شاهد بالفيديو.. الحرب تشتعل مجدداً.. المطربة عشة الجبل تهاجم زميلتها هبة جبرة: (نصف الشعب عرفك بعد شكلتي معاك.. شينة ووسخانة وأحذرك من لبس الباروكة عشان ما تخربي سمعتنا)    شاهد بالفيديو.. الفنانة هبة جبرة ترد على التيكتوكر المثيرة للجدل "جوجو": (شالت الكرش وعملت مؤخرة ورا ورا ويشهد الله بتلبس البناطلين المحذقة بالفازلين)    شاهد بالفيديو.. مطربة سودانية تقدم وصلة رقص فاضحة وتبرز مؤخرتها للجمهور وتصرخ: "كلو زي دا" وساخرون: (دي الحركات البتجيب لينا المسيرات)    شاهد بالفيديو.. الحرب تشتعل مجدداً.. المطربة عشة الجبل تهاجم زميلتها هبة جبرة: (نصف الشعب عرفك بعد شكلتي معاك.. شينة ووسخانة وأحذرك من لبس الباروكة عشان ما تخربي سمعتنا)    شاهد بالفيديو.. الفنانة هبة جبرة ترد على التيكتوكر المثيرة للجدل "جوجو": (شالت الكرش وعملت مؤخرة ورا ورا ويشهد الله بتلبس البناطلين المحذقة بالفازلين)    شاهد بالصور.. الفنانة ندى القلعة تصل القاهرة وتحل ضيفة على أشهر الصحف المصرية "في حضرة الكلمة والصحافة العريقة"    المريخ يكثف درجات إعداده للقاء سانت لوبوبو    تمديد فترة التقديم الإلكتروني للقبول الخاص للجامعات الحكومية وقبول أبناء العاملين    اللجنة المالية برئاسة د. جبريل إبراهيم تطمئن على سير تمويل مطلوبات العودة لولاية الخرطوم    الهلال والجاموس يتعادلان سلبيا والزمالة يخسر من ديكيداها    شاهد بالفيديو.. ظهر وهو يردد معها إحدى أغنياتها عندما كان طفل.. أحد اكتشافات الفنانة هدى عربي يبهر المتابعين بصوته الجميل بعد أن أصبح شاب والسلطانة تعلق    من سيحصد الكرة الذهبية 2025؟    كندا وأستراليا وبريطانيا تعترف بدولة فلسطين.. وإسرائيل تستنفر    مدير جهاز الأمن والمخابرات: يدعو لتصنيف مليشيا الدعم السريع "جماعة إرهابية "    (في الهلال تنشد عن الحال هذا هو الحال؟؟؟)    تدشين أجهزة مركز عمليات الطوارئ بالمركز وعدد من الولايات    ترمب .. منعت نشوب حرب بين مصر و إثيوبيا بسبب سد النهضة الإثيوبي    وزارة الطاقة تدعم تأهيل المنشآت الشبابية والرياضية بمحلية الخرطوم    "رسوم التأشيرة" تربك السوق الأميركي.. والبيت الأبيض يوضح    الإرصاد في السودان تطلق إنذارًا شديد الخطورة    الزمالة أم روابة في مواجهة ديكيداها الصومالي    مياه الخرطوم تطلق حملة"الفاتورة"    إدانة إفريقية لحادثة الفاشر    ليفربول يعبر إيفرتون ويتصدر الدوري الإنجليزي بالعلامة الكاملة    الأهلي مدني يبدأ مشواره بالكونفدرالية بانتصار على النجم الساحلي التونسي    شاهد.. ماذا قال الناشط الشهير "الإنصرافي" عن إيقاف الصحفية لينا يعقوب وسحب التصريح الصحفي الممنوح لها    بورتسودان.. حملات وقائية ومنعية لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة وضبط المركبات غير المقننة    10 طرق لكسب المال عبر الإنترنت من المنزل    جرعات حمض الفوليك الزائدة ترتبط بسكري الحمل    الأمين العام للأمم المتحدة: على العالم ألا يخاف من إسرائيل    الطاهر ساتي يكتب: بنك العجائب ..!!    صحة الخرطوم تطمئن على صحة الفنان الكوميدي عبدالله عبدالسلام (فضيل)    وزير الزراعة والري في ختام زيارته للجزيرة: تعافي الجزيرة دحض لدعاوى المجاعة بالسودان    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



روحانيات رمضانية: قوم سبأ وسيل العرم (1/2) .. بقلم: أبوبكر يوسف إبراهيم
نشر في سودانيل يوم 10 - 08 - 2011


بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى:(هَذَا بَلاغٌ لِلْنَّاس وَلِيُنْذَرُوْا بِه وَلِيَعْلَمُوَا أَنَّمَا هُو إِلَهٌ وَاحِد وَلِيَذَّكَّر أُوْلُو الألْبَابْ) ..الآية
هذا بلاغ للناس
الإستهلالة:
Ê من أمتع ما قرأت عن قصص القرآن هو ما كتبه الكاتب الإسلامي التركي هارون يحيي أستاذ رواء إلى كل ظمئ به شغف للنهل من كوثر تاريخ الإسلام العذب؛ فالحضارة الإسلامية معينٌ لا ينضب ؛ ففي قراءة هذا القصص استزادة معارف وتعلّم عبر ونفع عظات هما مرّتع به أقوامٍ غابرة ؛ وما علينا إلا أن نقرأ ونتفكر ونتدبر فنعقل
Ê :
Ê قال تعالى في كتابه العزيز : (لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِم آيةٌ جَنَّتاَنِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُم واشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ العَرِمِ وَبَدَّلْناَهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ ) (سبأ: 15-16)
المتن:
Ê
يعتبر مجتمع سبأ واحداً من أكبر أربع حضارات عاشت في جنوبي الجزيرة العربية، ويعتقد أن هؤلاء القوم قد أسسوا مجتمعهم ما بين 1000-750 قبل الميلاد، وانهارت حضارتهم حوالي 550 بعد الميلاد، بسبب الهجمات التي دامت قرنين والتي كانوا يتعرضون لها من جانب الفرس والعرب. بقي تاريخ نشوء حضارة سبأ موضع خلاف حتى الآن، فالسبئيون لم يشرعوا بكتابة تقاريرهم الحكومية حتى سنة 600 قبل الميلاد، لذلك لا يوجد أي سجلات سابقة لهذا التاريخ.
Ê يعود أقدم المصادر التي تشير إلى قوم سبأ إلى سجلات الملك سيرجون الثاني الآشوري الحربية (722-705 قبل الميلاد)، في تلك السجلات يشير الملك الآشوري في سجلاته التي دون فيها الأمم التي كانت تدفع له الضرائب إلى ملك سبأ "إي عمارا". هذا أقدم مصدر يشير إلى الحضارة السَّبئية، إلا أنه ليس من الصواب أن نستنتج أن هذه الحضارة قد تم إنشاؤها حوالي 700 قبل الميلاد فقط اعتماداً على هذا المصدر الوحيد، لأن احتمال تشكل هذه الحضارة قبل ذلك وارد جداً، وهذا يعني أن تاريخ سبأ قد يسبق هذا التاريخ. ورد في نقوش أراد ننار، أحد ملوك مدينة أور المتأخرين، كلمة "سابوهم" والتي تعني "مدينة سبأ]، وإذا صح تفسير هذه الكلمة على أنها مدينة سبأ، فهذا يعني أن تاريخ سبأ يعود إلى 2500 قبل الميلاد.
Ê تقول المصادر التاريخية التي تتحدث عن هذه الحضارة: إنها كانت أشبه بالحضارة الفينيقية، أغلب نشاطاتها تجارية، لقد سيطر هؤلاء القوم على الطرق التجارية التي تمر عبر شمالي الجزيرة، كان على التجار السبئيين أن يأخذوا إذناً من الملك الآشوري سيرجون الثاني حاكم المنطقة التي تقع شمالي الجزيرة، إذا ما أرادوا أن يصلوا بتجارتهم إلى غزة والبحر المتوسط، أو أن يدفعوا له ضريبة على تجارتهم، وعندما بدأ هؤلاء التجار بدفع الضرائب للملك الآشوري دُوِّنَ اسمُهُم في السجلات السنوية لتلك المنطقة.
Ê يعرف السبئيون من خلال التاريخ كقوم متحضرين، تظهر كلمات مثل "استرجاع"، "تكريس"، "بناء"، بشكل متكرر في نقوش حكامهم، ويعتبر سد مأرب الذي كان أحد أهم معالم هذه الحضارة، دليلاً واضحاً على المستوى الفني المتقدم الذي وصل إليه هؤلاء القوم؛ إلا أن هذا لا يعني أنهم كانوا ضعفاء عسكرياً، فقد كان الجيش السبئي من أهم العوامل التي ضمنت استمرار هذه الحضارة صامدة لفترة طويلة.
كان الجيش السبئي من أقوى جيوش ذلك الزمان، وقد ضمن لحكامه امتداداً توسعياً جيداً، فقد اجتاحت سبأ منطقة القتبيين، وتمكنت من السيطرة على عدة مناطق في القارة الإفريقية، وفي عام 24 قبل الميلاد وأثناء إحدى الحملات على المغرب، هزم الجيش السبئي جيش ماركوس إيليوس غالوس الروماني الذي كان يحكم مصر كجزء من الإمبراطورية الرومانية التي كانت أعظم قوة في ذلك الزمن دون منازع، يمكن تصوير سبأ على أنها كانت بلاداً معتدلة سياسياً، إلا أنها ما كانت لتتأخر في استخدام القوة عند الضرورة.. لقد كانت سبأ بجيشها وحضارتها المتقدمة من " القوى العظيمة" في ذلك الزمان.
Ê لقد ورد في القرآن ذكر جيش سبأ القوي، وتظهر ثقة هذا الجيش بنفسه من خلال كلام قواد الجيش السبئي مع ملكتهم كما ورد في سورة النمل: (قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ) (النمل: 33).
Ê كانت مأرب هي عاصمة سبأ، وكانت غنية جداً، والفضل يعود إلى موقعها الجغرافي، كانت العاصمة قريبة جداً من نهر الدهنا الذي كانت نقطة التقائه مع جبل بلق مناسبة جداً لبناء سد، استغل السبئيون هذه الميزة وبنوا سداً في تلك المنطقة حيث نشأت حضارتهم، وبدؤوا يمارسون الري والزراعة، وهكذا وصلوا إلى مستوى عال جداً من الازدهار. لقد كانت مأرب العاصمة من أكثر المناطق ازدهاراً في ذلك الزمن. أشار الكاتب الإغريقي بليني الذي زار المنطقة وأسهب في مدحها إلى وقال أنها أراضي واسعة وخضراء.
Ê بلغ ارتفاع سد مأرب 16 متراً وعرضه60 متراً وطوله 620 متراً، وهذا يعني حسابياً أنه يمكن أن يروي 9600 هكتاراً من الأراضي، منها 5300 في السهل الجنوبي، والباقي للسهل الشمالي، كان يشار إلى هذين السهلين في النقوش السبئية "مأرب والسهلان" و يشير التعبير الدقيق في القرآن: (جَنَّتاَنِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ) إلى وجود حدائق وكروم في هذين الواديين أو السهلين، لقد أصبحت المنطقة أكثر مناطق اليمن غنىً وإنتاجاً بفضل السد ومياهه. أثبت الباحثان: الفرنسي ج. هوفلي والنمساوي غلاسر أن سد مأرب قد أوجد منذ زمن بعيد. وتروي الوثائق المكتوبة بلغة "حِمْيَر" أن هذا السد قد جعل المنطقة في غاية الخصوبة والعطاء.
Ê لقد تم إصلاح هذا السد خلال القرنين الخامس والسادس للميلاد، إلا أن هذه الإصلاحات لم تمنع السد من الانهيار عام 542 للميلاد. انهار السد بسبب سَيل العَرِمِ الذي ذكره القرآن الكريم، والذي سَبَّبَ أضراراً بالغة، لقد هلكت كل البساتين والكروم والحدائق التي بقي السبئيون يرعونها لعدة قرون على بَكْرَةِ أبيها، بعد انهيار السد عانى السبئيون من فترة ركود طويلة لم تقم لهم قائمة بعدها... وهذه كانت نهاية القوم التي بدأت مع انهيار السد.
الحاشية:
سيل العَرِم الذي أتى على سبأ
Ê إذا ما تأملنا الآيات القرآنية على ضوء المعلومات التاريخية التي أتينا عليها، لوجدنا توافقاً كبيراً.
Ê تثبت كل من المكتشفات الجيولوجية والأثرية ما جاء في القرآن، فكما ذكر القرآن لقد استحق هؤلاء القوم الذين لم يستمعوا لنصح رسولهم وكذبوا بالحق لما جاءهم ولم يؤمنوا به العقاب بِسيلٍ عَرِمٍ، يصف القرآن الكريم هذا السيل في سورة سبأ: (لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ في مَسْكَنِهِمْ آيةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُم واشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأرْسَلْنَا عَلَيْهِم سَيْلَ العَرِم وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وشَيْءٍ مِّنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ* ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الكَفُورَ ) (سبأ: 15-17).
Ê لقد كان السبئيون كما تدل الآية الكريمة يعيشون في منطقة مشهورة بجمالها، جنان وكروم، وكانت تقع على طرق التجارة، لقد كانت على مستوى متقدم جداً بالنسبة لغيرها من مدن ذلك الزمان.
Ê كانت ظروف العيش في بلدة كهذه ممتازة، ولم يكن للقوم من جهد يبذلونه سوى ( كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ) كما تقول الآية، إلا أنهم لم يفعلوا ذلك، بل نسبوا ما يملكونه لأنفسهم، لقد ظنوا أنهم أصحاب هذه البلدة، وأنهم هم الذين أوجدوا ما فيها من الرخاء والازدهار، اختاروا الغرور والتكبر على الشكر والتواضع لله، وكما تقول الآية: ( فَأَعْرَضُوا...). لأنهم نسبوا كل ما أنعم الله به عليهم لأنفسهم، وأصرُّوا أنه من صنعهم، خسروا كل شيء... لقد أهلك سيلُ العَرِم كلَّ ما صنعت أيديهم.
Ê يذكر القرآن أن العقاب الإلهي كان بإرسال (سَيْلَ العَرِمِ). وهذا التعبير القرآني يخبرنا كيف وقعت الواقعة، فكلمة "عَرِم" تعني الحاجز أو السد. يصف تعبير (سَيْلَ العَرِمِ ) السيل الذي جاء ليدمر هذا الحاجز، لقد حل المفسرون المسلمون موضوع الزمان والمكان على ضوء الألفاظ القرآنية التي وردت في وصف سيل العرم، يقول المودودي في تفسيره :
Ê "كما استخدم في التعبير سيل العرم، فإن كلمة "عَرِم" مشتقة من كلمة "عريمين" المستخدمة في لهجة سكان جنوب الجزيرة، والتي تعني "السد، الحاجز"، وقد عثر على هذه الكلمة في أثناء الحفريات التي نفذت في جنوب اليمن باستعمالات كثيرة تفيد هذا المعنى، على سبيل المثال: استخدمت هذه الكلمة في الكتابات التي كانت تملى من قبل ملك اليمن الحبشي "أبرهة"، بعد تعمير وإصلاح سد مأرب في 542 و543 م لتعني السد "الحاجز" مرة أخرى. أذن فأن (سَيْلَ العَرِم) يعني "كارثة السيل التي حدثت بعد تحطم سد".
Ê
( وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ) (سبأ: 16). أي: إن البلدة بكاملها قد غرقت بعد انهيار السد بسبب السيل، لقد تحطمت جميع أقنية الري التي حفرها السبئيون، وكذلك الحائط الذي أنشؤوه ببنائهم حواجز بين الجبال، ولم يعد لنظام الري أي وجود، وهكذا تحولت الجنان إلى أدغال، ولم يبقَ من الثمار شيء، سوى ثمار تشبه الكرز وأشجار قصيرة كثيرة الجذور.
Ê لقد أقر الكاتب وعالم الآثار المسيحي وورنر كيلر Werner Kellerصاحب كتاب "الكتاب المقدس كان صحيحاً" أن سيل العرم قد حدث كما ورد وصفه في القرآن الكريم، وأنه وقع في تلك المنطقة، وأن هلاك المنطقة بكاملها بسبب انهياره، إنما يبرهن على أن المثال الذي ورد في القرآن الكريم عن قوم الجنتين قد وقع فعلاً.
Ê بعد وقوع كارثة السد، بدأت أراضي المنطقة بالتصحر، وفقد قوم سبأ أهم مصادر الدخل لديهم مع اختفاء أراضيهم الزراعية، وهكذا كانت عاقبة القوم الذين أعرضوا عن الله وترفعوا عن شكره، وتفرق القوم بعد هذه الكارثة، وبدأ السبئيون يهجرون أراضيهم مهاجرين إلى شمالي الجزيرة، مكة وسوريا.
Ê يأتُي الحيز الزماني الذي شغلته هذه الكارثة بعد زمن العهد القديم والعهد الجديد، لذلك لم يرد ذكره إلا في القرآن الكريم. تقف آثار مأرب المهجورة والتي كانت في يوم من الأيام موطناً للسبئيين، كآية من آيات العذاب تنذر أولئك الذين يكررون خطيئة القوم، لم يكن السبئيون هم القوم الوحيدين الذين أهلكهم السيل، ففي سورة الكهف يروي لنا القرآن الكريم قصة صاحب الجنتين، امتلك هذا الرجل جنتين خصبتين جميلتين تشبهان جنان قوم سبأ، إلا أنه ارتكب نفس خطيئتهم: أعرض عن الله، لقد ظن أن هذه النعمة من صنعه هو وهي له دون عن غيره:
Ê (وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعْلنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً * كِلْتَا الجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَم تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا خِلاَلَهُمَا نَهَراً * وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاورُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً * وَمَآ أَظُنُّ السَّاعَةَ قَآئمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلىَ رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْها مُنقَلَباً * قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاورُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً * لَّكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي ولآ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً * وَلَولآ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَآءَ اللهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ إنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً * فَعَسى رَبِّي أَن يَؤْتِيَنِ خَيْراً مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْبَاناً مِّنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً * أَوْ يُصْبِحَ مَآؤُهَا غَوْراً فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً * وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَآ أَنفَقَ فِيهَا وَهيَ خَاويَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ برَبِّي أَحَداً * وَلَم تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِراً * هُنَالِكَ الوَلايَةُ للهِ الحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً ) (الكهف: 32-44) .
Ê كما نفهم من الآيات لم يكن صاحب الجنة ناكراً لوجود الله، بل على العكس فهو يتصور أنه حتى لو عاد إلى ربه فسيجد خيراً من هذه الجنة، لقد عزا كل ما هو فيه من النعم لما حققه من أعمال ناجحة قام بها وحده.
يتصل.....


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.