الشعلة تهزم الأهلي في دورة شهداء معركة الكرامة بمدينة رفاعة    (خواطر …. سريعة)    الخرطوم تشترط لوقف إطلاق النار وواشنطن تريد هدنة بدون شروط    السودان يهزم لبنان ويتأهل لكأس العرب بقطر    ياسر العطا يفجّرها: سنجلس للتفاوض    إبراهيم شقلاوي يكتب: الكهرباء وفرص العودة إلى الخرطوم    شاهد بالفيديو.. التيكتوكر المثيرة للجدل سماح عبد الله تسخر من الناشطة رانيا الخضر والمذيعة تغريد الخواض: (أعمارهن فوق الخمسين وأطالبهن بالحشمة بعد هذا العمر)    شاهد بالصورة والفيديو.. بثوب فخم ورقصات مثيرة.. السلطانة تشعل حفل غنائي بالقاهرة على أنغام "منايا ليك ما وقف" والجمهور يتغزل: (كل ما نقول نتوب هدى عربي تغير التوب)    رئيس الوزراء يوجه بترقية وتطوير الأداء بمطار بورتسودان    شاهد.. "بقال" يحاصر القائد الميداني "يأجوج ومأجوج" بأسئلة ساخنة وحرجة: (أذكر السبب الحقيقي لخروجنا من الخرطوم؟ ومن أي كلية تخرج عبد الرحيم دقلو كما زعمت؟)    هل استقال وزير الدفاع؟ غياب مثير للجدل وتكتم رسمي    شاهد بالفيديو.. (حرم وعلي الطلاق) طبيبات سودانيات بإحدى دول الخليج يتصارعن على دفع الحساب داخل المطعم ويخطفن إعجاب وضحكات الجمهور    القيادية بالحرية والتغيير حنان حسن: (أبوي داعم للحرب وهو الان في موقف غلط ودا ما محتاج مجهر او نظرة مرتين وكتار بضغطوا عليه بسبب مواقفي وخياراتي)    النيابة العامة تقيّد بلاغاَ جنائياً ضد ناشري خطاب مُفبرك    رونالدو يختار مكاناً عمره 511 عاماً للزواج من جورجينا    تعرف على أكبر هزيمة في تاريخ برشلونة بدوري أبطال أوروبا    حمدوك يحذر من عودة السودان إلى "الإرث المظلم"    الهلال يفتتح الدوري الرواندي اليوم أمام البوليس بدون الدوليين    فضيحة كندية بشأن خطوة خطيرة في السودان    بيان الصراخ... لماذا تفقد دبلوماسية سلطة ابوظبي المنطق ؟    هل القحاتة عشان لابسين بدل وبتكلموا انجليزي قايلين روحهم احسن من ابو لولو ؟    مصر.. تحذيرات بعد إعلان ترامب حول الإخوان المسلمين    لاعبو المنتخب الوطني يرفضون أداء التمرين بقطر ويعودون للفندق والسبب تأخير "الحافز"    شاهد.. بعبارة "كم شدة كشفت معادن أهلها" صورة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تزين شوارع العاصمة السودانية الخرطوم    لماذا يصعب الإقلاع عن التدخين؟    "نفير الأغاني".. رهان على الفن من أجل السلام    التضخم ..."غول" يحد من قدرة السودانيين على الشراء    بنك الخرطوم: استوفينا جميع المطلوبات لافتتاح فرع للبنك في مصر    السودان.. قرار بحظر نشاط صيد الأسماك وإغلاق لبحيرتين    لجنة عودة المواطنين للعاصمة تتفقد أعمال تأهيل محطات المياه والكهرباء بمحلية الخرطوم    لماذا لا ينبغي التعويل على تصريحات ترامب    شاهد بالصورة والفيديو.. أحدهم وقف أمامه وأنشد قصيدة.. "تمثال" قائد الجيش "البرهان" يثير جدلاً واسعاً وسط تعليقات متباينة ما بين مشيدة ورافضة (الكاهن يستحق أكثر من ذلك ورجعنا لعبادة الأصنام)    أطباء ينصحون بتقوية المناعة قبل دخول الشتاء    تحديث «إكس» يفضح مواقع إنشاء حسابات قادت حملات سلبية ضد السعودية    زراعة الخرطوم ومنظمة الفاو تنفذان حملة تطعيم الماشية بولاية الخرطوم    ادارة مكافحة المخدرات ولاية النيل الابيض تضع حدا لنشاط شبكة إجرامية متخصصة في الإتجار وتهريب الحبوب المخدرة    أكبر هبوط شهري منذ انهيارات الكريبتو في 2022.. لماذا ينهار سوق العملات المشفرة الآن؟    إدارة مباحث كسلا تفكك شبكة إجرامية لتهريب البشر يتزعمها أحد أهم المطلوبين الهاربين من السجن    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    أمريكا تفتح بوابة الرقاقات المتقدّمة أمام G42    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    شاهد.. صور ولي العهد السعودي سمو الأمير محمد بن سلمان مع علم السودان تتصدر "الترند" على مواقع التواصل والتعليقات تنفجر بالشكر والثناء مع هاشتاق (السودان بقلب بن سلمان)    تسيد السعودية للإقليم خلال العقد القادم    الطيب صالح ناهض استعلاء السلطة عبر "الكتابة السوداء"    دونالد ترامب يفجّرها حول حرب السودان    فريق ميداني متخصص من إدارة مباحث ولاية كسلا يسدد بلاغ خاص بسرقة عربة بوكس    الطاهر ساتي يكتب: مناخ الجرائم ..!!    الطاهر ساتي يكتب: أو للتواطؤ ..!!    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السودان وسد النّهْضةُ .. وسطيّة ووساطة .. بقلم: السفير/ جمال محمد إبراهيم
نشر في سودانيل يوم 28 - 03 - 2020

قامت الدولة المهدية الإسلامية في السودان، في نهايات القرن التاسع عشر الميلادي، وملكتْ استقلالها بعد أن أنهت الحكم المصري التركي في البلاد الذي امتد منذ عام 1820 إلى 1885. رفعتْ هذه الدولة رايات الجهاد، لتوسيع بيضتها ونفوذها شمالاً وشرقاً وغرباً. وألّبت تلك المساعي، وقد صحبتها طموحات جامحة، على تلك الدولة، الأطماع المصرية من جديد. ولأنّ مصر لم تكن تملك قرارها كاملاً، فقد كان لبريطانيا ول"مفوضها السامي" اليد الطولى في إقرار السياسات في القاهرة. وجاءت الحملة التي سمّوها حملة "استعادة السودان" بترتيب بريطاني وبقيادة الجنرال كيتشنر. وكانت الجارة إثيوبيا تراقب الموقف عن كثب، فيما التكالب على القارة الأفريقية يجري على قدمٍ وساق في السنوات الأولى للقرن العشرين، وليست بعيدة عن الأذهان قصة اتفاقيات سايكس - بيكو الشهيرة لاقتسام النفوذ في أنحاء الشرق الأوسط.
(2)
لا تريد فرنسا لبريطانيا أن تستأثر بأقاليم القارة الأفريقية. أوعزتْ لمليك الحبشة، مينيليك، أن يعرض على حاكم السودان، خليفة المهدي، الحماية الفرنسية أمام الهجمة التي تعدّ لها بريطانيا مع القاهرة، بهدف "استعادة" السودان. وكانت لملك إثيوبيا أجندته أيضاً، فهو لا يريد ما يزعج حدوده مع السودان، فتلاقت أجندته مع أجندة فرنسا في تنافسها مع بريطانيا. حمل سفير مينليك راية فرنسا ورسالة باريس عرض الحماية الفرنسية إلى حاكم السودان من الهجوم المصري البريطاني المرتقب.. لم يكن خليفة المهدي في السودان على استعداد ليستوعب مغزى أن يصطنع لنفسه أحلافاً تحميه. أكرم حاكم السودان وفادة سفير الإمبراطور الإثيوبي، لكنه أمسك بالراية الفرنسية وألقاها جانباً.
وفي عام 1898، انتهت دولة المهدية على يد الجنرال البريطاني كيتشنر في معركة أم درمان التي كسبها لصالح مصر وبريطانيا. وأنعمت الملكة فيكتوريا على ذلك الجنرال لقب لورد أوف أمدرمان! وأحد دروس تلك المعركة ضرورة صناعة حلفٍ يحمي ظهرك أو تهلك.
(3)
هكذا يحكي التاريخ عن تشابك العلاقات المصرية السودانية الإثيوبية، منذ أمدٍ بعيد، وعن ضرورة اصطناع علاقات تعاون تحمي المصالح. ليست قصة التنافس على المياه بين الدول التي تدخل
"التمترس خلف المصالح الضيقة سيهدر فرص تحقيق المعادلة التي تضمن مكاسب متساوية للأطراف الثلاثة باقتسام عادل لموارد نهر النيل"هذه الآونة، في مفتتح الألفية الثالثة، بمشروع لسدٍّ مائي ضخم على نهر النيل الأزرق، سمته إثيوبيا سدّ النهضة، إلا وجهاً متجدّداً من وجوه الحساسيات المتصلة باقتسام الموارد الطبيعية بين الدول الثلاث، وأهمها الموارد المائية. كان ذلك هاجس مصر، منذ هيرودوت الذي حدّث أن مصر هي "هبة النيل"، فكان عليها بداهة أن تستصحب نظرة هيرودوت، ومصر عنده أوسع من مصر بحدودها الحالية، بل إن في مقولة هيرودوت إشارات إلى مساحات تشمل وادي النيل كله، وربما السودان وأطرافاً معتبرة من إثيوبيا.
ظلّ ملف مياه وادي النيل، ومن منابع ذلك النهر ومعابره ومصبّاته، ملفاً توغّلت فيه أيادٍ أجنبية عديدة، أكثرها استعمارية، قادت إلى تشابكات سياسية في العقود التي سبقت الحرب العالمية الثانية، وما تلاها. لعلّ تضارب المصالح، خلال سنوات الحرب الباردة التي استعر أوارها بين البلدان الكبرى، ترك تأثيراته الكبرى على سياسات اقتسام هذه الموارد المائية بين بعض بلدان العالم الثالث الذي هو في الحقيقة العالم الفقير. قامت إلى ذلك مشروعات لضبط المياه، ومنشآت السدود، كبيرها وصغيرها، في وادي نهر النيل من منابعه، وفي عبوره أراضي السودان إلى مصبّه في البحر المتوسط. كانت لبريطانيا مصالحها في مصر، وملف مياه النيل، وهو شريان الزراعة في مصر، هو أهمّ ما يشغل سياستها في المنطقة.
(4)
تنبئ حكاية التاريخ الواردة أعلاه عن تباين في ملامح تلك العلاقة القائمة بين البلدان الثلاثة التي تنتسب إلى ذلك النهر العظيم. يلتقي نهر النيل الأزرق من منبعه في إثيوبيا بصنوه النيل الأبيض، المنحدر من جبال أوغندا وبحيرة فيكتوريا، فيعبر نهر النيل من ملتقاه في الخرطوم أرض السودان الحالي إلى مصر. إنهُ نهر حمل في مسيره ملامح التنوّع البيئي، مثلما حمل ملامح التنوعيْن، الاجتماعي والإثني. تساكنتْ في وادي النيل قبائل البانتو والقبائل النيلية الحامية، وفي اتجاه الشمال جماعات سكانية مستعربة وجماعات نوبية في مصر العليا، حتى يصل ذلك النهر إلى مصبّه في مصر السفلى.. نهر بكلّ هذا التنوّع البيئي والاجتماعي يتطلّب قدراً كبيراً من ضبط العلاقات لاقتسامه مورداً طبيعياً، يحقق مصالح كل ساكنيه. ولم يساعد تباين الأوضاع السياسية في البلدان المعنية على تحقيق تعاون مثمر يضمن الاستغلال الأمثل لموارد ذلك النهر. ولأن مصر ملكتْ أوضاعاً متقدّمة سياسياً واقتصادياً وثقافياً، مقارنة بالأوضاع في كلٍ من إثيوبيا، وهي دولة المنبع، والسودان، وهو دولة المعابر، فإن حظها تاريخياً كان أوفر من حظ تلكما الدولتين. بقيت أقدار العلاقات المائية بين البلدان الثلاثة ومصائرها عرضة لتحولاتٍ نشأت لأسبابٍ تتصل بمستوى التقدم ووتيرة التطور السياسي والاقتصادي المحرز في كلّ بلدٍ من البلدان الثلاثة. ولكن العامل الحاسم يظل العنصر البشري وتزايد سكان الوادي، أمام المورد المائي الثابت، بما حفز الأطراف الثلاثة إلى الانتباه لضرورات التحكّم في المورد الذي لن يكون كافياً، مقارنة مع النمو السكاني في كل من البلدان الثلاثة.
(5)
ليس الاستعصاء الماثل في التفاوض بين أطراف الإقليم حول المشروع الإثيوبي لبناء سد النهضة
"ظلّ ملف مياه وادي النيل، ومن منابع ذلك النهر ومعابره ومصبّاته، ملفاً توغّلت فيه أيادٍ أجنبية عديدة، أكثرها استعمارية"إلا واحداً من وجوه التنافس التاريخي على مورد المياه المتاح للبلدان الثلاثة من نهر النيل. بدا الآن أن مستويات التطور الذي شهدته البلدان الثلاثة قد تقاربت إلى حدٍّ كبير، وأن التنمية المستدامة واستغلال المورد المائي الذي يتيحه نهر النيل لهم يشكّل هماً متساوياً لديهم. يستدعي التباين بين وقائع التاريخ ومقتضيات التنمية الماثلة قدراً معمقاً من التعاون الإقليمي بين البلدان الثلاثة، غير أن الاستعصاء في مساحات التفاوض قاد إلى وساطات ومقاربات لاحتمال اللجوء إلى معالجات قانونية لن تكون عادلة إلا إذا تم تجاوز بعض وقائع التاريخ، خصوصاً أن القوانين الدولية قد فتحت باباً لاعتماد معايير جديدة، تؤسّس لتعاون أكثر عدلاً، تقتسم فيه البلدان الثلاثة موارد ذلك النهر، بما يعود بالنفع لثلاثتهم، وبخسارة صفرية وكسب مشترك، فيتحقق الاستقرار في الإقليم.
(6)
تقول إيكولوجيا الإقليم الذي يضم البلدان الثلاثة إن أولهما منبع، وثانيهما معبر، وثالثهما مصب، وهم على التوالي إثيوبيا والسودان ومصر. تدخلت الولايات المتحدة بمسعىً حميد، ولكن مساعيها اصطدمت بصخرة كأداء. في انزلاق ملف سد النهضة إلى جامعة الدول العربية برغبةٍ من مصر، سيدفع إثيوبيا إلى خيار الانزلاق من جهتها إلى الاتحاد الأفريقي، بما قد يفضي إلى استقطابات وانقسامات، ستُحدث حتماً شروخاً في العلاقات العربية الأفريقية، وتوتراً غير مرغوب.
(7)
لا يبقى إلا أن تتحرّى الأطراف الثلاثة الحكمة عند ثلاثتها، وليس من خارج إقليمها. ذلك ما يجعل من السودان، وبحكم موقعه دولة معبر بين دولتي المنبع والمصب، أن تخرج حكمة الوسطية منه، فيلعب دوراً حاسماً ستكون حظوظه في المقبولية أكبر، ومقدّراته في التفاوض أقرب إلى إحداث الاختراق المطلوب. التمترس خلف المصالح الضيقة سيهدر فرص تحقيق المعادلة التي تضمن مكاسب متساوية للأطراف الثلاثة، باقتسام عادل لموارد نهر النيل، فتتحقق نبوءة هيرودوت التاريخية، أن مصر، بمعناها التاريخي القديم، وفيه السودان وإثيوبيا، هي بالفعل هبة النيل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.