عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. تعاطي القات عرفه مبكرا بعض الصوماليين، كان ذلك في القرن السادس عشر الميلادي، حينما كان الصوماليين يخوضون نضالهم لوقف اعتداءات الأحباش التوسعيين في القرن الافريقي، آنذاك انحصر المتعاطين للقات على قلة من الصوماليين في تلك المناطق التي كانت تشكل تخوم مع الأورومو. ووصولا للعقد الرابع من القرن العشرين ظل الصوماليين المتعاطين للقات يمثلون قلة عددية وتركز غالبيتهم في مدن جيبوتي، وجيجيجا، ديرذبا في غربي الصومال. ومع بلوغ العقد الخامس بدأ القات ينتشر في مدن هرجيسا، بربرة، ديرذبا، مانديرا، مويالي وغيرها، وبدأت تتشكل شريحة من المقوتين ( متعاطي القات)، والذين بدأت دائرتهم تتوسع باستمرار. ومع الاستقلال في عام 1960 وظهور جمهورية الصومال، تشكل قطاع كبير من موظفي الدولة والجهاز الإداري في المدن، ورافق ذلك تعاطي القات في اوساطهم، وأصبحت الحكومات الصومالية ترحب بانتقال مادة القات إلى حدودها بصورة سلسة وتجبي الضرائب عند قدوم القات إلى نقاط التفتيش في الحدود. فالحكومات الصومالية منذ الاستقلال عن بريطانيا وايطاليا في عام 1960، لم تجد حرجا اجتماعيا أو سياسيا من منعها للقات، والذي كان يتم جلبه من إثيوبيا وكينيا وهما في ظل نزاع سياسي مع الصومال. كما أن تلك الحكومات لم تأخذ في اعتبارها بالضرر الاقتصادي والاجتماعي الذي يصاحب أن ينتهي البلد كسوق لاستهلاك تلك المادة المخدرة، والتي استنزفت الكثير من مقدرات الصوماليين ماديا، ناهيك عن الضرر البالغ بصحتهم وتماسكهم الأسري،والتأثير على قطاع الأعمال والإنتاج. فكل تلك الاعتبارات المختلفة لم تجد تفهما من قبل السلطات، ويعود ذلك إلى أن الكثير من النخبة بدورهم كانوا يتعاطون مضغ القات، ومعه لم يتم تفكير جدي للنظر إلى القضية برمتها والعمل على إتخاذ موقف حاسم اتجاهها. ومع بلوغ عقد السبعينيات أصبح مضغ القات منتشرا في المدن والكثير من القرى الصومالية، وتشكلت مجاميع تحترف العمل بالقات، فكان وجوده واضح الملامح في البلاد، وأصبح جزء من الطقوس الاجتماعية اليومية، وحاضرا في المناسبات ذات الطابع الاجتماعي. إلا أن المجتمع في ذلك العقد كان منشغلا بالتحولات التي كانت جارية بالبلد، في ظل قدوم العسكر، وكان التعاطي مستمرا ورغم ذلك التحول السياسي، إلا أن أعداد المتعاطين للقات استمرت في الازدياد ولم يحول ارتفاع ثمن بيعه دون شرائه. ورغم أن الصومال إنتهى إلى خوض حرب عام 1977-1988، فالحكومة لم تتعاطى بصورة جدية مع مضغ القات وبيعه وشرائه، إلا في عام 1983، حيث تم منعه بصورة رسمية واتخذت سلسلة إجراءات قانونية تجاه القات، وظل ذلك مستمرا حتى عام 1988، حيث أوقفت الحكومة إجراء المنع والسماح بتداوله مجددا. وقد ذكر العميد السابق جامع محمد غالب، في حوار له مع برنامج Goob Joog التلفزيوني، أن القيام بذلك الإجراء كان بفعل طبيعة أمنية، كما ذكر بعض القادة في الحركة الإسحاقية، في حوارات مماثلة، أن سائقي عربات نقل القات كانوا جزء من المهام الأمنية للحركة، وأن وقف تعاطي القات قد شل تحركاتهم العسكرية. وفي دراسة علمية مكتملة الأركان صدرت عام 1986 من قبل دائرة الشؤون الاجتماعية في الحزب الاشتراكي الثوري الصومالي الحاكم آنذاك، جاء مدى خطورة السماح باستهلاك القات من قبل المواطنيين، ومدى استنزافها لقدراتهم الاجتماعية والمادية، وقد نشرت أرقام عن المبالغ التي يستنزفها شراء القات،الأضرار الاجتماعية والصحية المصاحبة له، وذكر عن توفير مبلغ 56 مليون دولار للاقتصاد في عام 1986 بفعل تنفيذ ذلك القرار. وصاحب ذلك جملة من الاجراءات التي أفضت إلى تعقب ومنع القات، كاحتجاز ومصادرة عدد كبير من العربات التي استخدمت لنقل القات، وحبس الكثيريين ممن كان لهم صلة بتداول القات واستهلاكه. وعند النظر إلى الخلفية التي وقفت وراء منع القات رسميا في عام 1983 يمكن تبريرها في عامل أمني، إذ شكل ذلك العام بتوقيت سياسي حرج أمام الحكومة الصومالية، حيث صعدت إثيوبيا والمعارضة الصومالية المتحالفة معها هجماتها على عمق جمهورية الصومال الديمقراطية. وفي حين ظلت حركة العاملين في إستيراد القات مستمرة، وهو ما أدى إلى ربطها مع واقع الإختراق الأمني والعسكري لصومال من قبل خصومه، فجاء القرار السياسي لمنع استهلاك القات وذلك لتفعيل القرار الأمني والتخوفات من الأخطار التي كانت قائمة. وقد تم تأكيد واقع الإختراق الأمني والعسكري واستغلال حركة نقل القات لصالح نشاطات الحركة الوطنية الإسحاقية، فيما بعد من خلال تصريحات بعض مسؤوليها في إطار حديثهم عن ذاكرتهم السياسية. والمفارقة أن القات خلال فترة منعه كان محضور على عامة الشعب، بينما ظلت النخب تتعاطيه رغم حضره رسميا، كما أن شخصيات من القيادة السياسية والأجهزة الأمنية المكلفة بمتابعة ملف القات ظلوا يمثلون أوائل من خرقوا قرار منع التعاطي القات. وكان عضو المكتب السياسي للحزب الحاكم ووزير الداخلية العميد أحمد سليمان عبدالله، في زيارة لمدينة عيرجابوا عام 1983، وجاء قدومه في توقيت أنقطع فيه القات عن المدينة، فتم إرسال عربة دفع رباعي إلى بلدة حودون في محافظة صول، لجلب كمية من القات، بدافع الاستهلاك الشخصي للوزير ورجاله. وحين رفع الحظر رسميا عن القات في عام 1988 أصبح التعاطي أكبر، وفي توقيت حرج بالنسبة لصوماليين، ففي ظل ضائقة إقتصادية وواقع تدهور أمني واضطراب سياسي، وجد الكثيريين حاجتهم لنسيان الواقع العام، من خلال الهروب نحو مضغ القات، رغم عدم قدرتهم على شرائه أصلا. فأصبح ظهور تعاطي القات طاغيا في العاصمة مقديشو، والتي كان سابقا جزء صغير من سكانها ذو صلة بالقات، والذي ظل حاضرا بقوة في الواقع الاجتماعي الصومالي بعد انهيار الدولة الصومالية، ويشكل عبئ على المجتمع الصومالي على المستوى الاقتصادي، ورغم كل سلبياته فإن الإرادة العامة لا زالت غائبة للقطيعة مع القات. وقد أصبح يطارد الجاليات الصومالية في المهجر، وقام ناشطين بتفعيل حملات لمنعه، ونجح البعض منها في الولاياتالمتحدةوبريطانيا. والحاجة ملحة لتوقف عن التعاطي مع القات، لما له من أثر سلبي بالغ في حياة الصوماليين، ومنه إنتقال ملايين الدولارات يوميا نحو إثيوبيا وكينيا، فمواجهة ذلك هو استحقاق يجب مواجهته في الصومالوجيبوتي.