وصلا لمقال سابق لي بعنوان " انطباعات عائد من العاصمة العشوائية " نشر بمواقع الكترونية عن تردي الأوضاع من كافة جوانبها المعيشية والخدمية والبيئية في العاصمة، أكتب عن موضوع آخر سمعت عنه كثيرا من المواطنين كما قرأت عنه مرارا اثناء زيارتي الأخيرة للخرطوم في الصحف اليومية الصادرة وهو موضوع تفشي آفة الجريمة في ربوع عاصمتنا العشوائية بمدنها الثلاث. موضوع في اعتقادي الجازم أنه جدير بالتفكير والتأمل مع ارتفاع ارقام الجريمة كما وكيفا. وجدت نفسي أكتب عنه رغما عن يقيني التام بوجود من ينكر واقع الحال من المسئولين حتي النخاع. فمن يستمع لأي مسئول في أي مرفق من مرافق الدولة عن أي أمر لن يجد منه غير التبرير الواهي وأن سمة انكار الواقع المسيطرة عليه هي الغالبة. أكثر ما لفت نظري أثناء مطالعتي لبعض الصحف اليومية ما كانت تبرزه من أخبار عن الجريمة والمجرمين والعناوين التي يقشعر لها البدن من أمثال " ثلاثة أشقاء يقتلون أخاهم ضربا بالخرطوم " ، " شقيق الفتاة المقتولة ضربا بالسوط يدلي بافادته " ، " تطورات جديدة في قضية المتهم بارتكاب مجزرة الجريف غرب " ،" اتهام شاب وشقيقته بقتل لص بالحلة الجديدة " ، " عصابة ( فريدوم ) الخطيرة في قبضة الشرطة "، " الشاكي يفجر مفاجأة حول مقتل والده بفأس علي يد زوجته " وغيرها من أخبار الجرائم المفزعة . عناوين أنقلها نصا من بعض الصحف اليومية التي تصدر في الخرطوم. عند الدخول في قراءة تفاصيل وقائع تلك الجرائم تقف مندهشا أمام أسباب ارتكاب مثل تلك الجرائم من شاكلة أن سبب التعدي علي المتوفي من أشقائه هو تعديه وهو مخمور علي والدته بالضرب. هذا بالطبع اضافة الي الجرائم الأخري التي لا تنطبق عليها المادة (130 ) من القانون الجنائي ( القتل العمد ) مثل جرائم ترويج العملة المزيفة وتجارة المخدرات والحشيش وجرائم النهب المسلح والسرقات وغيرها من الجرائم التي ازكمت رائحتها النفوس مثلما أزكم الفساد المنتشر لدي كثير من كبار المسئولين برائحته النتنة النفوس أيضا . وهنا لا بد أن نشير كذلك الي جرائم اغتصاب الاطفال القاصرين والتحرش بطالبات المدارس والجامعات من أمثال جريمة سائق الحافلة وامام الجامع وعامل البقالة ومدير المدرسة وغيرها من الجرائم التي أدخلت الرعب في المجتمع العاصمي . الملاحظ أيضا أن الصحف اليومية تركز علي تناول أخبار الجريمة والمجرمين بصورة يومية في صفحاتها المخصصة لذلك فلا تخلو واحدة منها من هذه الأخبار بعد أن أصبحت احدي الوسائل الأسرع لزيادة التوزيع. أقل ما يمكن أن يقال عن تفشي آفة الجريمة أنه يظهرالخلل الأمني الباين للعيان و المدي الذي وصلت اليه الجريمة مع تعطل الآلة الأمنية ووقوف أجهزة شرطة العاصمة عاجزة عن التصدي لها بالمستوي المطلوب قبل وقوعها وعجزها عن توفير الحماية لأمن المواطنين واستقرارهم وتحول العاصمة الي ساحة لارتكاب أفظع الجرائم بما يثيرالقلق الشديد لديهم ، خاصة بعد أن أصبحت حدود السودان ( الفضل ) مفتوحة دون رقيب لكافة الأجناس من بعض الدول المجاورة والتي امتلأت بهم بيوت وشوارع العاصمة بصورة ملفتة لا تخطئها العين . وفي ظل هذه الأجواء أصبح المواطن العاصمي كالقابض علي الجمر !! من جانب آخر نري أن ما تشهده العاصمة العشوائية من تصعيد خطير وارتفاع في عدد الجرائم بمختلف أنواعها ومسبباتها مرتبط ارتباطا عضويا بأوضاع وخلفيات أفراد الشرطة المغلوبين علي أمرهم المشغولين بملاحقة مصالحهم الذاتية أكثر من ملاحقة المجرمين بعد أن تفشي الجوع والمرض وضاقت بهم الحال مع رواتبهم التي بالكاد تكفي لايام قليلة فقط من أيام الأسبوع لمقابلة احتياجاتهم واحتياجات أسرهم وهم في هذا لا يختلفون عن بقية المواطنين الذين يكابدون شظف العيش . في عاصمتنا العشوائية الحبيبة لا يمكن لك فتح بلاغ ضد جريمة ارتكبت في حقك الا بعد دفع الرسوم الرسمية المقررة.( يعني ميتة وخراب بيوت كما يقول المثل المأثور ). وفي عاصمتنا الحبيبة لا يمكن لك البحث عن سيارتك المسروقة بمساعدة شرطي الا اذا تكفلت أنت بمواصلاته وافطاره ومناولته مقدما ما تيسر من مال لمشاركتك في البحث رغم أن هذا البحث في غالب الأحيان لا يفضي الي الحصول علي السيارة المفقودة أو الحصول عليها وهي " مشلحة "( برضو ميتة وخراب ديار ). هكذا سمعت عن حكايات وقصص ممتدة وهكذا تملكتني الدهشة والحيرة. الأمن من أهم دعائم المجتمع ولن أبالغ أن أقول أن الوضع الأمني في ظل أجواء الجريمة المنتشرة دخل مرحلة خطيرة تهدد بشكل كبير أمن المجتمع وشرائحه المختلفة بالترهيب والترويع وقد يفضي – لا سمح الله - الي ما هو أسوأ اذا لم تتخذ التدابير الأمنية اللازمة لكفالة الأمن ( ليس أمن نظام الانقاذ بل أمن المجتمع والمواطنين ). يقول المصطفي ( ص ) : "من أصبح آمنا في سربه معافا في بدنه عنده قوت يومه كأنما حيذت له الدنيا بحذافيرها ". أين وضع المجتمع العاصمي المتوتر من ذلك ؟؟ ومع كل ما سبق ، نحن ننصف أفراد الشرطة ونقدر جهودهم في محاولاتهم لحفظ الأمن والأمان رغما عن الظروف الاستثنائية الصعبة التي يعملون فيها ورغما عن قلة الامكانيات المتوفرة لأداء عملهم علي الوجه المطلوب. نأمل أن يطبق شعار " الشرطة في خدمة الشعب " قولا وفعلا . في مقالي السابق كتبت عن الغاء منصبي وزير السياحة والوالي . وهانذا أضيف منصب وزير الداخلية الذي أزعم أن غالبية أهل السودان يجهلون حتي اسمه . ولنا في ذلك سابقة في القرارالمعروف للرئيس الراحل جعفر نميري ( يرحمه الله ) بالغاء وزارة الداخلية . وفي اعتقادي أن بمثل هذا الالغاء الذي من الممكن أن يطال غالبية الوزراء لن يحتاج الشعب السوداني للخروج في مظاهرات احتجاج لاسقاط النظام ( وكفي الله المؤمنين شر القتال ) . أما الحديث عن القضاء المرتبط بموضوع هذا المقال ، فذاك حديث آخر أسال الله أن يمكنني في الكتابة عنه لاحقا . نكتفي هنا فقط بالاشارة الي أن من أول قرارات الانقاذ عند مجيئها كان عزل أكثر من ستين قاضيا من أكفأ وأميز القضاة دون سبب غير لزوم سياسة التمكين وسياسة الولاء قبل الكفاءة سيئتا الذكر والذي انعكست آثاره السلبية علي مجري تطبيق العدالة التي الزمتنا بها شريعتنا الغراء حكاما ومحكومين.