فيما مضى، كان الحِصَان المُجَنَّح، بؤرةً لجمع الصف، وسبباً في توحيد الكلمة وسط حيوانات الغابة، وكان على قيادته شبه الإجماع، بل و مصدر معقودٌ بناصيته الخير. لكنه بعثر تلك الآمال، و أهدر تلك الفرص، الواحدة تلو الأخرى، و انشغل في كثيرٍ من الأحيان بالمظاهر عن قضايا ملحة، و اشتهر بكثرة الكلام، ووهوى التحليق الأستعراضي، أمام خيولٍ كان يعلم أنها: (لا تطير!). و ضُبطته حيوانات احتاجت له أكثر من مرَّة، و هو يخضِّب سبايب ذيله، المنفوش، بالحناء. وقد جرى ذلك حتى أثناء إلتهاب النقاش، وإحتدام المعارك. ولكنه ظل، منذ عهود أسلاف الأسد، و حتى عهد اللبوة، محل إجماع لأقسام مُقدَّرة من حيوانات الغابة، وكان مجيئُه باعثً على الأمل، واحتمل الإنتظار. ولكن شابت سيرته واقعَةِ تلقيحِ الحمير في يوم الكرنفال، وانجابِهِ البغل الكرنفالي المُجَنَّح، الذي لا يزال يجُر: حناطير العرين، فخصمت منه، ولكن: قليلاً! وقد قال أكثرُ من حكيمٍ في الغابة: - (إن الحِصَان المُجَنَّح ما عاد هُوَ، هُوَ! وإن انتظاره لن يُجدى، بل ضار، ومجيئه سيكونُ أكثرُ ضرراً. و لن تقوى جناحاه المصبوغان بالحناء، حسب أحدث الأخبار، على حمله للعرين مره أخرى، من مكامنه، المتعددة، في الغابات المجاورة). كانت اللبؤة وأسرتها العرينية، و بعضُ الأُسودِ الهازلة، تصيد الأحصنة القاصية، متى استطاعت إلى ذلك سبيلاً. هذا، بخلاف عدواة اللبؤة الظاهرة للحصان المُجَنَّح، و طمعها، المعلن، في أن تنهش لحمه يوماً ما، وتأكله بشهيّة من أصابها عليه الوحم، وكان من الغريب إنَّ الحِصَان المُجَنَّح الذي كان على علمٍ تفصيليٍّ، و يقينٍ لا يرقى إليه الشك، بمدى خطر اللبوة عليه، ومع ذلك، و برغمه فقد كان يرى، بعين العمى، في (ببَطَارِيْقُو)، كبير البطاريق، عدواً ألداً، وأشدُّ ضرواة، و أمضى بأساً من الأسود، وأسلافهم، وحاشيتهم، وحرّاسهم من الفصائل الكلبيَّة التي مارت بها أروقة العرين. و مع أن العرين، بعد قليلٍ جدَّاً من التعديلات، كان سيسع (بَطَارِيْقُو)، جنباً إلى جنبٍ مع الحِصَان المُجَنَّح. إلا لا بَطَارِيْقُو ولا الحصان المُجَنَّح لم، و لن، و لا يحتملا بعضهما البعض. بدأ ضيقهما وعدم احتمالهما بعضهما بعضاً في الصور التي كانت تتصدر الصحف، عندما كانا يحكمان مجلس عموم الغابة ضمن آخرين، قبل أن يصير عريناً في عهد الأسد المهزول، ومن بين تلك الصور، صورة شهيرة، ولقاءات صحفيّة، ومقالات بها تحليلات سياسية، كانت تنشرها ناصِحةً، وعلى الدوام، صحيفة (الغزالة) اليوميّة، لسانُ حال (حزب المُوج). لقد أُعدَّ الحِصَانُ المُجَنَّح و بَطَارِيْقُو، منذ نعومة الأظافر، بجهدٍ جهيد، بذلته الأسر ذات الحظوة لكلا الكائنين السيعيدن، على طريقة: - (السعيد ولد الشقي!). للقيادة و الريادة و السيادة، و دان لهما النفوذ المؤهل للفوز بمناصب مؤثرة في العرين، في: ملاعقٍ من ذهب. أمّا: - كيف؟ و لماذا تميزت أسرتاهما؟ فلذلك قصصٌ و خلفياتٌ أسطورية، لم تكن كلُّها وليدةَ معادلاتِ غابة السعد وتوازناتها المحلية، وإنما اشتركت فيها حيواناتُ وتضاربت فيها مصالح بعضِ الغابات الإقليمية والعالمة، لأهدافٍ إمبريالية، فانسجمت فيما بينها، رغم جذورها المتناقضة، حد التناحر. و فشل عدد كبير من الطامحين في الإستزادة حول هذا التاريخ المُموه، في الحصول على المعلومات الدقيقة، و الكافية التي يمكن أن يُعتمد عليها في المحاكاة لرسم الطريق التي خطته تلك الأسر، للوصول لهذا القدر من النفوذ، الذي أباح لفصائلٍ المختلفة من الحيوانات، أن تلج مجلس النواب، بالسهولة التي يشرب بها العطاشى الصحراويون الماء القراح في عز الصيف. وبات من المسلم به لدى العامة، بأن الحِصَان المُجَنَّح، و بَطَارِيْقُو: - مكسوان بصلاحٍ رُوحي، وأخلاقي، وديني لا يُدانى، وأنهما خيرُ من يمثل مجلس رأس عموم الغابة، بمفارقة أنهما لم يستطيعا، وعلى مرِّ ولوجهما العرين، عمل التغييرات اللازمة لمواكبة وجودهما الرسمي، لا شكلاً، و لا مضموناً، و لا حتى تغيير اسم (العرين) المرتبط أزليّاً بالأسود الجرباء. وكان قد أُخذ على الحِصَان المُجَنَّح، تصريحه بأنه: - سيغير اللافتات التي تزين واجهات العرين، و التي تعبر عن سياسات الأسود المعلنة، و المدعاة كذبا،ً و بهتاناً. و قد أسر لي أحد التيوس، وهو شامت، ساخراً من تصريحٍ إعلامي سابقٍ للحصان المُجَنَّح، قال فيه: (إن شعارات العرين، و لافتاته، لا تساوى ثمن اليحيمُور الذي كُتبت به!)، أسر لي أنا شخصيّاً: - بأن الحِصَان المُجَنَّح قد صار مُجنحاً (منزوع الجناح)، و الله يعلم أن كان بإمكانه ثانيةً مُعاودة الطيران! في الفرص المهدرة السابقة، التي سيطر فيها الحِصَانُ المُجَنَّحُ مع بَطَارِيْقُو و آخرين، على مجريات شئون الغابة، صبرت عليهم الحيواناتُ المضطهدة صبر أيوب، لا حباً في جناحي الحِصَان، أو انهاراً بالفراء التي كست جسم البطريق، و إنما حرصاً على الظروف، و الشروط التي مكنتهما من ولوج العرين، و أملاً في تطويرها و الإرتقاء بها: - لتسع الجميع! ولكنهما كانا كالعروسٍ التي تُخرجُ الفُساء أثناء بخِّها بالعطور، وأُطلاق الدخاخين والبخورعليها. واغلقا أعينهما التى كانت ترى، ببلاهةِ دحشٍ لم يُفطم بعد. ومع ذلك ما يزالان يتمسكان بأدوار البطُولة في كل المسرحيات، والأفلام التي تعرض في مهرجانات الغابة، بما فيها كرنفال المضاجعات، الإحتفالي، الأخير. وقد إزدانت (صحيفة حزب المُوج- الغزالة)، ذات صباح مضى، بعنوانٍ رئيسي، تصدَّر صفحتها الأولى: - (فِكُّوا دربنا، وجعتوا قلبنا... حتَّى كلبنا أكل جرجير!). ولكنهما، حصاناً أو بطريق، كانا وكأن في عروقهما دم قُراد، لم يروا، ولم يدركُوا، وبالتالي لم: (يَعُوا!). ومع ذلك، كان التغيير القادم يعتمد على مواقفها، ليس بسبب حكمةٍ أو رجاحةِ عقل، و إنما بسبب نفوذهما وسط الجماهير، و كلمتهما المسموعة عند غالبية بُسطاء، و غِمَار الحيوانات. ولكن يظل التغيير في شقه العنيف، الذي يتطلب مُواجهة حكم اللبؤة، ناباً بناب، ومخلباً بمخلب، يتطلب طُرُقاً أخرى، قد لا يلعب فيها السيدين، السيد الحِصَان المُجَنَّح والسيد بَطَارِيْقُو، دوراً مذكُورا. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.