الأزمة مستحكِمة ومُتفاقِمة، بتفاعل تناقضاتها وارتباطها بمحاور إقليمية ودولية، حكومة الدكتور محمد طاهر إيلا، (دعوها وشأنها، فإنها مأمورة)..حكومة إيلا تواجهها تحديات أكثف من لِحية السيد معتز موسى، الذي ظن أنه باريء قوس الزمان، حتى قذفت به (وحدة الطرد المركزية) بعيداً عن مدارك الإيقان. حكومة إيلا يواجهها تحدي مقابلة مطلوبات الحياة اليومية، خاصة أزمة السيولة و تحدي استيراد الضروريات، وليس في خرطوم الفيل، من يملك عصا موسى، وليس بين المحسوبين على النظام من يستطيع مداراة هذيان المتمكنين بإشاعتهم لمثل هذا النبأ، إغفالاً منهم لحظوظ الجنرال في العودة، فتلك حظوظ أكثف من احتمال تنصيب البروف غندور.. أقلام مقربة من هناك.... ترى أن الخروج من الأزمة يكمن في استقدام البروف غندور للرئاسة، بينما يقول المنطق أن شخصية الجنرال تُصاقب إلى حد كبير، ذاك الدور المنوط بالجيش في تجاربنا التاريخية... هذا ما حدث في أكتوبر، وما حدث في أبريل. هناك متغيرات جِديَّة، تُنتج بالضرورة حيثيات جديدة.. هذا كله مفهوم، لكن عودة الجنرال تبدو أكثر واقعيةً عندما تصاحبها ترتيبات داخلية تجعل منه المرشح الوحيد، حيث أن مرشح الحزب - حسب العرف واللائحة - هو مرشح الرئاسة... ذلك ممكن جداً، بتمهيد الأرض، بالصورة التي لا تعطي لأحدٍ منهم، فرصة الاحتجاج على تصدر الجنرال لقيادة فترة انتقالية ليوفر خلالها الضمانات المطلوبة فيتهيأ المناخ لعملية الانتقال، أو التسليم والتسلم، أو ما شئت من أوصاف الوصول بين نقيضين، إلى منتصف الطريق.. ولكن كيف؟ كيف يعود الجنرال، وكل سواعِد جعفر النميري – له الرحمة - لم تعد أدراجها؟ لقد استغنى النميري من قبل، عن خدمات رفاق كثر، فما عادوا ثانية إلى القصر..... أمسِك وأحسِب: اللواء محمد الباقر أحمد، وأبو القاسم محمد إبراهيم، وعبد الماجد حامد خليل.... كل من غادر هذا القصر لم يعد إليه، إلا هذا الجنرال، الذي يعود كابن للجيش، ولكونه في مشهد الراهن، هو المخرج الآمن، فهو يشبه إلى حد كبير (قون المُغرِبيّة)، بحكم زمالة السلاح، وبحكم الثقة التي بينه ورفيق الدرب الطويل. يعود الجنرال هذه المرة من نافذة الحزب، مثلما دخل القصر من نافذة الجيش، كأحد الضباط الذين نفذوا العملية الكبرى.. يعود لكونه غير ميّال لفكرة التنظيم العالمي، وهذا ما يجعل حظوظه أكبر مع الفاعلين في المحيط الاقليمي والدولي. يعود لأنه قليل الكلام، وليس لديه عداوات مضمرة كالآخرين، ولأنه يحظى بقبول لدى الطرف الآخر بما فيهم الحركات المسلحة، ولنجاحه في مافشل فيه آخرونَ، أمام إغراءات المال العام... هذا هو منفذ الخروج من مأزق تعديلات اللحظة الأخيرة، التي جرت في ذاك الاتفاق!. هذا هو (قون المُغرِبيّة) الذي تحاول رؤوس المتمكنين تحاشيه، وذاك هو الشارع، الوافِر ضراعو... ومن يدري، لعل مراسم تشييع هؤلاء البكائين، هي مصاعِد الخروج من أزمةٍ ضاقت حلقاتها، ثم استحكمت، ثم ضاقت مرة أخرى!! ////////////////