من رأي ونجت، حاكم عام السودان (1899-1907) أن سود السودان مادة ممتازة للجندية لأنهم مخلوقات تأكل وتشرب وتحارب ولا تصلي. وقال الدكتور طلال أسد (صاحب كتاب عرب الكبابيش) إن الغرب نظر دائماً للمسلمين كجماعة تعرف ماذا تفعل بيديها ولا تعرف ماذا تفعل بعقلها. وفي الحالين فالجماعة غير الغربية تخوض غمار حروب لا تعرف لها سبباً أو تأويلاً. ووجدتٌ صحافتنا ضالعة في هذه العقيدة الغربية عن "أجلاف" العالم. فبقدر ما قرأت عن صراع المسيرية والرزيقات بجهة جبل مرة لم أجد من حاول تفسير الدوافع من ورائه. فلم تحرك ضراوة النزاع الصحافة لمعرفة سبب حرب الشعبين في خبرها. وفي هذا مصداق لرأي الغرب أن أمثال الشعبين جماعة تأكل وتشرب وتحارب. وقد لا تصلي. لننظر ليومبات هذه الحرب الضروس بين الجماعتين. كان ضحايا مواجهة جرت قبل 15 يونيو 7 قتلى من المسيرية و12 جريجاً و3 قتلى رزيقات. وجاء في صجافة يوم 17 يونيو أن القتال استمر لليوم الثاني بين الفئتين وأن الضحايا لم يحصروا بعد أو يدفنوا. واستخدم المهاجمون من الرزيقات في قول المسيرية أسلحة ثقيلة حرقت البيوت. وجاء في صحف السبت الماضي خبر عن هجوم المسيرية على الرزيقات نهار الجمعة واستمر القتال حتى الليل. وأسفر عن قتل 30 وجرح 15. ثم جاء في صحف الأحد أول أمس أن الرزيقات ردوا على المسيرية بهجوم دامت معركته من الظهر حتى مغيب الشمس. والقتلى 50. هذه داحس والغبراء العربية المعاصرة. ولا سبب لاندلاعها عند الصحف ولا مسعف لها من الحكومة. فالقتال بعد يوم 15 يونيو وقع ومؤتمر للصلح الأهلي بين الفئتين لم يجف حبر اتفاقه بعد. لجنة حكماء بتاعة الساعة كم! من الجهة الأخرى تحركت قوة من الاحتياطي المركزي يوم 18 يونيو إلى جبل مرة. وبدا أنها جاءت متأخرة أو لم تأت. فالحرب اندلعت يوم 19. وقال الوالي المنتخب بعدها إنهم نشروا رجالاً للفصل بين المتحاربين. ويبدو أن الوضع ظل غير مطمئن مع ذلك. فقد فشلت قوة السلام التابعة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي من وصول ميدان القتال بل نصحها الأهالي بالعودة ودرب السلامة للحول قريب. وعلى الوالي وقيادة شرطته وأمنه أن يتقدما بيان واف لنا عن هذه الداحس والغبراء التي بدا أن الجميع وقف مكتوف الأيدي حيالها. وبدا لي أن ذلك نفسه المطلوب من قواتنا المسلحة طالما كانت دارفور تحت حكم الطواريء. إننا ندفع نحو 70% من ميزانيتنا لنأمن ولنستحق مثل هذا التنزل من السلطات. ونستحق بياناً أوفى وأحرج من أهل الرأي التالف ليفسروا لنا حرب المسيرية والرزيقات. فقد استسهلوا طويلاً تفسير نزاع دارفور على أنه صراع زرقة وعرب. ورجوناهم أن ينأوا عن هذه الفتنة. فلربما كان للهوية دخلاً في النزاع ولكنها على طرف منه تراوح عند الأساس المادي للنزاع في نظم الحواكير وتردي البيئة، وتوقف الحكومة عن التنمية، وتورطها في رمال الحلول الإدارية المتحركة. ونشرت كتابي "المقاومة والنهضة في ممارسة الحزب الشيوعي" لرد المسألة من "طيلسان" الهوية إلى جذرها في الاقتصاد السياسي لدارفور. ولكن خبراء الهوية المماحيق طغوا جهلاً واصروا أن الاصل في النزاع هو كيد العرب للزرقة. طيب يا اولاد الحنتة فسروا لي دي: لماذ يقتل العربي المسيري اخاه العربي الرزيقي؟ لقد دس هؤلاء المتفيقهون بين الجماعات السودانية دساً رخيصاً دمويا. قال محمد عبد الحي لصحفي سأله عن الهوية يوماً: "متل الكلام دا داير دقة شديدة خلاص. من الساهل اقولك عن الهوية. لكين إتذكر إنو في ناس بتموت حول المسألة". وصدق.