من المعتاد أن يبدأ التحاور أو السرد بترتيب المشاهد ترتيبا منطقيا ، ولكن حسب مقتضيات ما هو مشاهد بيننا وعلى سنن أهل السياسة ومُعتلي منصات الخطابة, منتقدي كل من يخالفهم في الفكر أو المنهج كان لي أن أبدأ بالمشهد... ( ما قبل الأخير) .. شريكي الحكم ) المؤتمر الوطني والحركة الشعبية( الذين أهدروا الكثير من الوقت من خلال مناصبهم المؤطرة بتقاسم السلطة والثروة إلى جانب القوى السياسية المتمثلة في الأحزاب السياسية ( المعارضة منها والموالية (وبذات الفكر والأنانية والمنهجية والإسهاب في الحديث وتبادل التهم (مع خروج عن النص ) كان لهم دور كبير قي إهدار وقت الحضور في ندوة تحت عنوان " آمال الوحدة ومآلات الانفصال" بمدينة الرياض عشية الأربعاء الموافق 28يوليو . الرؤية جميلة والعنوان أجمل.. أما المؤشرات في ظل المعطيات المحيطة والقاتمة السواد، لا تبشر في مقدرة القيادات السياسية في التخلي عن همومها الخاصة والمرتبطة ارتباطا و ثيقًا بتقاسم السلطة والثروة . فشريكي الحكم والقوى السياسية الضالعة والطامعة في التقاسم ، استطاعوا أن يسوقوا لنيفاشا من زاوية بعينها . وجعلوا لها ( قدسية خاصة ) وكل من هب ودب جعل منه مدخلا لأي حديث .. فاكتسبت مكانة مزعجة بين العامة وصُوّر للجميع بأنها ( قدر أهل السودان الذي كتب عليهم) . ولا سبيل في الانفكاك منها . وأنها هي المفروضة عليهم عنوة باختيار الشريكين المتنازعين دوما على جُل يندوها. ولأنها أصبحت لبانة في فم الساسة والمتشدقين بها ، ينتابني أنا شخصيا الكثير من الملل عند ورود ذكرها أو الإشارة إليها !! ربما لجهلي بها أو بسبب عدم اعترافي بقدسيتها . ورغم تسويق تلك القدسية بين العامة والساسة وبمساندة جهات لها منافع حولها ، لم تستطع أن تكون هي الأمثل .. وجاءت بعدها اتفاقيات مماثلة أو قريبة منها لتكون في إطار التقاسم المنشود لحاملي السلاح المتنازعين حول السلطة والثروة . حيث فُصل لهم اتفاقيات لاحقة ( اتفاقية لأهل الغرب .. وأخرى لأهل الشرق ) وهذه الاتفاقيات التي أفقدت السودان والسودانيين حق التفاكر في خصوصياتهم بمساحات ومواعين يمكنها أن تسع أفكار الجميع ، وضعت في المفاهيم بذرات يمكن لها أن تفجر نقاط خلاف في مواضيع كثيرة، و لها أن تكون سابقة دامغة و مؤيدة باعتراف دولي يعطي كل العرقيات حق تقرير مصيرهم حتى وان لم يحملوا السلاح . تلك الفاجعة المؤطرة تحت عنوان) تقرير المصير ( ستجرى بموجب آليات وإجراءات قانونية منصوصة ) وتحت اسم متعارف علية ( الاستفتاء). و اعتقد أنها كانت معلومة التاريخ، ومفصلة ببنود واضحة معروفة إجراءاتها، والجهات المكلفة بها ، والمعنيون بها . ولكن السلطات (شريكي الحكم ) ووسائل الإعلام لم تؤطر حينها سوى جزئية تقاسم السلطة والثروة. وغفلت عن حق تقرير المصير ولم تؤطرها أو تضعها في موضعها الصحيح. وانشغل الشريكين بتقاسم السلطة والثروة واشغلوا الآخرين بوصفة غريبة في شكلها ومضمونها وأطلقوا عليها اسما فضفاضا ، و عبارة استهدفت بها جهات دون سواها (تكون جاذبة) لا أود أن ادخل في تفاصيل لا معرفة لي بها.. ولكن في إطارها العام وفي إطار ما روج لها إعلاميا ، وتحت عبارة أن تكون جاذبة يستطيع العامة أمثالي (الغير منشغلين بالسياسة) أن يستبينوا أن هنالك جهتين في الشكلية الفرضية الموصوفة . (أهل الشمال وأهل الجنوب ).. وبدون فزلكة إعلامية وتفسيرات خارج المفهوم العام يفهم ان :- أهل الجنوب هم المكلفون باختيار الوحدة أو الانفصال وأهل الشمال هم المكلفون بان يجعلوا الوحدة جاذبة ... وشريكي الحكم الذين اعتركا في ساحات القتال بعتادهم وأدواتهم المسخرة من مدخرات شعوبهم وأرواحهم تناسوا واجباتهم وتركوا الخيار والتكليف للقواعد في الشمال والجنوب.