ما يسميه دعاة الانفصال استعلاءً محض هراء لا دال عليه.. إنها ذاكرة مشحونة بالأقاويل..!! ذاكرة الانفصالي فردية..لا وجود لها هي "حثالة" للذاكرة الاجتماعية..!! صورة (الشمالي) مدبلجة!.. فكيف للذاكرة تجنب خلطها مع الخيال والوهم والهذيان؟! حكاية "الجلابة" هي تمثل لظلم المستعمر؛ بما هو نقص في الذات لإرادة البحث عن آخر..!! إني أتهم..! إخلاص "الذاكرة" ضد أوهام الانفصاليين 1-2 .. بقلم: غسان علي عثمان [email protected] إن المشكل السوداني؛ شمالي/جنوبي، لا يبدأ من التاريخ، إنه صراع الذاكرة!، هو تَمَثٌٌل الماضي رغم عدم يقينه، في هذا الحاضر بكل ما يحمل من متغيرات!، فعلينا أن نعتد بالهم؛ هَمّ تمثُل التاريخ في الذاكرة، فالذاكرة جسم يتموضع خلف التاريخ وراثةً له، كَمُشكل يُطرح من تحت..!، وذلك في مستوى التذكر أو النسيان، وقولي هنا عن طبيعة الذاكرة الجنوب/شمالية، وحول صعوبات الخصوصية لجنوب السودان محملاً بصعوبات التجربة الذاكرية، حدث هذا عندما صَّدر العقل الجنوبي الانفصالي درسه التاريخي، مُتأوّلاً وجود حالة من الكُره المتبادل، بين استعمار غربي (بعيون زرق) وآخر وصفوه بتسلط (الجلابة!!)، إنهم في ذلك لا يستخدمون سرداً حقيقياً للوقائع التاريخية، فذاكرتهم يحكمها "تفكير الذات في الذات عبر الزمن"، على رأي "جون لوك". إن دعاية اضطهاد الشمال العربي المسلم للجنوب الزنجي الإفريقي؛ لغز يتحدث عن صورة حاضرة وغائبة في الوقت ذاته!؛ حاضرة لدى دعاة الانفصال دون أثر أو سند أو مرجع، اتهام كامل الدسم لعرب الشمال، وغائبة؛ لعدم وجود ممثّلين لها الآن!، فبالنسبة للشمالي يؤِرّقه تساؤل؛ إنه هل بالإمكان أن نفهم شيئاً دون أن نحس به؟، أي أننا مُضطهِدون بالفعل!، وهل يستطيع دعاة الانفصال جنوباً أن يقنعونا بأن لغزهم للماضي، فيه للحاضر نَسَب!، وإن كان في صورة الغائب غير المراقَب. واللغز الذي نقرِّره، يتعلق بقضية الهوية المستَلبة من قِبَل غازٍ طَلَق اللسان مُبِين، ويُراد بهذه الهوية الجنوبية المضطهَدة من قِبَل "الجلابة" أنهم قد تمثّلوا ظلم المستعمِر بما هو نقصٌ في الذات لإرادة البحث عن آخر!، وما قابلهم في طريقهم نحو ابتناء الهوية خاصتهم، ذلك الشمالي (حامل العصا)، (مسترقّ الزنوجة)، "نخّاس" استُحضِر من ذاكرة صنعت صورتها خلف المرأة لتاجر يبيع الجسد، وهنا لا يتعلّق الأمر إلا بالنصف الأول من اللغز المشترك بين الخيال والذاكرة. أما السمة الزمنية التي يراد بها تصوير الواقع للسالف مُفصلة مبدئياً بين الذاكرة والخيال، لذا ظلت وستظل ناقصة!. إنه تذكر عفوي، مجاني، استخدمه مروجي الفتن إعلاناً عن خيبة في الهوى بالهوية، أسقط على نموذج استحضاريّ لا دليل له في سمت السوداني شماليّ الاتجاه!، ولساني حاله يقول: أنا لم أفعل شيئاً!، وحقيقة إنه لم يفعل أي شيء.. فإذا كانت الذكرى لديه (الجنوبي) صورة (شمالي، تاجر للرق)، والشمالي (الجنوبي حليف المستعَمر وظهيره)، سعياً في إزالة وجوده العربي!، فكيف تأتى له تجنب خلطها (الذاكرة) مع الخيال والوهم والهذيان؟، وكيف لم يسترع انتباهه ولو على هامش الإشكالية التي تذهب بالذاكرة نحو التاريخ، أن أداة الثقة في التجربة غير متوفرة!، فأين شواهدهم على الاضطهاد الشمالي؟، وأين شاهد الشمالي في الجنوبي مجند للاستعمار والإمبريالية والصهيونية العالمية!، وأين يضع الانفصالي شمالي/جنوبي تعايش الأنساب السودانية مختلفة المنبت!، فوق أرضية مشتركة، لا يستشكل وجودهم إلا عند تقرير (الرمز) السياسي أن يشعل هذا التآلف باستجلاب صور من الماضي، غير الموثوق به، فعل ذلك ليغير من واقعية تصالحهم بعضهم ببعض!!. يقول بول ريكور: "نحن نتذكّر بمعزل عن الأشياء"، لكن ب"صحبة الزمن". فمع الذاكرة، وعلى خلاف الخيال، تظهر سمة السالف واللاحق على الشيء المتذكّر. لكن لا تنفي هذه السمة اللغز الأول، لغز حضور الغائب، بل تستعرضه في الزمن، إذا صح القول، وفي قول ذلك ما يفضح ادّعاء التهميش الثقافي/السياسي، المنظّم، والممارس من قبل الشمال ضد الجنوب، إن هنا الأمر يتعلق هنا باستيهام، تصدير الوهم بأن في جينات الشمالي سلطان للعنف، بل لنقل بِتخيُل. فلا شيء ماعدا التمثل الذاتي (نقص الحاجة إلى الهوية عند الجنوبي الانفصالي) للسالف (ذاكرة مدَبّرة) باعتبارها صورة للغائب محمولة عبر الصفة الزمنية لما هو ماضٍ وآت في الوقت ذاته. فهل في الأمر خدعة؟ من دون شك، نعم..! وهل لدينا من اليقين أن شيئاً ما! قد حصل بالشكل الذي يعرضه الذهن الانفصالي عند الاستحضار! وهنا تكمن رواسب المشكلة؛ مشكلة وجود هذا التهميش أصلاً!، عموماً لا اعتراف موثق، ومضمونه حق، يثبت أن الشمال وبترتيب باهر، دبر لاغتيال الشخصية الجنوبية، فتاريخنا السياسي، بعد الاستقلال دون شك تشوبه أخطاء!، وهي التي يستند عليها دعاة الانفصال، كمسألة السودنة، وضعف تمثيل الكوادر الجنوبية، وكأن الجنوب هو قبائل بعينها؟!، لأنه حتى لو غضضنا الطرف عن أعذار الأزهري وقادة حزبه، في صعوبة إشراك عدد أكبر من أبناء الجنوب في الوظائف، فإنهم ولو نالوا كل المقاعد، ما كان ذلك ليؤثر فيما تختزنه الذاكرة المدبرة بليل، ذلك عندما قرر المستعمر أن يحاسب العرب والإسلام في شخص عرب الشمال ومسلميه، فاختلقوا قصة التعسف شمالية المصدر محاق بالجنوب، وظلم شملهم، وتهميش متعالِ النزعة زحزح موقعهم، إنها (ذاكرة محظورة)، ممنوع الاقتراب منها أو التصوير، ولكن التوسل إليها تم ويتم الآن عبر إعادة تركيب الصورة المفتعلة، صورة الشمالي الغاصب، الشمالي المتعجرف، الجنس العربي الذي "استعبد" حاجاتهم، ومنع اكتمال نجاحهم الحضاري!، هذا من وسواس خيال مريض، إذا أراد توظيف الذاكرة التاريخية، وكذباً يسميها الحقيقة التاريخية..!! إن ما يسميه الانفصالي، استعلاءً شمالياً، محض هراء، لا دال عليه، ولا شاهد، فكل ما يملكه ذاكرة مشحونة بالأقاويل، وهنا ستنخرط إشكالية الذاكرة المصابة في مجرى محفوف بالمخاطر، مجرى التشابه بين الماضي والحاضر، والذي لم ننته بعد من فصل الاستيهام الذي يمتلكه عن الصورة - النسخة، فالإحساس بصلة تطابق الصورة-الذاكرة وتوافقها مع الشيء المتذكّر، هي ما يتوجب على العقل الانفصالي جنوبياً كان أو شمالياً التخلص، ليس لأجل الوحدة، بل لأجل أن يعيش في صحبة الوعي هناك..!! ففي ظل غياب الوثائق في جرم الشمال تجاه الجنوب، أو بالعكس، وحجج الانفصاليين هنا وهناك إنما هي اتكاءً على أغلاط تاريخية وأوهام ثقافية، يتصدرها تعسف الشمال في التعامل مع قضية الجنوب، أو عنف الجنوب تجاه الشمال، العنف هنا بمعناه الاختياري، مثل هذا القول لا مكان له في علم التاريخ، فقد جاءت ذاكرة الانفصاليين فردية، وهي كذلك لا تشكل سوى "حثالة" للذاكرة الجماعية، الجماعية التي حفظت ممالك عاشت واعتاش أهلها من خير السودان الكبير، لأنه لا وجود لذاكرة فردية في الأساس، ولو استعرضنا التهم الموجهة للشمال أو للجنوب، فنحن واجدوها تُقرأ في سياقين، الأول: تهم محملة بقيم عالمية، مثل: العنصرية،الاضطهاد،الإفقار الثقافي والاقتصادي..الخ، أو على العكس الجنوب تمرد فقتل التجار العرب، العصابات القبلية أبادت أسر بأكملها، إن هذه التهم من صنع الاستعمار الإنجليزي، وممارساتهم أَطبقت على رقابنا جميعاً، فالعنصرية لم تكن سياسة منظمة ضد أبناء السوداني شمالاً وجنوباً، ويكذب إذا أدعى أن الاضطهاد ليس ديدن الاستعمار!، فأنت تأتي إلى بلادي تحت زعم إخراجي من الظلمات إلى النور!، تحتل أرضي، وتغير في طبيعة مشاهدتي للحياة، فمنظارك منظاري بالقوة!، وعن الإفقار الثقافي الاقتصادي فإنه نتيجة وليس طارئاً في هذا الصدد!، وسياق آخر يحمل عناصر صدق في بعض جزئياته، مثال ذلك: التعالي العرقي وهو فعل تقوم به قبيلة ضد أخرى، وكما أن بعض قبائل قد تنظر لأخواتها في الجغرافيا، نظرة ملؤها التعالي، وهو تعالي مزيف غير صادق، كما أن العنصرية مشكلة عالمية لا يمكن اجتزاؤها في مظاهر سطحية كرفض بعض الإثنيات مصاهرة إثنيات أخرى، هذه الثقافة العالمية، يحكمها العرف والإرث والتقليد، ولا علاقة لها إطلاقاً بالتمييز العرقي، كأن نعود بتصرف شخص من قبيلة ما إلى محفوظاته العرقية، فالمجتمع الشمالي/ جنوبي، له عقل جماعي لا فردي ولا يقبل العمل إلا في فضاء كلي يستطيع من خلاله أن يمارس فضيلة "رفع التكاليف" من أدنى لأعلى، وهذا بالضبط ما يحدث هنا!. إذا كانت حركة الانفصال الطارئة في جنوب السودان وشماله، تحركها أوهام القومية الزنجية، أو الأصول العربية لبناء دولتهم، إن هذا وهم كبير!، والوقوف عنده أكبر، كيف؟، لم يحصل في تاريخ السودان القديم أن تجمعت القبائل تحت مسمى إثني عرقي إلا في دولة الفونج (1504- 1821م)، فقد ثبت وجودهم عبر انتماءهم لجماعة السودان الكبير، ذلك دينق الذي كان روحاً قائدة دبرت شأنها عبر التحالف والطبيعة، ليأتي المهدي الكبير يؤسس لوطن، تحالف معه، ونشد فيه الوجود من جديد، حدث هذا في القرن التاسع عشر، والآن في القرن الحادي والعشرون، يريد بعض أبناء السودان الاستقلال شطر هذا الجسم السليم!، هذا منطق ضد المنطق، وضد طبيعة الأشياء!، كيف، لن يستطيع الانفصالي الاستمرار في لعبة التاريخ، وتهيئة الذاكرة تشويشاً وانتقاد، فبعد الانفصال، ستظل الحاجة ماسة لعدو جديد، وسيتمثل فيمن ينادي بالوحدة في الجنوب والشمال، لأن طبيعة المعرفة السياسية لا تتحرك إلا في ثنائية الشيء وضده، حسناً، تخلصتم من خريطة السودان، ستبحثون عن ضحية أخرى حتى تنخرطوا في إعادة دوران اللعبة السياسية القديمة، سيقال قبيلة كذا استأثرت بالمناصب والمكاسب، كما ستضج أخرى بهيمنة القبيلتين الكبيرتين، ما النتيجة!، حرب ثقافية جديدة. وجماعة الانفصال لا يعبرون عن رأي الأغلبية في الشمال والجنوب، وإن حشدوا لذلك كل محنهم التاريخية، إنهم ودون علمهم جنود ظِّل يُعبث بهم.. لم يسع السودان إضعاف طرف لصالح آخر، ولم يحدث أن أسست حكوماتنا مر التاريخ لسياسة فصل عنصري، كما الأبارتيد! في جنوب إفريقيا، وهنا فإن لائحة الاتهام تحتاج إلى أدلة من جديد..!.