مستشار قانوني مسقط – سلطنة عمان [email protected] ( أشعر بالخجل من كبر الراتب الذي اتقاضاه !) جوزيف مورينهو – مدرب ريال مدريد . صدمتني عبارة قرأتها في صحيفة الخرطوم مطلع التسعينيات وردت على لسان المرحوم خالد الكد وهو يصف سوداني الدياسبورا ب ( سوداني الشتات ) ! ، وهي عبارة كانت قصرا على الفلسطينيين، وهي مفهومة ومبررة في حقهم باعتبارهم شعب مغتصب الوطن ، ولكن أن تطلق على السودانيين الذين يملكون وطنا بحجم قارة " قبل الانفصال بالطبع " فقد كان أمر صادما بالنسبة لي في ذلك الوقت ، وبالمقارنة بحجم النزوح الحالي عن الوطن بالمقارنة ببداية تسعينيات القرن الماضي ندرك مدى صدق نبوءة الكد وعبقريته ولكن ذلك موضوع آخر . أما السوداني خارج الوطن فهو يختلف عن أي مغترب أو مهاجر آخر، يذهب وهو يحمل في قلبه ووجدانه بلاده كتميمة على صدر رضيع غر !. لذا تجد هذه المسحة من الحزن الشفيف على المحايا السمر رغم حياة الرغد والدعة النسبية في مهاجرهم ، وتجد هذه الضحكات المكتومة والفرح المبتسر والابتسامات المنتزعة عن سياقها . يأكل السوداني الدجاج والأسماك ودسم الطعام هنالك فلا يحس لها طعما وفي باله صحن الفول والملاح اليتيم الذي يزدريه أهله في الوطن !، يرقد في التكييف فلا يحس بمتعته وفي باله مراوح الأورينت والتي أن تي ومكيفات المياه البالية التي يتعامل معها المحظوظين من أهله هنالك ، وقطع الكهرباء رغم أنف السد الضجة !. يلبس من انتاج بيير كارديان ودوماني وأديداس ويتعطر بهوقو ، وفي باله من يلبسون المنتجات الصينية الرخيصة في بلاده ، ويتعطرون على طريقة قدر ظروفك ! ، لذا تجدهم دائما في باله ويشاركهم في حياتهم في كل لحظة من لحظات حياته ، ويترجم ذلك حوالات نقدية وأحيانا عينية كمحاولة لتعويض بعضا من الفوارق بين حياته وحياتهم ، فتتحول حياته لسلسلة من الهموم هم الغربة ، العائلة الصغيرة هنا والكبيرة هناك ، هم صناعة المستقبل ، البيت ، السيارة ، تعليم الأبناء ، وهم العودة والاستقرار . لذا لا يعرف المغترب السوداني معاني الأثرة والأنانية والأنا ، وتعلو عنده قيمة الإحساس بالآخرين خصوصا أهله داخل الوطن ، ويراوده أحساس باطني غريب بالخجل من دخله مقارنة بمداخيل مواطنيه ، والغريب أنه يحس بالذنب لهذا الأمر كأنه ارتكب أثما بتميزه عن أهله ورفقاءه ، وتساهم هذه المشاعر المتصارعة داخله في إحساسه الدائم بالهم والفرحة الناقصة ، وعدم القدرة على التفاعل والانصهار مع مجتمعه الجديد ، فيحتمي بأبناء جلدته في المنافي الطوعية والكرهية ، كمحاولة للتعويض عن الخروج عن رحم الوطن الذي كان يمنحه الأمان . مفهوم الهجرة بمعنى النزوح النهائي واستبدال وطن بآخر لا يعرفه السودانيين ، والغريب رغم هجرة اعداد كبيرة منهم لمنافي بعيدة في مشارق المعمورة ومغاربها، ورغم الجنسيات الحمراء والسوداء والخضراء التي حاز عليها أعداد مقدرة منهم يعود غالبيتهم للوطن ليبنوا الدور ويعمروا الأرض التي هجروها كرها ذلك بعد أن يتوفر لهم شيئا من المال . لم أعثر على إحصائية دقيقة للسودانيين في المهاجر ، ولا علم لي ما أذا كان ذلك الجسم المفترض أنه يمثلهم بملك مثل هذا النوع من الإحصائيات ، لكن يراودني شك كبير بوجود إحصائيات عنهم من أصله ، ويعود ذلك في تقديري لعدة عوامل منها عدم اهتمام السودانيين عموما بالإحصائيات رغم أهميتها التي لا تخفى على أحد ، ومنها عامل الهجرة التي تتم خارج الأطر الشرعية ، وعامل النزوح بسبب الحروب الأهلية ومنها الهجرات بسبب التضييق السياسي وغياب الحريات وسيطرة الأحادية على المشهد السياسي السوداني كما تجسده الإنقاذ بامتياز . كل ما ذكر من أسباب وغيرها جعل موضوع التوثيق والإحصاء أمر بالغ الصعوبة ، ولكن تتحدث الأسافير والدراسات المتناثرة حول هذا الموضوع عن بضع ملايين موزعين في المنافي ، والبضع كما هو معلوم لغة هو ما دون الرقم تسعة ! . أثر الاغتراب على شكل الحياة الاجتماعية في السودان ، ونقل آلاف الأسر من خانة الفقر – أقل من دخل دولارين في اليوم كالمعيار الأممي – الى خانة الأسر المتوسطة ، كما أدخل أنماط من السلوك والمظاهر سواء في المأكل أو الملبس أو أنماط السلوك الاجتماعي والثقافي الأخرى التي لم يألفها كثير من ألسودانيين كما أثر وبعمق غير معترف به في النظرة الدونية الاستعلائية لبعض قبائل السودان ذات العنصر العروبي لرصفائها من القبائل ذات الأصول الأفريقية البحتة ، وذاق الأوائل بعضا من المر الذي أذاقوه للأواخر حينما ووجهوا بنفس النظرة الاستعلائية من قبل بعض دول المهجر وخصوصا الخليجية منها . انّ الحديث عن الهجرة وأثرها على المهاجرين والمغتربين السودانيين لهو موضوع شديد الأهمية والخطورة والعمق لتأثيره العميق على شرائح واسعة من السودانيين ، ناهيك عن أثره على أسرهم الممتدة في الداخل ، ونحن نحاول أن نفتح كوة حول هذا الموضوع من خلال سلسلة من المقالات ابتداء من هذا المقال عسانا نستطيع أن نفتح الطريق لأهل الاختصاص ليتناولوا هذا الموضوع الهام بمزيد من البحوث العلمية العميقة تعميما للفائدة ،،،، وللحديث بقية . حديث ذو صلة : قال سلمون كالو لاعب تشلسي الانجليزي المنحدر من جذور عاجية عندما سأل مرة عن نمط الحياة المترفة التي يحياها زملائه في الفرق الأوربية الكبيرة على خلفية ارتفاع مداخيلهم ما معناه ( أنا لا أستطع أن أحكم على الآخرين في هذا الموضوع ولكني لا أستطيع أن أجاريهم لأن لدي كثير من الناس في بلادي يعتمدون على بشكل مستمر في أخص أمورهم الحياتية ) . أعتقد أن سوداني الشتات يحسون بالخجل مثل مورينهو و ويتصرفون تماما مثل كالو ! آخر كلام: آه منك يا زمان النزوح ( الطيب صالح ) !