[email protected] يتساءل البعض عن عدم إفساح قناة الجزيرة المجال للمذيعين السودانيين. ويرون أن القناة ظلمت السودانيين عندما أتت بمذيعاتها من الجنسيات العربية لتغطية انتخابات السودان بدلاً من الاعتماد على الكوادر السودانية. ويقولون أن السودانيين (شطار) وأنهم أسهموا في النجاحات الكبيرة التي حققتها القناة وغيرها من القنوات العربية. فهل أخطأ القائمون على قناة الجزيرة في حقنا فعلاً؟ هل ظلمونا بعدم ظهور بعض المذيعين ومقدمي البرامج السودانيين عبر الشاشة؟ لا أعتقد. لست في معرض الدفاع عن المسئولين عن أي قناة عربية وأعلم تماماً أن غالبية أخوتنا العرب أفضل من يتبنون مبدأ (الخيار والفقوس). ولا اتهم الكثير من الإعلاميين السودانيين العاملين في القناة المذكورة بالضعف. لكنني أرفض دائماً فكرة تعليق أخطائنا على الآخرين بهذا الشكل المطلق. قبل أن نلوم مسئولي قناة الجزيرة أو غيرها علينا أن نواجه واقعنا بشجاعة. ولنبدأ بحكاية شطارة السوداني، فهل نحن شطار في كل شيء؟ قطعاً لا.. وأذكر أننا منذ أيام الدراسة كان معظمنا يبرعون في الكتابة لكنهم يعجزون عن التعبير عن أنفسهم أمام الآخرين. وهذه مشكلة للأسف الشديد يعاني منها الكثير من مقدمي البرامج السودانيين. ثم أن الكثير من مقدمي البرامج السودانيين والمخرجين لا يهتمون كثيراً بمسألة الهندام. لا مانع عندهم من حضور أي شخص لاستوديوهات قنواتنا الفضائية ب ( برطوش) وتي شيرت. ولكي لا تظنوا أنني ( أتبله) على الناس راقبوا جيداً من اليوم فصاعداً من تستضيفهم بعض قنواتنا الفضائية لتروا بأنفسكم. لاحظوا كيف يتعامل بعض نجوم مجتمعنا مع الكاميرا. راقبوا الطريقة التي يجلس بها بعض رؤساء تحرير صحفنا أمام الكاميرا وكيف يتحدثون وكأن الواحد منهم يجالس بعض الأصدقاء تحت ظلال الأشجار. ولا تنسوا أيضاً أن الكثير من كبار إعلاميينا لا يتعاملون مع الأمور بمهنية وأبلغ دليل على ذلك ما ظل يقدمه الأستاذ بابكر حنين خلال برنامجه " مجهر سونا". كما نعلم جميعاً أن أي برنامج تلفزيوني أو إذاعي يفترض أن يكون ملكاً للمشاهدين والمستمعين. لابد أن يمنح خلاله الضيف المساحة الكافية للإجابة على ما يطرح عليه من أسئلة وملاحظات، لا أن يمنح المقدم نفسه وقتاً أطول مما يفسحه للضيف. لكن الأستاذ بابكر حنين الذي يعتبر أحد رموز إعلامنا حالياً لم يكن احترافياً في تقديمه للبرنامج فما بالكم بصغار المقدمين والمذيعين! الكثيرون منا لا يفهمون أن تكلفة الثانية الواحدة تلفزيونياً باهظة ولذلك لابد من التعامل معها بالجدية والدخول مباشرة في الموضوع بدلاً من تضييع الوقت فيما لا طائل منه.. فكم مقدم برامج عندنا يقوم بهذا الشيء؟ تابعوا من يعلقون على مباريات كرة القدم ولاحظوا للغة البائسة المستخدمة في التعليق والتلعثم وكمية الوقت المستهلك في الإعلان عن تشكيلة الفريقين. خلال لقاء الهلال والموردة الأخيرة استغرق المعلق أكثر من سبع دقائق للإعلان عن تشكيلة الفريقين لأنه كان يصر على ذكر اسم اللاعب ووالده بعد أن يقسم كل اسم إلى ثلاثة مقاطع في بطء عجيب، وبعد أن يكمل العبارة برقم القميص تكون روح المشاهد ( مرقت عديل). ولكم أن تقارنوا أداء أي معلق رياضي سوداني بما يقدمه نظرائه في بعض القنوات العربية. لا تقارنوا بالجزيرة الأكثر احترافية بين جميع القنوات العربية، لكن تابعوا المعلقين الرياضيين الإماراتيين لتروا كيف فاتنا الآخرون بآلاف السنوات الضوئية! هندام مافي.. حضور ذهني ضعيف.. تلعثم وتطويل غير محبب.. لغة بائسة وبعد كل ذلك تعاتبون قناة الجزيرة على تجاوز بعض الكوادر السودانية! تذكروا دائماً أن الشر يعم! وقبل أن نلوم الآخرين لابد أن نلوم أنفسنا. لابد أن نسأل أنفسنا لماذا لا يتعامل الإعلامي السوداني مع مهنته بالاحترافية المطلوبة؟ لماذا لا يسعى لتطوير نفسه؟ لماذا نعتمد على العلاقات الشخصية أكثر من اعتمادنا على مهنيتنا ؟ حتى المناصب الخارجية التي يتولاها الإعلاميون السودانيون نرى بعضهم يركز في تأمينها على العلاقات الشخصية. بدلاً من التعامل بمهنية عالية تجد الواحد منهم يسعى لعبارات صديقي فلان وزميلي علان لإرضاء غرور البعض بغية تأمين موقعه والمحافظة عليه. وأبلغ دليل على تهافت بعض إعلاميينا واقتناعهم بأن مهنيتهم الناقصة لا تؤهلهم لمنافسة الآخرين هو ما فعله بعض الإعلاميين الكبار الذين طالبوا زملاءهم بالتوجه لمصر لتنقية الأجواء بعد مباراة مصر والجزائر. أساء لنا إعلاميو مصر واستخفوا بكل شيء في بلدنا وفي النهاية كان مطلوباً منا أن نتوجه لهم بالاعتذار! ألا يؤكد ذلك أن بعضنا يحاول حماية نفسه ومصالحه من خلال العلاقات الشخصية، بدلاً من فرض مهنيته العالية على الآخرين! الإعلام المرئي والمسموع اليوم أصبح سريع الإيقاع ويحتاج للمحاور السريع الذي يستخلص ما يريده من ضيفه بأقل عدد كلمات. صحيح أن الكتبي وعمار ولقمان والزبير من الكوادر السودانية المتميزة لكن ربما رأت القناة أنهم يضيفون لها أكثر من خلال الإعداد وتقديم التقارير. وتبقى مهمة هؤلاء في أن يفرضوا على مسئولي القناة حضورهم أمام الشاشة إن رغبوا في ذلك، لكن لا يفترض أن ننطلق في مناقشة الأمر مما يشبه عقدة الدونية أمام الآخرين.