بسبب إحاطة عاجلة عن رئيس إيران.. بايدن يقطع إجازته    ضباط ينعون الشهيد محمد صديق إثر تصفيته في الأسر من قِبل مليشيا الدعم السريع    عقار يؤكد ضرورة قيام امتحانات الشهادتين الابتدائية والمتوسطة في موعدها    سُكتُم بُكتُم    السودان ولبنان وسوريا.. صراعات وأزمات إنسانية مُهملة بسبب الحرب فى غزة    إسرائيل والدعم السريع.. أوجه شبه وقواسم مشتركة    شاهد بالفيديو.. مذيعة تلفزيون السودان تبكي أمام والي الخرطوم "الرجل الذي صمد في حرب السودان ودافع عن مواطني ولايته"    مسيرات تابعة للجيش تستهدف محيط سلاح المدرعات    مصر: لا تخرجوا من المنزل إلا لضرورة    الملك سلمان يخضع لفحوصات طبية بسبب ارتفاع درجة الحرارة    واصل برنامجه الإعدادي بالمغرب.. منتخب الشباب يتدرب على فترتين وحماس كبير وسط اللاعبين    عصر اليوم بمدينة الملك فهد ..صقور الجديان وتنزانيا كلاكيت للمرة الثانية    الطيب علي فرح يكتب: *كيف خاضت المليشيا حربها اسفيرياً*    عبد الواحد، سافر إلى نيروبي عشان يصرف شيك من مليشيا حميدتي    المريخ يستانف تدريباته بعد راحة سلبية وتألق لافت للجدد    هنري يكشف عن توقعاته لسباق البريميرليج    تعادل سلبي بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا في تونس    باير ليفركوزن يكتب التاريخ ويصبح أول فريق يتوج بالدوري الألماني دون هزيمة    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بل هي "جمهورية السودان" حتى بعد التاسع من يوليو .. أليس كذلك !؟. بقلم: د. خالد محمد فرح
نشر في سودانيل يوم 29 - 06 - 2011

بعد أن أعلن أخوتنا الجنوبيون عبر مجلسهم التشريعي قبل بضعة أسابيع أنهم قد اختاروا المسمى: " جنوب السودان " أو South Sudan بالإنجليزية اسماً رسمياً لدولتهم الجديدة ، التي سوف يحتفلون بقيامها في التاسع من يوليو المقبل ، لكي تصبح بذلك الدولة الإفريقية الرابعة والخمسون ( أو الخامسة والخمسون بالنسبة لمن يعترفون بما يسمى بالجمهورية الصحراوية ) ، نشر صديقي الأديب والناقد الألمعي الأستاذ عبد المنعم عجب الفيا مقالاً حرّر من خلاله جدلاً لغوياً ودلالياً طريفاً وجديراً بالتأمل حول مدلول اسم هذه الدولة الجديدة المرتقبة.
وخلاصة قول الأستاذ عبد المنعم هي انه إذا كان المقصود هو الانفصال والقطع الكامل مع كيان الدولة الأم بكل محمولاته ، فإنه كان ينبغي أن يكون اسم الدولة الجديدة هو " السودان الجنوبي " Southern Sudan وليس " جنوب السودان " South Sudan طالما أن من اختاروا هذا المسمى يتمسكون كما هو واضح باسم " السودان ".
إن عملية اختيار الدول لأسمائها الرسمية ليست هي من قبيل الترهات أو الأمور الانصرافية على الإطلاق ، ولا يجوز أن يُستشهد في معرض الإشارة إليها بقول شاعر الانجليز وحكيمهم الأشهر ، ويليام شكسبير: What is in a name ? ، إذ أنها من صميم متعلقات السيادة الوطنية ، فضلاً عن أنها عنوان هوية الأمة ونظرتها لنفسها من جانب ، وإشعار منها للآخرين بأن يتعاطوا مع تلك الهوية وفقاً لرؤيتها هي ، مستصحبين في ذلك كامل الأبعاد والخصائص والمشخصات التاريخية والاجتماعية والثقافية واللغوية والنفسية لتلك الهوية.
فالاسم الرسمي لفرنسا على سبيل المثال ، هذا البلد الأوروبي العظيم ، هو " الجمهورية الفرنسية " أو La République française ، وليس " جمهورية فرنسا " كما قد يتوهم البعض. ومن المؤكد أن لهذه التسمية الرسمية دلالة خاصة ، وصلة مباشرة بالقيم والمبادئ التي عملت الثورة الفرنسية على تكريسها بالدرجة الأولى بعيد اندلاعها في عام 1789 م ، وعلى رأس تلك القيم والمبادئ بالطبع ، فكرة " الجمهورية " ، أي حكم الجمهور المقدم هاهنا على كيان الدولة نفسها ، بحيث أنها ارتضت بان تكون مجرد نسب لمفهوم " الجمهورية " الذي أعلت تلك الثورة الظافرة من شأنه ، مؤكدة مفارقتها البائنة لعهد البارونات والإقطاع البائد.
وبالمقابل أيضاً ، ربما عنّ لبعض غلاة العروبيين أن يستبصروا في حرص السادات على استعادة اسم " مصر " في المسمى: " جمهورية مصر العربية " بعد عام 1971 م ، بدلا عن اسم " الجمهورية العربية المتحدة " ، قطعاً إيديولوجيا مع عهد عبد الناصر بفكره القومي العربي المعروف ، ومحض رغبة من جانب السادات في الانكفاء القطري على الذاتية المصرية البحتة ، وتدشيناً لعهد التطبيع مع العدو ، والسير في طريق الحلول الآحادية التصفوية الخ .. الخ ، كما سيقول أخو النضال القومي المشترك.
وغني عن القول كذلك ، أن دولة بنين الأفريقية الحالية مثلاً ، والتي كانت تعرف في السابق باسم " داهومي " ، إنما اختارت هذا الاسم الجديد " بنين " ، ببساطة لآن الاسم القديم " داهومي " هو اسم يذكِّر بالماضي الاستعماري ، لأنه هو نفسه اسم أحد المستعمرين الأوروبيين البيض ، بينما ( بنين ) هو اسم مملكة إفريقية عريقة قامت على ساحل خليج غينيا في غرب إفريقيا ، شاملة أجزاء واسعة من أراضي كل من بنين وتوغو جنوب غرب نيجيريا المعاصرة.
وعلى ذات المنوال استبدل أهل " بوركينا فاسو " في عهد الرئيس الثائر " توماس سنكارا " اسم بلادهم السابق " فولتا العليا " لأنه اسم أوروبي الأصل ، بهذا الاسم المحلي الجديد " بوركينا فاسو " الذي معناه: " بلاد الرجال المستقيمين ". هذا ، ولا يجوز أن يقال " جمهورية بوركينا فاسو " ، وإنما هي " بوركينا فاسو " فحسب ، وإلا فستكون زلة دبلوماسية يحسن تجنبها.
ومؤخراً حذّر أهل " كوت ديفوار " الجميع بصورة رسمية بألا تتم ترجمة مدلول اسم بلادهم الرسمي إلى أية لغة ، كمثل قولنا بالعربية " ساحل العاج " مثلاً ، فإنهم لا يقبلون ذلك ، وإنما يحبذون أن ينطق اسم بلادهم ، وان يكتب مثلما يسمع في لفظه بالفرنسية ، وهي لغتهم الرسمية هكذا: كوت ديفوار. قال تعالي: " ادعوهم لآبائهم .. " الآية.
ومهما يكن من أمر ، فقد بت أنا خاصةً ، أشعر بارتياح بالغ لن أخوتنا الجنوبيين لم يبتعدواً عن اسم ( السودان ) ولم يتجانفوا عنه ، مما يحمل المرء على التفاؤل ومراودة الأمل في عودة اللحمة بين شطري البلاد في يوم من الأيام ولود بعد حين.
لقد ظهرت في الواقع أصوات قليلة ونادرة منذ بعض الوقت ، تطالب بتغيير الاسم الرسمي لبلادنا " جمهورية السودان " ، بحجة أن هذا الاسم مسقط علينا من الخارج ، زاعمين أن الحكم التركي – المصري في عهد الخديوية هو الذي أطلق على بلادنا هذا الاسم ، وهذا هو لعمري محض هراء من الناحية التاريخية. ذلك بان ارتباط اسم (السودان) بهذه البلاد قديم جداً فيما يبدو ، وهو سابق قطعاً لفترة الحكم التركي الذي بدأ في العام 1821 م. فقد جاء في خطبة كتاب: " الطبقات " للشيخ محمد النور بن ضيف الله المتوفى في حوالي عام 1809 م قوله:
" سألني جماعة من الإخوان ، أفاض الله علينا وعليهم سحايب الإحسان ، وأسكننا وإياهم أعلى فراديس الجنان ، بحرمة سيد ولد عدنان ، أن أؤرخ لهم ملك السودان ، وأذكر مناقب أوليائها الأعيان .. " الخ.
فهذا نص صريح وواضح على أن سيرورة هذا الاسم هي أقدم مما يعتقد البعض. ولا يعترضنّ علينا معترض بجواز أن تكون لفظة " السودان " في هذا النص هي من وضع بعض المتأخرين ، ذلك بأنها قد جاءت في سياق فقرة كاملة من العبارات المسجوعة المنتهية أواخرها جميعاً بحرف النون ، وهو أسلوب شبيه بأساليب عصر تدوين كتاب الطبقات الذي تم تأليفه في القرن الثامن عشر الميلادي.
ثم إن من المقطوع بصحته هو أن جُل ما يعرف بالسودان المعاصر ، كان يعرف منذ عصر ود ضيف الله وما قبله باسم " السلطنة الزرقاء " ، والزرقة هي في لسان أهل السودان العامي هي " السواد " الذي اشتق منه اسم " السودان " قولاً واحدا.
ومن بين أولئك النفر القليلين المطالبين بتغيير اسم السودان ، طائفة من الأخيار الذين ربما فات عليهم على سبيل المثال أن اسم السودان هذا فيه " شيء لله " ، وأن الوعد النبوي إنما جاء بهذا الاسم تحديداً ، وذلك في الحديث الشريف الذي أورده الإمام الحافظ إسماعيل بن كثير في معرض تفسيره لسورة " الواقعة " ، والذي جاء فيه ما معناه أن الثلة التي هي قليل من الآخرين ، سوف لن تكتمل إلا بالاستعانة برعاة الإبل من السودان.
إن أي اتجاه لتغيير اسم السودان هذا ، هو في تقديرنا الخاص ، سوف يؤدي – لا سمح الله – إلى تكريس هزيمة معنوية ونفسية ماحقة لهذه الأمة العظيمة ، وكسراً لإرادتها الأبية ، كم تمناها أعداؤها الكثيرون الذين يسعون بشتى الوسائل لتمزيقها مادياً ، فلا ينبغي أن يعنيهم البعض منا غفلة على مبتغاهم باندثار اسمها ، وعنوان هويتها ، وانمحقاها معنويا.
ذلك ، وعاشت جمهورية السودان حرة وأبية ومزدهرة ، وهنيئاً لجمهورية جنوب السودان المرتقبة ، و(عقبال) قيام جمهورية السودان المتحدة The United Republic of the Sudan مستقبلا بإذن الله. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.