تنسيقية لجان المقاومة: فك الحصار عن الفاشر لن يأتي إلا بالقوة    ترامب: سأكون حازما مع نتنياهو بشأن إنهاء حرب غزة    تمبور: لم نتقدم بمذكرتين لرئيس مجلس السيادة والوساطة بدولة جنوب السودان    كامل إدريس يعلن عزمه عقد لقاء جامع يضم مختلف القوى السياسية والمجتمعية قريباً    عوض بابكر .. بأي دمعٍ نبكيك .. وبأي حرفٍ نرثيك ..!    بعد زيارة رسمية لحفتر..3 وفود عسكرية من ليبيا في تركيا    جوارديولا بعد الإقصاء من المونديال: بونو كلمة سر تأهل الهلال    بالانتصار الخامس.. الهلال يزاحم كبار العالم في المونديال    قراصنة مرتبطون بإيران يهددون بنشر "رسائل مساعدي ترامب"    ألسنة اللهب بدأت في التمدد شمالاً وغرباً وجنوباً ..الخطر لايتهدد السودان وحده    مروي تستضيف الجمعية العمومية غير العادية    الشباب يكسب النصر ويقترب من الثانية بكوستي    دراسة لصيانة المدرجات والمقصورة الرئيسية لاستاد شندي بمواصفات حديثة    لماذا يستعصم السفير نورالدين ساتي الصمت بينما تضج الميديا بأخباره    البرهان يتلقى وعدًا من السيسي    مسيرات انتحارية تستهدف قاعدة مروي الجويّة    إدارة المباحث الجنائية بشرطة ولاية الخرطوم تسدد جملة من البلاغات خاصة بسرقة السيارات وتوقف متهمين وتضبط سيارات مسروقة    بدء التقديم الإلكتروني للقبول بمؤسسات التعليم العالي السودانية للعام 2023-2024م    جهاز المخابرات العامة في السودان يكشف عن ضربة نوعية    السودان يشارك في بطولة العالم للألعاب المائية بسنغافورة    معتصم جعفر يصل مروي ويعلّق على الحدث التاريخي    جهاز المخابرات العامة في السودان يكشف عن ضربة نوعية    السودان.. خبر سعيد للمزارعين    الصحة العالمية: يوجد فى مصر 10 ملايين لاجئ ومهاجر 70% منهم سودانيون    لقاء بين"السيسي" و"حفتر"..ما الذي حدث في الاجتماع المثير وملف المرتزقة؟    عيد ميلاد مايك تايسون.. قصة اعتناقه الإسلام ولماذا أطلق على نفسه "مالك"    مزارعو السودان يواجهون "أزمة مزدوجة"    رسائل "تخترق هاتفك" دون شبكة.. "غوغل" تحذّر من ثغرة خطيرة    الجيش السوداني يستهدف مخزن ذخيرة للميليشيا ومقتل قائد ميداني بارز    بعد تصريحات الفنان شريف الفحيل الخطيرة.. أسرة الفنان الراحل نادر خضر تصدر بيان هام وعاجل.. تعرف على التفاصيل كاملة    مصادرة"نحاس" لصالح حكومة السودان    "مخدرات في طحين الإغاثة".. مغردون يفضحون المساعدات الأميركية لغزة    بالتنسيق مع الجمارك.. خطة عمل مشتركة لتسهيل وانسياب حركة الوارد بولاية نهر النيل    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    مِين فينا المريض نحنُ أم شريف الفحيل؟    تيم هندسي من مصنع السكر يتفقد أرضية ملعب أستاد حلفا الجديدة    إبراهيم شقلاوي يكتب: خميس الفكرة والنغم وتقرير المصير!    مصري يطلق الرصاص على زوجته السودانية    تعثّر المفاوضات بين السودان وجنوب السودان بشأن ملف مهم    جار التحقيق في الواقعة.. مصرع 19 شخصًا في مصر    لاحظت غياب عربات الكارو .. آمل أن يتواصل الإهتمام بتشميع هذه الظاهرة    كيف نحمي البيئة .. كيف نرفق بالحيوان ..كيف نكسب القلوب ..كيف يتسع أفقنا الفكري للتعامل مع الآخر    السودان..قرار جديد لكامل إدريس    شاهد بالفيديو.. الفنانة اليمنية الحسناء سهى المصري تخطف الأضواء على مواقع التواصل السودانية بعد تألقها في أداء أشهر أغنيات ثنائي العاصمة    شاهد بالصورة.. الإعلامية السودانية الحسناء شيماء سعد تثير الجدل على مواقع التواصل بالبنطلون "النمري"    تراثنا في البازارات… رقص وهلس باسم السودان    يعني خلاص نرجع لسوار الدهب وحنين محمود عبدالعزيز..!!    مكافحة المخدرات بولاية بالنيل الابيض تحبط محاولة تهريب حبوب مخدرة وتوقف متهمين    استدعاء مالك عقار .. لهذا السبب ..!    مزارعو القضارف يحذرون من فشل الموسم الزراعي بسبب تأخير تصاديق استيراد الوقود    أسهم الخليج تتجاهل الضربة الأمريكية    30أم 45 دقيقة.. ما المدة المثالية للمشي يومياً؟    وزارة الصحة تتسلّم (3) ملايين جرعة من لقاح الكوليرا    "أنت ما تتناوله"، ما الأشياء التي يجب تناولها أو تجنبها لصحة الأمعاء؟    ماذا يفعل كبت الدموع بالرجال؟    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما وراء الوحشية في فض الاعتصام .. بقلم: د. النور حمد
نشر في سودانيل يوم 05 - 06 - 2020

في ساحة الاعتصام خرج السودان الأصيل، ذو العمق التاريخي الذي يعود لسبعة آلاف عام، من الرماد كطائر الفينيق. لقد ظنوا أنهم عبر ثلاثين عامًا من الاستبداد والغطرسة والأكاذيب، أنهم محوه، وأحلوا محلَّه، وإلى الأبد، هذا المسخ المستورد النقيض لكل قيمة أتى بها الدين. استجمع السودانيون في ساحة الاعتصام فضائلهم التاريخية من كرم وشهامة ونخوة وأمانة وتعاون وأخوة صادقة لا تفرق بين غني وفقير، ولا بين وجيهٍ وخاملِ ذكر. قدم السودانيون في ساحة الاعتصام أكبر عرض عرفه التاريخ لفضائل هذه الأمة نادرة الشبيه. في هذا المعرض الرباني السماوي، الذي جرى في الهواء الطلق، تقزَّم التدين الكاذب المستورد، الذي عاش نفاقًا على "هي لله"، وبرز التدين الصوفي السوداني الأصيل. أقيمت في ساحة الاعتصام صلواتٌ جماعية حاشدة، لم يحدث لها شبيه، ولا في الثورة المهدية. وكان الأكثر إيلامًا لهم، إن أبناءهم وبناتهم نفضوا منهم أيديهم، وانضموا بفطرتهم السليمة التي لم تنمسخ، إلى المسيرة القاصدة نحو الحق والعدل والخير والجمال.
بسبب كل ما تقدم، كانت هذه الوحشية التي لم يشهد لها تاريخ السودان مثيلا. لقد أصابتهم تجربة الاعتصام في مقتل. فقد فضحت زيفهم، وزلزلت عرشهم، الذي شيدوه على دعاماتٍ واهية، من الأكاذيب والتضليل. شعروا بأن قيامتهم قد قامت وأن يد القدرة قد أمسكت بتلابيبهم. وبدلاً من أن ينكِّسوا رؤوسهم، ويمضوا في صمتٍ إلى غياهب النسيان، كأسوأ خَبَثٍ، طفح على وجه الحياة السودانية، بيَّتوا النية لممارسة أقسى صنوف الوحشية والفظاعة ضد هذا المارد، الذي طالما استخفوا به، ففاجأهم بما لم يحسبوه. أعلنوا أن الاعتصام لن يجري فضه. ثم ما لبثوا أن غدروا بالمعتصمين بليل. قتلوا الصائمين والصائمات الغافلين النيام، بدمٍ بارد، في شهر الله الحرام. قيدوهم وربطوا أرجلهم بكتل الأسمنت وأغرقوهم في النيل. اغتصبوا النساء على أرضية المسجد، ولم يلقوا بالاً لصرخاتهن وتوسلاتهن، وهن العفيفات الحريصات على شرفهن. استباحوا المدينة لنهارين، فأوسعوا سكانها ضربًا وإهانة، فلم يسلم منها حتى كبار السن، في فقدانٍ للمروءة، أكد تربيتهم المنحرفة. ثم ما لبثوا أن عرَّجوا على آثار الاعتصام من جداريات رسمها الشباب والشابات فمحوها. ظنوا أنهم بكل ذلك، قد كسروا عزيمة الشعب، ومحوا ثورته من سجل التاريخ. فعلقوا التفاوض مع تجمع المهنيين. لكن، بعد سبعة وعشرين يومًا فقط، خرج لهم طائر الفينيق من الرماد، من جديد، فجعل عاليها سافلها، فعادوا إلى التفاوض صاغرين.
في أعوامهم الثلاثين احتقروا الأدب، وحاربوا الفن الرفيع، وأغلقوا دور السينما، وكتموا أنفاس المجال العام. بل حاربوا حتى منظمات الشباب الطوعية التي لا تعمل تحت إمرتهم. أغرقوا البلاد في التدين المظهري الكاذب، الذي يُستخدم لأغراض الدنيا. وزحموا الإعلام بالتفاهات من غناء هابط، ومغنين ومغنيات تابعين لجهاز الأمن، وصحافة "تابلويد"، مشغولةٍ بالإشاعات وتافه الأخبار، وأقلام مأجورة لا تنفك تسبح بحمد مولاها. خلقوا طبقية لم يعرفها السودانيون. تباهوا في أعراسهم بعرض كتل الذهب على أجساد العرائس، وبعرض شيلات العرسان المستوردة، وبالولائم الباذخة في الصلات الفخمة. لقد كانت المعاني التي جسدها الاعتصام نقيضًا لكل هذه الوثنية المقرفة، التي التحفت قداسة الدين. لقد هُزموا أخلاقيًا أسوأ ما تكون الهزيمة. لذلك كانت هذه الوحشية الفظيعة. لكن، للحرية ثمنٌ يُدفع دائما.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.