رمضان الشهر الفضيل والايام الحلوة تجري سراعا ومعه نتذكر مويات رمضان التي أضحت اليوم بفعل الزمان عصائرا وكان على رأس تلك المويات ما يعرف بأنه "الحلو مر" ذلك المشروب السوداني الأصيل الذي لا تخلو منه مائدة رمضانية عجيب حقاَ، فهو ليس بمشروب عادي، إذ أنه من المؤكد أن تكون له بعض الفوائد الطبية التي نأمل من الدارسين والباحثين في هذا المجال استجلاء وكشف حقيقتها. ونحن هنا في الغربة نحرص على أن يكون "الحلومر" أيضا أحد العناصر الأساسية للمائدة الرمضانية، لذلك فإنني أحرص بنفسي على أن يكون ضمن حاجياتي الخاصة وأنا في رحلة العودة. ولكن في مرة من المرات تخلف الضيف الرمضاني العزيز فوقعنا في ورطة ولم نوفق في إيجاد وسيلة تمكننا من نقله إلينا في بلاد الغربة. وبعد مشاورات عديدة ومداولات وجلسات في (برلمان الأسرة) استقر الرأي على "تصنيع" أو تجميع المشروب العجيب، وعلى جناح السرعة أرسلنا رسالة عاجلة للسودان لتزويدنا بالخلطة السرية ومواصفات المشروب. ولما وصلت الخلطة السرية تبين لي بالفعل سحر وإعجاز وسر ذلك المشروب العجيب المسمى "حلومر" فهي خلطة جمعت العديد من العناصر والمواد والمكونات التي تضفي تلك النكهة الفريدة والمذاق العجيب على ذلك المشروب المتميز . بدأنا في تجميع العناصر بالمقادير المقررة حسب "الخلطة السرية" التي كان على رأسها الذرة من نوع"الفيتريتة" وكنا آنذاك في مدينة الرياض بالسعودية، ولكيلا يلتبس على من يجهلون حقيقة (الذرة)، بضم الذال، من الحناكيش وغيرهم فهي نوع من الحبوب التي تزرع في أرض السودان وكانت هي بمثابة الخبز الذي لا تخلو منه المائدة السودانية في شكل (كسرة أو عصيدة). وبحمد من الله وتوفيقه تيسر لنا جمع جميع العناصر والمكونات التي تشكل ذلك المشروب العجيب، ودخلنا المختبر لاعداد الخلطة السرية وفق (المنهج) السوداني لكي يكون المنتج من الجودة المعروف بها في السودان واتبعنا الخطوات وكانت تجربة مثيرة لأم العيال التي كانت حديثة عهد بعملية "العواسة" حيث كانت متخوفة من نجاح العملية، كما أن تخوفي كان أكبر ، إذ أن القصة كانت في نظري مجرد وهم، لأن هذا المشروب سوداني مائة في المائة ولابد أن تتوافر له جميع عناصر النجاح. والخطوة الأولى كانت تزريع أي انبات الذرة ببلها بالماء ووضعها في خيشة حتي يتم التزريع، ومن ثم تجفف وتنشف بفعل الشمس وبعد ذلك الى الطاحونة لاكمال عملية طحنها لتصبح دقيقا أسمرا ثم تضاف مجموعة لايستهان بها من (الدويات) مثل الجنزبيل والقرنجال والقرفة والكركدي وغيرها من المواد وبعد ذلك مرحلة العجين باضافة الماء، ثم التخمير. ولكن بالرغم من كل شئ فقد سارت خطوات التصنيع على ما يرام وتحدد يوم "العواسة"- وهي طريقة تشبه عواسة الكسرة السودانية بالضبط- ولابد لمن يؤديها من النساء أن يكن من الخبيرات، مما جعل الجميع يتخوف من فشل التجربة، سيما أنها كانت بالنسبة لنا أول عملية "تجميع" خارج الحدود للمشروب السوداني العجيب. كانت النتيجة مفاجأة سارة للجميع، حيث تم "تصنيع" كمية لا بأس بها من "الحلومر" وتم أخذ عينة من "الإنتاج" وتم نقعها في الماء كما هو معلوم وتمت تصفيتها وأضيفت لها الكمية المناسبة من السكر وتذوقها الجميع الذين أجمعوا على أنها فريدة في مذاقها، أي بعبارة أخرى أننا نجحنا في "تصنيع" الحلومر خارج حدوده الجغرافية المتعارف عليها. التحية لكل الأمهات والحبوبات الرائدات اللأئي اخترعن ذلك المشروب الممتاز و اللائي أسهمن في وضع وتطوير الخلطة السرية لذلك المشروب الرمضاني العجيب، وكل عام وأنتم بخير. الرشيد حميدة السعودية - الظهران alrasheed ali [[email protected]]