(العدالة) قيمة انسانية اعترفت بها كل شعوب الأرض علي اختلاف مذاهبها الإجتماعية وعقائدها الدينية واطوارها التاريخية . وهذا ما جعل حتي الخارجين عليها يحاولون تبرير مواقفهم لتنسجم مع هذا الإيمان العام ، وضبطا" لهذه القيمة اتفق الناس من قديم علي التحاكم الي القانون حتي أن العلامة عبد الرازق السنهوري يقول عن الحكم الصالح لدي الإغريق في عصر ما قبل الميلاد ( ان الحكم الصالح لا تلمسه فلسفة الإغريق في الحكم المطلق للفيلسوف ولكنه تنشده في مبدأ سيادة القانون ) ولكن أين يستقر مبدأ سيادة القانون ؟ أنه يستقر في ضمير القاضي قبل أن يكون نصا" مكتوبا" . إذ أن الشرائع التالية لعصر الإغريق جعلت القضاء مناط اصدار الحكم بالقانون كما أن الهيئات النيابية معنية بتشريعه وعلي الإدارة الحكومية تنفيذ احكامه . وحتي تعمل كل من السلطات الثلاث في ظل الموضوعية والحياد التام جاء منتكسيو بمبدأ (الفصل بين السلطات) في العصر الحديث والذي صار الآن من المسلمات الراسخة. ذلك جهد البشر في ارساء حياة المجتمعات وعلاقات الناس علي قاعدة من القانون الذي يفترض فيه الحفاظ علي قيمة العدالة. أما القرآن فقد اتجه مباشرة الي ربط القيمة الإنسانية (العدالة) بالقيمة الإيمانية ورقابة الله ، فنعم الله علي من بيده مقاليد اصدار الحكم بالقانون تجعله يرتفع علي ضغط الحياة والروابط الإجتماعية حيث أنه يستغني بالله عنها في ذلك المقام ويكون أكثر حرية وأنقي ضميرا" وهو يصدر حكمه في القضية ، يستوي في ذلك القضاء الجالس والقضاء الواقف, قال الله تعالي ( قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا" للمجرمين ) القصص (17) تلك هي ضمانة العدالة في الإسلام فإن لم يستو ميزان العدالة في ضمير القاضي ورجل القانون (عموما") نشأت له من واقع التقاضي أمامه قضايا تجدد في داخله المعاني وترفع عن نفسه حجاب الغفلة فيستوي علي الجادة . فتشابه أشواق الناس وهمومهم وصراعاتهم في الحياة لابد ان يجعل ورود النماذج المتماثلة شيئا" طبيعيا" في حياة المحاكم والقضاء بحيث يجعل قياس الواقع والأحداث شيئا" لا مفر منه وهو ما يعرف اليوم بمصطلح (السوابق القضائية) . هذا فيما يحدث للآخرين فما بالك اذا كان هذاالتشابه من ذات ما يعيشه القاضي - أو رجل القانون – في دواخله وفي حياته الإجتماعية العامة ومن لا يتعظ من عبرة( الدواخل) وعبر (الطوارق) فهو قاض قد مات فيه الضمير وهجرت حياته قيمة العدالة وانضم الي ركب الظلمة والطغاة وهو موقف لا يسوي مع أهل الإيمان قال الله تعالي :( يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوي فيضلك عن سبيل الله ، ان الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب) ص (26)