أنا أنصحك يا صديقي؛ إذاً: أنا أمتلك ناصية ما هو ليس لك: المعرفة، الوعي، وربما الخبرة أو التجربة. -- لهذا لا أحب أن يقول لي أحدهم (أنصحك)، فهو وإن لم يع ذلك، فقد نصّب نفسه قامةً أعلى، وإن وعاه، فقد عمد إلى الإستعلاء عليّ وإن أراد الخير بي أو لي بما يتبع هذه الكلمة من كلام مفيد.. -- وعلى هذا فلست بناصح لك يا صديقي العزيز (الكوز)، وإنما أرى بعض الأشياء من زاوية لا تراها بها.. ومع أن الحقيقة تبقى ذاتها رغم اختلاف الزاوية.. فقد وجب عليّ أن أوضح لك وجهة نظري في هذه الأشياء عله يغيّر من حقيقة في عقلك وهي أن المؤتمر الوطني وانضمامك إليه هو طريقك إلى الجنة ودربك الأفضل لآخرة تجد فيها نفسك مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.. -- ومع أن هذه الحقيقة أصبحت الآن كالضرس المهترئ.. لا تحتاج إلى أكثر من جلوسك مع نفسك ساعة قبل إفطار رمضان لتزيل ألمه وصداعك، وتعترف -من ثم- لنفسك وعيناك مليئتان بالدموع بأنك قد ظلمتها (وظلمت معها آخرين).. فأنني من جانبي أوضح لك من الحقائق ما قد تعلم بعضها، عله يكون سببا إضافيا لدفعك إلى التفكير الجاد.. وربما تجد فيها ما يستحق إعادة النظر، وأنت أقرب ما تكون فيه إلى بارئك في شهر رمضان الذي تتنزل فيه خيرات الرحمة والمغفرة والعتق من النار والتي تتطلب التوبة التي لا يصلها عبد لا يقر أنه خطّاء، جعلك الله من الخطّائين التوابين بنعمة هذا الشهر الكريم يا صديقي العزيز.. -- أناقش معك -دونما ترتيب- بعض التفاصيل المالية للمؤتمر الوطني في الحكومة منذ عام 89، وحتى تاريخ اليوم، بعضها من تقارير المراجع العام، وبعضها من الموازنة العامة لسنوات مختلفة، وبعضها من تقارير دولية مثل تقارير البنك الدولي، والشفافية الدولية (قلوبل ويتنس) وغيرها من المصادر التي تنشر بعد توقيع المؤتمر الوطني (بمعنى موافقته على ما هو منشور)، وأعترف لك بأن الفضل في لفت انتباهي إلى هذه التقارير والنشرات والنظر إلى الأرقام بهذه الكيفية، يرجع لأستاذي الإقتصادي الجليل محمد إبراهيم كبج.. ذلك الرجل الذي يعرف جيدا كيف يستخلص المعلومة من بين الأرقام، ليضعها بين يديك لا تحتاج إلى أكثر من قليل تركيزٍ لتصاب بالذهول بما لم تراه وأنت تقرأ الأرقام كأرقام.. ومع علمي بأنه من الأشخاص المحظور عليكم الإستماع لهم، أو الخوض معهم في جدال أو نقاش، فإن الأمر وفق ما قدمته يتجاوز أطر هذه التعليمات، فهو يدخل في ما يتعلق بالتوبة، والرحمة، والمغفرة، والعتق من النار.. ولك أن تختار بين أن المواصلة في القراءة.. وبين الإلتزام بالتعليمات المفروضة عليك يا صديقي.. -- في هذه التقارير من المعلومات ما يوضح معدلات المنصرفات الحكومية، هذه الحكومة التي لا نتجاوز حقيقة أنها حكومة المؤتمر الوطني وحده (دعني من هراء الشراكة).. فدعنا نلقي نظرة عميقة على هذه التقارير (للتذكير -فقط- فهي معتمدة رسميا من الحكومة).. -- يقول جل وعلا: بسم الله الرحمن الرحيم (وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الآية 188 - البقرة. -- (وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلاَ تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ۖ وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا) الآية 2 - النساء. -- ودعنا قبل أن ننظر في تقرير قلوبل ويتنس عن خبايا وأسرار أموال البترول السوداني يا صديقي أن نراجع منصرفات الدولة السودانية لعام 2009 بالأرقام والنسب فقد كانت بالجنيهات السودانية (الجديدة) كالتالي: 1,27% القطاع الزراعي: 6,682,635 0,04% القطاع الصناعي: 2,587,120 0,04% قطاع الطرق والنقل والجسور: 2,907,660 0,01% قطاع الطاقة والتعدين: 350,516 7,21% قطاع الأجهزة السيادية: 493,817,884 0,57% المفوضيات: 39,000,000 70,87% الدفاع والأمن والشرطة: 4,852,424,990 3,23% القطاع الإقتصادي المالي: 221,329,120 0,38% الإعلام والإتصالات والثقافة: 25,783,067 2,7% قطاع الصحة: 184,886,000 4,83% قطاع التعليم: 331,011,343 0,55% القطاع الإداري والإجتماعي: 37,609,665 8,31% القطاع المتنوع: 569,000,000 100% الجملة: 6,847,390,000
-- فهل ترى يا صديقي أن ما تم صرفه على الأجهزة السيادية والأمن والدفاع والشرطة (493,817,884 + 4,852,424,990) أي (5,346,242,874) وتساوي (78.08%) من جملة الميزانية؟؟ أي ما يتم صرفه على الصحة والتعليم والزراعة والصناعة مجتمعين بأكثر من ثمانية مرات ونصف؟؟؟؟ بعبارة أخري فهو يعادل ما يصرف على هذه القطاعات (مجتمعة ) في ثمانية أعوام كاملة بمعدل الصرف لهذا العام(!!؟).. ولعلمي أنك تحب المقارنات: فإن ما صرف على الفئة الأولى (الأجهزة السيادية والأمن) لعامي 2008 و 2009، يعادل تقريبا ما صُرف على الفئة الثانية (الأربعة قطاعات معاً) منذ مجئ الإنقاذ عام 89(!!؟).. -- فدعنا لا نحاول معرفة عدد العاملين في قطاع الأجهزة السيادية والأمن والدفاع والشرطة مقابل العاملين في القطاعات المقارنة وهي الصحة والتعليم والزراعة والصناعة.. وعوضا عن ذلك دعنا نكتشف حقيقة أخرى وهي أن كل فرد من الفئة الأولى يُصرف عليه (وعلى مخصصاته للعمل) ما يساوي ما يُصرف على ثمانية أفراد من الفئات الأخرى.. بما في ذلك مدخلات الإنتاج والزراعة والصناعة، وهي قطاعات (منتجة) كما لا تحتاج لتذكير بذلك.. وبما في ذلك ما يصرف على علاج الشعب السوداني كله (!!؟).. فهل ترى يا صديقي أن حكومة كهذه يجب أن تجد منك دعماً أو نصرةً لوجه الحق لأنها تعمل بعدالة ؟؟ -- في ميزانية عام 2009 نفسها، تم تخصيص 36 مليون جنيه (حوالي واحد وأربعين بالمائة من ميزانية الزراعة) لصالح توطين القمح بالشمالية، بينما تم تخصيص مبلغ 8 مليون جنية سوداني (عشرة بالمائة فقط من ميزانية الزراعة) لصالح القطاع المطري التقليدي بكل السودان.. أربعة أضعاف من ميزانية القطاع المطري لكل السودان تخصص ل (توطين) القمح بولاية واحدة؛ يسكنها أقل من 700 ألف مواطن بحسب التعداد الأخير (فقط 699,065 نسمة) وهي تعادل حوالي 1.7% من تعداد السودان، بينما خصصت 8 مليون لولايات الزراعة المطرية (مجتمعة) والتي يسكنها حوالي 26 مليون مواطن، أي ما يعادل 65% من سكان السودان.. فانظر إلى النسب يا عزيزي: 700,000 مواطن -- 36 مليون 26 مليون مواطن -- 8 مليون فهل تحتاج هذه الأرقام إلى مزيد من التوضيح أو الإستغراب؟؟ هو عدم التخطيط؟؟ هل هو الجهل؟؟ أم أنه العدل في ميزان الولاء الخاص بالمؤتمر الوطني يا صديقي؟؟ -- في نفس الميزانية (2009)، والتي تجئ بعد أربعة سنوات من توقيع نيفاشا (بمعنى أن الميزانية ليست ميزانية حرب) نجد أن نسبة ال 70.9% للأمن والدفاع والشرطة.. أي ثلاث أرباع أموال الشعب تذهب للأمن والدفاع والشرطة.. مع ملاحظة أن هذه النسبة كانت 70.9% ، 69.7% ، 69.1% ، 66.9% ، 71.9% للسنوات من 2001 إلى 2005، وكانت 70.8%، 80%، 77.2% للأعوام من 2006-2008 على ال (توالي).. فما هو الفرق بين النسب للأعوام ما قبل 2005 وما بعدها؟؟ إلا إذا كان لضمان (ولاء) هذه القطاعات التي تضمن وجود المؤتمر الوطني على رأس النظام الحاكم الذي يوفر لها أفضل مستوى معيشي بين كل الفئات الخدمية؟؟ وإذا كان الصرف مستمرا بنفس المعدل فإنه ما يعني أن المؤتمر الوطني يتعامل مع واقع السودان ما بعد نيفاشا، وفق نظرية استمرار حرب (غير معلنة) وهو أشد خطورة غير أن هذا ليس محور نقاشي معك.. -- أنا لا أفهم من هذه الأرقام غير أنه يتم الدفع لفئة قليلة من الشعب لتقوم بالحماية من الفئة الأكبر (وهي الشعب نفسه)، وهو الفساد والإفساد الذي لا يحتاج إلى بصيرة أم حمد لاكتشافه.. -- أتمنى في ختام رسالتي لك اليوم بأن أكون قد فتحت لك منافذا للتفكير بصمت وخشوع، لحظة تناول تمرة الإفطار، وأسأل الله العفو لي ولك وأن يمنّ بنعمه علينا في هذا الشهر الكريم.. -- لم ينته الحديث ولن تنته التفاصيل ولكني اعدك بالمواصلة بحثا عما يمكن أن تجعلك قراءته تفكر فتناقش نفسك قبل أن تناقش آخرين.. -- هشام عبيد