ترتيبات في السودان بشأن خطوة تّجاه جوبا    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    تحالف "صمود": استمرار الحرب أدى إلى كارثة حقيقية    شاهد بالفيديو.. لاعب المريخ السابق بلة جابر: (أكلت اللاعب العالمي ريبيري مع الكورة وقلت ليهو اتخارج وشك المشرط دا)    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    "صمود" يدعو لتصنيف حزب المؤتمر الوطني "المحلول"، والحركة الإسلامية وواجهاتهما ك "منظومة إرهابية"    شاهد بالفيديو.. حسناء الفن السوداني "مونيكا" تدعم الفنان عثمان بشة بالترويج لأغنيته الجديدة بفاصل من الرقص المثير    صحة الخرطوم تبحث خطة لإعادة إعمار المرافق الصحية بالتعاون مع الهيئة الشبابية    ميسي يستعد لحسم مستقبله مع إنتر ميامي    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    كمين في جنوب السودان    كوليبَالِي.. "شَدولو وركب"!!    دبابيس ودالشريف    إتحاد الكرة يكمل التحضيرات لمهرجان ختام الموسم الرياضي بالقضارف    محمد عبدالقادر يكتب: بالتفصيل.. أسرار طريقة اختيار وزراء "حكومة الأمل"..    تقرير يكشف كواليس انهيار الرباعية وفشل اجتماع "إنقاذ" السودان؟    ارتفاع احتياطيات نيجيريا من النقد الأجنبي بأكثر من ملياري دولار في يوليو    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    "تشات جي بي تي" يتلاعب بالبشر .. اجتاز اختبار "أنا لست روبوتا" بنجاح !    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    شهادة من أهل الصندوق الأسود عن كيكل    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    خبر صادم في أمدرمان    مصانع أدوية تبدأ العمل في الخرطوم    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    بنك أمدرمان الوطني .. استئناف العمل في 80% من الفروع بالخرطوم    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    «ملكة القطن» للمخرجة السودانية سوزانا ميرغني يشارك في مهرجان فينيسيا    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    شرطة البحر الأحمر توضح ملابسات حادثة إطلاق نار أمام مستشفى عثمان دقنة ببورتسودان    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف تصنع صحيفة ...؟ المدائن بوست تحتفل بعامها الأول .. بقلم: د. محمد بدوي مصطفى
نشر في سودانيل يوم 09 - 03 - 2021

أوّل من أسمعني هذا السؤال هو صديقي الياس من الدوحة. اتصل عليّ ذات يوم وفاجأني بالسؤال، ومن وهل الدهشة لم أستطع أن أردّ عليه في التوّ؛ فأجبته: يا صديقي الياس هذا موضوع طويل وعريض ولا يمكن أن اختصره لك في بضع كلمات. تمرّ الأيّام وهانذا يا سادتي أرجع في عيد الصحيفة الأول لأجيب على سؤال صديقي الياس ما استطعت إليه سبيلا. حقيقة كانت هي أوّل مرّة يسألني سؤالا بهذا الاتجاه، وأكاد أجزم أن رسائله الجميلة التي كانت تصلني قديمًا، كانت إمّا لي شخصيًا أو لابني طارق، تنحصر في مجال الرياضة، فهو لا يكاد يراسلنا إلا عندما ينهزم البافاري (بايرن ميونخ)، وكان آخر اتصال له في الأسبوع الماضي عندما خسر بايرن ميونخ ضد فريق فرانكفورت، وجاءت كلماته كالآتي: هل نام طارق؟ ... أم أنّه لم يذق طعم النوم بعد الكارثة الباڤاريّة؟ ثمّ معقباً: "فرانكفورت هي أجمل المدن التي أعشقها"، مع ابتسامة ساخرة على الواتس واكتفى بذلك.
عن الإبداع والكتابة وحديث مع صديق:
إن الصحافة هي دون أدنى شك إحدى مرافئ الأعمال الإبداعية ومراسي الكتابة والتوثيق، وعمومًا هي فنّ ونوع من أنواع الإبداع الإنساني الساميّة، لذلك فإن الحديث عن كيفية عمل صحيفة يقودنا بلا شك إلى عملية الخلق الإبداعيّ كفنٍّ، ومن ثمّة يطرح الحديث في هذا السياق عدّة تساؤلات منها لمن نكتب بالأساس؟ وهل يقرأ الناس ما نكتب؟ وهل يستفيدون منه ويهضمونه؟ ثمّ ماذا عن الرعيل السابق من الكتّاب الذين عرفهم العالم بعد أن قضوا نحبهم بمئات أو ربما آلاف السنين. كانت لي مكالمة تلفونية مع مسقط، وكان على الجانب الآخر الصديق الفيلسوف عماد البليك، وهو من المبدعين حقًّا، وقد أمتعنا ولا يزال يمتعنا بمشاركاته لنا أعماله في صحيفة المدائن بوست وهو بلا شك من قلائل الفلاسفة المعاصرين الذين أثروا العمل الصحفيّ ومن أولئك الذين كرّسوا كل جهودهم في أن ينتجوا من العلم والفسلفة ما يعين شعوبنا في فهم ماهيتها، ويطرح في هذا الصدد تساؤلات كثيرة ويحاول أن يجد سبلًا ناجعة للردّ عليها، عبر نظرياته الخاصة به، التي تفند ما اعتقدناه طويًلا عن "من نحن" و عن قضايا عميقة وشائكة لم تجد إلا الآن براحًا في كتابات الباحثين، أو على سبيل المثال عن أصولنا وهوياتنا ومعتقداتنا وتاريخنا. وبالرجوع إلى قضية العمل الصحفيّ أو بالأحرى صنع صحيفة أقول وددت بادئ ذي بدأ أن أخلق منبرًا متواضعًا يجتمع فيه خيرة الكتّاب والصحفيين وأن تكون انطلاقة لصحافة جديدة حرّة دون قيود أو أغلال تحدّ من تفتقها وتوسع اشعاعات نور هدايتها على الملأ لا سيما في القضايا سالفة الذكر ذات الأهمية القصوى في معرفة تاريخنا وإلى أين نحن سائرون، على حد قول المثل "من نسي قديمه تاه".
جدير بأن أذكّر في هذا الشأن جملة كرّرها لي مرارًا صديقي الباحث والكاتب بالمدائن بوست د. عبد الله الفكي عندما أُرسل له عدد المدائن الجديد فيقول: "تسلم تسلم، الشراكة والمؤازرة في تنمية الوعي وخدمة التنوير" أو في مرّات أخر " عظيم عظيم جدا، تهانينا على هذا العطاء المستمر وما أصعب الاستمرار، لك منا التحية والاحترام على هذا الاسهام في تجسير التواصل وتنمية الوعي وأنسنة الحياة". والجملتان تتحدثان عن نفسهما وتلخص التحديات التي تنتظر كل من ارتاد مجال العمل الصحفيّ أو مجال الابداع الكتابيّ على أوسع نطاق.
ولادة الفكرة وبداية المشوار:
ليس من السهل أن تتحقق أحلامنا التي تراودنا في حياتنا، في أي حقل من حقول الحياة، حتى نصل إلى أهدافنا التي سهرنا الليالي الطوال من أجل أن ترى النور، ولن يتثنى ذلك إلا بالمثابرة والعمل الدؤوب المتواصل، والأمثلة في هذا الشأن تكاد تكون واضحة، ولا تحتاج مني لأدنى تعقيب أو شرح. لقد عملت في عقود عمري الماضية في العديد من الصحف كما وشاركت ككاتب في مختلفها داخل السودان وخارجه وأذكر على سبيل المثال، صحيفة الأحداث، الخرطوم، أخبار اليوم، وفي مواقع إلكترونية عديدة سودانية، مغربية وعربية وطوال رحلتي هذه ظلت فكرة تأسيس صحيفة تحتوي أفكاري وعصارة خبراتي في ألمانيا وفرنسا تراودني وتلازمني كالقرين. لقد طرحتها في أول مرّة لصديقي الأخ ناصر، وهو من البارعين في مجال تصميم الصحف والمجلات والكتب، وكم فرح بها، قائلاً، يجب أن تكون صحيفة عربية بتقنيات وأفكار ألمانية وإلا فلا فائدة منها لأنّ "السوق شبعانة"! بدأنا نفكر ونخطط ونعمل من أجل انجاز وتحقيق الفكرة وبعد أشهر من العمل الدؤوب فيما يخص الخط التحريري والتصميمي وجمع المواد والبحث عن الصحفيين وإشراكهم في العمل ومن ثمّة ترتيب المضامين والمواد الخ، رأى أول عدد النور في شهر مارس الماضي، تقريبًا أسبوع قبيل إطلالة اليوم العالمي للمرأة ولن أنسى يا سادتي في هذا الصدد أنّ صديقة لي الأستاذة آسيا مدني (صحيفة التحرير)، علقت على ذاك العدد وأرسلت مهنئة لي وقائلة:" د. بدوي ... الآن تحقق حلمك ... لقد استطعت أن تصنع منبرك الصحفيّ الشخصيّ". وكانت تلك اللحظة مهمة جدًا، لكنها كانت بالنسبة لي ضربة البداية التي تشير "انتبه ...الطريق وعرة وشائكة!"، والسقوط أسهل من الطلوع كما تعلمون يا سادتي وكنت بذلك أحسب كل حساب لمشوار عمل صحفيّ مستدام.
بطبيعة الحال نشأت وتطوَّرت الفكرة تدريجيًّا ولم تبدأ على وهلة واحدة فبعض الأفكار والرؤى تحتاج أن تتخمّر وتتعتّق حتى تخرج بصورة لائقة للمُتَلَّقِي. وجدنا أنا والأخ الصديق ناصر أنفسنا كفريق عندما بدأنا في تصميم بعض من كتبي لدارسيّ اللغة العربية بالجامعات الألمانية من خلال هذه المهمة قمنا بالبحث عن فنون وتصاميم كفن الخطّ العربي مثلًا، وبدأنا رحلة معرفة واستكشاف عامة وأيضًا مع بعض الخطاطين الرائعين مثال الأخ الخطاط القرآني عبد الرحيم كولين، أستاذ خط الثلث الجليّ بأكاديمية الحسن الثاني للفنون التقليديّة بالدار البيضاء (المغرب). لقد موّننا الأخ كولين وقتئذ بالعديد من اللوحات من فنّ الخط، ومن ثمّة شرعنا في تحضيرها وتهيئتها للنشر ومن هنا جاء العمل المشترك لنا كفريق في التعديل والترتيب والتنسيق والتنقيح، واصلناه فيما بعد سويًا أنا والأخ ناصر في خضم مشروع الصحيفة الجديد. ومن بعد قمنا بعمل ورش أخرى لكتب تبعت الأولى مثال ديوان "كنداكة أبريل" وكانت ورشة هذا الكتاب بمثابة فاتحة الخير التي عبّدت الطريق بيننا مجددًا. لقد بدأنا أولًا بتصميم الصفحات الرئيسية، منها الصفحة الأخيرة التي قمنا بعملها في كل يوم جمعة لصحيفة أخبار اليوم، واجتهدنا في أن تخرج على هيئة يرضى عنها الناشر الأخ الفاضل عاصم البلال الطيب ونكون نحن أيضًا راضين عنها تمامًا. حقيقة كانت الصفحة الأخيرة ولا تزال تحفة فنية في تناسق أعمدتها وبنائها المعماري المتضمن للمقالات والصور. اجتهدناأنا والأخ ناصر أن يكون التصميم ثابتًا في كل مرّة أو على الأقل عندما تسمح المواد بذلك. فاضطررنا لحساب عدد كلمات العمودين، يسارًا ويمينًا بعدد كلمات تصل إلى حوالي 447 كلمة. ثمّ وضعنا صورة لأيقونة عالمية بينهما حتى يكون على الأقل النصف الأول جاهزًا وبتصميم ثابت في كل عدد. وانطلقنا منذ أكثر من عام ونيف ننتج الصفحة الأخيرة لأخبار اليوم والتي وجدت قبولًا ورضا عند أهل الصحافة. من خلال التشاور والعمل المشترك نشأت حينئذ فكرة صحيفة ثقافية مستقلة، لها طابع ثقافيّ بيّن أكثر من أخباريّ ومن هنا سلكنا طريقنا لنحقق هذا الهدف.
اسم الصحيفة:
بعد اتخاذ القرار بتأسيس صحيفة بدأت أول المشاكل تطفح على سطح الماء. اسم الصحيفة ينبغي أن يكون بطاقة التعريف بها، فجابهتنا معضلة في وجود اسم مناسب لا سيما وأننا عقدنا العزم أن ننطلق من ألمانيا وعزمنا أن نجعل من الصحيفة جسرا بين البلد الفتي الذي استضاف أفواج المهاجرين واللاجئين العرب وفتح بيبانه لهم على مصراعيها وبين دول وطننا العربيّ. فجاءت سمات التداخل بين المدن والبلدان كأول فكرة راودتني وأتت معها كلمة "مدائن". وهذه الأخيرة جرّت معها حضارة المدائن العريقة في بلاد الرافدين ومن ثمّ حضارة بابل ومجد بغداد وانفتاحها على العالم الخارجي وتأثيرها في حركة العلوم في كل العالم. وثبّتنا بذلك اسم المدائن ولكي نضفي عليه شيئا من صفات العصر الحديث ومن حركة الصحافة وحراكها بين بقاع العالم المختلفة اخترنا كلمة "بوست"، فاكتمل بذلك الاسم ليصير في النهاية "المدائن بوست. وعندما أصدرت العدد الأول جاء تعليق الأخ الياس ابن الدوحة كالآتي: "لا أجد الاسم مناسبا ... كان عليك أن تجد اسماً آخرًا يليق بأسماء الصحف" وآثرت في نفسي أن الاسم ينشأ ويترعرع من نشأة الصحيفة ووجودها على أرض الواقع.
الشعار:
لكي تجد الصحيفة طريقها إلى عقول وقلوب قرائها لابد لها من لوغو (شعار) واضح وصريح ومبسط - فيما يخصّنا - يعكس فكرة التبادل الثقافي بين العالم الغربي الذي تمثله ألمانيا وعالمنا العربي. إذًا لابد أن نُضمِّنَ رمزا من رموز ألمانيا ورمزا آخرا مستوحى من صميم تاريخ الوطن العربي. ووقع اختيارنا لبوابة برلين نسبة لعراقتها وأهميتها التاريخيّة وفي كل ما يتعلق بالحريات ومن الجانب العربي اخترنا برج بابل ليجسد العراقة والقدم إضافة لأنه من عجائب الدنيا السبع المعروفة في العالم أجمع. وكان لابد أن نجد في الشعار واصل بينهما. فقررنا أن نستعين برمز الجسر كما هو مجسد في أيقونات المرور. وجاءت بعدها قضية كتابة اسم الصحيفة بالخط العربي الأصيل وتجلى لهذه القضية الصديق الخطّاط والمصمم عماد الخالدي فكتب اسم المدائن بعدّة طرق واخترنا منها طريقة ثبّتناها وبقيت كلمة "بوست" وطريقة كتابتها وتناسقها مع العنوان الكبير "المدائن"، ومن بعد تضمين رمز الكرة الأرضية في صميم هذه البوتقة وفي نقاشات تعديل وأيام عديدة استطعنا بالرجوع إلى الأستاذ الخالدي ترتيبها وتنسيقها ثمّ تثبت الرابط المشترك بين كل هذه الوحدات التي اندمجت مع بعضها البعض في الترويسة التي صارت الآن هي الماركة المسجلة للصحيفة، وتعبر عن رحلة ثقافية بين الشرق والغرب يربطها جسر يجسد هذه العروة الوثقى عبر القرون.
الأهداف:
منذ ضربة البداية وكنّا نتتبّعُ هدفًا واحدًا، ألا هو أن نخلق، ما استطعنا إليه سبيلا منبراً لصحافة حرّة، دون قيود ودون زيف أو تقليد. وكان التحدّي الأوّل الذي واجهنا هو أن نجد الكتّاب الذين بهم ومعهم يمكن أن تتحقّق هذه الفكرة النبيلة. وبما أنني كنت في المغرب في بدايات الصحيفة فقد توجّهت لمناشدة أهل الصحافة في هذا البلد العريق. وأذكر على سبيل المثال ومنذ أو وهلة كان يساندنا حفنة من الصحفيين، مثال الأستاذة خديجة منصور ود. فاطمة البوعناني، د. براهيم الشعبي، ومن السودان صديقي عاصم البلال الطيب، وفي ألمانيا وأوروبا والغرب عموماً الأستاذ شوقي بدري، الأستَاذ عماد الخالدي، البروف عبد الله التوم والأستاذ مصطفى يوسف وفي فترة متقدمة الأستاذ طلال ناير ومحمد عتيق ونضال عبد الوهاب، ووليد دبلوك من أولئك الذين لبّوا طلبي وانبروا يعملون معنا سويًا بدأب كبير في نهج النشر والكتابة. ومع مرور الأيّام توسّعت رقعة الكتاب من المغرب والسودان ومصر وسوريا والعديد من البلدان العربية الأخرى. وانقشعت بذلك سحائب الخوف بانقطاع المداد والمدد في أول المشوار وسلكنا طريقنا لا نلوي على شيء إلا ونحقّق هذه الأمنية.
الكتّاب:
أودّ أن أتقدم بأسمى آيات الشكر لمن تقدم ذكرهم أعلاه والآتي ذكرهم من الكتّاب والكاتبات الأفاضل، وبالرجوع إلى الأعداد الماضية أجد أن هناك من الإخوة والأخوات الذين تواصلت عطاءاتهم بوتيرة ثابتة، منهم الأستاذة الكرام: خديجة منصور، د. علي العفيفي، عبد الحي كريط، عبد العالي الطاهري، عبد العزيز كوكاس، علي شندب، مهدي الهاشمي (عملاق الكاريكاتير بجدارة)، بدر الدين العتاق، عماد البليك، محمد المنتصر حديد السراج، أبو بكر عابدين، وآخرون من الأستاذة الأجلاء من الجنسين.
من جهة أخرى لابد أن أشكر وأذكّر بالكم الهائل من عمالقة الأدب والفلسفة الذين ملأوا نافذة حوار المدائن بأعمالهم الثّرة وقد اجتهد الأستاذ عبد الحي كريط وبانتظام يحسد عليه في تقديم الجديد المثير والحصريّ للمدائن في كل أسبوع طائفًا بنا على جناح رحلاته الرائعة في عالم الأدب والموسيقى والفنّ جنبات العالم الواسعة شرقًا وغربًا شمالًا وجنوبًا.
ولا يفوتني أن أتقدم أيضًا بالشكر والتقدير لكل التشكيليين الذين أثروا نافذة الفن التشكيليّ بأعمالهم البديعة. وبالأخص شكري وامتناني للأخ مهدي الهاشمي لملئ نافذة كاريكاتير المدائن بإبداعاته وأفكاره الثرّة التي أضفت على صحيفنا، دون أدنى شكّ، رونقًا وبصمة تفرّد بيّنة.
التحرير والتصميم:
فيما يتعلق بالتحرير فأنا وجدت عبأً كبيرًا ومنذ أوّل وهلة في تحرير الكم الهائل للمواد. وأذكر كأول انطلاقة لخط الكتابة والتنسيق أنني أرسلت ملفا حول كيفية تنسيق المقالات من الداخل، به معلومات حول تفادي أخطاء الإملاء والنحو والترقيم والتنقيط وتحقيق النصوص حتى تصبُّ كلها في قالب واحد يجعل من قراءة المواد سلسًا وموفقًا ولكي يضفي لونًا جديًّا على المادة الإعلاميّة تُسهّل للقارئ من ارتيادها.
كانت عملية التصميم عملًا مشتركًا في هيئة التحرير وكانت فكرتنا واضحة من البداية في أن نتفرّد في تصميم المواد وأن نجعل من التصميم إحدى دعامات هذه الصحيفة الأسبوعية. بكل بساطة أن تنفتح نفس القارئ وتسوقه ليتنقل بين دفات الصحيفة بكل أريحيّة. لذلك يأتي اختيار الصور الجيّدة وتناسق وتناغم مساحتها داخل المقال وفي إطار الصفحة حتى تكوّن في النهاية لوحة واحدة. ولا بد أن أذّكر بحرفية مصمم الصحيفة الأخ ناصر وصبره عليّ في أن نتتبّع سويًّا خط سير واحد، يبدأ من أول صحفة وينتهي دون انقطاع بآخر الصحيفة.
الخروج من القالب التقليدي للمواد إلى عالم الصحافة العالمية:
منذ أوّل وهلة اتفقت إدارة التحرير على أن يكون خطّ التحرير في الصحيفة ثقافي وليس أخباري. وذلك يتطلّب منّا خلق آفاق جديدة بنوافذ عصرية مثال: "قصّة أغنية" حتى نُعرّفُ بالموروث الغنائي في الوطن العربي بأكمله؛ نافذة "واحة الشعراء" لنُسلِّط الضوء على شعراء أثروا حيواتنا بكل جميل وكانت لهم لمسة واضحة في نهضة الأدب والثقافة بالوطن العربي، وفي نافذة "تشكيليّ" نقدم الموهوبين من أهل الصنعة ونعرف بهم وهنا عرضنا العديد منهم من السودان، المغرب، الجزائر، اليمن، مصر، ألمانيا، الخ. وفي نافذة "لوحات المدائن" نخصص في كل أسبوع عرضًا للوحة لفنان عالمي لنعرض أيضًا الوجه الآخر للفن التشكيليّ على مرّ العصور ولقد قدّمنا في هذه النافذة بعض عمالقة الفنّ العالمي عبر أعمالهم الخالدة التي ذاع صيتها جاهدين أن نتحقق من قصة نشأة تلك اللوحات مما فيه من عبر ودورس. وفي نافذة "حوار" تحدثنا مسبقًا عن ضرورة التواصل مع أهل العلم والفن والأدب والتعرّف على تجاربهم الكثيرة، فقد قدّمنا في هذه النافذة الكثيرين، مثال عبد الإله بن عرفة والبروف عبد الله التوم والفيلسوف عماد البليك والحائزين بجوائز الأدب في الوطن العربي مثال عبد الباسط زخنيني والسعيد الخيز، وآخرين.
وفي فترة أخيرة قمنا بالإضافة إلى السبعة عشر صحفة إلى نشر ثلاث صفحات بلغات أجنبيّة: الفرنسية، الإنجليزية والألمانية. ويجب أن أذكر بالعمل والجهد الكبير الذي تبذله معنا السيدة البارسيّة إيزابيل دوكورماند في المواضيع والأبحاث التي تقدمها لنا في هذه الصفحة. ونحن على علم بهذا الكنز الذي تقدّمه لقراء الفرنسيّة كل أسبوع.
إضافة إلى ما ذكرناه سابقًا اتجهنا إلى تقديم نافذة "مدن المدائن" نقدم فيها مدن عربية وأخرى أوروبية أيضًا لتسهيل رحلة براقية حول العالم الخارجي ولكن أيضًا حول مدننا العربية التي لا يعرفها أكثرنا. فهي بطاقة تعريف ودعوة لزيارة تلك المناطق. وقدمنا في سياق هذه المدن أيضًا نافذة جديدة تحت عنوان "فوتوغرافيا"، عرضنا بها صورًا كلوحات لبوتقة من المصورين المحترفين عرضوا فيها ملامحًا من رحلاتهم حول العالم، فطافوا بنا حول مناطق مان كنّا نحلم أن نصلها أبدًا، لكنّ أقدامنا وأعيننا وطأت أراضيها عبر كاميراتهم الساحرة.
خاتمة:
لقد أكلمت صحيفة المدائن بوست عامها الأوّل بالتمام والكمال وهانحنذا على أعتاب عام جديد فيه من التحديات والعمل ما فيه. ونحن نعلم تمامًا أنّ مسيرة العمل الصحفيّ مشوار متواصل ومتصل ولن ينتهي أبدًا، لذلك فنحن كلنا ثقة أن الذين مشوا معنا هذا الدّرب الوعر سوف يواصلونه معنا وهم قادرين على اجتياز كل الصعاب والتحديات من أجل الوصول إلى الهدف الذي ألفّ بين قلوبنا: صحافة حرّة وعصرية في قالب عصريّ بهيّ. وما التوفيق إلا من عند الله. فلكم سادتي القراء جزيل الشكر على دعمنا بآرائكم وتعليقاتكم ولكم سادتي الزملاء خالص الشكر والامتنان على مسيرتكم معنا داخل عالم المدائن بوست.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
////////////////


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.