لطالما جذبتني الأنشطة والبرامج الاجتماعية وأنا طالب بجامعة الخرطوم حيث كان المجال واسعا والطريق ممهدا للعمل على تحقيق ما تصبو إليه نفوسنا وتؤمن به في حدود الإمكانيات المتاحة رغم وجود أنشطة في مجالات الفكر والثقافة والأدب والرياضة وأنشطة أخرى ارتبطت بالتنظيمات سواء الحزبية أو التى لها توجهات سياسية معروفة والتزامات موجهة ولقد قدمت بعض الجمعيات الكثير من الأعمال والبرامج وكانت لها مساحات للتحرك فالأساس كان قويا وكان للذين يعملون فى هذا المجال مصداقية بعيدة عن كل مصالح شخصية وقريبة أكثر من طموحات أتسمت بها الغالبية التى ابتعدت عن الصراعات أو السياسية الأخرى في أروقة اتحاد طلاب جامعة الخرطوم أو أروقة الأحزاب العاملة خلال تلك الفترة الجامعية والتي لا أقول أنها كانت بعيدة عن هذه القضايا ولكن كانت لها منطلقاتها وتوجهاته وبالتالي محدوديتها في تحقيق بعض الطموحات الوطنية . ولقد ارتبطت جامعة الخرطوم بقضية الجنوب رغم ما تحمل من صيغة سياسية ولكنى أعتقد ان الصيغة الاجتماعية غلبت على السياسية وهذا ما دفعنا للتوجه الى العمل الاجتماعي ومحاولة تحقيق ما نستطيع لخدمة القضية ولخدمة الوطن الواحد ولخدمة أخوة لنا كان لظروف الحرب آثارها السلبية وكان لزاما علينا ان نعمل من أجل ذلك الجزء من الوطن إيمانا منا بهذا الالتزام وإيمانا منا بترابه الغالي وإيمانا منا بذلك الرابط الذى يتغلغل فى نفوسنا عزة وكرامة. ومن هذا المنطلق أقول أن الأنشطة الاجتماعية قد جذبتني خلال تلك الفترة الجامعية الهامة فى حياتنا رغم أنها كانت تحتاج لكثير من الوقت والجهد على حساب الأكاديميات والتي كنا نحاول التوفيق بينها ولكنا كنا نشعر بأننا أصبحنا مدفوعين بقوة لهذه الأنشطة وكانت تشغلنا حتى تأتى الأوقات الصعبة وتقترب أيام الامتحانات فى نهاية العام الدراسي عندها نهب الى التركيز على الأكاديميات والسهر والمذاكرة ولا أنسى الاحتفالية المشهورة التى تأتى عند قدوم شهر مارس وتبدأ منتصف الليل بنهاية شهر فبراير وبدء ساعات الصباح لليوم الأول من شهر مارس الرهيب موعد الامتحانات لتبدأ المسيرة الطلابية الحاشدة من البركسات الى داخل الجامعة أمام القاعة الكبرى للامتحانات كانت المسيرة الحاشدة سلمية يشترك فيها جميع الطلاب وكان لها هدير أقوى من كل المظاهرات الغاضبة وكان لها قادتها فهي مسيرة مميزة ولا تحتاج إلى أولئك القادة السياسيين أو قادة اتحاد الطلاب فالجميع وبكل ألوان الطيف يشارك والذين يقودون المسيرة كانت خطبهم بعيدة عن العمل السياسي ولكنهم كانوا بارعين فى ترديد الشعارات والهتافات التى كان لها هدير وتعبر عن غضبة كبرى للطلاب وسط تلك الليلة فالأصوات تعلو والحناجر تزمجر بتلك الهتافات لتعبر بصدق عن سخط وغضب لنهاية العام الدراسي ولقدوم هذا الشهر الذي لا أحد يرحب بقدومه المهم كان لذلك كله راحة وتنفيس ترتاح وتهدأ بعده النفوس وتستعد للمواجهات القادمة بروح المحارب الذى لا يقهر0 أعود مرة أخرى للعمل الاجتماعي الجاذب فعدة جمعيات عملت فى هذا المجال بدعم من إتحاد الطلاب بالجامعة ولقد انضممت لمنظمة الخدمات الجامعية العالمية بجامعة الخرطوم وهى إحدى المنظمات أو الجمعيات التى اشتهرت خلال تلك الفترة بأنشطتها ومعسكراتها الشبابية الطلابية وتعدت الى خارج حدود السودان حيث أنها منظومة عضويتها مفتوحة لجامعات فى مختلف إنحاء العالم وبالتالي فان الأعضاء الأفراد من الطلاب والأساتذة الذين يعملون فى المجال الجامعي ولقد كان لها نشاطات فى داخل السودان هى عبارة عن معسكرات شبابية يتم تنظيمها خلال الإجازات السنوية للجامعات يشترك فيها الطلاب من عدة جامعات عالمية يكون الهدف إقامة مشروع يعود بالفائدة للبلد الذى يتم إنشاؤه به إن لم يكن داخل الجامعة العضو ومن انجازات هذه المنظمة بالسودان إنشاء مستوصف الجامعة وإنشاء بيت الشباب تم بناؤهما من خلال معسكرات اشترك فيها طلاب من جامعات أوربية وافريقية وعربية بالإضافة إلى طلاب جامعة الخرطوم الأعضاء بالمنظمة. فرع المنظمة بجامعة الخرطوم كان يترأسه عند بداية إنضمامى البروفيسور محمد عمر بشير ( رحمه الله ) والمعروف بإسهاماته ومؤلفاته عن قضية الجنوب وخلفه البروفيسور مبارك العبيد ( رحمه الله ) الذي كان يعمل بكلية العلوم في ذلك الوقت ومنها انتقل للعمل مديرا لجامعة الجزيرة وكان لهم دور فى إنجاح أنشطة المنظمة ولقد صادف خلال عملي بالمنظمة بعد انتخابي سكرتيرا لها موعد انعقاد الاجتماع العام الدوري لها بمدينة عبدان بنيجريا. ولقد تقرر المشاركة بوفد من فرع منظمة جامعة الخرطوم والمشروع المقترح الذي كان علينا تقديمه والنضال من أجل اعتماده خلال هذا التجمع ولتأكيد التمويل المالي له ولقد كان المشروع القومي عبارة عن لبناء معهد زراعي بمدينة جوبابجنوب السودان فى محاولات للإسهام ولو بجزء يسير فى دفع عجلة التطور والتقدم فى ذلك الجزء من الوطن فى المجال الزراعي من خلال تأهيل كوادر زراعية للقيام بهذا العمل كل ذلك كان للمشاركة فى خدمة قضية الجنوب والتى كانت تؤرق الجميع. تكون الوفد المشارك من أربعة أعضاء برئاسة الدكتور إسماعيل حاج موسى ( عميد الطلاب بجامعة الخرطوم ) فى ذلك الوقت قبل أن يصبح وزير للثقافة فى حكومة نميرى وعضوية كل من الأخت الفاضلة سيدة مصطفى التنى ( كلية الآداب ) والأستاذ حمزة محمد نور ( كلية القانون ) ويعمل حاليا مستشارا قانونيا بدولة البحرين وشخصي الضعيف المهندس كمال مصطفى احمد شبر ( كلية الهندسة ) بحكم موقعي كسكرتير للمنظمة فى ذلك الوقت . الحصول على الدعم لمقابلة تكاليف السفر إلى نيجريا كان سهلا من قبل بعض الوزارات ذات العلاقة مثل الشباب والرياضة ووزارة الثقافة ووزارة الجنوب بسبب قناعة الجميع ورغبتهم فى إنجاح واعتماد هذا المشروع الحيوي . واذكر أن وزارة الثقافة والأعلام بالإضافة لدعمها قد وفرت لنا مجموعة هائلة من الصور الفوتوغرافية عن السودان تعكس مختلف الثقافات والأجناس وبها معلومات مفيدة عن جنوب الوطن ساعدتنا كثيرا فى المشاركة فى المعرض الذي تم خلال الاجتماع كما كان لهذه الصور تأثيرها في إقناع الحضور بضرورة المشروع وأهميته , كل التحية والتقدير للأخ الأستاذ محمد أحمد هشام خريج جامعة الخرطوم والعضو السابق بالمنظمة والذي كان يعمل بوزارة الثقافة والأعلام في ذلك الوقت وكانت له مساهماته في المجال الاعلامى وبعدها انتقل لجريدة الشرق الأوسط ومنها للعمل بمفوضية الأممالمتحدة. عند وصول الوفد المشارك إلى مدينة لاغوس بنيجيريا فوجئنا بوجود غالبية الجالية السودانية فى استقبالنا بجانب لجنة الاستقبال من قبل المنظمة وكان على رأس الجالية السودانية الأخ الأستاذ هاشم مصطفى التنى (السكرتير الثاني بسفارة السودان بنيجيريا ) ولقد كنا فى ضيافة الأخ هاشم والأخ الأستاذ بابكر ( ومعذرة لعدم تذكري اسمه كاملا ) السكرتير الأول وزوج الأخت الفاضلة زينب الطاهر النيل والتي عملت بعمادة الطلاب فى ذلك الوقت وساهمت فى إنجاح سفر الوفد , وقد قامت كل أسرة السفارة السودانية بواجبات الضيافة وعلى رأسهم سعادة السفير مبارك رحمة فى ذلك الوقت وكانوا مثالا لحسن الضيافة والكرم السوداني . جميع السودانيين كانوا متحمسين لتقديم كل المساعدات والدعم الممكن داخل السودان وخارجه وخاصة عندما تتعلق المهمة بقضية وطنية مثل قضية الجنوب السودانى. خلال الاجتماع العام لمنظمة الخدمات الجامعية العالمية لم تكن المهمة صعبة بعد أن تم تذليل كل المعوقات من اللقاءات والمناقشات المباشرة مع أعضاء الوفود وكان علينا المشاركة فى اللجان المتخصصة المختلفة بعد انعقاد الاجتماع الأول العام وأذكر أنني كنت ضمن اللجنة المكلفة بمناقشة المشروع ورغم وجود الوفد الامريكى والوفد الاسرائيلى إلا أننا استطعنا الحصول على موافقة جماعية للمشروع والرفع بالتوصيات للاجتماع لاعتماده والموافقة على تمويله من قبل المنظمة العالمية والتي مقرها بمدينة جنيف بسويسرا وأذكر أن العضو الاسرائيلى حاول المساومة فى منحه صوتنا للفوز بعضوية اللجنة مقابل مساندته لنا فى المشروع ولكنا رفضنا بشدة فقد كانت لنا مواقف ثابتة وواضحة اتجاه الكيان الصهيوني ورغم ذلك فقد وافق الجميع بما فيهم الاسرائيلى والامريكى الذي ساند بشدة المشروع. والحمد لله كان إنجازا هاما ولقد وفقنا في تلك المهمة ولم يكن مجهودا فرديا ولكنه عملا جماعيا بروح الفريق المتكامل وبمشاركة من جميع الذين تم ذكرهم وكثير آخرين غيرهم لم يسع المجال لذكرهم غلبت عليهم روح المواطنة وحبهم لهذا الوطن الغالي ولقضية الجنوب السوداني . لقد كانت قضية الجنوب همنا الأكبر فى كل السنوات الماضية وخلال كل العهود المختلفة ورغم اختلاف الرؤيا واختلاف الحكومات التي توالت ورغم اختلاف توجهات الأحزاب السياسية والصراعات فقد ظلت القضية هي الأهم والمؤثر الحقيقي فى تاريخ السودان وحتى فى قيام الثورات وتغير الحكومات وليس هذا المجال للمحاسبة او الدخول فى تفاصيل الإخفاقات والانتكاسات ولكنا أردنا ذكر ما حدث حتى نستطيع أن نقول أننا حاولنا العمل لنصرة هذه القضية وأننا حاولنا العمل لتطوير هذا الجزء من وطننا الغالي كل من موقعه ولا زلنا على استعداد للعمل والبذل رغم قرارات الانفصال ولا زالت هناك التزامات ولكن برؤيا مستقبلية أخرى . المهندس كمال شبر ( [email protected] )