"نشر هذا المقال اليوم الاحد الموافق 29 يناير في جريدة التيار" [email protected] في محاولة منهم لتشويه صورة المعارضة ،و التقليل من شأنها ،و لصرف الرأي العام عن الاسباب التي أدت لوجودها و الاسباب التي أدت لهجرتها، يعيب البعض على زعيمها الاستاذ علي محمود حسنين قيادتها من الخارج، و نسي هؤلاء أن معظم الثورات ،على مر التاريخ، بما في ذلك الثورات العربية الأخيرة، و حتى الرسالات السماوية، كانت فيها هجرة، و كان النضال و الكفاح و كانت الدعوة من الداخل و الخارج . إن الداخل والخارج وجهان لعملة واحدة و مشهدان لا تكتمل المسرحية إلا بوجودهما معا. فالخارج يؤمن الدعم المعنوي و المادي للداخل، و يشكل أداة فعالة للضغط السياسي و الاعلامي لا سيما و أن الاعلام الداخلي إما مملوك للنظام ،أو متحيز له خشية منه، أومقيد بقوانينه، فالمعارضة الخارجية ،عبر أجهزة الاعلام الحرة، تقوم بشرح قضيتها و توضيح نقاط خلافها مع النظام الحاكم فتكسب مؤيدين و حلفاء، و تفضح نوايا النظام و تعري خططه ، و تدحض إفتراءاته و أكاذيبه، و تؤمن قدراً مطلوباً من الحماية للمناضلين في الداخل من القمع و السجن و التعذيب و تكون صمام أمان لاستمرار الثورة.و هي مرتبطة بالداخل أرتباطاً و ثيقاً، تصنع الأحداث و تعلم بحدوثها في حينها. إعترف النظام أم لم يعترف فهو يخشاها و يضع لها اعتباراً خاصاً. هذا، فهجرة الاستاذ علي كانت أمراً فرضته الضرورة ، و يعلم ذلك العارفون ببواطن الإمور و القريبون منه أيضا يعلمون، فقد أعتقل عدة مرات و هُدد في المرة الأخيرة بالتصفية الجسدية . و في ظل نظام مستعد للدفاع عن نفسه بكل الوسائل اللادينية واللاأخلاقية واللا انسانية ، نُصح بأخذ الأمر بجدية ، فحمل الرجل مبادءه و قضيته و هاجر تاركاً خلفه واحداً من أكبر و أنجح مكاتب المحاماة و ترك أهله و أصدقاءه و ممتلكاته و أصبح حليفاً للغربة وللسهر و الجوع، يسوقه قدر الحركة الوطنية شمالاً و جنوباً، شرقاً و غرباً، فما زاده ذلك إلاّ إصراراً و إيماناً بقضيته و قضية شعبه فلم يساوم و لم يهادن و لم يسترزق منها، شعاره ، كما كان شعار الشريف حسين ، " الحركة الوطنية السودانية لا تباع و لا تشترى".و استطاع في فترة وجيزه بمساعدة بعض المهاجريين الغيورين على وطنهم، الحادبين على مصلحة الشعب السوداني تكوين " الجبهة الوطنية العريضة ". وهي جبهة تضم تحت لوائها الوطنيين الشرفاء من المهاجرين ، من عمال و طلاب و مهندسيين وأطباء و قانونيين و اقتصاديين و سياسيين و كتاب و صحفيين و رجال أعمال بمختلف إنتماءاتهم السياسية ، كما تضم معظم التنظيمات المعارضة لنظام الإنقاذ و تسعى الجبهة لإقامة دولة مدنية ديمقراطية يفصل فيها الدين عن السياسة، تستمد تشريعاتها من الشريعة الاسلامية، تنشأ على اساس حق المواطنة، وتقوم على أنقاض نظام الإنقاذ. و في مؤتمرها التأسيسي تم اختيار الاستاذ علي محمود بالاجماع رئيسا لها .و تعتمد الجبهة إعتمادا كليا على اشتراكات الاعضاء و تبرعات الوطنيين في تسيير اعمالها. إن قيادة الأستاذ علي للجبهة الوطنية العريضة لا تتعارض مع منصبه في الحزب الاتحادي الديمقراطي، إذ أن أهدافها تتطابق تماما مع أهداف ومبادئ و دستورالحزب المجاز الذي يمثل آمال و تطلعات جماهيره، لا تطلعات رئيس الحزب و من تبعه من الحواريين الذين خرجوا عن مبادئ الحزب جميعها و قطعوا صلتهم بقواعد الحزب و بالحركة الوطنية واختاروا مصالحهم الذاتية و الأسرية و الطائفية وفضلوها على مصالح وطنهم ولم يعوا ولم يرعوا فقفزوا داخل السفينة الغارقة ،حتى ،رئيس الحزب، لم يثأر لكرامته بعد أن أهين و أحتقر ،عندما وصفه السيد وزير الخارجية بأنه سجمان، و تناقلت الخبر الصحف و مواقع الشبكة العنكبوتية، لم يحرك ساكنا ، ولم يزده الاحتقار و الإذلال إلا خنوعا و سقوطاً، و كما سقط من قبل مع الساقطين في عهد الحكم العسكري الأول، سقط في عهد الحكم العسكري الثاني و شارك في اللجنة المركزية و المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي، وسقط الآن في عهد الانقاذ مقابل توزير بعض حواريه و تعيين ابنه، و الذي هو أجهل الناس بمشاكل الوطن، مساعداً لرئيس الجمهورية ، إذن فسقوطه كان متوقعاً ولم يكن أمراً مستغرباً إلاّ أن الخطأ ليس خطأؤه وحده فهناك الإنتهازيين والوصوليين المتملقين الراكعين الذين حوله، الذين استطاعوا إعطاب و تعطيل آليات الحزب الديمقراطية، و فشلوا في استيعاب الواقع السياسي، و أعاقوا مسيرة الحزب الوطنية ،و وقفوا حجر عثرة أمام تحديثه و علي عاتقهم تقع مسؤولية ما حدث. إن سقوط هؤلاء وخروجهم من دائرة النضال زاد المعارضة في الداخل و الخارج قوة على قوة، و أكسبها كثيرا من المؤيدين، وحمع كل الاتحاديين الشرفاء، الرافضين لهذا الموقف المشين، حول راية الاستاذ علي محمود ، الذي أصبح رمزاً من رموز النضال الوطني كما كان الزعيم الأزهري والشريف حسين من قبله، وذلك بفضل تاريخه الناصع، ومواقفه البطولية الصلبة تجاه القضايا الوطنية، و لثباته الراسخ على مبادئ الحزب، و لشجاعته المشهود لها في مواجهة فساد الإنقاذ و لِما يتمتع به من صفات قيادية نادرة. هذا، فلما كان نظام الإنقاذ أشبه بنظام عصابات المافيا، و لِما وصل إليه وطننا من وضع ردئ لا يمكن أن يقاس بما سبق ثورتي أكتوبر وأبريل من فساد، و من سوء للوضع الاقتصادي و المعيشي، و من تدهور أمني وتمزق و حروب طاحنة فتكت وشردت مئات الآلاف من الأبرياء، ومن إنحلال اجتماعي و صراعات قبلية وعنصرية و إقليمية و جهوية، كان لا بد من وجود فئة وطنية متجردة تنهض بأعباء النضال الوطني، وقد كان، فهناك الشرفاء من الاتحاديين و أمثالهم في الاحزاب الاخرى في الداخل، و هناك الجبهة الوطنية العريضة في الداخل والخارج ، وعليها عقدت الآمال في بناء وطن موحد، آمن يأمن فيه الناس على أنفسهم و ثرواتهم و أعراضهم، وينعم فيه المواطن بالعزة و الكرامة.