Email: [email protected] المتتبع لأخبار شركات المساهمة العامة السودانية لا بد أن يتوقف عندما يلاحظ الخسائر المتوالية والمتتالية التي تتكبدها هذه الشركات. والسؤال الذي يطرح نفسه بشدة، لماذا تتدنى أرباح الشركات المساهمة العامة السودانية أو تتعرض للخسائر؟ ولماذا تتكرر هذه الخسائر؟ ولماذا السكوت عما يحدث بدواخلها وهي شركات عامة تؤثر بصورة مباشرة على الاقتصاد الوطني؟. إن شركات المساهمة العامة يملكها المساهمون، وكل مساهم ومهما قلت أو كثرت أسهمه فهو مالك للشركة (أو كما يحلو لنا أن نقول فهو سيد الشركة) بمقدار الأسهم التي يملكها وهذه الشركات أصلاً تؤسس لتحقيق أهداف يستفيد منها عامة أهل البلد وليسْهم فيها كل أهل البلد، كلٌّ برغبته وقدرته، والقوانين السارية توفر لهذه النوعية من الشركات كل المقومات المطلوبة للنجاح لريادة كل المجتمع. وبالرغم من توافر الأساسيات وكل المقومات المطلوبة للنجاح فلماذا تفشل هذه الشركات عندنا.. لماذا؟ ثم ماذا علينا أن نعمل.. نعم ماذا نعمل..؟!. لتحليل الموقف، نقول إنّ هناك (مكوناً) ثلاثي الأبعاد هو الذي يقود الى الخسارة ثم الانهيار التام، والأطراف الثلاثة التي تتكوّن منها أضلاع هذا المثلث في السودان، هم المساهمون أولاً.. وإدارة الشركة ثانياً.. والطرف الثالث هو الجهات الرقابية والإشرافية الحكومية، وهذه الجهات هي المسؤولة وبدرجات متفاوتة عن الفشل الذي يقود الى الخسارة، وفي حقيقة الأمر فان المساهم (أو سيد الشركة) يعتبر هو المسؤول الأول عن تدهور أرباح الشركة وخسارتها وتوالي خسائرها وذلك، بكل بساطة، لأن لدينا ثقافة (اللا مبالاة)، ومن هذا الواقع فان المساهم لا يهتم بما يجري في الشركة، بل هو بعيد عنها كل البُعد وقد لا يدري عن الشركة غير اسمها أو اسم من سعى لتوظيفه في هذه الشركة من أهله أو مريديه. إنَّ هذا يمثل الحقيقة المُرة لأنَّ المساهم، بل معظمهم، لا يتابع ولا يدري انطلاقاً من مبدأ اللاءات الأربعة الهندوسي (.... لا أرى، لا لآسمع، لا أقول، لا أشم) ولهذا فليحدث ما يحدث طالما انه (بعيدٌ عن بيتي) كما قال إنّ قوانين الشركات والأعمال تعطي المساهم الحق و(كل الحق) في متابعة إدارة الشركة في كل صغيرة قبل الكبيرة، وهذه المتابعة القانونية قد تتم عبر الاتصالات المباشرة وغير المباشرة وعبر الاستفسارات بكل الوسائل والاجتماعات، وعبر المراجعين القانونيين والمستشارين القانونيين وعبر الجهات الرقابية الحكومية وعبر.... وعبر....، فهل قام أو يقوم المساهم بهذا الدور ولو بالقدر القليل؟. قطعاً نعلم الإجابة، وأيضاً المساهم يعلم الإجابة قبل الجميع، وفي هذه البيئة تظل إدارة الشركة تسرح وتمرح وتعمل ما تشاء دون رقابة من صاحب المال أو الرقيب الحكومي وأمثالنا العامية تقول: (المال السايب يعلم......) و(من أمن العقاب أساء......... ). إنّ قانون الشركات يمنح المساهم كل الصلاحيات في استجواب رئيس مجلس إدارة الشركة (الموقر) وكل أعضاء مجلس إدارة الشركة (المبجلين) وقمة الإدارة التنفيذية (المحترمة)، وهذا الاستجواب أو الاستفسار قد يصل إلى مرحلة المساءلة الإدارية لكل طاقم الشركة أو المساءلة أمام المحاكم المدنية أو الجنائية، نعم يحق لهم اتخاذ إجراءات جنائية قد تنتهي بالمذنب إلى السجون لفترات لطويلة، إضَافَةً إلى مطالبته بدفع التعويضات المالية الكبيرة نظير الأخطاء والإهمال في تحمل مسؤولية إدارة الشركة. وللعلم، فإنَّه ولمثل هذه الأسباب يمتنع الكثيرون (من الحكماء والعقلاء) ويعتذرون عن تحمُّل هذه المسؤولية الجسيمة، بينما يجري خلفها البعض بحثاً عن (الوجاهة والفشخرة والمشخرة)، وهناك من يتحمّل المسؤولية وهو جهول بتبعاتها (..... انه ظلوم جهول)، وفي السجون الآن، وفي كل العالم، العديد من رؤساء مجالس إدارات الشركات العامة المعروفة، الذين كانوا يسدون كل مساحة العالم، وبرفقتهم في هذه السجون من كان في معيتهم من المديرون التنفيذيون، والأمثلة كثيرة ولا تُحصى، وجل هذه الأحكام القضائية كان خلفها المراقبون والمساهمون الساهرون على أسهمهم وحقوقهم الناتجة عن هذه الأسهم المصوبة. وللتأكيد على أهمية هذا المنحى المتمثل في الدور الفاعل للمساهمين، فإنّ قانون الشركات وكما يقولون (مشى الميل الإضافي.....) وذلك بإلزام مجالس إدارة الشركات العامة والإدارات التنفيذية التي تدير هذه الشركات بتقديم كل ما يطلبه المساهمون وفتح كل الأبواب أمامهم وكشف كل المستور وذلك في جميع الأوقات وفي كل الحالات، بل إنّ القانون يلزم الشركات بتقديم بعض المعلومات المعينة إلى المساهمين وإلى الجمهور كافة قبل أن يطلبوها، فهل هذا يتم؟ وإذا كان يتم فهل يتم بالشفافية الكافية التي ينص عليها القانون؟ وهل يعلم أو يعمل مساهمونا بهذه الحقوق القانونية الأساسية؟ وهل أُخطروا بها كما ينص القانون؟ وهل فعلوا شيئاً..؟ الله أعلم. أُتيحت لنا فرصة العمل في شركات مساهمة خارج السودان وفي بلدان دخلت في مجال الشركات حديثاً وبعدنا بعشرات السنين، وللمقارنة ففي هذه البلدان اليافعة يظهر جلياً ان العمل المؤسسي للشركات يسير بخطىً سليمة،وخلف هذا النجاح يقف القانون وكل المساهمين والمراقبين الأوفياء وجميعهم يمارسون الحقوق والواجبات القانونية بكل جرأة وجدارة. ولنتحدث عن الواقع.. فيومياً لدينا ملاحقات ومتابعات وكشوفات (سين وجيم) من مساهمي الشركة صغارهم وكبارهم و(حريمهم)... و(مستشاريهم)، وطبعاً مجالس الإدارة وخلفهم الإدارة التنفيذية يعملون ألف حساب في كل خطوة ودائماً يُفكّرون في ردة فعل المساهمين وملاحقاتهم الإيجابية أو السلبية، بالنسبة لكل خطوة أو أيِّ مشروع سينفذونه. وهنا بيت القصيد والعبرة لان صاحب المال (راعٍ لحقوقه وواعٍ بحقوقه) وكما يقولون (صاحي على طول)، فهل نقول للمساهم السوداني (اصحى يا نائم) و(عزة قومي كفاك....)، يا جماعة أين أنتم؟، وَما يحدث منكم غير معقول وغير مقبول ونتيجته الطبيعية الفشل والخسائر!!. قوانين الشركات العالمية تشترط أن يتم تأسيس البنوك وشركات التأمين وشركات الخدمات العامة والاتصالات، كشركات مساهمة عامة.. لماذا؟.