بسم الله الرحمن الرحيم هذا بلاغ للناس توطئة: إن اللغط الإعلامي الذي يدور حالياً حول ما أثير عن مذكرة شباب حزب المؤتمر الوطني بأنه خلاف مآله انشقاق فيه مبالغة الشامت المتوقع من شره خيراً ؛ ولكني لا أراه مثلما يرونه، ومثلما صوره بعض قادة الأحزاب فاقدة الحيلة التي لا اعمال لشورى أو ديمقراطية داخل هياكلها فكانت سبباً في التشظي وتجزئ المُجزأ منها ، معتمدين في ذلك على تجاربهم التي انتجت وأفرزت قيام كيانات متعددة توالدت من تشظيها خارج وحدة التنظيم الحزبي الرئيس، ويعتقدون أن أي اختلاف داخل أروقة الحزب لا بد وأن ينتج – حسب ما حققته تجاربهم - انشقاق داخل هياكل حزب المؤتمر التنظيمية دونما النظر إلا أن هذا الحزب يعتمد منهجية إسلامية على مبدأ أمرهم شورى بينهم ، وأن الناس فيه لهم كامل حرية التعبير عن الرأي، فلذلك يعتقد هؤلاء بذلك لبعدهم عن منهج الشورى في الاسلام ، اعتناقهم أنماط علمانية أثبتت بالدليل القاطع الذي هو صندوق الانتخابات التي يتشدقون بها خاصة في الدول التي اشتعلت فيها ثورات الربيع العربي ليعرف الشارع العربي حجمهم الحقيقي ، وهؤلاء الضلاليون لا يعلمون أن عليهم – إن كانوا يتدبرون ويعقلون - النظر إلى أن هناك من ظواهر النصوص ما يدل على قدرية الاختلاف ؛ وأن البحث عن التقارب لا يعد نوعا من الجري وراء ما لا يمكن إدراكه أو الحصول عليه لأن منهج ديننا يأمر بذلك ، أن هناك الكثير من النصوص لها تفسيرات بحيث تلتئم مع النصوص التي تحض على الاعتصام بحبل الله جميعا وعدم التفرق في الدين، بمعنى آخر أنها تدعو لضبط العلاقة بين النص القدري والنص التشريعي. فهل يفهم من لم يكلف نفسه معرفة أصول دينه الذي بعث الله به محمداً رحمةً للعالمين.؟! المتن: أن دفع القدر بالقدر من عقيدة أهل السنة والجماعة، والذي أخبرنا بالافتراق أمرنا بدفعه بالاجتماع وأرشد إلى أسبابه ووسائله، ويجب أن توضح التفرقة بين القدر الكوني والقدر الشرعي فإذا كان التفرق واقعا فعلا كما جاء في الأحاديث فإننا مأمورون شرعا بالابتعاد عن التفرق ومأمورون بالتعاون على الخير، كما قال عمر رضي الله تعالى عنه: نفر من قدر الله إلى قدر الله، والفكرة نفسها تدلنا على أن علينا أن ندفع قدر الاختلاف بقدر الوحدة والتجمع والالتقاء والتقارب تماما مثلما ندفع قدر الداء بقدر الدواء، فإذا كان الخلاف سنة من سنن الله تعالى في خلقه فإن الاتفاق والاتحاد والعمل على إزالة الخلاف وأسبابه فريضة لقوله تعالى:"واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا". هناك قضية مهمة وهو أن القدر الكائن لا يحتج به على ترك المشروع المطلوب، فالواجب على ذلك السعي وراء التعاون وجمع الكلمة على الحق ولا يجوز ترك ما جاء به الأمر احتجاجا بالقدر وتسليما بالأمر الواقع، وبنحو مما فأن التدافع سنة الله تعالى في الكون وعلينا أن ندفع قدر الاختلاف بقدر التقارب ولا تعارض بين الأمر الكوني والأمر الشرعي لأن الله تعالى لم يتعبدنا بما لا نطيق، وضميرية أن الخلاف إذا كان في جوانب تدخل تحت الإرادة وإذا كان فيما لا ينبغي أن يكون فيه خلاف واختلاف فإن هذا ينبغي الدعوة إلى إزالته ورفع أسبابه ليعود الأمر إلى الاتفاق، وكذلك أن الاختلاف ظاهرة بشرية أي أنها حتمية لا فكاك منها، لكن التفرق مع ذلك مذموم، ما يعني العمل على دفعه، ومع ذلك فأن علينا أن نقرر لحقيقة أن الخلاف قدري فلم يخلق الله الناس على نموذج واحد وإنما خلقهم متفاوتين، وكل إنسان نموذج خاص في عقله وفكره، و أن هذا الاختلاف إنما لضرورة تحقيق الخلافة في الأرض- وليس للتنازع والشقاق- فلا تعمر الأرض إلا بالتدافع والتزاحم بين هذه النماذج، لكن هذا التنوع والتدافع لا بد أن ينتج عنه الاختلاف بين الناس، فالاختلاف قدري لا بد أن يقع وهذه سنه الله التي لا تتخلف، ومع تأكيدنا على قدرية الاختلاف لكنا أيضا نؤكد على أن القرآن دعا المسلمين في آيات كثيرة إلى الاتفاق والتعاون ونهاهم عن التنازع والتفرق فالله الذي جعل الاختلاف قدريا بين المسلمين "ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم" هو نفسه الذي أمرهم بالاعتصام بحبله ودعاهم إلى التعاون والتنسيق "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا". الحاشية: يتبين مما ذكرته أن الاختلاف داخل هيكلية الحزب سواء قيل - بقدريته أو عدمها- ليس مسوغا للتفرق والتشرذم، لأننا مأمورون باتباع الشرع الذي أمر بالجماعة ونهى عن التفرق، وهذا يعني إمكانية الاتفاق والالتقاء على كلمة سواء، وهو ما يجعلني أقول بتوحد وتوحيد الكلمة نحو تحقيق المقاصد، لكن قد يكون اجماع الحركات الأفكار كلها في سياق واحد هدفا ليس بعيد المنال في ظل ظروف البلاد الحالية ولأسباب كثيرة منها الداخلي ومنها الخارجي، لكن هذا لا يعني التقاعس عن محاولة الوصول إلى ذلك، ولا ينفي أيضا أهمية السعي لإحداث التقارب الفكري والمنهجي الذي يعد أحد أهم السبل التي تعين على الوحدة أو الاتحاد ونما تجاهل لرأي أو إقصاء لفرد لمجرد إبداء رأيه ، فناموس الحياة وقدرية الله في كونه ومخلوقاته التعاقب ، قد أمرنا الله أن نستأجر القوي الأمين وأشدد على الأمين ، وأشدد على الأمين ، ولن يتم ذلك إلا بالتوافق ضمن المنهجية الإسلامية التي انبثق منها نظام هيكلية الحزب ليصبح حزباً رائداً معاصراً. من وجهة نظر شخصية فإني أرى أنه يكاد أن يكون هناك إجماع بين حزب المؤتمر الوطني ، حزب المؤتمر الشعبي ، الإخوان المسلمون ، أهل السنة والجماعة ، وعلماء المسلمين على أهمية التقارب الفكري والمنهجي داخل الأحزاب والجماعات وعلى ضرورة إدارة الحوار بينها من أجل تعميق هذا التقارب وإزالة ما يعطله أو يعوقه، ولا شك أن من عوامل نجاح مثل تلك الحوارات أن تكون هناك قواسم مشتركة بين المتحاورين تصلح منطلقا للحوارات، منها ينطلقون وإليها يفيئون، فهل انعدمت مثل هذه القواسم التي تجمع هياكل حزب المؤتمر الوطني؟!ز الإجابة: بالطبع، لا.. إذاً فلا ينتظر شامتٌ من فاقدي الحيلة من أحزاب المعارضة التقليدية التي تجاوزتها حركة التاريخ ، فلن يتحقق لها خبث نيتها إنشاء الله إن صدقت النوايا داخل المؤتمر الوطني.!! وعليه أرى مما تقدم أنه يوجد تصورين عن القواسم المشتركة أحدها أنها القضايا التي تتفق عليها معظم هياكل الحزب سواء في التصور النظري أو في التصرف العملي، والثاني أنها القضايا المهمة التي ينبغي أن يحدث بشأنها اتفاق بين القطاعات ، فالأولى تمثل الواقع الكائن بينما الثانية تمثل الواقع المأمول، وأيا ما كان الأمر، فإنه لا يوجد مسوغ شرعي لأحد في التباعد والتجافي وعدم الائتلاف مع إخوانه الباقين، ورغم العواطف المشحونة بأمل النجاح ، فإن العواطف وحدها لا تغني عن وجود خطة واضحة يسار عليها لتحقيق المراد، إذ التقارب والحوار عمل، والعمل لكي ينجح ويحقق المراد منه لا بد له من خطة واضحة قابلة للتحقيق. كما ذكرت فإنه لا بد من خطة أو منهج العمل الذي ينبغي اتباعه وفي هذه المرحلة بالذات في سبيل إحداث التقارب بين الأفكار والاجتهادات المتعددة، لكن مع ذلك وبرغم النوايا الحسنة قد تبقى بعض القضايا العالقة التي لا تجتمع عليها الكلمة، وهذا يتطلب أن نحدد سقفا لتلك القضايا حتى نتفادى أمرين خطيرين :أولا تمييع القضايا جريا وراء البحث عن التقارب، ثانيا التضييق على إمكانية التقارب بزعم الثبات على المواقف، وهذا يقودني إلى الحديث عن الضوابط التي ينبغي مراعاتها أثناء العمل على التقارب . الهامش: كما يعلم جميعنا بأن سلفنا الصالح لهم مكانة عالية مرموقة وهم قمة سامقة في فهم الدين والعمل به، وما يمر بمجتمعات المسلمين اليوم من حيث الاختلاف والتنازع، قد مر بسلفنا الصالح شيء منه، إلا أنهم حرصوا على الوحدة والجماعة وحققوا ذلك، مما يجعل منهجهم في ذلك حريا بالاتباع . رغم ما تبين من الحديث عن التقارب وأهميته وقناعة الكثيرين بضرورة السعي لتحقيقه وبذل الجهد في سبيل ذلك وعدم اليأس والصبر على صعوبة الطريق، إضافة إلى الحماس الذي يبديه الكثيرون لهذه المسألة إلا أن الرياح لا تجري دائما بما تشتهي السفن، وقد علمتنا تجارب السلف الصالح أن هناك الكثير من المعوقات التي تقف في سبيل تحقيق دعوة التقارب وهي في حاجة إلى إماطة اللثام عنها مع اقتراح آليات للتغلب عليها أو الحد من تأثيرها. وعلينا أن نراعي الآتي: - في الأيام القريبة المنصرمة بدأ يكثر تداول بعض المصطلحات والألفاظ وما زال، فكثر الحديث عن سباب الحزب وعن الانصات له، وعلينا بتجاوز وتجاوز أحادية الفكرة، ولنعمل على تفعيل وتنشيط دور التسامح الفكري والثقافي فيما بيننا، وعلينا ضرورة الانفتاح على ثقافات وأفكار وقناعات الآخرين إلى نهاية تلك المنظومة ، حتى يمثل تفهمنا لبعضنا عاملا من عوامل التقارب داخل التنظيم والحزب ، لا نريد لها أن تكون معوقا من معوقات التقارب وأن لا نأخذ موقفاً سالباً مهم رأى البعض أنها صيغت بلفظ جذاب يبطن ما يبطن!! ، علينا وبحسن النوايا عدم الركون لمضامين مسبقة يشوبها الشك والتشكك والريبة ، والشيء نفسه ينطبق على التعامل مع لفظ (التجديد) ، ونحذر من تحويله إلى الاقتناع بأنه مصطلح يستبطن العديد من المصطلحات الأخرى كالعقلانية والتعددية والنسبية ذات المعاني والمضامين غير المحددة لسببٍ بسيط أنه أتى من أبناءٍ لنا تربوا بعيداً عن شبهات الألفاظ التي تبطن السوء. - علينا أن ندرك أنه كلما تجاوبنا مع دعوة من الدعوات كان ذلك أنجح لها وأدعى إلى الاستفادة منها، وفي المجتمع قوى ورموز ونخب إسلامية علمية فاعلة كثيرة تزخر بها الجامعات ومراكز الأبحاث والمؤسسات العلمية ودور النشر ووسائل الإعلام فما طبيعة الدور المرتقب من تلك القوي وكيف تكون مساهمتها فيه؟!، وهل يمكن أن تساعد تلك المؤسسات في الحوار المطلوب أم أن ذلك سوف يظل قدر تتلقفه أمثال ومثيلات هالة عبدالحليم لتصلح بين الإمام والشيخ.؟! يا قوم إني ناصحٌ لكم : أعملوا الشورى بينكم ، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا حتى لا تذهب ريحنا فالشامتون خلف الأبواب يسترقون السمع!!، نسأل الله أن يأخذ بيد الجميع لكل خير، والحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات. Abubakr Ibrahim [[email protected]]