تبدو سياسة الحكومة الآن واضحة تماماً وهي وللأسف الشديد ؛ سياسة تعتمد على مبدأ تفتيت الدولة ، لم يعد تفتيت السودان ، في المقام الأول رغبة أمريكية بقدر ما هي رغبة مجموعة مكونة من انتماءات جهوية حصرية ومتحصنة بالسلطة ؛ ترغب في الاستمرار في ذات السلطة باسطة نفوذها بذات المنحى الجهوي ؛ لقد رأينا التمثيلية الكبرى التي بدأت بفصل الجنوب ، وها هي ذات التمثيلية سادرة لفصل جنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور ، بعد أن تم فصل الجنوب دون أن يستثير ذلك الشارع فيخرج للدفاع عن كامل أرضه عبر طريق النضال الوعر . وإذا كان بإمكان النظام التضحية بكافة أقاليم السودان سيما البعيدة عن المركز إلا أنه لن يضحي أبداً بالشرق وذلك لعدة أسباب أهمها : السبب الأول : أن الشرق هو المطل البحري الوحيد للحكومة إلى العالم الخارجي خاصة من الناحية الإستراتيجية حيث الميناء البحري الوحيد وهو المتنفس الوحيد للمجموعة التي تتحكم – عبر شركات ومصالح أعضائها - في تصدير و استيراد المواد اللازمة لها . السبب الثاني : هو أن ميناء بورتسودان وحده يدخل إلى جيب الطغمة الحاكمة حوالي (300) مليار كل ستة أشهر أي حوالي (600)مليار في السنة الواحدة من جمارك ورسوم تخزين وغيرها . وذلك جنح إلى إشراك مجموعة من أهل الشرق إثر محاصصة هزيلة في السلطة لا تسمن ولا تغني أهل الشرق من جوع . في الوقت الذي ظل فيه النظام يماطل بشأن أقاليم أخرى تمهيداً لفصلها ابتداء بالمشورة الشعبية فتقرير المصير ومن ثم الانفصال الأخير . وبالتالي فإن النظام الحاكم لا يمكن أن يضحي بالشرق فهو لو دفع لأي زعيم سياسي في الشرق مليار جنيه لن يكون خاسراً ولئن دفع مليار جنيه لثلاثمائة زعيم فسيعوضها خلال ستة أشهر فقط وهو يعلم تماماً بأن أهل الشرق وهم الذين ذاقوا الأمرين ( زغب الحواصل لا ماء ولا شجر) أي لا يجدون ماء نقي صالح للشرب ولا ملجأ يستظلون به من رمضاء الحر إلا قلة من ثلاجات الفواكه النادرة ، سوف لن يعلموا أبداً بهذه الحقيقة الخطيرة . فالشرق يتم استنزافه جهاراً نهاراً ليس بالمئات ولا بالآلاف ولا بمئات الآلاف ولا بالملايين وإنما بالمليارات في ظل غياب معايير الرقابة والمحاسبة وسيادة الفساد على مفاصل الأجهزة الإدارية في الدولة وضياع حقوق أهل الشرق خاصة وأهل السودان كافة. إن تفتيت السودان أصبح واقعا وستكتب الحكومة العديد من المسرحيات حافلة فصولها بالتفتيت المقيت لوطن نيل استقلاله بثورات شريفة ممهورة بالدماء حفاظاً على مصالح قلة قليلة مهيمنة على كافة ثروات ومقدرات الشعب السوداني وإهدارها عبر مراكز النفوذ وبوابة السلطة المشرعة أمام كافة ضروب الفساد