لطالما كانت للأنشطة الاجتماعية خلال مشواري الاكاديمى بجامعة الخرطوم جاذبية للانخراط والعمل بها حيث كان المجال واسعا لمثل هذه الأنشطة والبرامج من خلال مختلف الجمعيات التى استطاعت تقديم الكثير من الأعمال الاجتماعية الراقية تحت مظلة إتحاد طلاب جامعة الخرطوم ومن خلال فرق العمل التى تكونت من أعضاء الجمعيات والذين كانوا يعملون بهمة ونشاط وبمصداقية وكانت غالبية الأعمال مرتبطة بقضايا المجتمع السوداني ولقد عمل الكثير لتحقيق بعض من الطموحات الوطنية وفى محاولات جادة لمعالجة تلك القضايا أو على الأقل المساهمة فى تقديم الحلول الممكنة . نضال مستمر من اجل قضية الجنوب وتأتى قضية الجنوب فى قمة هذه القضايا وكأكبر مشكلة واجهت البلاد ولقد ارتبطت جامعة الخرطوم بهذه القضية حيث وجدت التوجه من غالبية طلاب الجامعة ومن خلال العمل الاجتماعي فى محاولات لتحقيق ما تستطيع عمله هذه الجمعيات والمجموعات الطلابية الشبابية لخدمة القضية وبالتالي خدمة الوطن ووحدة الوطن والارتقاء بذلك الجزء الغالي من وطننا الحبيب الذي أنهكته الحروب التى استمرت لعقود وسنوات طويلة بدأت منذ استقلال البلاد وتعطلت بسببها الحياة وتعطلت خطط التطوير والتنمية وخطط التعليم ولم يتم توفير أدنى احتياجات وسائل العيش الكريم. جمعية الدراسات الأفريقية لم تمنعنا ضغوط الأكاديميات من ممارسة هذه الأنشطة الاجتماعية وتنفيذ البرامج طوال الأعوام الدراسية لنا بالجامعة فالدوافع كانت قوية والحريات متوفرة داخل الحرم الجامعي للتحرك من خلال هذه الجمعيات التى عملت بدعم من إتحاد طلاب جامعة الخرطوم , لقد انضممت لجمعية الدراسات الأفريقية كواحدة من مجموعة الجمعيات التى اشتهرت بأنشطتها واهتمامها بقضايا الوطن وتعدت إلى خارج الحدود لتشارك الجامعات الأفريقية الاهتمام بمشاكل وهموم المجتمعات المختلفة بالدول الأفريقية ومن خلال اللقاءات الطلابية الشبابية خاصة أن هناك الكثير من الهموم التى تجمعنا معا داخل القارة الأفريقية السوداء وتستوجب علينا العمل معا والتفاكر معا لإيجاد ما نقدمه من حلول علها تساهم فى معالجة هذه المشاكل وهذه القضايا . فعاليات المؤتمر لمناقشة القضايا الأفريقية ولقد ضمت جمعية الدراسات الأفريقية مجموعة من الزملاء الطلاب من مختلف الكليات بجامعة الخرطوم استطاعوا تكوين فريق عمل اتسم بالهمة والنشاط ووحدة الهدف وتوافق التوجهات لوضع الخطط والبرامج لانطلاقة الجمعية كما ذكرت وكانت قضية الجنوب واحدة من الاهتمامات في مجال الوطن الواحد وفى المجال الافريقى ولقد قامت بمبادرة فى عقد مؤتمر طلابي أفريقي لمناقشة المشاكل المختلفة للقارة السوداء ودور الطلاب والشباب ودور الجامعات فى المساهمة والعمل الاجتماعي اتجاه هذه المشاكل التى كان من أهداف المؤتمر تحليلها وتقديم التوصيات للمعالجة وحتى يتسنى وضع خطة عمل على النطاق المحلى والاستفادة منها على النطاق الافريقى القاري ولقد كانت الجمعية سباقة فى الدعوة لمثل هذا المؤتمر الافريقى الجامع. ولقد تم انعقاد المؤتمر بقاعة الامتحانات الشهيرة بجامعة الخرطوم وتم تقديم البحوث وأوراق العمل من قبل المشاركين فى ذلك المؤتمر والذي قامت الجمعية بتنظيمه ودعوة عدد من الجامعات الأفريقية للمشاركة فيه بوفود وأعتقد أن العملية التنظيمية كانت فى حد ذاتها تجربة مفيدة حيث تعددت اللجان لمختلف المهام والواجبات والتي شملت تحديد الجهات المشاركة والدعوة وعمليات الاستقبال ومراجعة البحوث وأوراق العمل واختيار المناسب وإدارة المؤتمر ولجان المناقشة فى القضايا المطروحة وتنظيم برنامج الزيارة للوفود المشاركة وعمليات المتابعة والتنسيق المختلفة والمطلوبة لإنجاح فعاليات المؤتمر، وأذكر من تلك الوفود التى شاركت فى ذلك المؤتمر كينيا ويوغندا وجنوب أفريقيا وتنزانيا وجمهورية مصر العربية وكان لكل وفد مساهماته ومشاركاته خلال جلسات المؤتمر والذي وجد إقبالا واهتماما محليا من عدة منظمات وجامعات أخرى ، وقد لاقى المؤتمر كذلك اهتماما من وكالات الأعلام ومشاركات من المهتمين بقضايا الوطن. قضية الجنوب كانت من المحاور الرئيسية وكانت القضية الأساسية وشملت أوراق العمل مجالات التنمية والتعليم والسلام والوحدة وشمل الحديث أيضا عن تمازج الثقافات المختلفة كنموذج معايش تحتاجه الدول الأفريقية فرغم اختلاف اللهجات والثقافات والمعتقدات وتعدد القبائل فقد كان تعايشا جماعيا فى ذلك الجزء من الوطن وبرغم الحروب التى كانت نتيجة لعوامل كثيرة خلفها الاستعمار لخلق حواجز وفواصل ولخلق روح انفصالية ونزعات قبلية وعنصرية ودينية معروفة النتائج ولكن رغم ذلك كانت هناك روح المواطنة ولم تستطع كل تلك الخلافات من بذر أي روح عنصرية تطالب بالانفصال فى ذلك الوقت ولذلك كان لتلك المحاولات فى معالجة الأوضاع نصيب من النجاح ، وكان لمواصلة النضال الطلابي بالجامعة دور قيادي في تحقيق بعض الانجازات وخاصة من الجهات الحكومية وطبعا تحت ضغوط اهتمامات الجامعة بالقضية ونتيجة النضال المتواصل الذي لم يتوقف أبدا وبناء على تلك التوصيات والحلول والمعالجات المستمرة التي يتم تقديمها من قبل الجامعة ومن قبل الفئات الطلابية الشبابية . برنامج زيارة الجنوب وكان ضمن البرنامج زيارة لجنوب السودان ولزيارة احدي قرى السلام والتي تم إنشائها فى ذلك الوقت ضمن المجهودات المبذولة (توقيت المؤتمر والزيارة كان خلال العام الثاني من حكم نميرى ) وضمن اتفاقيات سلام بين الحكومة والمجموعات الجنوبية المتحاربة كان من نتاجها إحياء قرى السلام والتي وجدت قبولا وتأملات فى إرساء قواعد السلام ووقف نزيف الحرب الدامية 0ولتكون مرحلة أولى تتبعها توسعات في المساكن والمرافق ولذلك كان توقيت للمؤتمر مناسبا لإبراز صورة حقيقية لتلك الجهود الايجابية ولعكس محاولات تحقيق الأمن والسلام ولكي نعلن للعالم الافريقى في أننا استطعنا أن فعل الكثير من الانجازات لتحقيق السلام وأن بلادنا لا زالت بخير. شاركت الوفود من الجامعات الأفريقية في تلك الزيارة التاريخية ولقد تمت الموافقة على توفير طائرة حربية تابعة للقوات المسلحة السودانية لنقل كافة الوفود المشاركة وباقي الأعضاء من الجمعية0وكانت بداية الرحلة في الصباح الباكر حيث استغرقت حوالي الثلاثة ساعات من الخرطوم إلى مدينة جوبا والطائرة لم تكن مدنية أو تجارية بل عسكرية مجهزة بكنبات من الحديد يتم عادة تخصيصها للأفراد العسكريين أو لجنود المظلات ، لا أذكر العدد الحقيقي الذي شارك في تلك الرحلة ولكن كل الوفود الأفريقية كانت ضمن الرحلة بالإضافة إلى عدد من الأخوة والأخوات أعضاء الجمعية الدراسات الأفريقية بجامعة الخرطوم. فريق العمل المنظم خلف ذلك العمل الجبار والمتمثل في تنظيم ذلك المؤتمر الافريقى الهام وتلك الزيارة لقرية السلام والتعرف على الواقع ورؤية الحدث ميدانيا كان خلف ذلك العمل مجموعة من الزملاء والزميلات استطاعوا أن يكونوا فريق عمل كان لي شرف المشاركة معهم للعمل بيد واحدة وقلب واحد وأهداف مشتركة لإنجاحه من أجل قضية الجنوب. وكان على رأس فريق العمل الأخ عبد الرحمن صهيوني خريج كلية الآداب ( عمل مديرا لدار النشر التابعة لجامعة الخرطوم ) ولقد كان شعلة من النشاط المتدفق فى تفعيل الجمعية وبرامجها الأخ محمد موسى جبارة من كلية القانون ( المستشار القانوني حاليا ) الأخ صديق أمبده من كلية الاقتصاد ( الدكتور المحاضر بكلية الاقتصاد بالجامعة ) الأخ على عثمان المبارك من كلية العلوم ( الصحفي المخضرم المعروف حاليا ) الأخ كمال احمد الزبير من كلية الاقتصاد ( مدير بنك المال المتحد حاليا ) الأخ محمد عثمان ابراهيم سوار من كلية الطب ( استشاري طب الأطفال ) الأخ سيد جلال الدين من كلية الآداب ( عمل سفيرا لجمهورية السودان ) الأخ عادل سليمان عبد القادر من كلية الهندسة ( مدير عام شركة مسيد للمقاولات والخدمات العامة ) الأخ عبد القادر احمد الشيخ من كلية الاقتصاد ( عمل بالسلك الدبلوماسي ) كل التحية والتقدير لذلك الفريق ولكل الإخوة والأخوات الذين شاركوا فى ذلك العمل لقد جمعتنا جامعة الخرطوم وكان للأنشطة الاجتماعية من خلال جمعية الدراسات الأفريقية دورها فى خلق رابطة قوية ومجموعة عمل متجانسة فى همومها وأفكارها وفرقت بنا الدنيا وأصبح كل منا في موقع مختلف وفى بلد مختلف ولكن لا زال علينا واجبات ومسئوليات اتجاه هذا الوطن الأم وهذا البلد العزيز الغالي كل من موقعه مدينة جوبا العاصمة استقبلتنا مدينة جوبا بكل حفاوة وترحاب وتعتبر المدينة الرئيسية والعاصمة لجنوب البلاد ويقطن بها الكثير من مختلف السودانيين سواء من الشمال أو المحليين من الجنوب وهناك أجانب كذلك والكل يعيش ويتعايش فى أمن وأمان وسلام وهناك لا تشعر بوجود أي حواجز أو فوارق ولكن كانت هناك من الملاحظات التي استرعت انتباهنا خلال جولتنا في المدينة وعلى شاطئ النهر بالمدينة أعجبنا بأنواع القوارب التى تصنع من جذوع الأشجار ويستخدمها المواطنين وبمجرد دفعها في الماء تراها تنساب مع التيار فى النهر بسرعة فائقة ولقد رغبنا فى استخدامها إلا أن بعض الجنود أسرعوا ومنعونا من ذلك بحجة عدم وجود مخاطر بالضفة الأخرى من النهر وأخبرونا بأنهم لا يستطيعون حمايتنا إذا عبرنا النهر خاصة مع وجود أدغال وأشجار غزيرة فى الضفة الأخرى ويبدو إن مهمتهم الحفاظ على الأمن داخل المدينة والتي كان يحدها ذلك النهر من جهة ولذلك عدلنا عن الفكرة. قرية السلام النموذجية فى صباح اليوم التالي كان موعدنا لزيارة قرية السلام والتي تبعد عن مدينة جوبا عشرات الكيلومترات على ما أذكر وكان علينا أن نخترق الأدغال فى رحلة مضنية وبرفقة طوف من الجنود لحراستنا تم تكليفهم لمرافقتنا طوال الرحلة ذهابا وإيابا من جوبا إلى قرية السلام ولست أدرى أن الحراسة من قبل الجنود كانت خوفا علينا من وجود مجموعات متمردة يمكنها مهاجمتنا أو من الحيوانات المفترسة داخل الأدغال المهم استطعنا الوصول إلى قرية السلام والتي كانت تعتبر مثالا لباقي القرى الأخرى التي تم إنشائها فى مختلف مناطق الجنوب ولقد كانت صغيرة وتحتوى على عدد من البيوت المصنوعة من القش والأشجار فى شكل قبابي نسبة للأمطار الغزيرة ولقد بنيت بطريقة جميلة ومرتفعة عن الأرض حيث أن الأمطار المتواصلة كانت تغطى الأرض لفترات طويلة ويمكن ان تغرق البيوت عند ارتفاعها عن مستوى الأرض, ولقد بنيت القرية فى مساحة ليست بالواسعة ولكنها قابلة لاى توسعة مستقبلية وتشعر بان السكان فى حركة ونشاط , لقد تم بذل مجهود لبناء هذه القرى ولكن مشكلة التواصل بين هذه القرى والمدن تظل موجودة رغم أن المواطنين المحليين اعتادوا على التحرك وسط الأدغال وعبر الطرق التى تم تمهيدها لتسهيل هذا التواصل . السلام الناقص لقد كانت تجربة مفيدة لنا للتعرف على ذلك الجزء من أرض الوطن وتكويناته الجغرافية وأراضيه الخضراء مع وجود الأدغال وللتعرف على احتياجاته للتطوير والإنماء رغم السلام والذي كان ناقصا فى ذلك الوقت ولم يكتمل لعدم توفر الخدمات الأساسية والمواصلات والاتصالات ووسائل الحياة الكريمة لأغلب السكان هناك فالسلام لا يمكن أن يتحقق بين مجموعات متفرقة لا تواصل بينها , مما يتطلب العمل الجاد لمعالجة القضايا والمشاكل العالقة وللأسف لم تستمر تلك الحالة طويلا لأنها كانت قرارات بناء على اتفاقيات انحصرت بين المجموعات المتحاربة والحكومة ولم يتم المحافظة عليها وبمجرد صدور قرارات أخرى منتهكة تلك الاتفاقيات انتهى ذلك الوضع الهش وأنهى ذلك السلام الذي لم يستمر طويلا وعادت الأمور لحالتها الأولى وبدأت مرحلة أخرى من الحروب . السلام لا تصنعه القرارات العليا ولكنه تعايش المواطن مع المواطن وتعايش المجتمعات داخل الوطن الواحد بشرط أن يكون عن إيمان وحب لهذا الوطن الأم ولذلك كان العمل الاجتماعي وكان العمل الجماعي ضروريا لإحلال السلام المفقود ولحل قضية الجنوب بل قضية وطن واحد وقضية كل مواطن يحمل هموم الوطن ويؤمن بانتمائه لترابه. كانت تلك التجربة مهمة جدا فى التعرف على الواقع وعلى تفاصيل لم تكن معروفة لنا والواجب أن يكون لها كل الاعتبار إذا أردنا تقييم الأوضاع وإذا أردنا الوصول أو المساهمة فى الوصول لحلول مناسبة تجعلنا نعيش فى سلام ونهتم بقضايا التنمية والوحدة. رسالة المؤتمر لقد كانت رسالة ذلك المؤتمر إحياء لدور الطلاب والشباب وبالتالي دور الجامعات اتجاه هذه المجتمعات ولإحداث التغيير المطلوب بالقاعدة وليس بالقرارات الفوقية والتي لها تأثير محدود فالشارع هو المعنى والمواطن هو الذي يهمه فى المقام الأول أن يشعر بالأمن والأمان وأن يشعر بانتشار السلام الذي يكفل له حق المواطنة دون شعور بمذلة أو مهانة ودون شعور بالتهميش أو تخلف عن الركب ولقد قدم المؤتمر صورة حقيقية وواقعية لمتطلبات المرحلة القادمة لبناء الثقة وللقيام بالعمل الجماعي والتضامني عن إيمان وصدق , لقد كانت رسالة المؤتمر واضحة فهي دعوة إلى العمل الجاد من أجل مجتمع واعي محب للوطن ومخلص لوحدة الوطن , ولكن رغم كل تلك المحاولات يحدث الانفصال وتأتى القرارات مهدمة للوحدة ولكي ينقسم الوطن إلى دولة جنوبية وأخرى فى الشمال , لقد كان تلك المحاولات والمساهمات من رجال أحبوا هذا الوطن وعملوا جاهدين لنصرته وتبقى هذه الرسالة موجه إلى شبابنا كي يعلم وموجه إلى الأجيال الثانية والثالثة لمواصلة المسيرة ولمواصلة النضال الذي بدأه الجيل الأول ولتكن من منطلقات مختلفة وبرؤيا مستقبلية أخرى. المهندس كمال شبر الرياض أبريل 2011