بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    شمس الدين كباشي يصل الفاو    لجنة تسييرية وكارثة جداوية؟!!    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    المريخ يتدرب بالصالة    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    ياسر عبدالرحمن العطا: يجب مواجهة طموحات دول الشر والمرتزقة العرب في الشتات – شاهد الفيديو    وزارة الخارجية القطرية: نعرب عن قلقنا البالغ من زيادة التصعيد في محيط مدينة الفاشر    المؤسس.. وقرار اكتشاف واستخراج الثروة المعدنية    البيان الختامي لملتقى البركل لتحالف حماية دارفور    الداخلية السودانية: سيذهب فريق مكون من المرور للنيجر لاستعادة هذه المسروقات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    تجارة المعاداة للسامية    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    سوق العبيد الرقمية!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السودان ومصر مصالح متشابكة واستراتيجيات متعارضة (7) .. بقلم: زين العابدين صالح عبد الرحمن
نشر في سودانيل يوم 21 - 05 - 2010

استطاع السيد احمد عبدالحليم سفير السودان فى مصر فى عقد التسعينيات و بداية القرن الجديد ان يفتح قنوات عديدة فى الحوار بين سلطة الانقاذ و الحكومة المصرية ثم المؤسسات المصرية الاخرى و اول ما بدا به السيد احمد عبدالحليم هو اطمئنان المصريين ان نظام الانقاذ يمكن الحوار معه و انه سوف يغير الاستراتيجية التى كان يعمل بها فى علاقاته مع القاهرة لذلك كانت بدايات الحوار عبر اجهزة المخابرات بين البلدين على ان تتاكد القاهرة ليس هناك تواجد للمصريين المطلوبين للسلطات المصرية فى السودان و كما يجب على مصر ان تطمئن انها لن تتعرض الى اية عملية تخريب يمكن ان يتم التخطيط لها من داخل لاراضى السودانية و بالفعل بدات لجان المخابرات المشتركة فى عمل متواصل مع بعضها البعض خاصة فى القضية الامنية حيث كانت الشعارات الاسلامية التى ترفعها سلطة الخرطوم تزعج القاهرة جدا اضافة للتعليقات السياسية فى الاذاعة و التلفزيون التى كانت تتعرض الى القيادات والسلطة المصرية ثم طلبت القاهرة من الخرطوم ارجاع كل المؤسسات المصرية المصادرة من قبل الانقاذ و لكنها لم تضعها كشروط اساسية لارجاع العلاقات الى طبيعتها حتى لا تؤكد الشكوك عند الجانب السودانى ان تلك المؤسسات فعلا كانت ادوات تستخدم من قبل جهاز المخابرات المصرى و لكنها لم تسقط من اجندة الحوار.
و معروف للنخبة السودنية و حتى فى المحيط العربى ان المؤسسات المصرية التى تعمل فى مجال الاعلام و الدراسات و البحوث و الصحافة التابعة للدولة انها تكون فى حالة من المقاطعة مع اية دولة لها خلاف مع الحكومة المصرية باعتبار انها مؤسسات تابعة للدولة تأتمر بامرها و لذلك هى لا تقدم اية مبادرات تسبق فيها الدولة لتحسين تلك العلاقات او الحوار عنها الا فى اطار السياسة العامة للدولة و لكنها تنشط اذا رات ان هناك توجهات للدولة من اجل تحسين تلك العلاقات كما ان المؤسسات الحزبية المصرية الاخرى تستطيع ان تتعارض مع سياسات الدولة فى حدود و لكن لا يحق للاخرين ان يقيموا معها علاقات فى ظل خلاف بلدهم مع الدولة المصرية و هذا الامر هو الذى ادى الى منع الدكتور احمد بلال لعدم دخول الاراضى المصرية عندما بداوا التواصل مع حزب العمل المصرى الذى كان يخالف سياسة الدولة المصرية مع حكومة الانقاذ فى ظل الخلاف بين السلطتين و فى جانب اخر ان المؤسسات المصرية لم تتناول القضية السودانية الا فى اطار المعارضة السودانية التى كانت متواجدة فى القاهرة و البعض منها بدا عملية نقد لسلطة الانقاذ و عدم التعامل معها و لكن بعد ظهور بوادر ان هناك حوارا بدا لتحسين العلاقات بين العاصمتين اخذت الحركة تتجه فى طريقين المعارضة السودانية من جهة و حكومة الخرطوم من جهة ثانية.
اخذت السياسة الجديدة فى مصر تفرض وجودها و تعلن عن ذاتها عبر ثلاثة مؤسسات الاولى جريدة الاهرام و الثانية مركز الاهرام للدراسات الاستراتيجية و جريدة الوفد و جريدة الاهالى و جريدة الاسبوع و جريدة الشعب ثم اسرة و ادى النيل و لعبت تلك المؤسسات دورا فاعلا فى ان تفرض السياسة الجديدة ذاتها على كل الاعبين فى الشأن السودانى بدات اسرة و ادى النيل كتنظيم اجتماعى من عدد من السودانيين و المصريين و الغريب فى الامر ان المصريين الذين كانوا فى اسرة و ادى النيل من الجيل القديم الذى له علاقات و طيدة جدا بالسودان و بالنخبة السودانية و الحركة السياسية السودانية و يعرفون المجتمع السودانى معرفة حقيقية من خلال الاحتكاك المباشر حيث اغلبيتهم عملوا فى السودان فى مواقع مختلفة و لكن كانت لها علاقة و طيدة جدا مع صانعى القرار فى السودان كانت الهدف من الجمعية هو احداث التقارب بين الشعبين السودانى و المصرى فى الاطار الاجتماعى و لكن الجمعية لعبت دورا استراتيجيا فى تغيير سياسة المصادمات متجاوزة افق الادراك عند الاخوة الذين قاموا بتأسيسها حيث اخذت تبلور لسياسة جديدة تتوافق مع الاتجاه الجديد للعاصمتين فى تلك الفترة و اخذت تطرح موضوعات الهدف منها هو تمهيد الراى العام فى كل من مصر و السودان و خاصة المعارضة السودانية بان مصر سوف تلعب دورا جديدا فى المشكل السودانى و بدلا من انها كانت تسمع عبر اذن واحدة فانها سوف تفتح اذنها الثانية بهدف ان تلعب دورا فى التقارب بين الحكومة و المعارضة و ان تناقش القضايا بافق جديد عبر المؤسسات المصرية.
كانت جريدة الاهرام تلعب دورا كبيرا فى القضية السودانية و اقراب الى المعارضة عندما كانت الخلافات بين العاصمتين و افردت صفحات تتناول القضية السودانية و قد اسهمت كل من الدكتورة امانى الطويل و السيدة اسماء الحسينى و السيد حلمى مراد و اخرين و عندما بدا الحوار بين العاصمتين كذلك لعبت الجريدة دورا كبيرا فى التقارب حيث استضافت و عكست وجهة نظر الطرفين الحكومة و المعارضة و كان الهدف من ذلك البحث عن ارضية مشتركة للحوار بين الجانبين و للحقيقة التاريخية ان كل الصحفيين المصريين و على مختلف اتجاهاتهم السياسية كانوا ضد العمل المسلح فى اسقاط الحكومة السودانية و كانت لديهم قناعة جميعا ان العمل المسلح مفروض على المعارضة السودانية من قبل جهات خارجية لا يهمها مشكلة االمعارضة و الحكومة السودانية و لا قضية الديمقراطية انما تريد العمل المسلح لكى يخدم مصالحها الذاتية.
فرضت القضية السودانية نفسها على مركز الاهرام للدراسات الاستراتيجية و خاصة ان هناك عددا من الباحثين فى المركز مهتمين بالشأن السودانى و الافريقى و قد عقد المركز عددا من الندوات و اللقاء موزعة بين المعارضة و الحكومةخاصة بعد تحسين العلاقة بين العاصمتين حيث استضاف فى منبره الجانبين و كان سعى المركز ان يجمع بين الحكومة و المعارضة فى ندوة و احدة لسماع وجهة نظر الطرفين ليس كل على حدى انما فى حوار بينهما يكسر حالة الجمود بينهما كما يفتح افاق للحوار الوطنى السودانى و لكن كل الجهود لم تنجح حيث ان المعارضة كانت رافضة تماما اية حوارات مع الحكومة الا بموافقة قمة هرم التجمع الوطنى الديمقراطى و كانت المعارضة تتخوف ان الحوار يقود الى احداث تشققات فى جدار وحدتها و خاصة ان الحركة الشعبية كانت تثير نوع من الرهبة عند قيادات المعارضة عندما تتحدث عن نقض العهود من قبل القوى السياسية الشمالية كما ان الحزب الشيوعى نفسه كان يتخوف من الحزبين الكبيرين " الامة – الاتحادى" فى الاقدام على مصالحة مع النظام لذلك احتضن الحزب الشيوعى القيادة الاتحادية و اصبح لصيق جدا مع السيد الميرغنى رئيس التجمع و حتى ان قيادته كانت ضد دعوات الاصلاح من قبل الاتحاديين باعتبار انها دعوات الهدف منها هو شغل المعارضة عن قضيتها المركزية "اسقاط النظام" الامر الذى جعل السيد الميرغنى يطلق صيحته " سلم تسلم" و لم يسلم النظام السلطة و سلم تنظيمه و لكن لم يسلم مولانا من حالات الفشل المتواصل.
استطاع مركز الدراسات الاستراتيجية ان ينظم حلقات للنقاش لبعض رموز نظام الانقاذ القادمين للقاهرة كان اهمها اللقاء مع الدكتور غازى صلاح الدين مستشار رئيس الجمهورية و يعتبر احد المفكرين الاساسيين لنظام الانقاذ و قدمت الدعوة لكل اللوان الطيف السياسى السودانى اضافة لمنظمات المجتمع المدنى السودانية التى كانت متواجدة فى القاهرة للحوار الفكرى حول اطروحت الدكتور غازى صلاح الدين حول الديمقراطية و التحديات المفروضة فى المنطقة و ذهبت لتلك الندوة و جاء من حزب الامة الدكتور ابراهيم الامين و من الحزب الاتحاى الدكتور احمد السيد حمد و عددا من القيادات الوسطية للمعارضة و تغيبت القيادات الاساسية و لكن كانت اول ندوة تحضر من قبل الراى الاخر للنظام فى السودان و تحدث فيها الدكتور غازى حول التحديات السياسية تاريخيا و حاليا ثم عرج للمشكل السودانى و لكن الغريب فى الامر ان المركز لم يتيح الفرص خاصة لرموز المعارضة انما اعطيت الفرصة الى الصحفيين المصريين و المصريين المهتمين بالشأن السودانى و لكنها ندوة كسرت حاجز الرهبة و الخوف الذى كانت تشيعه بعض عناصر محسوبة على المعارضة.
كانت هناك الصحف الحزبية المصرية موزعة فى تأييدها بين الحكومة السودانية و المعارضة كانت جريدة الوفد التابعة لحزب الوفد المصرى المعارض تقف فى صف المعارضة ليس لممارسات النظام الحاكم او لاتجاهاته الاسلامية انما كانت ضد النظام الحاكم لانه اسقط نظاما ديمقراطيا و يعد ذلك الفعل متعارضا مع اتجاهات الحزب اليبرالية لذلك افردت الصحيفة صفحة اسبوعية لمحاربة النظام فى الخرطوم تساند فيه المعارضة و كان السيد محمد عصمت هو المسؤول عن الصفحة و كان حريصا جدا فى ان تصدر الصفحة اسبوعيا لذلك كان لصيقا بالمعارضة و قيادتها حيث اصبح متخصصا فى الشأن السودانى و متابع له و كانت هناك ايضا جريدة "الاهالى" التابعة لحزب التجمع المصرى و كان موقف الجريدة من النظام فى السودان موقفا ايديولوجيا امتدادا لموقف الحزب من الجماعات الاسلامية فى المنطقة العربية و جاء سندها الى المعارضة من هذا المدخل كما حاولت الجريدة ان تهتم باخبار السودان و المعارضة و افردت صفحة للشأن السودانى.
كانت هناك صحيفتان مصريتان تساند سلطة الانقاذ جريدة الشعب التابعة الى حزب العمل المصرى بقيادة عادل حسن الامين العام للحزب ثم ابن اخيه مجدى احمد حسين رئيس تحرير جريدة الشعب و ايضا كان موقف الجريدة ايدولوجيا حيث كان حزب العمل يمزج بين فكرة العروبة و الاسلام و بالتالى موقفه المؤيد لنظام الانقاذ من رفع الاخير لشعار الاسلام ثم تبنى السلطة لتنظيم " مؤتمر الشعب العربى الاسلامى" الفكرة التى جاء بها الدكتور حسن عبدالله الترابى فى ان يجعل السودان قلعة للصمود العربى الاسلامى و كانت جريدة الشعب عنيفة فى هجومها على المعارضة السودانية و لا تسعى الى اجراء حوارات مع قياداتها و كانت تكتفى بمعلومات الحكومة السودانية الجريدة الثانية هى جريدة الاسبوع التى يراس تحريرها محمود بكرى الذى كان مؤيدا للانقاذ من خلال الرحلة الاولى للرئيس البشير و التى قال فيها انهم امتداد لحركة جمال عبد الناصر ثم المؤتمر الذى دعا اليه الترابى و كان السيد بكرى يعتقد ان اية تحالف مع الحركة الشعبية هو تحالف غير مباشر مع اسرائيل و الولايات المتحدة الامريكية و كانت الصحيفة تتعامل مع المعارضة من خلال صحافيان السيد خالد محمد على الذى يؤمن بالفكر الناصرى ذو ميول اسلامية والسيد خالد محمود الناصرى ذو الميول اليسارية و رغم انهما صديقان حميمان الا انهما يختلفان فى تقيميهما دائما و خاصة حول القضية السودانية و ذات يوم حضرا الى المركز السودانى للثقافة و الاعلام بهدف انهما يريدان مقابلة رموز المعارضة و قد استطعت ان ارتب لهم لقاءات صحفية مع كل من السيد الصادق المهدى و الدكتور عمر نورالدائم و السيد التجانى الطيب و العميد عبد العزيز خالد و الدكتور منصور خالد و بعد ان تمت جميع القاءات الصحفية حضرا الى فى المنزل فقلت لهم ممكن ان تذهبوا الى اجراء لقاءات مع المعارضة فى داخل السودان اضافة الى رموز الحكومة حتى يكتمل العمل الصحفى و تكون لديكم فكرة عن الصراع السياسى فى السودان و قالا الىً كيف نستطيع الذهاب الى السودان قلت لهم ان الملحق الاعلامى فى السفارة السودانية هو السيد عبدالعظيم عوض و تربطنى به علاقات اسرية اضافة الى اننا عملا سويا فى الاذاعة السودانية و عندما تذهبا اليه قولا له اننا آجرينا لقاءات مع المعارضة السودانية مع مختلف اللوان طيفها السياسى و نريد نشرها فى جريدة الاسبوع و لكن لا نعرف كيف نحصل على راى الحكومة قلت لهم سوف ينفعل و سوف يجتهد لترتيب الموافقة لسفركم الى الخرطوم و بالتالى تكون فرصة لكى تتعرفون على الوضع عن قرب و يكتمل العمل الصحفى عندكم و بالتالى تستطيعون نشر رأى الحكومة و المعارضة سويا و بالفعل رتب السيد عبدالعظيم عوض لهم السفر للسودان و مكثا هناك قرابة الشهر و التقيا بالمعارضة و الحكومة ثم زارا كل الجامعات السودانية و حضرا نقاشات الاركان بين الطلاب و الندوات التى تقام فى الجامعات من قبل الطلبة و فى ذات اليوم الذى رجعا فيه للقاهرة اتصلا بى فى منتصف النهار و قالا لىً لازم نلتقى مساء اليوم ضرورى جدا و فى قهوة من قهاوى القاهرة على سطح العمارات العالية فى شارع 26 يوليو بدانا ننقاش نتائج زيارتيهما قالا لىً ان السقف الديمقراطى الذى تنادى به المعارضة السودانية هو سقف عالى جدا نحن ذهبنا الى الجامعات و رأينا و سمعنا حوار الطلبة فى الاركان نحن فى مصر اذا كان لدينا نصف ما لديكم الان من حرية سوف نكون افضل دولة ديمقراطية فى الشرق الاوسط نحن بعد الزيارة للخرطوم فقط عرفنا مستوى الديمقراطية و السقف الذى تطالب به المعارضة السودانية.
التعامل فى مصر مع الاجندة الاجنبية تتخذ عددا من القنوات و فقا للتيارات المصرية السياسية و لكن الجميع خاضع لسيطرة مركزية الدولة و مصلحة مصر فوق الجميع رغم تباين يظهر فى التفاصيل و ليس فى الاستراتيجية العامة للدولة و هى سياسة رغم الظاهر فيها تباين المواقف و لكنها اداة سهلة للاختراقات للاجسام الاخر الامر الذى يجعل المنظمات الاهلية الاجنبية التى تريد ان تعمل فى مصر ان لا تكون بعيدة عن مؤسسات الدولة المصرية و ان لا تنجرف فى التعامل مع المؤسسات شبه الاهلية التى تكون لها مسافة من الدولة حتى لا تقع المؤسسات فى دائرة الشك و الريبة و هى توازنات مهمة فى التعامل اولا تعطى مساحة بسيطة للتعامل بعيدا عن السياسة العامة للدولة و فى ذات الوقت تكون هى نفسها رقيبة على نشاطاتها حتى لا تقع فى تصادم مع الدولة هذا التوازن ايضا مرتبط بعلاقات الدولة المصرية مع الدول الاخرى لان اية سماح للنشاط سوف يرتبط بتلك العلاقة.
وواحدة من الاشكاليات التى يمكن ان تواجه البعض و خاصة المنظمات الاهلية الاجنبية او مراكز الدراسات و البحوث فى مصر هى الانطباعية فى العلاقة اذكر عندما كنا طلابا فى العراق كانت هناك جبهة للاحزاب العراقية تحت سيطرة حزب البعث العربى الاشتراكى و كان لكل حزب جريدة خاصة و لا تخرج تلك الصحف عن السياسة العامة المطروحة من قبل حزب البعث العربى الاشتراكى و كان الخلاف الوحيد فى تلك الصحف الصادرة هى المفردات و المصطلحات المستخدمة اضافة الى تناول القضايا الفكرية و الثقافية و الاخيرة كانت تعطى مساحة من الحرية و كنا نحن الطلبة السودانيين نشترى عددا من الصحف فى ايام محددة و رغم انها فى ايام محددة الا انها لم تغفر لنا حيث كان كل من يشترى طريق الشعب يتهم بانه شيوعى و كل من يشترى الجمهورية هو بعثى هذه الانطباعية كانت تسبب مشاكل مع المسؤولين فى الاتحاد الوطنى لطلبة العراق و كذلك فكرة كل من ينتقد موقف او فكرة يعنى انه ضد الدولة او الحكومة و لا اعتقد من يقوم بنقد لفكرة او سياسة هو ضدها لان النقد لا يتم من شخص اذا لم يكون مهتما بالموضوع و تربطه به علاقة.
الامر فى السودان مختلف لان الدولة لم تاخذ بعدها فى مخيلة المواطن لتعدد مراكز الاستقطاب فى المجتمع و ان المراكز التى تحقق حاجيات الناس ان كانت فى الامن و الاقتصاد و التعليم ربما لا تخضع للدولة بشكل مباشر حيث ان تكوين الدولة السودانية بحدودها الحالية حديثة بالمقارنة للدولة المصرية لذلك نجد ليس كل ما يصدر عن الدولة فى السودان يعنى انه مقبول فى الشارع السودانى باعتبار ان المركزية فى السودان ضعيفة جدا عكس مصر و نجد ان الدولة كلما حاولت ان تبسط سيطرتها و مركزيتها تتفجر احداث توقف مشروع الدولة المركزية و تحاول ان تعيد ترتيب الاوضاع بشىء من عدم المركزية الامر الذى اضعف التصور الانطباعى الذى لا يتم الا فى حدود التشويش السياسى و ليس القناعة هذه الخاصية اعطت براح للنخبة ان توجه انتقاداتها باستمرار للدولة حتى فى ظل النظم القمعية و لكن فى مصر ان انتقاد الدولة بالشكل المباشر جاء فى العقدين الاخيرين كما ان المواطن العادى فى مصر يتاثر بشكل مباشر بالدولة و ما يصدر عنها.
فى اواخر عام 1998 حدث خلاف فى التجمع الوطنى الديمقراطى قبل عقد اجتماع التجمع الدورى عقب التقاء السيد الصادق مهدى زعيم حزب الامة مع الدكتور حسن الترابى فى جنيف هذا اللقاء احدث خلاف ادت فى النهاية لانسحاب حزب الامة من التجمع الوطنى الديمقراطى و قبل اجتماع التجمع اراد منبر الحوار الذى كان يستضيفه المركز ان يخلق تقاربا بين حزب الامة و القوى السياسية الاخرى و اقام ندوتين الاولى تحدث فيها عددا من قيادات المعارضة منهم عبدالعزيز احمد دفع الله و تيسير محمد احمد الى جانب الدكتور الشريف حرير و ياسر عرمان و الاخرى تحدث فيها مبارك المهدى و طلبت بعض قيادات التجمع الشريط الفديو الذى سجلت فيه الندوة ووزعت الشريط بنفسى و هى خمس شرائط اعطيت و احد الى الاستاذ التجانى الطيب مسؤول العمل الخارجى للحزب الشيوعى و شريط لمكتب الحركة الشعبية و شريط اخذه مبارك المهدى و شريط اعطيته للحزب الاتحادى الديمقراطى و سلمته للسيد ابو احسن فرح و بعد ساعتين اتصل بى و قال انه يريد شريط اخر من اجل السيد ميرغنى سليمان الذى كان فى خلاف مع السيد الميرغنى بسبب دعوته للاصلاح و قبل انعقاد مؤتمر التجمع الوطنى الديمقراطى بث التلفزيون السودانى جزءا من الندوة التى هاجم فيها السيد مبارك الفاضل التجمع كان الهدف من بث تلك المقاطع هو احداث شرخ كبير بين القوى السياسية و حزب الامة و قد اتهم العديد من قيادات التجمع ان مبارك المهدى هو الذى وصول الشريط لتلفزيون السودان و لكنى متاكد تماما ان السيد مبارك لم يسلم الشرط و ان الجهة التى سلمت الشريط كانت تقصد شيئين الاول الاساءة للسيد مبارك المهدى و الشىء الثانى اتهام المركز الذى كانت لها موقف عدائى منه.
بعد اذاعة الشريط بيومين تلقيت استدعاء من المخابرات المصرية تستفسر عن الشريط فقلت لهم ماذكرته اعلاه و قال الى اللواء محمود عبد الخالق نحن نعرف تماما الجهة التى سلمت الشريط رغم توزيع الاتهمات و قال الىً ارجوا ان يحصر المركز نشاطه فقط فى الاهداف المنصوص عليها فى دستوره و بموجبه اعطى التصديق للعمل حتى لا يقع المركز فى مشاكل سياسية هو برىء منها و توقفنا عن اقامت الندوات السياسية فى المركز ولكن الاحداث ارغمتنا لاقامتها و لكن من خلال تصديق بانها نشاطات فكرية ربما تلامس السياسة بشكل غير مباشر و لكن بعد تحسين العلاقات بن مصر و السودان بدات المراقبة فى عدم التكثيف من النشاطات السياسية و هذه ليست كانت قاصرة عى المركز و كذلك المراكز و المنظمات الاخرى.
اذن ان العلاقات بين مصر و السودان هى علاقات متشابكة و متداخلة جدا للروابط التاريخية و السياسية بين البلدين الى جانب النيل الشريان الذى قامت على ضفافه الحضارة السودانية القديمة و الحضارة المصرية القديمة اضافة الى ان مصر هى كانت القبلة الوحيدة التى يقصدها السودانيين كما ان الحدود الممتدة لالف الكيلومترات و تداخل بعض القبائل و العلاقات الاقتصادية تجعل التداخل و التشابك كبير بين البلدين و لكن منذ استقلال السودان الامر الذى كانت ترفضه النخبة المصرية ان كانت متمثلة فى الاحزاب المصرية فى الفترة الديمقراطية او بعد قيام ثورة يوليو 1953 قد خلق نوع من العلاقة تتصاعد و تهبط نتيجة للاحداث السياسية بين البلدين و لكن رغم هذه العلاقة التاريخية القديمة و المعصرة الطويلة الا ان العلاقة لم تتخذ خطوات جادة من اجل علاقات استراتيجية تحفظ الاستقرار و الامن فى المنطقة و تدفع فى اتجاه قيام مشاريع اقتصادية و اجتماعية من اجل رفاهية الشعبين.
نواصل
الحلقة القادمة هى الحلقة الاخيرة حول تعارض العلاقات الاستراتيجية بين السودان ومصر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.