غيب الموت يوم الأحد 7 نوفمبر الماضي السيد مأمون عوض أبوزيد بعد مرض امتد لفترة طويلة ، وقد كان أحد أعضاء المجلس العسكري الحاكم بعد انقلاب 25 مايو 1969م والذي حمل فيما بعد اسم مجلس قيادة الثورة وكان أصغر أعضائه سنا ، وشغل عدة مناصب خلال سنوات حكم نميري فقد كان رئيسا ومؤسسا لجهاز الأمن القومي وأول أمين عام للاتحاد الاشتراكي وتقلد منصب وزير الحكم المحلي ووزير الداخلية ووزير الطاقة ثم اختفى عن الأضواء ليعود في منصب استشاري لفترة قصيرة واصل بعدها عزلته حتى قامت انتفاضة ابريل 1985م فتمت محاكمته مع زملائه قادة انقلاب مايو وأمضى فترة في السجن تنفيذا للحكم الصادر في حقه حتى أطلق سراحه بعد انقلاب 30 يونيو 1989م. كان يتمتع بقدر وافر من الثقافة والذكاء وكان ميالا للصمت والعمل خلف الأضواء بحكم خلفيته المهنية وتكوين شخصيته. ذكر السيد محمد أحمد محجوب في كتابه"الديمقراطية في الميزان" أنه طلب من القائد العام للجيش تقريرا قبيل انقلاب 25 مايو1969م عن الوضع الأمني وما يشاع عن تحركات مريبة تحضيرا لانقلاب عسكري، فأحال القائد العام الأمر للاستخبارات العسكرية التي كان قائدها آنذاك متغيبا في الخارج فجاء الرد مطمئنا نافيا وجود أي إرهاصات لذلك الانقلاب، وذكر محجوب أنه قد اتضح فيما بعد أن مدير الاستخبارات العسكرية لم يكن هو مصدر هذه المعلومات بسبب غيابه في الخارج وكان المصدر هو مدير مكتبه الرائد مأمون عوض أبوزيد الذي كان منغمسا في التدبير للإنقلاب ولو كان المحجوب قد عرف هذه الحقيقة في وقتها، كما قال، لربما تغيرت الأمور ولأمكن اتخاذ ما يلزم للحيلولة دون وقوع الانقلاب. كان لمأمون عوض أبوزيد دور كبير وهام من وراء الستار في نجاح انقلاب 25 مايو 1969م بفضل ما قام به من تغطية وتمويه . و أشار الكاتب المصري الراحل يوسف الشريف صراحة في كتابه "السودان وأهل السودان" إلى واقعة اختطاف الصحافي محمد مكي محمد صاحب جريدة الناس ، حيث قامت جماعة فلسطينية بالتنسيق مع جهات سودانية بخطف محمد مكي من أمام مقهى في شارع الحمرا في بيروت في مطلع عام 1970م ثم نقل بعد ذلك للسودان حيث يقال أنه قضى تحت وطأة التعذيب، وكان مكي ناشطا وفاعلا في معارضة النظام المايوي. وحمل الأستاذ الشريف مأمون عوض أبوزيد وجهازه الأمني مسئولية خطف وقتل محمد مكي الذي كان هو نفسه شخصية مثيرة للجدل، وربما لذلك لم تجد قضيته متحمسا لفتح ملفها بعد انتفاضة ابريل 1985م. ولا شك أن هناك الكثير من الأحداث والوقائع،بخلاف واقعة محمد مكي، مثل محاكم الشجرة العسكرية الانتقامية التي أعقبت فشل انقلاب يوليو 1971م وغيرها، التي كانت تحتاج لإفادات مأمون بوصفه شاهدا لصيقا على بعضها ومشاركا في صنع بعضها الآخر ، لكنه التزم الصمت طوال الفترة التي أعقبت إطلاق سراحه من السجن وحتى رحيله لتدفن معه أسراره في قبره، وكان زاهدا فيما يبدو في تسجيل شهادته للتاريخ ، ولكن لو اتضح أنه قد ترك وراءه مذكرات مكتوبة أو مسجلة وقام ورثته بنشرها، فإن القاريء سيجد نفسه أمام كنز ضخم من المعلومات رغم أن هذه المعلومات لابد أن تكون، بطبيعة الحال، ذات درجات متفاوتة من الصدقية. اختلف الناس كثيرا حول مأمون عوض أبوزيد وشخصيته وأفعاله التي يحيط بها الغموض والتساؤلات،وأحبه بعض الناس وكرهه غيرهم وخلّف الفرح في نفوس البعض مثلما خلّف المرارة في نفوس آخرين ، ولكنهم جميعهم لم يختلفوا قط حول طهارة يده. سبقنا مأمون عوض أبوزيد إلى حساب المولى القدير، ونسأل الله له الرحمة والمغفرة. (عبدالله علقم) [email protected]