1. التحديات الاجتماعية : التربية هي العنصر الفعال في تطوير أي مجتمع كما أنها الوسيلة الفعالة التي يحافظ بها المجتمع على مبادئه وقيمه ، فإذا كان للمجتمع رؤية فلسفية وأصول عقائدية ، وأسس قيمية تحقق نظرة المجتمع للإنسان والكون والحياة ترجم ذلك في رؤية تربوية تستطيع بها مواجهة التحديات المتجددة والأفكار المنحرفة والمفاهيم المغلوطة ، وهذه الرؤية المتكاملة هي التي تمثل النظرية الإسلامية في التربية ولكن المجتمعات المسلمة تتفاوت في الأخذ بهذه النظرية وبالتالي تعاني من أزمات مختلفة ومشكلات متعددة لأنها تأخذ بنظم تربوية مختلفة ، بعضها نظم مغلقة جامدة ، وبعضها نظم مفتوحة ، وبعضها يضطرب بين النظامين مما ينعكس على العملية التعليمية والمتعلمين . ويظهر ذلك في نظام القبول للجامعات حيث المعيار هو النسبة المئوية للطلاب وليس الميول والإستعدادات والقدرات ، كما أن العامل الاجتماعي يجعل دولاً كثيرة لا تحسن توزيع الطلاب حسب حاجاتها من القوى البشرية الفاعلة والمستقبلية فدولة مثل بريطانيا تجعل 13% من مقاعد الدراسة في كليات الطب والهندسة للطالبات كما أخبرني أحد الأساتذة في مؤتمر ، بينما تحتل نسبة عالية من الطالبات في البلاد الإسلامية هذه المقاعد حيث المردود الاجتماعي والمظهري ثم تكون نسبة عالية من هذه التخصصات متعطلة في البيوت وكان الأفضل أن توجه هذه الطاقات لدراسة التربية واللغات والفنون التي تفيد المرأة في وظيفيتها الأساسية في الحياة . إن البرامج الدراسية لا تواجه المشكلات الاجتماعية التي تهدد المجتمعات مثل : التفك الأسري والتلوث البيئي ، وانحراف الشباب ومشاكل الأقليات وقضايا التفرقة العنصرية وأسباب الحروب والمنازعات وألوان القهر الاجتماعي والظلم وهذا ما يعزز العلاقة بين النظام التعليمي والمجتمع لأن التربية تنشغل بالقضايا الحياتية وإعداد البشر للقيام بمسؤلياتهم في الحياة . وتهدف العولمة في جانبها الاجتماعي إلى تعميم السياسات المتعلقة بالطفل والمرأة والأسرة وكفالة حقوقهم في الظاهر ، إلا أن الواقع هو إفساد وتفكيك الأفراد واختراق وعيهم وإفساد المرأة ومواصلة المتاجرة بها واستغلالها في الإثارة والإشباع الجنسي وبالتالي إشاعة الفاحشة في المجتمع ، وبالمقابل تعميم فكرة تحديد النسل وتعقيم النساء ، وتأمين هذه السياسات وتقنيتها بواسطة المؤتمرات ذات العلاقة (مؤتمر حقوق الطفل) ، (مؤتمر المرأة في بكين) ، (مؤتمر السكان) وما تخرج به من قرارات وتوصيات واتفاقيات تأخذ صفة (الدولية) ومن ثم الالزامية في التنفيذ والتطبيق وإن أظهر البعض معارضتها ورفضها إلا أنها في الحقيقة تصبح سارية المفعول بشكل أو بآخر وما تلبث آثار ذلك أن تبدو للعيان في الواقع الاجتماعي استسلاماً وسلبية فردية وتفككاً أسرياً واجتماعياً . (إن أوضاع العالم الاجتماعية اليوم قد أصبحت محكومة بطغيان يجسد قوانين كل من "دارون" و"فرويد" حيث تتلازم "القوة واللذة" تلازم الغاية والوسيلة وفق المنظور الميكافلي) . 2. التحديات الاقتصادية : يواجه العالم العربي والإسلامي تحديات إقتصادية ناتجة من التغييرات الإقتصادية في العالم واقتصاد العولمة الذي يزيد من حدة المنافسة وحرية التجارة واختراق الحدود دون حواجز أو رسوم جمركية لأن القوة المتحكمة في التجارة هي عامل التفوق والجودة فنظام الإقتصاد الحر العالمي وما يتعلق به من شركات اقتصادية احتكارية لا يهمها سوى الربح وعدم الالتزام بأي ضوابط وظيفية أو خلقية أو اجتماعية إلاالالتزام بقوانين السوق . هذا التحدي العالمي يمس النظم التعليمية باعتبار التعليم من أهم عوامل الإنتاج وتحقيق الجودة والمنافسة فيما ينتج البشر صناعة أو زراعة أو غير ذلك باعتبار التعليم وسيلة المعرفة والخبرات التي يكتسبها المتعلم وباعتباره الوسيلة التي توفر الصيغ التعليمية التي تحقق المعايير الإقتصادية والعالمية وفق توجهات التنمية المعاصرة لأن المقياس الحقيقي للتقدم الإقتصادي يرتبط بالإنتاجية التي يحققها الأفراد وهي يكتسبها ويوظفها لأحداث التنمية الاقتصادية والمجتمعية . وتتمثل التحديات التي تواجه النظم التعليمية في عالمنا العربي والإسلامي في التحولات التي طرأت على قاعدة النشاط الاقتصادي من الزراعة إلى الصناعة فالاحصاءات الاقتصادية التي أوردتها منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي والثقافي في أروبا أنه (في عام 1940م بلغ عدد العاملين في الزراعة 30% وفي الصناعة 50% وفي الخدمات 20% وفي عام 1990م بلغ عدد العاملين في الزراعة 40% وفي الصناعة 25% وفي قطاع الخدمات 70% ومن المتوقع أن يصل عدد العاملين في الزراعة 4% وفي الصناعة 5% بحلول عام 2010م)( ) . وهذه التحولات بلا شك تؤثر على الأنظمة التعليمية التي تحتاج إلى إعادة صياغة مناهجها وأنشطتها التعليمية بما يتواءم مع الدافع الإقتصادي لإعداد الطالب في ضوء هذه المستجدات دون إملاء من الخارج . إن النقص الملحوظ في الإمكانات المادية والمدرس المدرب الكفء والمباني والوسائل التعليمية والإدارة الكفؤة والنظام التعليمي الصحيح ، كل ذلك جعل التعليم باهظ التكاليف لا يحقق الطموحات في كثير من الدول مما جعل كثيراً من التربويين ينادون بتوجيه التعليم نحو خدمة الاقتصاد ليصبح التعليم قطع غيار والآت بشرية في خدمة الاقتصاد العالمي دون النظر إلى تعطيل المواهب وقتل العقول وتعطيل الملكات. إن من أزمات التعليم التي نعيشها أن الطلاب لا يتجهون للتخصصات التي تحتاج إليها مجتمعاتهم في تحقيق التطور وبناء المستقبل لأن غالبيتهم يدرسون على غير هدى ودون توجيه إلا توجيه المعدلات الدراسية مما يجعل المجتمع متخماً بتخصصات زائدة عن حاجة المجتمع ، ومتخماً بحملة الشهادات العاطلين الذين يعانوون من مشكلات نفسية واجتماعية متعددة لأنهم لم يؤهلوا لتعليم يستجيب لحاجات النمو الإقتصادي من القوى البشرية المدربة المتخصصة . المجتمعات في حاجة إلى البعد المادي في التعليم ولكن ليس على حساب بناء الإنسان الذي يمثّل أساس التعليم ، الإنسان الذي يُزكي نفسه قبل جسده ، ويعزز قدراته في الالتزام بالقيم الخلقية والمثل العليا والمبادئ التي تحدد سلوكه وتمنحه قدرة التحكم في نفسه وتصرفاته . إن التقنيات الحديثة ضرورية للمتعلم لأنها توفر الشروط الموضوعية لنظام تعليم يقوم على أسس علمية ويستفيد من التتقدم التقدم التقني الذي وصل إليه الإنسان في مختلف المجالات دون التغول على حق كل فرد في الإبداع والتجديد والتنوع والابتكار لأن الهدف هذا هو الذي يخلص الإنسان المعاصر من العقلانية المحضة ، والعبودية للآلة والقيود التي تسلب الإنسان مشاعره وعواطفه الإنسانية وحريته في التطور والابتكار والإبداع . Dr Abbas Mahjoob [[email protected]]