Aiman Suliman [[email protected]] الفوز الثالث (المتوقع) لحزب العدالة والتنمية لم يسبق إليه أى حزب فى تركيا فى تاريخها السياسى وفى خطاب (الإنتصار) تجد أن السيد رجب طيب أردوغان اعتبر أن الإنتصار هو انتصار لتركيا وللديمقراطية واللافت أنه اعتبره انتصاراً للشرق الأوسط كله وانطلق يسمى المدن والمناطق العربية ( بيروت – الشام – القاهرة - الضفة الغربية – رام الله–غزة – القدس) وفى كلامه إشارات بالغة تؤكد دور تركيا الإقليمى ودعم الحريات والديمقراطية وخيارات الشعوب ، انتصر الفتى الشجاع وحزبه داخلياً وتجاوز بالوطن حالة الضعف الإقتصادى منذ 2002 فجدد له الناخبون فى 2007 واليوم يجددون للمرة الثالثة وألتقى الداخلى بالخارجى فى تركيا التى تستعيد شبابها ومكانتها على يد حزب العدالة والتنمية أو العثمانيون الجدد. انتصر مع تحولات أقليمية حادة ومتعددة تجعل إحدى عينيه على الداخل والأخرى على الخارج لكن كلاهما ربما ينظران ايضاً إلى انجاز دستورى بينه الجمهورية الرئاسة ومن ثم رئاسة الجمهورية. (1) لم أخف مخاوفى من انقلاب العسكر فى تركيا على حكومة العدالة والتنمية فى العام الماضى للقضاء عليه ، المخاوف التى وجدتها مبررة نسبة لتاريخ العسكر مع الديمقراطية منذ تأسيس الجمهورية أو تحديداً منذ عدنان مندريس حيث لم يخلو تاريخ تركيا السياسى منذ ذلك الحين من انقلاب بمعدل كل 10 سنوات ، ووجدتها ايضا مبررة نسبة لعداء العلمانية المتطرفة للإسلاميين خلال نصف قرن ومن ثم فاللجوء للسلاح الأول (الإنقلاب ) أو السلاح الآخر المنصة القضائية (المحكمة الدستورية- محكمة التمييز – المحكمة الإدارية العليا – المجلس الأعلى ) يمثلان خياريين طالما استخدما لوأد الأحزاب ذات الخلفية الإسلامية (تم حل النظام الوطنى ثم السلامة الوطنى فالرفاه والفضيلة) وفى يوليو 2008 نجا حزب العدالة والتنمية بفرق صوت واحد من نفس المصير ومن ثم تعرض لما هو أقصى فلا تزال قضايا منظورة بالمحاكم حول محاولات انقلاب و تآمر بالإغتيال والتخريب كعمل منظمة" ارغينيكون" الذى كشف فى أكتوبر 2008 المخاوف كانت مبررة ولا تزال فى تقاطعات الداخل والخارج. جاء الإنتصار الثالث (يونيو 2011)أكبر من الإنتصار الثانى (يوليو 2007) انتصاراً يكفل له استمراره فى تنفيذ برنامجه الطموح بحكومة أغلبية دون ائتلافات لكنه الإنتصار الذى لا يصل به إلى حد اجراء تعديلات الدستور (بأريحية) نحو مزيد من الحرية وتعزيز المدنية والديمقراطية الرئاسية وتنقيته من التعديلات التى وضعها العسكر فى أعقاب انقلاب 1980 ، ورغم أن الرغبة فى عملية تنقية الدستور لا ينفرد بها حزب العدالة والتنمية ويشاركه فيها غيره مما سيجعله يمضى فى هذا السبيل مرة أخرى كمحاولته فى الصيف الماضى ولكن بقوة أكبر هذه المرة وإن لم تكن قوة كافية ، وبإرداة أشد مما مضى. جاء الإنتصار الثالث مع الربيع العربى رغم المفاجأة والحيرة مع ثورة التونسية والتحديد والوضوح مع الثورة المصرية ؛ والتردد ثم التصحيح مع الليبية والتدرج ثم الحزم مع الثورة السورية جاء الإنتصار والجدل جارى حول ظهور الإسلاميين العرب على المسرح السياسى بقوة وتوارى قوة العسكر فى الخلفية وليس ذلك مفصولاً طبعاً عن دور الدوائر الغربية وإسرائيل؛ تلك الدوائر التى استقبلت فوز العدالة والتنمية منذ لحظته الأولى بفتور واستقبلت الثورات العربية باضطراب. (2) أبرز ما فى نموذج حزب العدالة والتنمية هو نموه التصاعدى فى كل ما تصدى له من قضايا وتحديات وتراتب خطواته بإجادة وثبات واكتسابه الأرضية الشعبية فى الداخل التركى وفق انجازات اقتصادية حقيقية لمسها مواطنيه فأعادوا انتخابه المرة بعد المرة مع تزايد نسبة الأنصار فى كل مرة ؛ إضافة لإكتسابه الأرضية الشعبية فى محيطه الإقليمى (العربى) وفق برنامج سياسته الخارجية ومواقفه التى أعادت للدولة التركية هيبتها ومكانتها وتوافقت مع هوى الشارع العربى، وهذه الخطوات الواثقة الثابتة والبرامج المدروسة لا تنفى امتلاك الحزب لرؤية على الصعيدين الداخلى والخارجى بل هى جزء منه (تركيا 2023) الجانب الخارجى منها لا يحد تركيا فقط بمحيطها العربى الإسلامى بل يتعداه لطموحات عالمية اقتصادياً وسياسياً قدرة وتأثيراً (أقرأ نظرية أغلو). فلا بالشعارات حقق الحزب ما حققه من انجازات ولا بدغدغة المشاعر كما يفعل اخوانهم من الإسلاميين فى العالم العربى. العدالة والتنمية الذى تزعمت الساحة التركية تدريجياً من خلال رؤيتها وبرنامجها السياسى الوطنى تمضى نحو زعامة العالم الإسلامى وفق رؤيتها وسياستها الإقليمية والدولية. وهذا بلا شك يمثل إزعاجاً كبيراً للغرب وعلى رأسه الولاياتالمتحدة وازعاجاً لإسرائيل ، ورغم أن تركيا عضواً أصيلاً فى الناتو إلا أن هؤلاء المنزعجين لن يهدأ لهم بالاً قبل أن يصبحوا مزعجين. لم يأت تمكن حزب العدالة والتنمية من أدوات المناورة السياسية من فراغ بل خلاصة لتراكم تجارب وخبرات بدأت منذ بدايات أربكان (الأب الروحى لأردوغان وحزبه) فهضموها وتشكلت حنكتهم وحصافتهم السياسية بحسن التقدير والبناء على أسس علمية وعملية بلا شطحات فكرية أو عنتريات سلوكية ، وبصبر ومصابرة مضت خطواتهم ففقهوا الواقع وعملوا على تغييره قبلوا الآخر وحاوروه وقاتلوا الناس بالحب (كرر اردوغان فى خطبة الإنتصار هذا اللفظ) وفرضوا العزة والكرامة ولم يقدموا الدنية تحت مسمى الدبلوماسية والبرتوكول بل أعادوا التعريف لآنهم يقدمون نموذجاً حضارياً ويعتزون بإسلامهم وأمتهم ووطنهم. ولم يدعوا فى أى مرحلة أن ما يقدمونه هو الإسلام والخروج عن رأيهم كفر أو فسوق بل هو على أية حال اجتهاد فى طريق استعادة الأمة عزتها ومكانتها ومجدها. (3) تعددت الأحزاب العربية التى تحاكى حزب العدالة والتنمية التركى سواء فى الإسم أو فى الإعجاب بالنموذج نفسه، فالأخوان المسلمون فى مصر أساسوا حزباً سياسياً لأول مرة فى تاريخهم سموه "الحرية والعدالة" وفى تونس والمغرب أحزاباً بنفس الإسم التركى (وإن سبق الإسلاميون فى المغرب إلى استخدام اسم العدالة والتنمية قبل الحزب التركى بعقود) وتمضى المحاولات فى بقاع مختلفة من العالم العربى، وتجد فى مصر "حزب الوسط" المعجب بالنموذج التركى والمنشق أساساً عن جماعة الإخوان. وتعددت وتتوالى الأحزاب ذات الخلفية الإسلامية مع الربيع العربى فيربطها حداثة العهد والميلاد من رحم الحركة الإسلامية ، ولا يوجد فى السلطة سوى حزب "المؤتمر الوطنى" فى السودان وهو الذى أسسه الإسلاميون وهم فى السلطة ولم يصلوا به إليها كما تسعى هذه الأحزاب الإسلامية ، وحزب "المؤتمر الشعبى" فى المعارضة السودانية بعد الشقاق الذى وقع قبل أكثر من 10 سنوات بين الإسلاميين وهم فى سدة الحكم. صحيح أن العدالة والتنمية فى تركيا جاء انشقاقاً عن مجموعة "حزب الفضيلة " محاولة أربكان الرابعة المحظور قبل "السعادة" إلا أنه أمتداد لنضالات أربكان وجهاده الطويل وبناء إيجابى فى مسيرة العمل السياسى الحزبى للإسلاميين الأتراك وليس كحال شبيهاتها العربية فانشقاقات –هذه الأخيرة- الحركية والحزبية وتشظيها لم يكن إلا لخلافات تنظيمية أو إدارية وصراعات قيادية أو فكرية ولم تكن بناءاً إيجابياً متكامل الحلقات يقود مسيرة العمل السياسى الإسلامى للأمام بل على العكس. وللأسف فهى لاتزال مرشحة للتشظى والإنقسام خاصة أعرقها فى المنطقة "جماعة الإخوان " المصرية التى أجادت العمل فى إطار الحظر وخبرت الدوائر البرلمانية فى أزمنة البطش والتزوير لكنها تعانى الآن من صعوبة التكييف مع أوضاع العمل العلنى وأدواته ومع المتغيرات الساحة السياسية وأساليبها وصراعات بين بعض الأجيال داخلها. مارس الإسلاميون الأتراك العمل السياسى فى البرلمان والبلديات قبل أن يمارسوها فى المشاركة بالحكومة إئتلافاً تم انفراداً لاحقاً فتراكمت الخبرات مع المنجزات وهو ما لم يحدث للأحزاب العربية (ربما العمل فى الأردن والإصلاح فى اليمن استثناء فى صور محدودة) . فرئيس الحكومة التركية أردوغان سبق أن كان حاكماً منتخباً لإسطنبول 1994 (عن حزب الرفاه) وبنيت شعبيته من هناك كما بنيت قدراته الإدارية وصقلت مهاراته القيادية حتى بلغ 2003 موقع رئيس الحكومة وربما رئاسة الجمهورية فى العام القادم 2012 خلفاً لعبد الله غل شريكه فى الحزب ورفقيه فى فى الدرب، ويملك الحزب من الكوادر المؤهلة والأموال المقدرة من أنتجته قدرات الحزب وتخطيطه فى المجال السياسى والإقتصادى والتأهيلى فأى الأحزاب العربية استطاع أن يفعل ذلك على القدر نفسه. الخلاصة أنه ليس بالشعارات تحقق الإنجازات وليس بمجرد الإيمان دون العمل يفلح الإسلاميون فى رفع كاهل العناء عن الناس ومن غير رؤية وبرنامج واضحين لن يتغيير حال الوطن الطامح إلى التغيير. أيمن سليمان 13 يونيو 2011