عندما تشاهد الشعوب الآمنة على شاشات التلفزة لمحات من آثار الحرب التي دارت بين الحاكم المستبد وشعبه المطالب بالخبز والحرية في أي بلد من بلدان الربيع العربي أو الصيف الأفريقي وترى المشاهد المروعة للمدن التي دُمرت بسبب قصف المدافع والطائرات الحكومية وتبصر اعداداً كبيرة من القتلى الذين لا يجدون قبوراً والجرحى الذين لا يجدون علاجاً والجوعى الذي لا يجدون خبزاً ، وتلمح طوابير اللاجئين المدنيين الهاربين من جحيم الحرب إلى معسكرات الضياع في دول الجوار وتتأمل الدمار الهائل الذي لحق بالطرقات والجسور وأعمدة الانارة وتصدمها رؤية طوابير الآليات العسكرية التي دُمرت أثناء الحرب بين الشعب الثائر والرئيس المستبد بسبب المقاومة الشعبية أو بسبب التدخل الدولي ، يثور سؤال سياسي كبير في غاية الأهمية وهو: هل يجوز أن تُدمر وتُحرق دولة بأكملها من أجل شخص واحد؟! هل يجوز أن يُحاصر ويُعاقب شعب بأكمله من أجل شخص واحد؟! من المؤكد أن الرؤساء المستبدين يعانون من الجنون السياسي ، فهم يلجأون إلى تكرار نفس التجارب الاستبدادية بنفس الأدوات القمعية وفي نفس الشروط الثورية ثم ينتظرون نتائج سياسية مغايرة لن تحدث ابداً! التجارب الاستبدادية في تونس، مصر، ليبيا واليمن أثبتت أن قمع الشعب الثائر بالحديد والنار يلحق أكبر الخسائر بالشعب والدولة لكنه يؤدي في نهاية المطاف إلى إسقاط الرئيس المستبد وقتله أو سجنه أو نفيه ، فلماذا يكرر الأسد نفس التجربة الجنونية في سوريا وينتظر نتيجة سياسية مغايرة ؟! من المؤكد أن الاستهانة بذكاء الشعوب الثائرة وذكاء المجتمع الدولي المتعاطف معها هو خطأ سياسي قاتل وأن ترويج الأكاذيب السياسية الممجوجة التي مفادها أنه ليس هناك بديل للنظام الحالي ، الفوضى ستعم البلاد لو انهار النظام الحالي، الثوار هم مجرد شرذمة قليلة العدد من عملاء الدول الأجنبية المعادية هو حيلة سياسية مكشوفة لا تنطلي على أحد فالشعوب الثائرة المؤمنة بعدالة قضيتها تدرك بعقلها الجمعي أن نفس المقدمات تقود إلى ذات النتائج عند انطباق نفس الشروط وأن ما حدث في تونس ومصر وليبيا سوف يحدث في سوريا وفي دول عربية وأفريقية أخرى وهي تقول للرؤساء المستبدين وأعوانهم: الشجاعة السياسية لا تعني تحريض الأمن والجيش على قتل المتظاهرين السلميين بل تعني حقن دماء الشعب والقبول برغبته في التغيير الديمقراطي ، يجب أن تفهموا أن الشعب يريد الديمقراطية الحقيقية وأن الانتخاب الشعبي الحر هو بديل الانفراد بالسلطة وحواء الشعب لا تعجز عن انجاب القادة الجدد أما إذا قمعتم أفراد الشعب بعنف فسيولد العنف الرسمي عنفاً شعبياً مضاداً وإذا سجنتموهم فسوف يطاردكم جيش من المحامين المحليين والدوليين ويطالبونكم ليل نهار بإطلاق سراحهم فوراً وإذا قتلتموهم فستحولونهم إلى شهداء ورموز للحرية وستطاردكم المنظمات الحقوقية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية وستقدمون عاجلاً أم آجلاً للمحكمة الجنائية الدولية وأنتم مجللون بالخزي والعار فماذا أنتم فاعلون؟! وأخيراً يحق للعالم أن يتساءل بدهشة مفعمة بكثير من الامتعاض: لماذا يصر الرؤساء الاستبداديين على الاستعانة بجمهور الموالين من البلطجية والشبيحة والرباطة وأصدقاء السوء الدوليين من أصحاب الفيتو سيء الصيت ويحذفون خياري الحكمة والمنطق ثم يتجاهلون خيار العقل ويختارون خيار الجنون السياسي ليصبحوا بذلك أخسر الخاسرين؟! لماذا لا يثوب الرؤساء الاستبداديين إلى رشدهم السياسي ويتنحوا بأعجل ما تيسر ويوفروا على أنفسهم وعلى شعوبهم عناء المواجهات المدمرة للبلاد والمصادمات المهلكة للعباد؟! sara abdulla [[email protected]]