(لوافح القرن فى كمبالا والصومال) دهشت غاية الدهشة لمجلة نيوزويك بارثها الدولى وكتابها المتخصصين حين قالت فى تعليقها على التفجيرات الدامية التى اجتاحت العاصمة اليوغندية كمبالا فى ختام مباريات كأس العالم في عددها بتأريخ 13 يوليو 2010 م : "إن اسامة بن لادن استعمل كرة القدم كموقع لتجنيد المجاهدين وان حركة حماس تنظر الى ملاعب كرة القدم لتجنيد منتسبيها فى عمليات ارهابية" ثم اضافت "غير أن حركة الشباب الصومالى تعتبر استثناء منها اذ تنظر الى اللعبة باعتبارها ملهاة كافرة ولذا قتلت مشاهديها". واياً كان هذا الادعاء الساذج فى تفسير ذلك الاعتداء المقيت الذى هز العالم واستنكره عقلاء العالم الاسلامى فإن احداً لم يسمع بلاعب واحد تم تجنيده من ملاعب كرة القدم ليترك ارثه الرياضى المسالم وينخرط فى اعمال ارهابية مسلحة تفتك بالمدنيين الابرياء . وعلى نقيض ماروته نيوزويك قالت الهيرالد تربيون فى ذات التاريخ الذى صدرت فيه نيوزويك " ان المتحدث باسم حركة الشباب الصومالى على محمود راجا قال ان الحركة انذرت يوغندا وبروندى مراراً بانهما سيواجهان مصيراً مماثلاً لقتل جنودهما اطفال وشيوخ ونساء الصومال ". *** 2 *** والمعروف ان قوات من البلدين تشارك فى قوات حفظ السلام الافريقية في الصومال (AMISOM) التى ارسلت بقرار من الاتحاد الافريقى عقب انسحاب القوات الاثيوبية من هناك بسبب الخسائر الفادحة التى كبدتها لها حركة المقاومة الصومالية عندما كانت موحدة بزعامة الرئيس الحالى شيخ شريف شيخ احمد . وتشكل القوات اليوغندية العماد الاساسى لهذه القوات (6 الف جندى) ويتهمها المواطنون بتجاوز مهامها الدفاعية وقصفها العشوائى للمناطق السكانية مما ادى لقتل الآلاف المدنيين من النساء والشيوخ والاطفال. واشير هنا الى تصريح عن مهام هذه القوات جاء على لسان الفريق اليوغندى الجنسية تافان موفيشا نقلته مجلة نيوافريكان فى عددها الشهرى (يوليو 2010) قال فيه .. "إن اميسوم انشئت بقرار من الاتحاد الافريقى عام 2007 .. ولا يعتقد شخص اننا هنا فى مهمة صومالية داخلية وغامضة.. على العكس من ذلك تماماً .. ان الصراع من اجل السلام فى الصومال يمثل الواجهة الامامية فى الصراع ضد تنظيم القاعدة". *** 3 ** * خطورة هذا التصريح انه صادر منه كقائد لهذه القوات – ولايعرف ان كان بذلك يعبر عن وجهة نظر رسمية للاتحاد الافريقى الذى لم تتجاوز قراراته فى العادة حدود القارة أم لا .. كما ان الزج بالاتحاد الافريقى فى صراعات ضد تنظيم القاعدة لن يزيد اللهيب المشتعل فى الصومال ويوغندا الا اشتعالاً .. وتعقيداً وامام افريقيا تجربة التدخل الاثيوبى. وكان الجيش الاثيوبى قد اجتاح الصومال على المبدأ الذى أستنه الرئيس الامريكى ريتشارد نيكسون فى فترة الحرب الباردة بقوله "أننا ندعم الدول الحليفة التى تخدم المصالح الامريكية التى نراها ضرورية" . وعللت اثيوبيا ذلك الغزو بأنه استباق دفاعى حتى لا يتحول الصومال لتفريخ الحركات المسلحة المعادية لها. لكن العداء التاريخى بين البلدين يرجع الى عهود سابقة منذ ان اقدمت اثيوبيا على احتلال منطقة الاوغادين الصومالية فى الستينيات – ويذكر ان القوات الامريكية الخاصة شاركت بالفعل فى تعزيز القوات الاثيوبية وقامت الطائرات الامريكية AC/130 بقصف المواقع الصومالية . *** 4 ** * ويزداد الامر تعقيداً فى الاشكال الصومالى بتصريح جاء فى خطاب رئيس الوزراء الاسبانى لويس ساباتيرا الذى كان مشاركاً كضيف اوربى فى مؤتمر القمة الافريقى فى اديس ابابا عام 2009 حين قال مخاطباً الرؤساء "اذا لم ندعم الحكومة المؤقتة ستتحول الصومال الى بؤرة تدمر الانسانية" ! ان اكثر مايهم فى عبارة ساباتيرا انه يشير الى تدمير الانسانية لتبرير تدخل دولى هو اصلا حادث ويجعل ذلك تقريراً مشروعاً وبتعزيز من الاتحاد الافريقى.. انه فى الواقع رأى اوربى مطابق لتصريح الفريق اليوغندى موفيشا .. والمعروف ان عسكريين اروبين يشرفون على تدريب قوات صومالية ارسلتها حكومة شيخ شريف فى يوغندا. انه ايضاً تصريح مستغرب من رئيس وزراء واسع التجربة وفيه خروج على التقليد الاوربى الذى لا يجنح للتهويل والمبالغة – فكيف يمكن ان يتحول الصومال البائس المدمر اصلاً الى موقع لتدمير الانسانية ؟! – هذه عبارة تتسق مع رؤيا نيوزويك فى عدم عقلانيتها .. واياً كان الامر فسيظل الشأن الصومال سلماً أو حرباً رهيناً بما يقدم اليه ابناؤه وبسعيهم لانقاذ وطنهم من الحال البئيس الذى يحيق به . *** 5 *** فى مطلع الستينيات عندما كانت القارة تنعتق لتوها من الاسر الاستعمارى كانوا يشيرون الى الصومال كموقع نموذجى فى الساحل الشرقى لتوحيد "شعب واحد" فرقه الاحتلال الكونيالى فى القرن التاسع عشرمما ادى الى تجزئته الى الصومال الايطالى والفرنسى والبريطانى .. لكن هذه النبوءة المتفائلة خابت بالقتال الدامى بين ابنائه – وحل محل التجزئة الكولونيالية انقسام ثلاثى فيه الآن جمهورية ارض الصومال التى تظفر بدعم اثيوبى منذ عام 1991 ثم منطقة بونت لاند 1998 وماتبقى من صومال شيخ شريف ومقاتليه الذين فشلت كل الوساطات الحكيمة فى اصلاح الحال بينهم واعادة السكينة الى المواطن الذى لايصحو الا على دوى المدافع وسيول الدماء ونواح الثكالى من النساء والاطفال وقذف الصراع فى الساحة الملتهبة بكل دول الجوار ( ارتيريا وكينيا ويوغندا وغيرهم ). *** 6 *** قالت مجلة (افريكا ريبورت / ديسمبر 2007) ان التدخل الاثيوبى الامريكى فى الصومال بدلاً من ان يجلب سلاماً عزز الصراعات الداخلية فى الاقليم كله وحول الحركات المقاتلة فيه الى تنظيمات اكثر راديكالية وتطرفاً ... واضافت ان الصراع ارتد الى تقسيمات قبلية وجهوية وشبهت ذلك الارتداد بما يحدث فى العراق الذى انصرف جزء من الخلاف فيه بدلاً من تجميع المجهود القومى فيه لمقاومة الاحتلال الى قتال سنى شيعى لم يكن معهوداً فى اى وقت من العهود الوطنية التى سبقت الاحتلال الامريكى .. لقد انصرفت دور الجوار كلها (اثيوبيا – اريتريا – كينيا واخيراً يوغندا) الى معالجة الاشكال الصومالي بالردع العسكرى وربطت مصالحها الوطنية بتصديرها مشاكلها الداخلية الى الساحة الصومالية .. فاثيوبيا تخشى من دعم اريتريا للمقاومين للحكومة فى جبهة تحرير شعب الارومو وجبهة تحرير شعب الاوغادين وجبهة تحرير غرب الصومال. ومن اولويات اديس ابابا ان تكبح اى مسعى اريترى يهدد امنها الداخلى ويعزز هذه المجموعات التى تجد دعماً ارتيريا ومرتكزاً لتدريب مقاتليها فى الصومال. ويذكر أن الحرب الاريترية الاثيوبية التى اندلعت فى القرن الافريقى عام 1998 خلفت الى حين اخمادها عام 2000 الآف القتلى وانفقت فيها ملايين الدولارات . وماتزال علاقات الدولتين قائمة على التربص والرصد على الرغم من الجهود الاقليمية التى يقوم بها السودان ومن قبل اتفاق الجزائر عام 2000 الذى بسطت فيه كل الخلافات على الطاولة ولكن الحكومتين عجزتا عن تنفيذ قراراته. *** 7 ** * ومن غرائب الوضع الصومالى الذى لاحظته مجلة افريكا ريبورت تضارب السياسات فيه فالحكومتان الاثيوبية والارتيرية تتفقان فى رابطتهما المسيحية وتتقاتلان وهما تعززان صراعهما بدعم مجموعات صومالية اسلامية راديكالية – والمتقاتلين فى الصومال يصرفون النظر عن روابطهم العقدية الاسلامية ويستقون على اخوانهم بدعم مسيحى (من ارتيريا أو اثيوبيا) وقد شمل ذلك التناقض الولاياتالمتحدة التى صمتت تماماً عن ابداء اى استنكار لدعم اى من القطرين لاطراف الصراع قرباً او بعداً من الرؤية الداخلية لكلا البلدين. مأساة الهجوم الدموى فيه الذى تعددت التفسيرات فى بدئه فى الكشف عن مرتكبيه حتى اكدته حركة الشباب الصومالية – وقد كان الرئيس اوباما اول من سارع بادانته ووصفه بانه عمل ارهابى جبان – وذكرت صحيفة تاغي تساتيونج الالمانية ان اعتداء كمبالا حدث بعد ساعات من قصف القوات اليوغندية لمساكن المواطنيين الصوماليين بالمدافع مما ادى الى سقوط العديد من النساء والشيوخ والاطفال – واضافت الصحيفة ان الارهابيين من حركة الشباب يتدربون فى افغانستان وينتسبون الى القاعدة وان المتطرفين يأتون من باكستانوافغانستان واليمن فى الساحة الصومالية ... وسواء كان ذلك صحيحاً ام مجرد استقراء صحافى فان شيخ شريف كثيراً ما اشار الى ذلك فى تصريحات متتالية وموجهاً نداءاته لتعزيز حكومته التى لا تسيطر الا على شريحة ضئيلة مما تبقى من مقديشو. لكن لهيب الصراع الصومالى اتسع اندلاعه عبر الحدود واتخذ هذه المرة شكلا دموياً ربما يلاحق بروندى ورواندا وكينيا على ذات الشاكلة التى اجتاحت كمبالا – ولا ينفى هذا ان الرئيس اليوغندى يوري موسفينى يواجه معارضة داخلية متصاعدة اشهرها حركة جيش الرب بارثها المروع فى سفك الدماء وتقطيع الاطراف وخطف الاطفال واجبارهم على اعدام اقرب أقربائهم. ***8 *** وعلى ذات الصعيد استقطبت المعارضة اليوغندية قبيلة البوغندا – احدى اكبر المجموعات الاثنية ليست فقط فى داخل يوغندا ولكن على اتساع خط الاستواء بامتداده من ساحل المحيط الاطلسى الى مشارف المحيط الهندى . ولهذه القبيلة تاريخ حضارى ممتد عبر القرون وممالك بنهج مستقل طمسه كاتبو التاريخ الاوربيون ولم يشيروا اليه. فقد كانوا يعلموننا فى المدارس آنذاك (ان ليفنجستون بارادته الحديدة وذهنه النافذ) هو الذى اكتشف منابع النيل عند خط الاستواء ... وليس ثمة اشارة واحدة لممالك البوغندا المقيمين فى ضفافه منذ بدء الخليقة ! ولهذه القبيلة مدافن مقدسة ينظر اليها بذات الاجلال والتعظيم الروحى الذى يوليه الصوفية أو الشيعة لمدافن اهل البيت النبوى الكريم و تجلات الصالحين والاولياء .. ليس ذلك فحسب بل ان ملوكهم فى القرن التاسع عشر كانوا يستقبلون المبشرين المسلمين – ويزكّونهم لاتباعهم. وتاريخ الاسلام فى خط الاستواء بل فى افريقيا عامة شابه كثير من التدليس والغش وانعكس ذلك جلياً فى وصف جنوب السودان بأنه مسيحى – وذلك تضليل سياسى ليس فيه ادنى حد من الحقيقة. وليس المهم هنا الانتماء فى اى من جانحى القطر للمسيحية أو الاسلام .. ولكن لا يمكن القبول على اى وجه من الوجوه ان يشار الى ذلك الانتماء كباعث لصراع دينى ... لا مكان فى السودان كله لصراع دينى .. عرفنا الاديان ولكننا لم نجعلها فى اى وقت منطلقاً للصراع .. لقد عرف السودان المسيحية واليهودية قبل كثير من البلدان وعاش المسلمون والمسيحيون فى جناحيه دون ادنى تماس او عنف .. والقتال كان محصوراً فقط فى المناطق التى تدور فيها المعارك العسكرية أما خارجها فى كل المدن والارياف كان السلام سائداً. و الواقع أن الميديا الدولية تصمت تماماً عن الاشارة الى ان فى الجنوب مسلمين – ومن باب (تكبير الكوم) وحتى لاتواجه بمن يناقض ذلك تقول الجنوب الوثنى المسيحى وتعنى بالوثنيين اتباع الديانات الافريقية .. ولكن لماذا يضاف هؤلاء الى المسيحين ولا يضافون الى المسلمين .. ماذا اذا قيل الجنوب الوثنى المسلم – فأتباع الديانات الأفريقية هم الاغلبية فى الجنوب ( فى احصائية قديمة اصدرها مجلس الكنائس العالمى فى السبعينات 65% وثنيون و18% مسلمون و17% مسيحيون ). وليس ثمة صراع ديني مطلقاً فى الجنوب حيث تضم الاسرة الواحدة من هو مسلم أو مسيحى و اللاديني . واخيراً ... وعلى طوال سنوات الحرب هل سجل اى اعتداء على جنوبى لأنه مسيحى او شمالى لأنه مسلم ؟ *** 9 ** * واذكر على اضطراد السياق ان الاسلام سابق تماماً للمسيحية التى بدء مدخلها الفعلى مع قدوم ماسمى آنذاك بحملة التكالب على افريقيا (Scramble for Africa 1885/1884) وماتبعها من غزو كولونيالى من الشمال عبر مصر والسودان ثم من مداخل المحيط الهندى عبر شركة الهند الشرقية البريطانية – ولعلى استنهض الذاكرة فأشير الى ان الاكاديمى الأخ المؤرخ حسن عبدالرحيم نشر دراسة مهمة فى مطلع السبعينات جاء فيها: ان الخديوى توفيق ارسل كتيبة عسكرية الى جنوب السودان وكان من قوادها الضابط السودانى سليم مطر وان هؤلاء توغلوا الى قلب يوغندا اذا لم تكن الحدود معروفة وبشروا بالاسلام هناك وان احفاد من استقر منهم في يوغندا ما زالوا هناك كانوا يحتفلون عندما استقل السودان كأول دولة افريقية فى جنوب الصحراء انعتقت من الاستعمار فى اول يناير 1956 برفع العلم السودانى . وربما يتكرم الاخ الفاضل بالتصحيح اذا كان ثمة ما اسقطته الذاكرة. وربما كان من اسباب ارسال موسفينى لقوات يوغندية الى الصومال هو تصاعد المعارضة الداخلية ضد نظامه وتعمده صرف النظر المحلى عنها بمغامرات لتشتييت الانتباه وتحجيم قدرات جيشه وضبط ايقاع قادته حتى لايشكلون زعزعة غير مضمونة العواقب . وتفجرت الازمة على نطاق واسع عندما اقدم شخص على احراق المدافن المقدسة للقبيلة وكان ذلك حدثاً ملتهباً قدرت المعارضة ان الحكومة تقف وراءه .. واندلعت مظاهرات واسعة حاول الرئيس ميسوفونى تهدئتها بزيارة الموقع – لكن المتظاهرين سدوا عليه المنافذ ودخلوا فى صدام مع قوات الامن ادى الى سقوط قتلى وجرحى – وفى ظل هذه الاوضاع المضطربة حدث انفجار الاحد فى كمبالا الذى راح ضحيته ابرياء لا علاقة لهم مطلقاً بالسياسات الحكومية. وتوعد موسفيني الارهابيين واعلن عن ارسال قوات يوغندية اضافية الى الصومال. ***10*** انها ماسأة لا شبيه لها اذ ينصرف الاشقاء فى الصومال لتقتيل اهلهم والتعدى على الابرياء من جيرانهم دون ادنى حد من التعقل – يحدث ذلك فى وقت تنهب فيه ثروات بلادهم من قبالة الساحل وساورد هنا ارقاماً نقلتها الميديا الافريقية .. وساقارنها بالضجة الداوية حول بقعة النفط فى خليج المكسيك وتداعياتها التى اقحم فيها عبدالباسط المقراحى مؤخراً . قالت مجلة (افريكان ريبورت) ان الساحل الصومالى طوله 1500 كم وان شركات التأمين ربحت فى اربعمائة من حالات القرصنة منذ عام 2005 اكثر من سبعة بليون دولار وقالت المنظمة الدولية لشئون البحار (IMO) ان اكبر فدية دفعت فى مطلع هذا العام 2010 كانت لسفينة اغريقية بمبلغ 5 مليون دولار (هل هذا معقول ؟) – ومن ناحية اخرى تناولت مجلة نيوافريكان عدد يونيو 2010 الموضوع واشارت فيه الى صمت متعمد من الميديا الدولية للنهب المتصاعد للثروة السمكية فى المياه الدولية الصومالية وخليج عدن واغراقه بالنفايات السامة فيما تشير الدلائل الى انه ترتيب احكم اعداده ويتم تنفيذه بخبرة من مافيا اوربية دولية تخصصت فى هذا الشأن. و قال المتحدث باسم برنامج الأممالمتحدة للبئة ( UNEP ) " إن الصومال يستخدم منذ عام 1990 لاغراق النفايات النووية والسامة والمخلفات الصدئة المستغنى عنها فى المصانع والمستشفيات الاوربية وغيرها من المواد الكيميائية – وقال ان غياب سلطة فاعلة فى الصومال اتاح فرصة للسفن الاوربية والاسيوية للتخلص من اطنان من المخلفات السامة – وقال المتحدث باسم برنامج الاممالمتحدة للغذاء (WFP) ان القرصنة اعاقت تقديم المواد الغذائية للصوماليين – ولكن إلى أى قرصنة كان هذا المتحدث يشير ؟ وهل ورد فى ذهنه هذا السيل من السفن المجهزة لنهب الساحل الصومالى وما تحدثه من تلويث للبيئة وقتل للسكان ؟ واضافت المجلة انه فى عام 2004 وعقب عاصفة التسونامى التى اجتاحت شواطئ البلدان الواقعة على المحيط الهندى ازاحت كتل من المواد السامة على شاطئ بونت لاند وعلى ضوئها امكن تفسير الامراض المتعددة التى لم يعهدها الاهالى من قبل وادت الى وفاة اعداد كبيرة منهم – وأود ان ألفت الانتباه الى ان اعراضاً مماثلة ظهرت فى البلدان الواقعة على الصحراء الكبرى ولا يعرف احد ان كان جرماً مماثلاً يدور فى رمالها التى تستغل لدفن كل خبيث . ***11*** كان الصوماليون يعتمدون على الثروة السمكية فى مياههم الاقليمية – لكن السفن الاوربية بتجهيزاتها التقنية الحديثة نافستهم فى الصيد وحجمت قدراتهم الى الحد الذى جفف ذلك المصدر الممتد عبر التاريخ لارزاقهم – ويعد ذلك احد اهم الاسباب فى لجوئهم الى (القرصنة) – ان هذه السفن تصطاد داخل المياه الصومالية وتطرد الصيادين الصوماليين منها . إن قرصنة الضعفاء الذين لا يجدون رزقاً فى داخل سواحلهم وينهب الاغنياء مصادر قوتهم هى التى يساق اليها الانتباه وتضخّم – بينما يصمت العالم عن التجويع والابادة التى تفتك بهولاء الضحايا . نفط المكسيك يثير كل هذه الضجة ونفايات العالم وسمومه النووية لا يشير اليها احد . وللقارئ ان يتأمل كيف توظف عملية التضخيم فى للمساكين من " قراصنة" الصومال حينما تشير الى أن بارجة اوربية واسعة الضخامة بكل معداتها وتجهيزاتها وقباطنتها قد وقعوا (اسرى) وضحايا لقراصنة صوماليين لا يستخدمون فى هذه المعادلة المخلة غير زورق يمكن اسقاط اصغر الشباك عليه من اعلى تلك البارجة الضخمة بانتشاله وتخزينه مع قراصنته المزعومين فى اصغر غرفة من البارجة الغازية ثم تصطف الميديا المعدة سلفاً لهذه الكوميدية النزقة لتتحدث عن ضحايا القراصنة المساكين الذين وقعوا فى الاسر ودفعوا فدية بالملايين. وعلى ذات الصعيد قالت BBC فى نشرتها فى 23/7/2010 (Newshour) ان شركة نفط هولندية اغرقت شوطئ ساحل العاج بالنفايات السامة وحكم عليها بغرامة من محكمة فى لاهاى بمليون دولار – واضافت كانت الشركة تعتزم اغراق نفاياتها قبالة السواحل الاوربية ولما حذرت عن ذلك لم تجد غير مستضعفى افريقيا فى ساحل العاج .. غرامة بمليون دولار فقط .. دعنا نقارن ذلك ب 17مليار دولار تعتزم BB البريطانية دفعها لضحايا ما صنعته فى خليج المكسيك . ***12*** واخيراً فإن حرب اشقائنا فى الصومال حار فيها من يبدى ومن لا يعيد وجلبت لوافحها من الشقاء ما لايوصف – وايا كان مردود البلاء فيها فإن حلها وعقدها عند عقلاء اهل الصومال وحكمائه . واذا كان واقع الحال بهذه القتامة المأساوية يحق لنا ان " نسطوا " على عبارة كارل ماركس الشهيرة : " ياعمال العالم اتحدوا فلن تخسروا شيئاً سوى قيودكم " ونحولها الى : "ياصومالى العالم وشعوبه المضطهدة اتحدوا فلن تخسروا شيئاً سوى دماءكم" وبالله عليكم يابنى آدم .. من هم القراصنة الحقيقيون؟ حسن عبد الوهاب برلين – يوليو 2010 م