ذهاب البعض إلى حصر أسباب الدعوة لإنفصال جنوب السودان عن شماله فقط في ظلم الحاكم في الشمال، وفي مثل هذا الحصر تجاهل لأسباب أخرى أكثرعمقاً وجدية يتبناها التيار الإنفصالي وسط السياسيين في الجنوب،هذا التيار ينظر للإنفصال بمفهوم الإستقلال عن حكم العرب والمسلمين!ويعتبر الأخيرين مستعمرين!،وهو تيار قوي نفوذه وتوسعت سلطته بعد نيفاشاّ!(2005م) وله بالتالي قدرة على الفعل والتأثير، لذا عند النظر للأسباب التي يستند إليها دعاة الإنفصال يجب أن لا يغيب رغبة هذا التيار في تحقيق دولة مستقلة لا بسبب الظلم أو الإضطهاد السياسي والإجتماعي،لأن المظالم التي يشكو منها الجنوب، أيضاً تعاني منها بقية أقاليم السودان الشمالي- سواء كانت ظلماً سياسياً ترتكبه أنظمة حكم عسكرية أو مدنية مستبدة،أو تهميشاً إقتصادياً وإجتماعياً على يد هذه الحكومات المتعاقبة،وفي هذا فإن الحروب التي قادها التمرد ضد حكومات الخرطوم، امتدت لحوالي خمسين سنة (1955م وحتى 2004م) تخللتها فترة إنقطاع لم تتجاوز العشر سنوات هي سنوات إتفاقية اديس أبابا بين حكومة الرئيس نميري وحركة التمرد(1972- 1983م) وكان لهذه الحروب الطويلة تأثيرها في تفاقم مأساة التنمية والاستقرار في الجنوب أكثر من بقية الأقاليم الأخرى.فعلى الرغم من ان سياسات التفرقة و الظلم الإقتصادي و الإجتماعي كانت تعبر عن القوى الإجتماعية الحاكمة سواء عسكرية أو مدنية في الشمال ،إلا أننا نجد التيار وسط القوي السياسية الجنوبية يركز علي تحميل الثقافة العربية الاسلامية والهوية الشمالية العامة مسئولية تصاعد الازمة الوطنية الشاملة الجارية في البلاد . وذلك استنادا الي سيطرة القوي المهيمنة الشمالية علي السلطة طوال فترة ما بعد الاستقلال وسياساتها التي ادت الي استبعاد الجنوب والمناطق الطرفية الاخري وتهميشها . وهذا التوجة يعتبر هذه السيطرة نتاجاً لجوهر ثابت في الهوية الشمالية وثقافتها العربية الاسلامية ، وليس فقط نتاجاً للتكوين الفكري والاجتماعي لتلك القوي وبذلك يتحول التركيز من العوامل الاقتصادية الاجتماعية الي العامل القومي والثقافي ، ويتحول الصراع من صراع سياسي إجتماعي الي صراع ثقافات وهويات ومن هنا يعمل هذا التوجة علي تضخيم حقائق التنوع والتعدد الثقافي والاثني في اتجاة اعلاء شأن المجموعات السكانية غير العربية (الأفريقية) باعتبارها اساس الهوية السودانية وتقليل شأن (القومية العربية الشمالية) واعتبارها ( اقلية مسيطرة) وفي بعض الاحيان مجرد (جالية أجنبية) يجب طردها من البلاد ( محمد علي جادين –ورقة حول الهوية السودانية- موقع بيت السودانيين). فإن كان الأمر محصورا في الظلم السياسي والاجتماعي والتهميش ومطالبة الجنوبيون بأن يحكموا أنفسهم بسلطات واسعة،فإن إتفاقية السلام الشامل الموقعة في نيفاشا (2005م) حققت مطالب الجنوبيين في شكل حكم يتجاوز الفيدرالية ويقترب من الكونفدرالية، حيث تجاوزت السلطات الممنوحة للجنوب أي سلطات يمنحها حكم فيدرالي،إبتداء من الإنفراد بحكم الجنوب وإحتفاظ الحركة بجيشها وكامل سلاحها واقتسام الثروة ومشاركتها في الحكم المركزي بكافة مرافقه ...الخ،كما منحت إتفاقية نيفاشا الجنوب حق تقرير المصير. إن كان الأمر كذلك،فإن ظلم الحاكم ،على الرغم من جديته كسبب للنزاع، إلا أن التيار الإنفصالي، الذي ينطلق من نظرة عنصرية أساسها تضخيم الفوارق الناشأة بسبب التنوع والتعدد العرقي والثقافي في السودان وجعلها عاملاً حاسماً ترتكز إليه في دعم منطلقها الانفصالي، وهي رغبة مفارقة لواقع السوداني الذي يزخر بتلاقح ثقافي منذ الهجرات العربية ماقبل الميلاد،ثم جاء التأثير الاكبر بعد الفتح الإسلامي ،أي منذ ما يقارب 1300 سنة!،ولا زال الواقع الثقافي في تفاعل وتأثير متبادل،وقد منح الدستور لاإنتقالي لسنة (2005م) في الباب الثاني منه المجموعات العرقية والثقافية الحق في أن تنعم بثقافاتها الخاصة وتطورها بحرية،وللمنتمين لهذه المجموعات الحق في أن يمارسوا معتقداتهم ويستخدموا لغاتهم ويراعوا أديناهم واعرافهم وينشئوا أطفالهم في إطار تلك الثقافات والأعراف ( المادة 47- من الدستور الإنتقالي لسنة 2005م)،وغيرها من الحقوق التي تكفل الحريات الدينية والثقافية التي المضمنة في الدستور،التي تضمن التعايش الثقافات في مناخ من الحرية.ولكن يبدو أن للتيار الإنفصالي أهداف لا تعترف بكل هذا وماضي في تنفيذ خياراته الإنفصالية. تلقى ويتلقى التيار الإنفصالي دعماً، سراً وجهراً،من جهات ودول ومنظمات لها رؤيتها الاستراتيجية للسودان باعتباره عمق للعرب والمسلمين( اسرائيل دعمت حركة التمرد وعملت من أجل الإنفصال وأبدت استعدادها لدعم دولة الانفصال-أمريكا على لسان مبعوثها غريشين وغيره، لم تخفي رغبتها هذه و اسرائيل كذاك حاضرة لجني ثمار خططها الاستراتجية لتفتيت البلدان العربية- وقد لفت الكاتب المصري فهمي هويدي الأنظار إلى كتاب أصدره مركز ديان لأبحاث الشرق الأوسط وأفريقيا -التابع لجامعة تل أبيب- حول "إسرائيل وحركة تحرير السودان"، كتبه ضابط الموساد السابق العميد المتقاعد موشى فرجى، وكان محور المقال هو التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي في تفتيت العالم العربي عبر سياسة "شد الأطراف ثم بترها"، اي التعاون مع الأقليات وتشجيع اتفصالها وبترها عن الوطن الأم (موقع أفريقيا اليوم –جريدة الكترونية- مقال لمحمد جمال عرفة – 26- مايو 2010م). في ظروف تواصل حرب الجنوب لما يقارب الخمسين عام،وفي ظل ضغوط وهجمة أمريكية بعد أحداث سبتمر 2001م تحت مسمى محاربة الإرهاب،وبحثاً عن حل ديمقراطي لهذا النزاع ،فإن منح حق تقرير المصير كان من المعالجات السلمية الديمقراطية للوصول للحل، ليس بين الشمال والجنوب فحسب ،بل وللصراع بين الإنفصاليين والوحدويين الجنوبيين. وقد قبلت المعارضة السودانية بحق تقرير المصير ( مقررات أسمرا 1995م ) ،ولكن خطأ نيفاشا تمثل في أنها جعلت الحركة الشعبية-بما تضمه من كوادر ذات فكر إنفصالي تنفرد بحكم الجنوب بكامل جيش هذا التيار الإنفصالي،وهو خطأ ترتبت عنه مواقف وسياسات هامة ،منها الهيمنة السياسية وسد المنافذ على القوى السياسية الأخرى ،وقد كان التعبير عن هذه الحالة في عدم نزاهة الإنتخابات في الجنوب( أبريل 2010م) وسوف يكون سبباً في عدم نزاهة نتيجة الاستفتاء( تزوير مباشر وترغيب و ترهيب و مصادرة حرية النشاط الداعم للوحدة..الخ) وهذه مصيبة نيفاشا الكبرى فيما يتصل بتقرير المصير.وهذا يطرح سؤال:هل كان بإمكان مفاوض الحكومة مع الحركة الشعبية أن يحقق حكماً للجنوب يضمن عدم هيمنة الحركة الشعبية بمفردها على حكم الجنوب بجيشها وحدها خلال الفترة الإنتقالية؟ هذا التساؤل يعيدنا إلى أجواء التفاوض،حيث كل طرف – في أي مفاوضات – يعلي من مطالبه بما يسمح له بالتنازل للحدود التي ترضيه!،وهذا بالطبع يرتبط بموقف كل طرف، محكوماً بمعطيات الواقع السياسي والعسكري.في الجانب السياسي لاشك ان المفاوضين واجهوا ضغوط خارجية خاصة من أمريكا،فقد كانت أمريكا على لسان وزير خارجيتها ،كولن باول وقتها، يهدد ويحدد مواعيد للمفاوضين للتوصل لنتيجة نهائية للتفاوض،والذي لا شك فيه أن مثل هذه الضغوط كانت موجهة للحكومة لأنها الطرف الذي يفترض إمساكه بالأمور وبيده القوة والقدرة على المبادرة!.الجانب الآخر الذي أضعف المفاوض الحكومي هو أن الحكومة ذهب للتفاوض وهي تسيطر على الحكم بمفردها بعد أن حظرت النشاط الحزبي منذ( 30يونيو1989م)وأصبحت تواجه جبهة معارضة شمالية ممثلة في التجمع ،المعارضة الشمالية كانت حليف الحركة الشعبية،ومهما قلنا عن ضعف تأثير التجمع،إلا أن مجرد دخول الحكومة المفاوضات منفردة، مثّل عنصر إضعاف لموقفها السياسي والتفاوضي مع الحركة. ولم يكن هنالك ما يمنع الحكومة من أن تحدث إنفراجاً ديمقراطياً تشرك من خلاله القوي السياسية المؤثرة في مبادئ التفاوض مع الحركة،وهذا كان متاحاً طالما أن الحكومة قررت التوصل إلى حل سلمي مع الحركة الشعبية ألد أعدائها،فمن باب أولى أن يتم تعميم النهج التصالحي مع الأحزاب في الشمال،فضلاً عن أجواء الديمقراطية كانت سوف تشيع زخماً داعماً لموقف الحكومة وهي تدخل المفاوضات بسند سياسي....ولكن...لم يحدث شئ من هذا، وفاوضت الحكومة الحركة الشعبية على قاعدة متساوية ،وكأن جيش الحركة يمثل دولة وليس حركة تمرد!.وحققت الحركة مكاسب حاسمة تمثلت في الإنفراد وحدها بحكم الجنوب بالكامل( يوجد تمثيل رمزي لأحزاب أخرى لاحول لها ولا قوة!) مع إحتفاظ الحركة بكامل قواتها وكامل سلاحها،وهي مكاسب حاسمة مكنت قيادات الحركة ذات التوجه والنوايا الإنفصالية من تدعيم خطها وتكريسه وجعل الإنفصال هدف مشروع لها،ومن ثم قمع الحركات السياسية الأخرى في الجنوب،بما فيها المؤتمر الوطني الذي صودرت ممتلكاته الحزبية في بعض المواقع وتمت إغتيالات ( مريم برنجي أمينة المرأة للمؤتمر - وقال مسؤول في حزب المؤتمر الوطني بجنوب السودان يوم 15 ابريل 2010م ان جيش الحركة الشعبية قتل رئيس الحزب في مدينة راجا بولاية بحر الغرال و8 من معاونيه- تصريح اجنيس لوكودو المسؤول الكبير في حزب المؤتمر الوطني بالجنوب لوكالة "رويترز") وهنالك وقائع عديدة لقمع الخصوم واعتقالهم وتعذيبهم والتنكيل بهم ...والمجال ذو سعة..!. إن الغرض ليس أن تجلس الحركة الشعبية للتفاوض مع الحكومة كطرف ضعيف تملي عليها الحكومة شروطها،بل مثل هذه النزاعات لابد من حلول عادلة ومرضية تقوم على أرضية ديمقراطية ومساواة وعدالة ونزاهة بغض النظر عن مواطن القوة والضعف التي يستند إليها كل من طرفي التفاوض،ولكن عدالة التفاوض-أيضاً- لن تكون متاحةً عندما تنفرد حركة مسلحة بحكم الجنوب بجيشها وحدها ويوضع في يدها كامل حصة الجنوب عائدات النفط وكافة الإيرادات الاخرى –التي تحول معظمها لمرتبات وتسليح!،فكيف يكون الحال ونحن مدركين أن قيادات نافذة في الحركة لها توجهها الإنفصالي و المعادي للأحزاب الأخرى ولا تعرف من الديمقراطية إلا ما يجعلها قابضة على كافة تفاصيل شئون الحكم !. بالطبع لا مجال للعودة للوراء لتدارك ما حدث في نيفاشا،لهذا سوف يمضي الاستفتاء في ظروف صراع بين تيارين وسط الجنوبيين،ولكنه صراع غير متكافئ، نتيجته يقررها الممسكين بالسلطة في الجنوب بكل ما تعني هذه السلطة في منطقة تفتقر لمقومات الحياة البسيطة،حيث الجوع والفقر ينخر في الأجساد الواهنة ليجعلها مشغولة ومهمومة بلقمة عيشها اليومي أكثر من أي أهداف سياسية آنية فما بالك بالأهداف المستقبلية التي من بينها تقرير المصير وهي التي تم تغيبها عشرات السنين عن العمل العام!.في هذه الظروف فإن الذي بيده السلطة والمال والسلاح هو التيار الانفصالي،ولنا أن نتخيل مبلغ الضغط الذي سوف يمارس على سواد الناس لكي ينحازوا للإنفصال!.لذلك فإن الاعتراض ليس منصباً على حق تقرير المصير في ذاته،بل ينحصر في أن هذا الحق لن يمارس في ظروف حريات تكفل للجميع مواقع متساوية ليتخذ كلُ قراره في حرية ودون تأثيرات بسبب النفوذ السياسي السلطوي أو بسبب القمع أو الجوع والفقر!. في ظروف انفراد الحركة بحكم الجنوب بقوة السلاح هل بالإمكان تحقيق قدر، ولو في حدود، من الحيدة والنزاهة التي تضمن قدر من المشروعية للإستفتاء؟. الذي لا شك فيه أن البت في تفاصيل الإستفتاء يجب أن يحتكم فيها للفصل الأول من بروتوكول مشاكوس الجزء "ه" المتعلق بحق تقرير المصير لشعب جنوب السودان،الذي نصت المادة (2-5) منه على الآتي: (( عند نهاية الفترة الإنتقالية التي مدتها ست (6) سنوات،يجرى استفتاء لشعب جنوب السودان تحت المواقبة الدولية يتم تنظيمه بصورة مشتركة من جانب حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان لكي يؤكد وحدة السودان عن طريق التصويت لإعتماد نظام الحكم الذي تم وضعه بموجب اتفاقية السلام أو التصويت للانفصال)). نص الفقرة (2-5) أعلاه يلزم بأن يتم تنظيم الإستفتاء مشاركة بين الحكومة القومية وحكومة الجنوب،لذا كانت الحكومة القومية محقة فيما ورد من في الصحف من مطالبتها بأن تشارك الشرطة القومية في تأمين الإستفتاء في الجنوب ( صحيفة السوداني -30/مايو 2010م)،بالطبع فإن ذات الحق مكفول للحركة الشعبية في المشاركة في تأمين الإستفتاء في شمال السودان،لهذا ليس هنالك مبرر لما نسب للحركة من رفضها مشاركة الشرطة القومية في تأمين الإستفتاء في الجنوب،لأن بورتوكول مشاكوس –سالف الذكر- كان واضحاً في نصه على أن الإستفتاء يتم تنظميه بصورة مشتركة،والإشتراك في التأمين يدخل ضمن المشاركة في التنظيم الذي نصت عليها الإتفاقية.وهذا ينسجم مع ما نصت عليه الفقرة (2-10-1-5) من الجزء الثاني المتعلق بالسلطات والمؤسسات القومية من إتفاقية نيفاشا ( 26-مايو -2004م)،والتي تنص علي الآتي:)) المفوضية القومية المؤقتة لمتابعة الإستفتاء وضمان دقته ومشروعيته،على نحو ما ورد في بروتوكول مشاكوس بشأن تقرير مصير شعب جنوب السودان وتضم ايضاً خبراء دوليين)). هكذا نجد أن الإتفاقية نصت على مفوضية الإستفتاء لضمان دقة ومشروعية الإستفتاء،وهذا هدف يتحقق بمشاركة طرفي الإتفاقية في تنظيم الإستفتاء ،وتمسك حكومة الجنوب بأن تنفرد وحدها بتنظيم الإستفتاء، فيه مخالفة صريحة لبوروتوكول مشاكوس،لهذا يجب أن لا تتنازل الحكومة القومية عن تطبيق نص المادة (2-5) المشار إليها من بوروتوكول مشاكوس. إن مشاركة الشرطة القومية في تأمين الإستفتاءربما يحد من الآثار الخطيرة لإنفراد الحركة بالجنوب،الأمر الذي قد يقلص ما شاهده الجميع ،بما فيهم المراقبون الدوليون من قمع وترويع وترهيب خلال إنتخابات (أبريل 2010م)،لهذا لا بد من أن تتمسك الحكومة بما نصت عليه إتفاقية السلام الشامل وأن لا تفرط في المشاركة في تنظيم الإستفتاء الذي من دواعيه المشاركة في تأمينه في الجنوب ،وللحركة ذات الحق في الشمال ولكلاهما المشاركة في كل الأماكن التي سوف يجري فيها الإستفتاء( خارج السودان). الاستفتاء سوف يمضي –وهو أفضل الخيارات في الظروف الحالية،حتى وإن قاد للانفصال،فهو يضمن الوفاء بالإتفاق ،وهذا في حد ذاته سوف يزيل ما رسخ في أذهان البعض من أن الحركة السياسية في الشمال لا تفي بالعهود!، والوفاء بتنفيذ الإستفتاء، ربما يمهد لأمر آخر، يتمثل في إيجاد مناخ من الثقة تشيع أجواء من العلاقات الودية بين دولة الإنفصال – والشمال( في حال انتصر التيار الإنفصالي وجاءت النتيجة لصالح الإنفصال)فإن تم الإتفاق على ترسيم الحدود ومعالجة وضع النفط والقضايا الأخرى، فإن البلدين لاشك يربطهما –على الرغم من التيارات المتطرفة هنا وهناك،ورغم مرارات الحرب- تراث من التعايش امتد لقرون عديدة،شمل مناحي حياتية وثقافية ودينية ضاربة الجزور((في الكتاب السنوي للتبشير في عام 1981 والذي يصدره مجلس الكنائس العالمي يقرر أن 65% من أهالي الجنوب "وثنيون لا يؤمنون بأي دين" ، والبقية 18% مسلمون و17 % مسيحيون وأن الإسلام قوي في المدن بينما في الأرياف يزداد نشاط المسيحية والمنصرين.(( الثقة المتولدة عن تنفيذ إتفاقية السلام الشامل ، من شأنها أن تمهد لبناء علاقات ذات طبيعة خاصة تتكامل فيها الاستثمارت الاقتصادية في مشاريع مشتركة حدودية وغيرها، ضمانة لتفادي مشاكل الرعاة وحركة القبائل التي لم تعرف الحدود ولا تعرف معناها!،وبعد أن تسري الطمأنينة في عروق جسد التيار الانفصالي! وترتوي أشواقه بدولة منفصلة!،وبعد أن يكون قد حقق أمنيته في "التحرر"،وبعد أن يلامس الواقع ويدرك حقائق تحدياته التي يصعب التعرف عليها إلا من خلال المعايشة،عندها قد يستشعر أن الوحدة هي لغة العصر وأن الصراع ومتطلبات النهضة لا تقبل الدول المنغلقة،فربما يسعى البلدين- في حال حدث الإنفصال - لشكل جديد من أشكال الوحدة،وكل هذا مرهون بإدامة الحريات وترسيخ حكم المؤسسات الديمقراطية في الشمال وأن تفسح الحركة الشعبية لتأسيس نظام حكم ديمقراطي في الجنوب لتنشأ حركة سياسية ديمقراطية متحررة من إرث إلقاء المسئولية على الشمال. في حال توفرت الحريات وترسخت –هناك وهنا- فإن إعادة تقرير مصير الوحدة مجدداً سوف يصبح مطلباً يحقق مصلحة الطرفين. وهذا أمر ممكن وقابل للتحقق شريطة أن لا ترتمي دولة الجنوب المفترضة -في حال الإنفصال- تحت ضغط الحاجة في حضن قوى خارجية(عرضت الحركة الشعبية على واشنطن تأسيس قاعدة سرية للقيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) بالجنوب، لتَتَولّى تنسيق ومُتابعة الخطط الأمنية في أفريقيا وإزالة الاضطرابات في المنطقة – جريدة الرأي العام 5/5/2010م) ولا تسأل عن إرادة سياسية حرة لبلد تتواجد على أراضية قواعد أجنبية!!. فهل تمتلك الحركة قرارها نائية عن التحالفات والمحاور الغربية ذات النوايا والمواقف المعادية للشعوب،بما في ذلك الكيان الصهيوني ؟ وهنا يجب أن يكون للدول العربية والإسلامية حضورها السياسي و الإقتصادي الاستثماري في الجنوب- منذ الآن وتكون الحاجة أكبر في حال تم الإنفصال!لطانة الدولة المفترضة ، وفي المقدمة الجار في الشمال عليه أن يتحمل مسئولياته في عدم ترك الجنوب يترنح بين قواعد عسكرية غربية و معونات إقتصادية باهظة الثمن. الدور الفاعل المؤثر في دعم الإتجاه التكاملي قد ينمو ويتطور وينجب وحدو جديدة .........و هذا جائز التحقق... ولكن متى..!!. محامي -----حالياً مقيم بجدة- [email protected]