فرصة واحدة وأخيرة للحفاظ على وحدة السودان تحركوا سريعا لحماية الوطن من التفكك والاندثار هل حقا نحن شعب طيب إلى حد السذاجة، هادئ إلى حد الخمول كما يصورنا الأعراب. و إلا ، كيف نرى الوطن يتفكك أمام أعيننا و لا نحرك ساكنا. كثيرا ما التقيت في بلاد الغربة باعرابي طلب مني خدمة هي في الغالب الأعم إما شرح ما استعصى عليه فهمه، أو توجيهه وجهة اختلطت عليه مسالكها، أو الترجمة له ليتواصل مع أهل البلد. فلا أكاد احل له مشكلته حتى يبدأ في شكر طيبة السودانيين وكرمهم وأخلاقهم. ولأني أعرف ما وراء ذلك في وجدانه أذكره بأني لم أعطه شيئا من جيبي حتى يتحدث عن الكرم والطيبة. أنا تكرمت عليه من عقلي بما يفتقده عقله لذلك لو أراد أن يشكر ينبغي عليه أن يشكر ذكاء السودانيين و وعيهم لا طيبتهم وكرمهم. و اتركه وهو يهمس:- والله إنكم يا سوادنية ما تنجرعون. و الله إنكم ما تنجرعون يا سوادنية. فيرد عليه صديقي:- تسموننا سوادنيه؟! و هل هناك من هو اسود منكم نية ونوايا؟ و نتركه وهو يجتر ما يقول:- و الله إنكم ما تنجرعون يا سوادنية......... و تأكيدا لنظرة البعض الاستعلائية هذي علينا أذكر: أني كنت يوما القي قصيدة عن ما آل إليه و ضع شعبنا من فقر و عوز في ظل دولة الإسلام السياسي هذي، المحللة لنهب خيرات البلاد بقصد التمكين والمبررة لإفقار شعبه بدعوى تنقية النفوس و بقصد بسط النفوذ و التركيع والتسكين. بدأت قصيدتي بالأبيات التالية:- الناس في بلادي طيبون ومؤمنون بالقدر والكرم كان عندهم فضيلة الفضائل و اليوم صاروا يحلمون بالرغيف حين ينظرون للقمر فقفز احد الأعراب من الصفوف الخلفية ليصيح:- أي والله السوادنية طيبون . فشاركه زملاؤه الرأي بالضحك وتكرار ما قال. فتركت قصيدتي و انطلقت فيهم أعلمهم الأدب و أبين لهم حقيقة قدرهم مقارنة بالسودانية، و حقيقة قدر صحراء العرب مقارنة بأرض السودان أصل الإنسان. ليس هذا فحسب بل الكثير أيضا من الزملاء الأعراب الذين تقابلت بهم في بلاد العم سام فاجأوني باعتقادهم الراسخ بأن السودان رغم إمكانياته و ثرواته الطبيعية الهائلة لم يتقدم لأن السودانيين شعب كسول و خامل. و لأنهم لا يستطيعون إنكار أن كل السودانيين الموجودين معهم هنا أكثر منهم ذكاء و نشاطا و حيوية كانوا يقولون لي : و الله ما كنا بنعتقد انه في سوادنية بهذا النشاط و الحيوية. و كان ردي عليهم دائما حادا و مقذعا أحيانا، لأعلمهم بأننا أيضا شعب حار لا يقبل المهانة. ولكن ما يحدث الآن في بلادي قد جعلني أعيد النظر فيما سمعته منهم. فلا يمكن أن تكون فكرتهم تلك كلها قد بنوها من فراغ. هل من الممكن أن يرى شعب وطنه يفكك ويقسم ويشتت أمام أعينه ويظل صامتا لا يحرك ساكنا. هل يمكن أن يصبر شعب أكثر من عقدين من الزمان على هذا الظلم والقهر والبطش والإفقار و النهب لثروات البلاد وأخيرا بيع أراضيها للأجانب في ظل دولة صنفها حتى نبي الإسلام الذي تدعيه بأنها ملك عضوض. هل يمكن أن يصبر شعب على هذا الإفقار المتعمد ، و الطرد من بلاده التي كانت قبل كارثة المتأسلمين هذي تكفي خيراتها أهلها و تجود بالفائض على كل من التجأ إليها من أهل الجوار: من نيجيريين، وشاديين، ويمانية، و اثيوبيين، و اريتريين. بل حتى الأغاريق و الأتراك كانوا يلجأوا إليها و تحتضنهم. أما الآن فقد أصبحت طاردة إلى حد أن مواطنيها قد أصبحوا من اكبر الجاليات المهاجرة في العالم. هل يمكن أن يصبر شعب حي و فاعل على كل هذا القدر من المعاناة لأكثر من عقدين من الزمان. كل هذا وغيره الكثير يشعرنا بأسى شديد. و لكنه رغم كل شيء لا يفقدنا الأمل في شعبنا. فالشعب الذي بنى اعرق الديمقراطيات في العالم, ديمقراطية الككر في سنار الأعرق من ديمقراطية وستمنستر لن يستمر في البقاء في جحيم هذه الدكتاتورية السلفية الغاشمة. و الشعب الذي حطم دكتاتوريتين سابقتين بثورات شعبية لن يعجزه أن يقتلع دكتاتورية الكيزان هذي من جذورها. و رغم الدمار الكبير الذي حاق ببنيته الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية مما جعل وسائل النضال السابقة كالإضراب السياسي العام و المظاهرات الجماهيرية وحدها غير قادرة على إسقاط مثل هذا النظام, إلا أن شعبنا الذي ابتدع الوسائل السابقة قادر على ابتداع الوسيلة الملائمة لاقتلاع هذا الدرن الخبيث من جسد الوطن. و لكن حتى يتحقق هذا الحلم الممكن ينبغي ان نحافظ على وحدة الوطن, ينبغي أن نحمي بلادنا من خطر التفكك و الصوملة.. ينبغي أن نتحرك سريعا لإفشال مؤامرة الكيزان و انتهازيي الحركة الشعبية على وحدة الوطن. فالمعلوم أن تقسيم الوطن بين الشريكين هو الهدف الأساسي من شراكتهما. وأنهما متفقان تماما على هذا الهدف الكارثة. وان كلما يدور من خلافات بينهما في هذا الشأن هي مجرد ألاعيب لصرف الأنظار و تبييض الوجوه الكالحة. فالأخوان يعلمون أن دولتهم يتناقض وجودها مع التنوع الاثني والثقافي للوطن لذلك فهم يسعون جادين للتخلص من القومية الجنوبية المسيحية التي لم يستطيعوا أسلمتها. أما انتهازيو الحركة الشعبية فتدفعهم الرغبات المريضة في تكوين أي دولة مهما كانت يحكموها بأنفسهم ويستغلوا شعبها و ينهبوا ثرواتها بأنفسهم. وهم مصممون على تحقيق حلمهم المريض هذا إلى الحد الذي دفعهم للمشاركة في اغتيال زعيمهم بطل الوحدة جون قرنق دي مبيور الذي كان سيفسد عليهم مؤامرتهم هذي؛ كما بين وين ماديسون عميل المخابرات الأمريكية السابق الذي أكد أن المخابرات الأمريكية هي التي خططت ونفذت عملية اغتيال بطل الوحدة جون قرنق. وأن ذلك قد تم بموافقة قيادات الحركة الشعبية التي أخبرت بأن قائدها سيستدعى لكمبالة و يعطى فرصة أخيرة يخير فيها بين أن يتخلى عن اتجاهاته الوحدوية ويحافظ على روحه أو يمضي في طريقه الوحدوي فيفقدها. وقد وافقت قيادات الحركة الشعبية: سلفاكير، ريك مشار وغيرهم على مؤامرة المخابرات الأمريكية هذي المستهدفة لقائد حركتهم. و عليه تم استدعاء جون قرنق إلى يوغندة بواسطة صديقه موسيفيني. و تم الاجتماع بينه وبين سفراء الدول المشاركة في الجريمة. فخير كما أسلفنا بين روحه و وحدة الوطن، فاختار أن يضحي بحياته فدا لوحدة الوطن. و لكن بكل تأكيد لم يكن يتوقع أن يتم اغتياله على يدي صديقه زميل الدراسة موسيفيني. كان يتوقع أن يعود بسلام إلى الوطن و يمضي في نضاله من أجل وحدته و يستمر في عمليات تصديه للقوى المحلية و الأجنبية المتآمرة على وحدة الوطن و على حياة كل وطني. فودع صديقه و ركب الطائرة التي أعدت لهذه الرحلة الأخيرة فحدث ما حدث. و هكذا اختار بطل الوحدة جون قرنق أن يضحي بحياته فدا لوحدة السودان. و رغم أنه أعطيت له فرصة لإنقاذ حياته والتضحية بوحدة بلاده ولكنه رفض وفضل التضحية بحياته فدا لوحدة الوطن. هذا هو الفرق بين بطل بقامة جون قرنق وكوز بقامة على عثمان. فالفزع و الطمع صفات يتربى عليها الكوز بحسبانها جزر علاقته مع الله، فتصبح عندهم صفات مقدسة. الخوف من العذاب والطمع في الثواب. فيسيطر الخوف والطمع على نفوسهم فيكون منها هذي الشخصية الجشعة الحقودة القاتلة و منهم كلهم غير ما يفعلونه بالشعب و بالوطن من نهب وسلب وقصف وقتل و تجويع و تفتيت ثم بيع ما تبقى منه للأجانب. إن ما يفعلونه بالشعب وبالوطن هو نهجهم وديدنهم القائم على بنائهم الفكري و النفسي والروحي . و إن كل جرائمهم مبرره لديهم بناء على الوهم الخبيث بأن الأرض و ما بها من خيرات و ما عليها من رعية هي هبة قد منَ الله بها عليهم ليحلبوا رعيتها و يضحوا بمن شاءوا منهم. و ليستقلوا خيراتها ويبيعوا أراضيها . و كله من أجل تمكين حماة الدين كما يقولون. و لكن الآن بعد أن انكشف أمرهم للقاصي والداني لم يعودوا هم أنفسهم قادرين على الدفاع عن رؤاهم المريضة هذي . فإذا كانت هناك حسنة واحدة لكارثة الكيزان هذي في السودان فهي أنها قد أكدت للعالم اجمع صحة نتائج تجارب البشرية السابقة بأن أي دولة دينية هي بالضرورة دولة قاهرة، ظالمة، فاسدة وفاشلة. هي ملك عضوض كما أكدت لنا مقولة نبي الإسلام. لذلك فإذا أردنا أن نمضي ببلادنا إلى الأمام علينا أن نتخلص من هذا الملك العضوض, من دولة الوهم السلفي هذي, من دولة الكذب والنفاق والجشع والسرقة والنهب و القتل والقهر والاضطهاد هذي. و لكن حتى يتحقق ذلك الهدف الممكن, وليتحقق بأسرع ما يمكن ينبغي أن نحافظ على وحدة بلادنا . و لنحافظ على وحدة بلادنا ينبغي أن نفسد مؤامرة تقسيم الوطن الجارية الآن بين الشريكين. و لأن عملية تقسيم الوطن إلى جزأين هي مبدأ أساسي لكلا الشريكين فان محاولة استجدائهما أن يعيدا النظر في جريمتهما هذي لن تجدي نفعا. فالدعوة إلى مؤتمر جامع يعيد فيه الشريكان النظر فيما اقترفاه من جريمة في حق الوطن رغم أنها قد تكون فكرة نابعة من رغبة صادقة في تجنيب الوطن كارثة التقسيم و التشظي إلا أنها لن تجدي نفعا لأنهما مصممان على جريمتهما. و المعارضة لا تمتلك الوسائل اللازمة لتوجيههما وجهة أخرى تحفظ للوطن وحدته. فهما لا يتوجها في الاتجاه السليم الذي يعارض وجهتهما المبدئية إلا وهما مرغمان. و بما أن المعارضة حتى الآن لا تمتلك القدرة على إرغامهما فهي لن تستطيع إنجاح مسعاها. وعليه لم يعد أمامنا غير وسيلة واحدة لإنجاح مهمتنا , وهي استخدام مواد القانون الدولي التي تجرم تقسيم الدول بدعوي تقرير المصير لفرض وحدة بلادنا على الشريكين و على الجهات الدولية التي بدأت تعلن بلا حياء موقفها المعارض للقانون الدولي. و ذلك بإعلان استعدادها للاعتراف بالدولة الفطر التي ستخلق في جنوب السودان، في تعارض تام مع العديد من مواد القانون الدولي و مع العديد من نصوص مكونات القانون الدولي من قرارات ألأمم المتحدة وألمنظمات التابعة لها. و كمثال على ذلك إليكم هذه المادة من مواد القانون الدولي التي تنص على الآتي:- "إن الإقرار للأقليات بحق الانفصال و إقامة كيانات صغيرة فيه من التفتيت للمجتمع الدولي ما يؤدي إلى عدم الاستقرار و تهديد النظام القانوني الدولي بالانهيار و بالتالي تهديد السلم والأمن الدوليين . كما أن حق مجموعة من شعب الوطن في الانفصال يتعارض مع حق باقي السكان في الاستمرار في تكوين أمتهم و دولتهم و رغبتهم في العيش المشترك" . و قد جاء أيضا في البند السادس من الإعلان العالمي لمنح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة و الذي يعتبر احد مكونات القانون الدولي، جاء فيه الآتي:- " كل محاولة تستهدف التقويض الجزئي أو الكلي للوحدة القومية و السلامة الإقليمية لبلد ما تكون متناقضة مع مقاصد ميثاق الأممالمتحدة ومبادئه" . كما جاء أيضا في احد مكونات القانون الدولي في شكل قرار أصدرته لجنة القضاء على التمييز العنصري التابعة للأمم المتحدة ما يأتي:- " تري اللجنة ان الجماعات او الأقليات العرقية والدينية كثيرا ما تتخذ من الحق في تقرير المصير أساسا للادعاء بالحق في الانفصال. و في هذا الصدد تود اللجنة ان تؤكد أن القانون الدولي لم يعترف و لا يعترف بحق عام للشعوب في ان تعلن منفردة الانفصال عن دولة ما. لأن تفتيت الدول يضر بحماية حقوق الإنسان فضلا عن ضرره بالسلم و الأمن العالميين". و غير ذلك الكثير من النصوص في الشرائع و القانون الدولي مما يجرم عملية تقسيم الدول بدعوي تقرير المصير. و عليه فان عملية الاستفتاء التي ستجري في يناير القادم بقصد تقسيم الوطن بدعوى تقرير المصير تتعارض تعارضا تاما مع القانون الدولي و الشرائع الدولية و قرارات الأممالمتحدة. و لذلك ينبغي ان تمنع بقرار دولي تشرف على تنفيذه قوة دولية لو اقتضي الأمر. ولكي يصدر هذا القرار الدولي ينبغي رفع قضية دولية ضد بند تقسيم الوطن بدعوي تقرير المصير في اتفاقية نيفاشا ليتم ذلك ينبغي ان يتحرك القانونيون الوطنيون و بأسرع ما يمكن. فان مجرد رفع دعوى قد يؤدي إلى تأجيل الاستفتاء حتى إصدار حكم . و إصدار حكم قانوني صحيح سيعني أن أي دولة تعلن نفسها في جنوب السودان لن يتم الاعتراف بها عالميا. و بذلك نكون قد أفسدنا مؤامرة الشريكين و أصمتنا الداعمين . و هذا كله لن يتم إذا لم يتحرك القانونيون الوطنيون الذين لا أدري لماذا هم صامتون. أين انتم أيها القانونيون الوطنيون ؟ أين أنت يا كمال الجزولي. أين أنت يا فاروق ابو عيسى. تحرك وحرك معك القانونيين العرب ليدعموك. و القوانين والشرائع الدولية كلها تدعمكم , و انتم اعلم مني بذلك. تحركوا فان مصير الوطن في أياديكم و هو يدعوكم ان تنقذوه. هل تعتقدوا ان لو كان واحدا من الرعيل الأول من القانونيين : احمد خير المحامي، زروق او عابدين اسماعيل حيا اليوم لصمت على ما يجري من تآمر على وحدة الوطن كما نحن صامتون الآن. هل كانوا سيتقاضون عن هذه الخروقات البينة للقانون الدولي التي تمت من خلال بند تقرير المصير في اتفاقية نيفاشا . لا أعتقد ذلك. و أنتم أيضا ينبغي ألا تتركوا هذه المؤامرة و هؤلاء المتآمرين ينخروا عظام الوطن ويفتتوا وحدته. تحركوا سريعا فالحل في يدكم. و إذا تحركتم سريعا حتما سيكون النصر حليفكم. و ستحفظوا للوطن وحدته. و ستدخلوا التاريخ من أوسع أبوابه. تحركوا أيها القانونيون الوطنيون و كل القوانين و الشرائع الدولية معكم و كل الشعب سيقف من خلفكم.