لم يتوقع أكثر الناس تشاؤماً سواء داخل حركة العدل والمساواة أو حتى المراقبون أن تصل الأمور بالحركة الأكثر إثارة للجدل والمشاكل على حد سواء، إلى هذا السيناريو (المأساوي) الذي قلّص من حرية وحركة وصلاحيات (العدل والمساواة) التي كانت تتنقل بين العواصم والمدن في خفة تحسد عليها، إلى (حبس) زعيمها والوفد المرافق له داخل (صالة) بمطار انجامينا منذ ليلة أمس الأول.. وذلك في اعقاب رفض السلطات التشادية السماح لهم بدخول أراضيها، وأيضاً فشلهم في العودة إلى ليبيا بعد أن أتلفت ذات السلطات جوازات سفرهم.. وليس أدل على (محنة) العدل من حديث زعيمها خليل ابراهيم أمس لوكالة (رويترز) عبر الهاتف من داخل المطار بأنهم الآن " قليلو الحيلة"، وذلك لأنه "لم يعد معهم ما يثبت هوياتهم"، ووصف خليل الأمر ب"المؤامرة" وقال إنها من تدبير الحكومة التشادية والوسطاء الدوليين ضد حركته لإجبارهم على العودة الى محادثات الدوحة المتعثرة مع الحكومة. الكثيرون ربطوا بين منع خليل من دخول تشاد وحبسه بالمطار، وطلب الحكومة السودانية للبوليس الدولي قبل أيام توقيفه، ورغم أن تشاد هي آخر دولة يمكن أن تخطر على بال أي مراقب لتنفيذ هذا الطلب لأكثر من سبب، إلا أن التوقيت وتلاحق الأحداث جعل الأمر غير مستبعد، خاصة بعد توقيف السلطات هنا لزعيم حزب المؤتمر الشعبي - القريب من العدل - د.حسن الترابي. وكان خليل والوفد المرافق قد له غادروا العاصمة المصرية يوم الأحد، وتوجهوا إلى ليبيا، قبل أن يغادروها مساء أمس الأول إلى تشاد للدخول عبرها إلى مناطقهم في دارفور، ولكن السلطات التشادية - الحليف السابق للعدل- رفضت دخولهم أراضيها، وقالت على لسان وزير داخليتها احمد محمد بشير "إن بلاده لا تريد مرور أعضاء بحركة العدل والمساواة عبرها"، منوّها في حديثه ل (رويترز) أن تشاد "أعادت العلاقات مع السودان وبالتالي فإنها لا تستطيع أن تسمح بمرور هؤلاء الأشخاص غير المرغوب فيهم عبرها". لكن حركة العدل والمساواة حمّلت الحكومة التشادية والرئيس دبي مسؤولية ما حدث، وما يمكن أن يحدث لزعيمها من سوء، وقالت على لسان الناطق الرسمي باسمها أحمد حسين آدم إن السلطات التشادية "أخذت جوازاتهم واتلفتها ثم اعادتها إليهم وأمرتهم بالعودة من حيث اتوا، ولكن قائد طائرة - الخطوط الإفريقية الليبية- التي اقلتهم من طرابلس رفض السماح لهم الصعود مرة أخرى للطائرة بحجة عدم وجود وثائق سفر بحوزتهم"، وطالب آدم السلطات التشادية ب "عدم المشاركة في مؤامرة ضد الحركة، وترك زعيمها يعبر إلى دارفور"، مؤكداً أن تشاد إذا أرادت إعادة خليل لمفوضات الدوحة بالقوة فإنه يقول لها إنه "يفضّل أن تقطع يده من أن يوقّع إتفاقاً ليس في مصلحة أهل دارفور".. من جهته شكك العميد أمن م حسن بيومي في تفاصيل القصة بأكملها، وقال ل (الأحداث) أمس إن هناك أكثر من علامة استفهام في هذه الرواية، وأن هناك شيئ غير طبيعي، وفسّر ذلك بأن تشاد في حقيقة الأمر تحكمها القبيلة وليس إدريس دبي، والقرار فيها قرار قبيلة وليس قرار الرئيس، وخليل ابراهيم المنحدر من قبيلة الزغاوة يمثل بالنسبة للتشادين شيئاً كبيراً، خاصة أنه شغل من قبل مناصب سيادية في حكومة الخرطوم، لذا - والحديث لبيومي- يستحيل أن يصل خليل إلى انجامينا و يُمنع من دخولها. ويمضي بيومي في تفسير وجهة نظره ويقول "إذا كانت تشاد لا ترغب في دخول خليل أراضيها لمنعته عبر سفارتها في ليبيا قبل تحركه"، وتساءل "هل سافر خليل إلى تشاد بدون تأشيرة دخول؟ وحتى بعد وصوله لمطار انجامينا ليس من حق السلطات هناك مصادرة هوياتهم وتمزيقها، فهذه قوانين دولية"، ويضيف بيومي "يمكن أن تتحفظ السلطات عليهم وتتصل بسفارة بلادهم، لكن ما حدث لا يمكن استيعابه". واستبعد بيومي نهائياً أن تكون هناك علاقة بين ما حدث، وبين طلب الحكومة من الإنتربول توقيف خليل.. وأضاف بأن مصر كان يمكنها توقيف خليل، لكن المصريين لديهم أدوار يلعبونها في السودان، وخليل ذهب إليهم بإذن منهم وليس من تلقاء نفسه، مضيفاً بأن تلك الحركات تمثل بالنسبة لهم كروتاً يلعبون بها متى ما دعت الحاجة. غير أن السفير المصري لدى الخرطوم عفيفي عبد الوهاب أكد أن الدور المصري ينحصر في دعم ومساندة كافة الجهود التي تصب في الوصول إلى سلام بدارفور، مضيفاً بأنهم مثلهم ومثل الأطراف الأخرى يؤيدون مسار الدوحة واستمرار المفاوضات فيه حتى يتم التوصل إلى اتفاق سلام نهائي، خاصة "أننا أعضاء في اللجنة المنبثقة من الجامعة العربية بخصوص سلام دارفور". وذهب عفيفي إلى أن مصر طلبت من خليل العودة إلى مفاوضات الدوحة وشجّعته على ذلك، ونفى في حديثه ل (الأحداث) أمس أن تكون مصر قد قامت ب (طرد) خليل من أراضيها، وقال "خليل أصلاً غير مقيم بمصر حتى يتم طرده"، مضيفاً بأنه جاء إلى مصر في زيارة استغرقت خمسة أيام، للتباحث مع المسؤولين المصريين حول الجولة القادمة من مفاوضات الدوحة، وبعد أن فرغ من ذلك غادر إلى تشاد. واعتبر عفيفي اشتراط حركة العدل عودتها للمفاوضات بإدخال مصر كشريك فيها، بأن هذا المطلب يعود إليها أولاً وأخيراً، ولا دخل لمصر فيه على الإطلاق.. وقلل العميد بيومي من الإستهتار بقوة حركة العدل والمساواة، و رفض الفكرة القائلة بأنها بدأت تتداعى عسكرياً، مذكّراً بأنه ورغم إستيلاء الحكومة على جل آلياتها وأسلحتها عند الهجوم على امدرمان قبل عامين، إلا أنها عادت إلى قوتها وتسلحت من جديد، مضيفاً بأن خليل رجل مقاتل ويعرف تماماً كيف تفكّر العقلية التي يحاربها، لأن "ذهنيتهم واحدة".. ... الآن باتت حركة العدل والمساواة تعاني من تضييق الخناق عليها من مختلف الجبهات، في وقتٍ تستعد فيه الحكومة لتوقيع إتفاق مع حركة التحرير والعدالة، ولعل عودة الحركة لطاولة مفاوضات الدوحة باتت الآن أبعد مما كان يتصور البعض، على خلفية ما تعرضت له منذ تعليق مشاركتها أوائل هذا الشهر، وهو ما وصفه مراقبون ب "الخطوة الخاطئة"، وحتى لحظة توقيف زعيمها بالأمس.. ويبدو أن الحكومة بسعيها للتوقيع مع حركة د.التجاني السيسي تريد قفل هذا الملف (المزعج) نهائياً و"بمن حضر"، بعد أن اقتنعت بالفشل في التوصل إلى نقاط إتفاق مع حركة العدل ولسان حالها يردد "ما لا يدرك كلّه، لا يترك جلّه". من جهته يستعد الرئيس التشادي ادريس دبي لزيارة السودان الاسبوع المقبل ملبياً دعوة للمشاركة في حفل تنصيب رئيس الجمهورية، في أعقاب عودة المياه بين الجارتين إلى مجاريها وبصورة أفضل من أي وقت مضى، فهل يحمل دبي في حقيبته أكثر من مفاجأة لحكومة الخرطوم، بل هل يقدّم لها ما لا يمكن أن تتوقّعه إطلاقاً "خليل ابراهيم" بذات نفسه؟!! Gamal Alhaj [[email protected]]