كانت هناك فصائلٌ تعوِّل عليها مختلف الحيوانات في لعب أدوارٍ مُهمة حمايةً للتغيير القادم، وقد تلك الفصائل تزاوج الأسود، والنُمُور، والفُهُود، وبالعكس. وكانت تلك الحيوانات الهجين، بموجب قوانين الوراثة، كانت مُبرأةً للحد البعيد من العيوب التاريخيّة، والمعروفة التي تتصف بها فصيلة الأُسُود الخالصة. ولكن، وبما إن ظاهرة التزواج المزدوج هذه كانت حديثة، وجديدة على مجتمع الغابة، فإنَّ الهجين الناتج عنها، ما زال أشبالاً إن جاز وصحَّ التعبير، أشبالٌ يافعة، لم تشب عن الطوق بعد! ومنها أشبالُ اللَّايقر، والتِيقُون، والليُوبُون... وهي الفصائل التي ظل البعضُ يؤمل على تصديها لقطعان الضباع، والذئاب، والكلاب اللاهثة، وبعض الأسود، حينما يجدُ الجَد، وتُشمِّر حيواناتُ الغابة، مُجمعةً، ومُجتمعة عن سَواعِد الجِد. من القُوى التي كانت تتحسب لها، أيضاً، رئاسةُ العَرِيْن وأجسام تحالُفات اللبؤة، وتخاف منها خُوف العمى، مجمُوعة من المُبادرين، الذين حظُوا بدرجاتٍ تعليمية عالية، وحظ وافر من المعرفة، من القطا، والحُبار ، والهدهد، وطير الرهو، وقطاعات مُختلفة، أخرى، من فصائل الحيوانات البريَّة، جَنباً إلى جَنبٍ مع الفصائل الداجنة. وكانت تلك المجموعات حديثةُ عهدٍ، نسبياً، بالعمل العام في الغابة. ورفعت شعاراتٍ، ونادت بأهدافٍ، وبرامجَ مُستقلة وجدت قُبُولاً واسعاً وفردت نفوذاً كبيراً وسط الحيوانات... ولكن، انحصر نشاطُ أحزابِهم ومنظماتهم المختلفة في اللجان، والهيئات الفوقية، وسعى كل من لمع نجمه أو اقترب منهم من مواقع القيادة، للتميز، وساد التعامل مع سائر الحيوانات من علٍ ومن بروج العاج... وسادت وسطهم ألقاب الأستاذ، والخبير، والقيادي... بحيث كانوا، كلهم: (مُدَرَاء!). وكانت الحيوانات التي هامت ولجأت للصحراء، أو تلك التي لزمت الجُحُور، كالثعالب، مَثَلاً، مصدراً للخطر الماحِق، ليس على حكم اللبؤة فقط، وأنما على مُجمل عهدها، ومشروعاتها، وبالذات (المشروع الحِمَارِي) الذي يستهدف، ضمن مرامي أُخرى كثيرة، منها أن تصير هيئة حيوانات الغابة كلها، باستثناء منسوبي العَرِيْن: الأسد الهزيل، واللبؤة، واللبؤآت بنات الخال العَرِيْني، أن تكون كلها على هيئةِ حمار بذيلٍ رقيقٍ وأُذنين كبيرتين، وغباءٍ مُستحكم. وكانت السياسات المُعلنة والسريَّة للعرين ولأسرة اللبوة، معاً، تهدف وتعمل بهمة على ألا تجتمع هذه الكيانات على رأيٍ واحد، وألا تعي، بقدر الإمكان، القواسم المشتركة في أهدافها، وإلا تضم كفوفها، وإلا لبلغت: المجد! وأطاحت، حين بلوغها المجد، بمقدرات، وسلطات أسلاف الأسود الهازلة، إلى مزبلة التاريخ، وإلى الأبد. كانت هناك مؤسسات، قائمة، وتعمل، وذات تأثير حقيقي. ولكن المكتوين بنيران أدارتها، وترتيب شئونها، كانوا يعلمون حق اليقين، أن الوحدة السياسية لمكونات مجتمع الغابة، من الحصان المجنح، وبطاريقو، وحتى أشبال هجين الأسود، مع الفهود، والنمور، سينعكسُ بَرداً، وسلاماً على نفوذ، وأجسام، وأداء تلك المؤسسات المدنيَّة، والنقابيَّة. وكان أهمها نقابات العاج، وريش النعام، والحُبُوب الزيتيَّة، واتحاد القرود، والزرازير عصب مجتمع مزارعي مشروع الدلتا الزراعي، الكائن في طرف البحيرة عند منبعِ النهر. وكانت هناك محاولاتٌ، حثيثةً، من حكماء الغابة، لدعم وإثراء الجُّهُود الرامية لأنعاش النقابات وسط فصيلة الطير، والحناطير، بما فيها بعض حناطير العَرِيْن. وكانت أسرابُ الهُدهُد، والقمَاري تترقبُ تلك الوحدة، وتتوقُ لها، وتحسب لها الزمن وتحبس لأجلها الأنفاس، لأن الوحدة كانت تعني، عملياً، وبلا أدني شك، إنَّ الوقتَ قد حان، ودقَّتِ الساعةُ، ودنت اللحظة التي تحمل البشارة المنتظرة،ألا وهي: