في ظل الانتشار الواسع لفيروس كورونا المستجد، التي طالت جل دول العالم، تصاعدت فيروس آخر متمثلاً في موجات العنصرية والكراهية في العديد من البلدان تجاه المهاجرين واللاجئين في ظل المخاوف من الأوضاع الاستثنائية التي يعيشونها كمجتمعات تعاني أصلاً من العزل ليضاعف اتساع نطاق انتشار الوباء من هذه العزلة. ربما لا تنطبق هذه المخاوف كثيراً على مجتمعات المهاجرين واللاجئين في السودان، باعتباره مجتمعاً له تجربة أصيلة امتدت لعقود في استضافة موجات من اللجوء والهجرة لطبيعته الجغرافية وتداخلاته الحدودية مع كثير من دول الجوار ذات الأوضاع السياسية المضطربة. ولكن لا بد من اتخاذ التدابير الوقائية الكافية لحمايتهم مع تزايد انتشار الوباء والتداعيات غير المتوقعة في هذا الخصوص. من المهم الإشارة هنا إلى أن الإصابات الأولى التي رصدتها المؤسسة الصحية في السودان كان مصدرها القادمون من الخارج، وتبعتها ظاهرة استنكار في وسائل التواصل الاجتماعي تجاه البلدان التي جاءوا منها وكانت الجائحة قد استفحلت فيها، ولكن سرعان ما تراجعت هذه الظاهرة مع الانتشار المجتمعي للفيروس. بمتابعة ما يجري حول السودان من ظواهر تجاه الأجانب والمهاجرين واللاجئين بصف خاصة، يمكن وصف ما جرى في دولة جنوب السودان بالمقلق عندما تصاعدت موجات الكراهية تجاه العاملين في الأممالمتحدة والأجانب بصفة عامة بعد انتشار الفيروس هناك وأثارت كثيراً من المخاوف على حياتهم في أوساطهم ، مما اضطر رئيس دولة الجنوب للتدخل عبر خطاب موجه إلى الشعب بوقف هذا السلوك. كما تصاعدت موجات العنصرية في الصين، أول منطقة انتشر منها الفيروس، تجاه الوافدين الأفارقة هناك وتعرضهم للتمييز في العديد من المطاعم لاعتقادهم أنهم مصدر الفيروس، ومثلها حدث في الهند ولكن بأبعاد طائفية وفي إسرائيل وفي الولاياتالمتحدةالأمريكية التي اجتاحها الوباء بكثافة مما دفع الرئيس الأمريكي إلى وقف برنامج الهجرة إلى بلاده. يظل وضع المهاجرين واللاجئين في السودان، خاصة في المعسكرات المغلقة والمكتظة، مثيراً للقلق مع اتساع نطاق الانتشار المجتمعي للفيروس في السودان ويتطلب، إضافة لمجهودات الدولة، مضاعفة المنظمات المعنية لمجهوداتها لتهيئة بيئة صحية مناسبة قادرة على تفعيل وسائل الوقاية والحماية لهم. فالبنية الصحية للدولة لن تكون قادرة على استيعاب ما يمكن أن يمثل انفجاراً للفيروس في معسكرات أصلاً معزولة، ويمكن أن يجتاحها الفيروس مع الإجراءات الأكثر تساهلاً لحركة الأفراد من وإلى هذه المعسكرات. إضافة لهؤلاء تظل قضية عديمي الجنسية أو من أسقطت عنهم الجنسية، خاصة أبناء جنوب السودان، وهم خارج تلك المعسكرات، تظل مثار قلق للعديد من المنظمات المهتمة بأوضاعهم، ومنها منظمة السودان للتنمية العاملة في شرق السودان بشكل رئيسي. ومبعث القلق هو عدم قدرتهم على الحصول على أوراق ثبوتية تسمح لهم بالحصول على حقوقهم وعلى رأسها الخدمات الصحية. على الدولة الإلتفات إلى هذا اللأمر بكل جدية وهي تحارب في كل الجبهات بوضع سياسات احترازية وقائية، الدفع بالمنظمات المعنية لرفع درجة الطوارئ الصحية وبذل المزيد من الجهود والخطط وتمويل المشروعات العاجلة للتصدي لانتشار الوباء في تلك المعسكرات وأماكن تجمع المهاجرين المنتشرة في أنحاء البلاد. بالرغم من خصائص المجتمع السوداني التي تعزز قيم التعاضد والتضامن مع الآخرين، خاصة المهاجرين واللاجئين، إلا أن الأمر قد يفلت مع ازدياد الأعباء على الدولة في مواجهة كورونا إذا ما أخذت على حين غرة من تلك الجبهة. عندها سيجد هؤلاء أنفسهم داخل أكثر من سياج عازل بدلاً من أزمتهم الإنسانية التي قادتهم إلى هذا الخيار. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.