عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. أثار موضوع "صمت المتهمين" من رموز النظام السابق أمام النيابة العامة ورفضهم وامتناعهم عن الادلاء باي اقوال في الاتهام الموجه إليهم، أثار موجة من الجدل في أوساط القانونيين، اعتبر البعض أن الصمت يعتبر جريمة تتمثل في الإخلال بسير العدالة، وان الرفض لا يخدم العدالة بشيء وانما يضيعها، والبعض الاخر يعتبر الصمت حق قانوني لا يجوز تفسيره بانه جريمة باي حال من الأحوال، وان لا يتخذ دليل ضدهم. ولعل هذا الجدل ووجهات النظر المختلفة حول هذا الامر جعلنا ندلوا بدلونا في هذا الموضوع اثراء للنقاش. الصمت قد يكون طبيعياً، هو أن يكون المتهم (اصم او أبكم)، وفي هذه الحالة يمكن أن تتلى عليه الأسئلة أو تكتب له بواسطة التحري أو المحكمة، ويقوم المتهم بالإجابة على الاسئلة كتابةً، أما إذا كان المتهم لا يستطيع الكتابة لعدم معرفته بالكتابة والقراءة وغيره، تقوم النيابة أو المحكمة بإحضار مترجم أو شخص مختص بلغة الصم ولغة الإشارة. نصت المادة (137) من قانون الإجراءات الجنائية على انه إذا رأت المحكمة أن المتهم عاجز عن فهم الإجراءات لخلل في حواسه أو لأي سبب آخر، يجوز للمحكمة أن تأمر بمن يعينه على فهم الإجراءات أو أن تخاطبه بالطريقة التي يفهمها أمثاله، وإن احتاجت المحكمة الى مترجم أو معين أن تستدعي المترجم أو المعين وأن تتكفل بدفع مصاريف من تستدعيه. وقد يكون الصمت عمدياً، أي أن يكون المتهم قاصداً عدم الإدلاء بأي أقوال أمام النيابة أو المحكمة، فهذا الحق من الحقوق الأساسية للإنسان، لا يجوز اجبار أي شخص بالكلام أو الادلاء باي أقوال سواء كان تحت التعذيب أو الضغط أو المعاملة القاسية أو المُهينة. في عهد الرومان كان المتهم يجبر على الكلام بواسطة التعذيب والضرب والتجويع وغيره، لأن القاضي في هذا العهد كان همه الأول والأخير الحصول على المعلومات حتى لو تم الحصول عليها بطريقة غير صحيحة. لكن جاءت الشريعة الإسلامية بتحريم الاكراه والتعذيب، وعدم الاخذ بالإقرار الذي جاء نتيجة إكراه أو تعذيب، وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: (ليس الرجل بأمين على نفسه إذا جوعته، أو ضربته، أو أوثقته). واختلف الفقه الجنائي حول موضوع "الصمت العمدي" للمتهم، منهم من يرى حق المتهم في الصمت، ويجب ألا يفسر صمت المتهم على أساس انه قرينة ضده بارتكاب الفعل المنسوب اليه، وأن تفسير الصمت على هذا الأساس يعتبر ضرب من ضروب الاكراه. والبعض الآخر يرى عدم أحقية المتهم في التزام الصمت اثناء التحقيق، وان المتهم ملزم بالإجابة على الأسئلة التي توجه اليه، باعتبار ان ذلك يصطدم بحق المجتمع في اثبات الحقيقة وتحقيق العدالة. ولكل هذه الآراء اسانيد تؤيدها وتعارضها، ولا يتسع المجال لذكرها تفصيلاً، ويختلف النظر اليها بالطبع في حال كان الصمت أمام النيابة أو المحكمة على اختلاف التشريعات الجنائية المقارنة وتباينها حول الموضوع. جاء في المؤتمر الدولي السادس لقانون العقوبات المنعقد في روما سنة 1953م ان للمتهم الحق في الصمت: (لا يجبر المتهم على الإجابة، ومن باب أولى لا يكره عليها، فله الحرية المطلقة في اختيار الطريق الذي يسلكه ويراه محققاً لمصلحته). وايضاً قررت اللجنة الدولية للمسائل الجنائية المنعقدة في برن سنة 1939م: (انه من المرغوب فيه أن تقرر القوانين بوضوح مبدأ عدم إلزام الشخص باتهام نفسه، وإذا رفض المتهم الإجابة يجب ان يكون رفضه محل تقدير للمحكمة). القانون السوداني لم يعالج مسألة "الحق في الصمت" إلاَّ انه حظر الاعتداء على نفس المتهم (تحريم التعذيب) وألا يجبر المتهم على تقديم دليل ضد نفسه. لأن المتهم في بعض الأحيان -إن هو ادلى بأقواله-قد تكون هذه الاقوال دليلاً ضده وتثبت عليه الجريمة. وهو في الغالب غير مطالب بإثبات الجريمة ضد نفسه، فالقانون بيَّن ووضح الإجراءات التي يتم اثبات الاتهام بها. وحظر على التحري التأثير على المتهم بالإغراء او الاكراه او الأذى لحمله على الادلاء باي اقوال او معلومات. علماً بانه عندما توجه المحكمة التهمة للمتهم اثناء المحاكمة، من حق المتهم أن يجيب بانه مذنب او غير مذنب، وأيضا من حقه أن يلتزم الصمت ولا يرد على التهمة، في هذه الحالة المحكمة لا تُجبر المتهم على الرد على توجيه التهمة بل تطلب منه أو من محاميه تقديم دفاعه وما لديه من بينات لدحض التهمة. بعض التشريعات لم تكتفي بالنص على حق المتهم في الصمت فقط، بل اوجبت على سلطات التحقيق والتحري ضرورة تنبيه المتهم في حقه التزام الصمت دوماً. لذلك يمكننا القول بان الحق في الصمت هو من الحقوق الأساسية للمتهم للحصول على محاكمة عادلة لا يجوز حرمان المتهم منه، ويجب على المشرع السوداني النص على هذا الحق في التعديلات التي تطرأ على قانون الإجراءات الجنائية، خاصة وأن البلاد موعودة بثورة تشريعية واسعة في ظل فترة الحكم الانتقالي، وبعد الانتخابات والحكم المدني الديمقراطي.