استشراءُ الفساد، في الغَابَة، وَبُلوغهِ الدَّرجات السُّفلى من الحضيضِ والإِنحطاطْ، وتدَهْوُر منظومةُ الأخلاق والسلوكيات في غابةِ السَّعْد، لم يَكْنْ صُدفة، ولا مُفاجأة، ولا مُستغرباً، فهو لم يحدُث بين ليلةٍ وضُحاها، بل هبط بهدوءٍ، وعلى خُطواتْ، كُلَّمَا تمكَّنت سُلْطَة اللَّبْؤُة من تنفيذِ جزءٍ، أو فقرةٍ من فقراتِ برامجِها ، َالمناهِض للحياةِ المتمدِّنة وللتحضُّر، والمعاديَةِ للقيمِ الرَّفِيعة لحيوانِاتِ القَرْنِ الحَادِي والعِشْرين. وَكَانَ على قِمَّةِ تلك البَرامِج، بعدَ التَّمْكِينِ مُبَاشَرَةً، سياساتُ التَّحْرِيْر الإِقتصاديَّة، والتي تُعادِي، في جوهرِها المُقيِد، مسماها الفسيح. لقد عنت سُلْطَة اللَّبْؤُة بالتَّحْرِيْر : (إطلاقَ يدَ السُّوق، وَشَلْ، وَغَلْ يَدِ الغَابَة في السَّيطرة على الأُمُور الإقتصاديَّة العَامَّة، حتى ما كان متعلقاً منها بالإنتاج، وما أرتبط منها بالأسعار. وفي إطار هذا التَّحْرِيْر فقد باعت اللَّبْؤُة كل شيء تقريباً: - الأرض، والعرض، والدماء... وَضَاعَ من مِلكيَّة الغَابَة عن طريقِ البيعِ الجائر، أسطولُ جَبَلِ الحَدِيِد، وأسرابُ النُّسُور الذهبيَّة، وَمُؤسسةُ صِيَانة الحَنَاطِير المَرْكَزِيَّة، وَشَرِكاتٌ لا حَصْرَ لها، وَكلُّ المصانعِ التي لها علاقةٌ بقطنِ مَشْرُوعِ الدَّلَتَا، ومَشْرُوعِ الدَّلَتَا ذَاتَهُ، والأرَاضِي الزِّرَاعِيَّة في جميعِ الإتِّجَاهَاتِ في الغَابَة. وبأختصار: - كُلُّ ما كَانَ مملوكاً، ولمدةِ قُرُونٍ، للغابة، باعتهُ اللبؤة للموالين بأثمَانٍ بخسةٍ، في صفقاتٍ شَابَها الفسادُ، وَوَسَمَها الإجرامُ، وحفتها المُحَابَاة. وعلى ذلك، فقد تَمَّ تشريدُ الأَفْيَال، جنباً إلى جنبٍ مع الحيواناتِ الأُخرى، ذاتِ الجُلُودِ، والفِراءِ البيضاءِ النَّاعِمَة. ولقد طالت يدُ هذا التشريد، بعد الفصلِ للصالحِ العَامْ، أربابَ الأُسَر في الغَابَة...وأصبحت قيمُ الغَابَة، في جميعِ تعاملاتِها الإقتصاديَّة، والماليَّة: - فسادٌ فِيْ فسادُ! وتبجح الغِشُّ، وطافتِ خيانةُ الأمَّانَة بالخزائن، في الأسواقِ، وفي البُيُوت، وبرزت جرائمُ الشيكاتِ الطائرة وإزدهرت في فترة حُكْمِ اللَّبْؤُة، وقدحت في المنظومة الماليَّة، وَالبنكيَّة، حتى أدَّت للإنهيار المالي، والنقدي المشهُود، عشية ثورة منصف ديسمبر المجيدة. أمَّا الأُسَر، التي عَانَت الأمَرِّيْن في مُجابهة الحَيَاة ومُكافَحة مَشاكلِها، وتصريفِ عوَادِي الدَّهر، لأنها فقدت إمّا عائلها بالقتلِ، أو السجنِ في أقبية العرين، أو فقد عائلُها وظيفتَهُ بالخصخصةِ والتَمْكِين، فقد وجدَت في مسيرةِ الحُرْيَّةِ وَالتَغْييِر مُتنفساً لها، وفرصةً للتعبيرِ عن مَكْنُوُنَاتِ الصدور. ونزلت، تلك الأسر، إلى الشارع، جَنْبَاً إلى جَنْبٍ مع الشَّبَاب، وَالطُلَّابِ، وهبَّت لتُنْهِي حُكْمَ الفَرْد، و: - (جَاتُو عَدِيِلْ: إِعْصَارْ... إِعْصَارْ!).