "الحاجة هانم حسن دهب" هى تلك البوتقة وحلقة الوصل الأمينة مع أبى. كنا نحكى لها أو تسمع من حديثنا كل ما يجول بخواطرنا من أحلام الطفولة والصبا، وما أكثرها فى تلك المرحلة العمرية، وتقوم بصياغتها، بطريقتها المهنية، وهى معلمة الأجيال، ثم تحملها فاكهة مقشرة إلى أبى ليبت فى الأمر بعد التشاور الثنائي، وهو صاحب الحكمة والإهتمام، لتتحقق الأحلام ويفرح الصغار. ولذلك نلنا كل أمانينا وتحققت أحلامنا بفضل الله سبحانه وتعالى ثم بفضل أمي وأبي. الحاجة هانم كانت لا تقف عند حد صياغة و توصيل الرغبات بل كانت بالمقابل تزوده بكل الأخبار والمعلومات عنا صغيرةً كانت أم كبيرةً، ولذلك كانت شقاوتنا وكل أمورنا فى الخفاء مفضوحة عند أبى إلا أننا كنا كثيراً ما نفلت من عقاب الخال بتدخل أمى فهى التى كانت تكشفنا عند أبى وفى نفس الوقت كانت تقف أمام أى عقاب لنا بالعصا أو بغيره. رغم هدوء أبى وحكمته ما كان يتعبه ويؤرق منامه أنه كان دقيقاً يهتم بكل صغيرة وكبيرة وكل شخص قصده أياً كان، ولا يرتاح له بال إلا إذا أكمل المهمة كما يريد ليبدأ مهمة أخرى بنفس روح الإهتمام.. وهكذا دواليك... ولذلك كانت حياته ينتابها التفكير الدائم والقلق ومشغولية البال فى كثير من الأوقات لأنه لم يعش لنفسه بل عاش مشكلة كل من قصده و من لم يقصده طولاً وعرضاً وكما قال المتنبى: "إذا كانت النفوس كباراً تعبت فى مرادها الأجسام". لكن جعل الله له أمي بجانبه بلسماً مخفضاً لترمومتر حرارته فهي كانت أكثر واقعية ولا تهزها المشاكل والنكبات بنفس القدر. فى أبريل 2009 نُكبنا بحدث كبير عكر صفو الماضي و الحاضر وهو الرحيل المفاجئ لأبي إلى الرفيق الأعلى... كانت فاجعة كبيرة ومصاباً جللاً حيث فقدنا الأب والمعين والسند الذي كان لا يهدأ له بال ولا يغمض له جفن قبل أن يختم صفحة مفكرته اليومية مدوناً فيها كل ما أنجزه فى ذلك اليوم وما تبقى ليوم الغد. كان رحيله زلزالاً كبيراً على نطاق الأسرة الكبيرة لكن الحمد لله فقد تجاوزنا هذه المحنة بالصبر ومشاركة الأهل والأصدقاء والجيران وجماعة مسجد الحى ودعواتهم التى ما توقفت إلى يومنا هذا. ومنذ عام 2009 بدأت حقبة أخرى من حقب الحياة.. الحاجة هانم أصبحت فى الواجهة وصارت تلعب دوراً مزدوجاً فى حياتنا. فى هذه الحقبة الأحادية كنا قد كبرنا وبلغنا من العمر عتياً وصرنا بأحفادنا ولذلك لم يكن دورها صعباً تجاهنا بقدر صعوبة فراق شريك الحياة بعد مضى أكثر من 68 عاماً من الإلفة والعشرة. صارت الحاجة هانم هى محور الأسرة كلها الكبير والصغير والطفل.. يجدون عندها فى سريرها فى الغرفة أو على كنبتها فى الصالة الإطمئنان والحنان والعلم والمداعبة والمزح. كانت هذه الحقبة قصيرة بمقياس الزمن إلا أن الحاجة هانم أدت فيها أدواراً مهمة كثيرة فوق دور الأم. أولها.. فقد صارت عميدة الأسرة التى يتجمع عندها القاصي والداني الصغير والكبير لكل ما يخطر على البال أكان رأياًَ أو نصيحةً أو تقاسماً للهم.. ولم تخذل أحداً منهم يوماً. ثانيها.. هناك من يحبون سوق عكاظ يأتون ويجدون ضالتهم عند الحاجة هانم تتحفهم بإلقائها أبياتاً من شعرها وشعر المتنبى والبحترى ومقتطفات من المعلقات السبع وشعر أحمد شوقى وحافظ إبراهيم وأبيات من الشعر الحديث التى تمجد التربية و التعليم.. لقد كانت موسوعة فى جانب الأدب والشعر والأمثلة العربية.. ولا بأس من ترديد أبيات من شعرها حين عبرت ببلاغة فى مرثيتها لصديقتها الحاجة فتحية عبدالرحمن الصائغ، طيب الله ثراها، فى الذكرى الأولى لرحيلها: عامُ يمرُ عليّ يا فتحيه مُنذ إرتحلت لداركِ الأبدِيه وتركَتنى فى وحشةٍ ومرارةٍ أقضى الزمان تعيسَة وشقِيه قد أظلمت دُنياى يا لتعاستي بفراق أختٍ بارةٍ و وفيّه وجْه بهىُ بالمسرِة فائضُ ينسى الأسى ويرد كلَّ بليّه انظر إليها كيف تَلقى ضَيفها و ترُد بالبسماتِ كل تَحيه أرع النجُوم ما أويت لمضجعي مَنذا يُسامرني سوى فتحيه ثالثها .. كانت الحاجة هانم منهل علم ومصدر فخر للأحفاد تلتقيهم فى السودان و أبوظبى والدوحة من وقت لآخر. ورغم فارق الأجيال إلا أن التمازج الوجدانى والأخذ والعطاء معها كان سهلاً، فاللغة العربية والأدب والشعر له موسيقى جاذبة فجعلت الأحفاد يحبون اللغة العربية ويرددون معها الشعر والأمثال العربية لدرجة أنهم حفظوها وإستعملوا التقنيات الحديثة وسجلوا لها كل كلمة قالتها.. وقد صدق من قال أنها معلمة الأجيال. رابعها.. الحاجة هانم والحاج محى الدين جعلا بيتهما مفتوحاَ فى أى وقت للضيوف لا يزعجهم عددهم وإن فاق عدد الأسِّرة في البيت ولا طول إقامتهم وان مكثوا لإكمال الدراسة الجامعية. أحياناً كان هذا الأمر مزعجاً لنا كأفراد الأسرة لكن كنا نتحمل عندما نرى السرور والرضا على وجهيهما عندما يستقبلون الضيوف كل يوم بل كانا يبحثان عنهم إذا غابوا أو تأخروا... وهكذا غرسوا فينا الحب وروح ألفة الآخرين وأن البيت هو بيت الكل. خامسها ..كان للحاجة هانم اصدقاء وصديقات ومحبين بسطاء خصوصين من خارج السور كما يقولون..يأتونها بين الفينة والأخرى من بلاد بعيدة من خارج العاصمة وأطرافها، ترتاح لهم ويرتاحون لها، تحكى لهم ويحكون لها الحال وتقص عليهم نوادر القصص فإرتبطوا بها شخصياً روحياً ووجدانياً. الحاجة هانم عموماً تحب كل الناس وتعشق الحديث معهم و هى التى تبادر بالسؤال تلو الآخر وخلقت علاقات جميلة مستمرة وقودها ديمومة سؤالها عنهم. سادسها..الحاجة لم تترك عادة من عاداتها الجميلة، وهى مرتبطة بشخصيتها ومهنتها، إلا عندما ضعف بصرها مع تقدم السن. فقد كان من عاداتها أن تشترى عدد من الصحف اليومية ويجتمعن نساء الجيران عندها وتقرأ لهن أخبار الصحف والحوادث والجرائم اليومية ثم تبدأ النقاش وتستمع لآرائهن ومداخلاتهن فكن يستمتعن بتلك الصباحية اليومية قبل أن يبدأن يومهن. سابعها.. هناك مجموعة النساء اللاتي درستهن الحاجة هانم يزرنها من وقت لآخر فى مجموعات يقدمن لها فروض الولاء والشكر والإحترام ويحلو لهن مناداتها "بالست هانم" تبجيلاً وقد شاركن معها فى الإحتفال الكبير الذى أقامه شباب دبيرة عام 2013 لتكريم الست هانم بالنادي النوبي بالخرطوم تقديراً لدورها الرائد فى إقناع أولياء الأمور وتعليم البنات. ثامنها مجموعة زملاء الدراسة والتدريس رائدات التعليم مثل الأستاذة نفيسة المليك والأستاذة جليلة علاء الدين والست فكتوريا ..كانت تحكى عنهم وتزورهن من وقت لآخر فقد كانت لهن ذكريات كثيرة. كانت الحاجة هانم شخصية توافقية مميزة فيها موهبة اسعاد الناس و لذلك خلقت حولها مجموعات عديدة متباينة خاصة بها وكل مجموعة فيها فئات متجانسة وكل فئة كانت تعتقد أنها المفضلة لديها.. ساعدها فى ذلك التعليم الذي نالته في وقت مبكر قبل الآخرين. فقد كرست حياتها للتعليم.. علّمت نفسها أولاً ثم علّمت أجيالاً من البنات ثم علّمت أبناءها وبناتها وواصلت مع الأحفاد ثم علّمت الكبار فى الحياة، ولذلك سوف أعيد هنا نشر نبذه عن البدايات وسجلها الحافل بالطموح والعطاء فى مسيرة التربية والتعليم. فى عام 1940 حين كان تعليم البنات في حد ذاته محظوراً و عيباً اجتماعياً، دعك من السفر بمفردهن من البوادي إلى بلاد بعيدة كأمدرمان حيث المدرسة وحياة المدينة، إقتحمت الطالبة "هانم حسن دهب" مجال التعليم والسفر بطموحها وعزمها وإصرارها وبتشجيع من رجل، ولا كل الرجال، هو المرحوم العمدة صالحين عيسى عبده. وإمعاناً منه في تشجيع التعليم لها ولغيرها من البنات أرسل معها ابنته الكبرى "هانم صالحين" لتدرسا سوياً في مدرسة المعلمات فى أم درمان الشيء الذي شجّع طالبة ثالثة تسمى أيضاً "هانم محمد علي" التي انضمت للدراسة معهن في أم درمان، ولذلك أطلق عليهن اسم أو لقب "الهوانم الثلاث". في السنة الأولى توفت والدة الطالبة "هانم " ابنة العمدة صالحين فقطعت الدراسة وعادت أدراجها إلى أهلها لتسد ذلك الفراغ الكبير الذي خلفه موت والدتها. وفي نفس العام الدراسي أصيبت الطالبة الثانية "هانم محمد" بصدمة نفسية بسبب خبر مزعج أدى إلى فقدانها المفاجئ لصوتها فصمتت وأصبحت تتحدث بلغة الإشارة. ولذلك قطعت الدراسة وعادت أدراجها إلى أهلها - لكن من الغرائب في هذه الدنيا ومن كرم الله وفضله أن الطالبة هانم التي يئست من العلاج وقطعت الدراسة وعادت تعالجت بمحض الصدفة.. فعندما كانت تسير يوماً في طريقها إلى منزل عمتها المجاور لهم، فجأة هجم عليها كلب شرس لم يسكت من النباح في وجهها، ومن هول الخوف والمفاجأة صرخت صرخة مدوية حتى تجمع الجيران وأنقذوها من قبضة الكلب. فكانت هى الصرخة التى كسرت جدار الصمت وبعد تلك الصرخة مباشرة انطلق لسانها ورجع صوتها مدوياً كما كان -. فى هذا الأثناء أكملت الطالبة "هانم" الباقية الدراسة بنجاح ورجعت من أم درمان كمعلمة لتفتتح أول مدرسة أولية في محلية دبيرة بمجلس ريفي وادي حلفا في سوق الخميس عام 1942. ولما كان هناك إحجام من أولياء الأمور كانت تزور الأسر في بيوتهم لتشرح لهم أهمية التعليم وكان يصاحبها العمدة صالحين بنفسه في تجوالها وكانا يوزعان بعض الهدايا تشجيعاً للبنات ولإقناع الآباء والأمهات بفوائد التعليم المختلفة وضرورة الالتحاق بالمدرسة. ومع مرور الزمن استجاب الكثير منهن بفضل مجهودها والدعم اللامحدود من قِبل العمدة صالحين.. واكتمل العدد المطلوب وتخرج بعضهن كمعلمات وبدورهن خرّجن أجيالاً أخرى.. وهكذا تواصلت وانطلقت مسيرة التعليم في وادي حلفا كأول المناطق التي دخل فيها التعليم في السودان. هذه بإختصار نبذة عن مسيرة الحاجة هانم فى الحياة..كانت بداياتها شاقة مليئة بالتحديات لكنها رحلة علم ونور أتت أُكُلَها فى الأجيال التى تعلّمت منها ثم علّمت الآخرين. فى رحلة الصيف الماضى إلى الخرطوم ودعّت الحاجة على أن نلتقى ونفرح فى رحلة الشتاء فى ديسمبر المصادف لعرس حفيدها زياد عتيق. لكن فى نهايات سبتمبر الماضى أصابتها وعكة خفيفة سرعان ما إشتد عليها المرض ولم يتمهل ملك الموت وأسلمت الروح إلى بارئها قبل أن نراها ونودعها الوداع الأخير..رحلت كما ترحل العصافير بلا ضجيج فى سكون الليل ..لم تشاء أن تشغل أحدا بشأنها لا بمرضها ولا ألمها ولا حتى موتها...وهكذا فقدنا أمنا الحاجة هانم وتوقف نبع الحنان والحب وراحت الطمأنينة والأمان والسند.. وفى نهايات ديسمبر سوف أجد سريرها خالياً إلا من ريحتها الطيبة وأنفاسها الذكية. لقد مات فينا الفرح وكأننا لم نعرف الموت الا برحيلك يا أماه وما أكثر الراحلين لكن رحيلك زلزل قلوبنا وما أعظم فقدنا فيك. فسلام عليك أمى فى الملاء الأعلى الى يوم الدين وسلام على روحك وانتِ تتوسدين التراب جوار مرقد أبى لتؤانسي وحدته وتملئي خلوته وتبعدي عنه وحشته إلى أن نلتقي بكما فى جنات الفردوس بمشيئة الله. وسلام عليكم إخوتى و صبراً على فراق أمنا صبراً لا يباعد عن صبر أيوب فما مرور الأيام إلا تزيدنا شوقاً ولوعةً إليها، لكن العزاء لى ولإخوتى أن من ولِد مثل ماما هدى لم يمت فهي كبيرتنا وستبقى هي أختنا وأمنا وأبونا وكّلنا أمرنا إلى الله، ثم إليها ... فهى قدوتنا وهى ملاذنا بها تتقدم مسيرتنا ومعها تحلو الحياة. ربى نسألك من عظيم لطفك وكرمك أن تحفظها وتمدها بالصحة والعافية وتبعد عنها كل سوء. وندعوك يا الله أن ترحم أمي وأبي وتجزهم عن الإحسان إحسانا وعن الإساءة عفواً وغفراناً وتجعلهما للمتقين إماما و الجنة لهما مقاماً.. يا الله إنا دعوناك كما أمرتنا فأستجب لنا كما وعدتنا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.