إلي روح الشهيد/عقيد عصمت ميرغني وقد فرقت بين رحيلكما أيام . * كتب شاعر اسمه: سعد سرحان : ما يحدثُ الجبنُ المُسلّح والشجاعة عزلاء، هكذا يتقدمْ الباطل بحُجج من حديد و براهين من نار كي يُفحِمْ الحقُ بالتنازل عن نفسه ، ما يحدث امتحان آخر يُلقي فيه القاتلُ أسئلة الفتك فيرسبان معاً ، فيما تنجح الأرض ولو بعد دهرٍ. * اليوم أذكركما في ضُحى البصيرة ، والشمس تطلعُ في رونقها وإبل الرحيل تأخذ مسارها في رمل الطريق .أيام فصلتني عنكما بالاستشهاد ، جمعتني بكما السنوات، منذ أيام رفقة ( الدُفعة ) بثانوية الخرطوم الجديدة ، نعم ، لم أزل أراها جديدة بأعين ترى رفاق العُمر الذين كتبوا بدمائهم وأرواحهم الحلم بوطن جديد. * عزيزي الدكتور علي فضل : لا أعرف كيف تكون الكتابة من بعد تاريخ نمت أرضه ببساتين زاهية : هي الأمل ، واعشوشبت بالنباتات الطفيلية تأكل من خير الأرض . يبدأ فألنا بالأمل وينتهي بحسرة الفقد حين انفراطه ويدخل الأبدُ شريك أحزاننا، حين نفتقد من نُحب ، في عنفوان عقد العُمر وفي الذهن المُتفتح هنالك أحلام بوطن سيد وديمقراطي ، وعاطفة نبيلة بعيش كريم لأهلنا في السودان .سقط خبر استشهادك من تلفنة من لندن وأنا بعيد عن الوطن ثم عبر صديق من أبو ظبي ، وعرفت أن العُمر عقد مجهولة حباته ، كان ذلك في شهر الكذبة ( أبريل ) ،وهزّني الخبر ، أ أكذّبُ الخبر أم أصدق؟ استعدتُ فلماً سينمائياً في الذاكرة لتاريخ العُمر وأعادني إلى أغسطس 1989 م ، وهو ذات الصيف ( يوليو – أغسطس ) الذي تعودتُ فيه زيارة الوطن كل عام في عطلتي السنوية من بلد المهجر ، وتلك كما تعرفها عادة امتدت الآن أكثر من ثلاثين عاماً . تذكرت آخر لقائي بك مصادفة بشارع الجامعة في أواخر أغسطس 1989 م و أنت ذاهب للقاء وكيل وزارة الصحة ( د. خيري) وأنت كاره تلك المقابلة ، رغبتها لتمديد فترة ابتعاثك للتحضير لماجستير طب المجتمع بجامعة الخرطوم ، لأن العمل السياسي أثقل عليك كثيرا. أذكر لقاءنا أيضاً في مناسبة زواج الأخ نجيب.. وأنت تُعرِّفني بالشفيع خَضِر ،وتخبرني بتفرغه للعمل الحزبي. وكان تعليقي حينها : ( ما توفروا الزميل لعلاج الناس من أدواء العمل السياسي .)! ولم تجب أنتَ . * تذكرت لقاءنا أول أيامنا بالجامعة وأنت تطرح علي الانضمام للحزب.ولم تتلق مني إجابة؟؟ . أتذكر أيضاً أنك لم تكتف بذلك بل أرسلت زميل من كلية القانون بذات الطلب ، ولم يتلق مني ردا بالإيجاب ؟! للعمر مصادفة أن هذا الزميل يقيم معنا في المهجر . تغيرت الدنيا أيها الصديق ! . أهي مصادفة يا تُرى أن ظل معي الأخير يدور معنا في فلك المهاجر . لا أظنه سيذكر . في لقاء تم في احدي دول الخليج منذ زمان مع أحد أعضاء المكتب السياسي للتجمع الوطني الديمقراطي وقد بدأ حينها التسويق لفكرة المصالحة مع النظام , سألته : ( لماذا لم يتم التصالح منذ البداية ووفرنا دماء وأرواحاً ومالاً وجهداً كبيراً لنصل إلي وفاق بائس كهذا ؟؟ ) . ولم تكن هناك من إجابة! * كتبت ، وكان هنالك إلحاح من الكثيرين أن أكتب. وهي مهمة شاقة .و تحت إلحاح ابني / أحمد(ساري الليل) وعضو منبر ( سودانيزأونلاين )، وعند محادثتي معه قررت الكتابة . وكما يقول صديقنا دكتور حيدر إبراهيم: ( نحن السودانيين نعتمد المشافهة.) وهو قد تجاسر وكسر حائط المشافهة السميك بإنجازه الباهر حين أنشأ مركز الدراسات السودانية و نشر هذا الكم الهائل من الأسفار التي قام مركزه بإصدارها . * كتبت ملفاً عنك وعن عصمت ميرغني قبل سنوات (بسودانيز أون لاين) . الآن ومنذ أكثر من عامين فقدت إمكانية الدخول إلى المنبر العام لسودانيزأونلاين لأسباب لم أعرفها. لعل الأخ /بكري أبو بكر يستدرك و أستعيد مفاتيح الدخول للكتابة في سودانيزأونلاين مرة أخرى. كتبت لبكري وكتب عبد الله الشقليني لبكري أيضاً حول ( الباسويرد ) ولم نجد الإجابة حتى تاريخه . ولعل الآن ألف مبرر أن جاءت ذكراك التاسعة عشر وأنا أطرق باباً مغلقاً في سودانيزأونلاين ، فكتبت تحت مظلة الأخ عبد الله الشقليني.. وكنت قد كتبت تحت مظلته قبل عدة سنوات ملفاً باسم: (عبدهُ دهب..أين هو من تاريخ اليسار) و لعلها سيرة لم يُكتَب عنها الكثير . * عزيزي علي فضل : قرأت ما كتبه الرفاق عنك في "رابطة الأطباء الاشتراكيين" ولم تعجبني كتابتهم البائسة، فخرجت فطيرة بدل أن تكون سيرة من نذر نفسه للعمل العام وأفنى من أجله الروح .فهي لم ترق لمكانتك ولا لروحك الطلقة واستشهادك المَهيب . استعجل الرفاق الكتابة ولم تكن لتصعد قدرك ولا مكانتك العالية ولا قممك الشّماء . لم تزل أنت زمُردة في ذاكرة الوطنية وسنبلة غرزها الزمان في الأرض . تحية لك وأنت ترفل في هالة النور ومجد الوطنية ، وحري بالوطن أن يفرح بمزرعة الأجساد وطيب أريجها في أعماق الأرض . * أتخيل روحك تقف في ركن قصي من فردوس الأرواح الهائمة ترقب مؤتمر حزبكم الخامس ينعقد بقاعة الصداقة. والرفاق فرحون بهامش الحرية الذي نعموا به في ظل سلطة الدولة . أطلق اللواء /صلاح مصطفي على المرحوم/صلاح إسماعيل لقب "أمير الديم". وهو ينعاه في احدي صحف الخرطوم. إلي روحك السمحة وهي تنعم بفردوس الأرواح المأمول بنعمة المولى ، فأنت حقيق أيضاً بأن تكون "جوهرة الديم" ، جوهرة اكتنزها الوطن .سنظل نذكرك دائماً فقد اخترت طريقاً لخدمة موطنك ولم تتراجع إلى استشهادك . ألف تحية لك وألف سلام . يوسف إدريس عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. 2009