بسم الله الرحمن الرحيم قراءة في كتاب أيها الجيل مركز راشد دياب 20/1/2013م الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. الحبيب الإمام الصادق المهدي، الإخوة والأخوات، الجمعُ الكريم السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وانُعمتم مساءً. في البداية أشكر مركز راشد دياب على دعوته لنا لمناقشة كتاب (أيها الجيل) للحبيب الإمام الصادق المهدي، واستضافته تدشين هذا الكتاب المهم: مهم لجميع القراء بصورةٍ عامة؛ ولجيل الشباب بصورةٍ خاصة. وأبدأ بالقول: إن من أهم السمات التي تميَز بها فكر المؤلف أن حبلاً متيناً يربط بين أفكاره. هذا الحبل يصل بين اجتهادات المؤلف الفكرية قبل ثلاثين عاماً وبين اجتهاده الفكري حالياً رغم تغيَر الظروف والواقع. ومع أن التحول مهم إذا بدأ للمفكَر أن أفكاره القديمه قد غطت عليها قناعات جديدة، وهو في هذه الحالة يُعتبر محمدة؛ إلا أن ما لاحظتُه في مسيرة المؤلف أن التحولات في حياته الفكرية طفيفة جداً، ولكَن التطور في الأفكار كبير، ما يدل على إحكام الحبك الجيد للأفكار بالصورة التي تجعلُها صالحة لفترةٍ طويلة رغم التغيرات التي طرأُت على الظروف والواقع. وهي سمة لم تتوفر لكثير المُفكَرين والكُتاب. هذه المُقدمة البسيطة تقودُنا إلى الحديث عن عضم هذا الكتاب (حاجات الإنسان العشر)، وهي أطروحة قديمة قدمها المؤلف كورقة لمؤتمر حوار الأديان في بريطانيا في نهاية السبعينيات من القرن الماضي، وضمنَها في كتابيه تحديات التسعينيات ونداء العصر؛ ولكَنها آنذاك كانت مجرد أُطروحة مُبسطَة أحاطت بجوانب الإنسان المختلفة وطرحت معالجات بدائية لها، والكتاب يُعتبر تطوير لتلك الأُطروحة لتصير من مجرد أفكار بسيطة أحاطت بجوانب الإنسان المختلفة ودعت إلى إشباعها بصورةٍ موزونة إلى نظرية مُتكاملة تُحدد ماهية الإشباع المنشود ووسائُله، وتنشُد الرُقي بحياة الجيل الجديد إلى فضاءات بعيدة. الذي يُميز هذه النظرية (نظرية التكامل والتوازن) التي نضج عودُها في هذا الكتاب أنها التزمت الإحاطة في قراءة شخصية الإنسان، وهذا المستوى المُتقدم من التفكير لم تصل إليه آيدلوجيات عالمية ملأت الدنيا ضجيجاً على الرغم من إدعاءها التقدمية. الفكر العلماني بشقيه الليبرالي والماركسي أحاط بجوانب كثيرة من حياة الإنسان؛ ولكنه لم يلتفت لجوانب مركزية في حياته كالروح والأخلاق والعاطفة وهي أساس تماسك الشخصية الإنسانية من الداخل. في المقابل من ذلك فإن بعض الآيديولوجيات الإسلامية إذ استجابت لإشباع حاجات الإنسان الروحية والخلقية فشلت في استيعاب حاجات أُخرى، مما يجعل نظرية التكامل والتوازن التي اكتملت خيوطها في هذا الكتاب منهجٌ فريد التزم الإحاطة في قراءة شخصية الإنسان، ووضع لبنات لبناء شخصية سوية متوازنة في الحياة مستمتعة بها دون أن تُفرَط في مبادئها وثوابتها، ودون أن تُضحَي بعصرها. سمة أُخرى حواها الكتاب: وهي أن البعض يتعامل مع التراث الإسلامي بصورةٍ يشوبُها التقديس، والبعض الآخر يتعامل معه بصورةٍ يشوبُها التبخيس؛ ولكن المؤلف وضع التراث الإسلامي على مشرحة النقد ليس للاستدلال على عدم صلاحيته للعصر بهدف تمرير مشروع فكري آخر؛ وإنما لاستهاض القيم الحية والفكر النابض في هذا التراث، واستصحابه في بناء المشروع الفكري المُعاصر الذي يُبشَر به. كذلك في تعامله مع الحداثه ومرحلة ما بعد الحداثة (العولمة): لا يتعامل معها بلغة الرجم واللعن، ولا يتعامل معها بلغة التصفيق. وإنما يطرحُ فكراً يستوعب محاسنها ومقاصدها الحميدة، ويحتوي أخطارها بالعمل على بناء الدفاع الثقافي ضدها. اعتقد أن الكتاب برع في التبشير بوعي فكري متوازن: وعي يُحيط بكل حاجات الإنسان ويُحاول إشباعها بصورة موزونة، وعي يُفكك الفكرويات المختلفة بصورة تستوعب المقاصد وتحتوي المثالب، وعي يُفكك نظريتي التوالد والانفجار العظيم بصورةٍ تدعو إلى الدراسة والتأمل، وعي يُراعي في طرحه عالمية الإسلام لا أن يطرحه بصورةٍ تُوحي بأن الإسلام دينٌ خاصٌ بالجزيرة العربية، وعي يُراعي في طرحه حلقات الانتماء: الإسلامي، والأفريقي، والعربي، والوطني بصورةٍ تقود إلى التكامل لا التنازع. أقول ذلك لإن بعض المُفكرين الإسلاميين يندفعون نحو الأممية على حساب الخصوصية القطرية، وبعض العلمانيين إذ يعترفون ببعض حلقات الانتماء الأفريقي أو إلى حدٍ ما العربي؛ يُسقطون البعد الأممي للانتماء الديني، ولكن الكتاب يطرح توفيقاً لطيفاً بين الرؤيتين: يُبشر بالمرجعية الإسلامية ذات البعد الأممي والإنسانيات السودانية ذات البعد الوطني. هذا بالإضافة إلى أن فكرالمؤلف يفُك الاشتباك الديني العلماني باستيعاب المقاصد الحميدة للعلمانية، وبموقفه المبدئي من الديمقراطية، وخلو فكرِه من النزعة الانقلابية والانفرادية التي اتسمت بها بعض المدارس الإسلامية الآُخرى، وهذه السمة تُصدقُها الممارسة السياسية عبر الحقب المُختلفة. طبعاً هذا لا ينفي بحال اختلافي مع المؤلف في بعض النُقاط رغُم الانتماء لمدرسةٍ واحدة؛ ولكنها اختلافات طفيفة، وربما لا أهمية لذكرها هنا؛ لإنني سلمتُها للمؤلف قبل طباعة الكتاب. المهم في اعتقادي أن من الظلم بمكان التعامل مع هذا الكتاب كالتعامل مع أي كتاب آخر حتى كتُب المؤلف، هذا الكتاب يجب أن تجد أفكارُه حظاً من التنفيذ على أرض الواقع. وإذا كان البروفيسور راشد دياب قد دعا إلى ترجمة الكتاب إلى عدة لُغات، فإنني أدعو الحبيب الإمام إلى إضافة مهمة سابعة لمهامه الست الذي يتطلع إلى تنفيذها بعد إعتزاله العمل الحزبي. المهمة هي إنشاء مركز شبابي قومي يُنزل هذه الأفكار على أرض الواقع. وتبدأ الرعاية فيه للجيل منذ الطفولة وصولاً إلى مرحلة الشباب، تتوافر في المركز مساحة لممارسة الحاجات العشر التي بشَر بها الكتاب. وذلك أن الوعي الشبابي الآن في السودان مُشوه وتتجاذبه تيارات عديدة: - ظاهريون يُقدسَون التراث، والحداثة عندهم هي فكرٌ قبيح وكفرٌ صريح؛ بل إن بعضهم يذهب أكثر من ذلك إلى القول بحذف علامة الموجب (+) من مادة الرياضيات لأنها تُبشَر بمشروع صليبي يجب استئصاله!. - علمانيون يتعاملون مع الحضارة الغربية بمنطق القبول المُطلق، ومع التراث لا سيما الإسلامي بمنطق الرفض المُطلق. - مغبونون يقرءون تاريخ السودان بصورة انتقائية، لا يُراعون الظروف الزمانية والمكانية في قراءة أحداث التاريخ، ولا يرون في التاريخ سوى أنه رق واستعباد، وهيمنة أهل المركز على الهامش على المستوى السياسي و الثقافي والاقتصادي. وبعض هؤلاء استُقطبوا لصالح أجندات حربية تحمل مطالب مشروعة ( التوزيع العادل للثروة، التمثيل في السلطة السياسية، الهوية الجامعة ألخ)؛ ولكن نفذوها عبر وسائل حربية تضر أول ما تضر بأهل الهامش مقرونة مع حماقة النظام الحاكم. - سُلطويون: هؤلاء أنفسهم ينقسمون إلى قسمين: قسم انضم إلى السُلطة اقتناعاً ببرنامجها الإسلامي، واُستخدم كوقود للحرب الجهادية ضد إخواننا الجنوبيين، والقسم الثاني: نفعيون انخرطوا في منظومة النظام الحاكم بغية التأمين الوظيفي أو بغية الصعود على سلم الثراء الفاحش الذي ترعاه الدولة بإمتياز. - نبَاقيون: هواة الفن الهابط، هابط فنياً، ذوقياً، وأخلاقياً ألخ. وهو جمهور عريض من الشباب السودانيين. - سيدويون: هواة التشجيع الرياضي، تفرج دون ممارسة، بل مغالاة في التعصُب. ورأينا الدموع التي سالت عندما انتقل هيثم مصطفى إلى المريخ!. - مُفسبكون، هواة الوسائط الرقمية: هؤلاء مع تطلعهم للتغيير يغلب على نهجهم انعدام مسئولية الكلمة، والانحدار بالنقاش إلى أسفل سافلين: شتائم ونبذ وإساءت شخصية ألخ! - خريجو الجامعات، وهم طيف عريض، موزعون على التيارات المختلفة التي ذكرتُها آنفاً. هذا معناه أن التيار الذي يتطلع إلى تشكيله الكتاب أرضيتُه جدباء بكل أسف، مع أنه هو التيار المؤهل لقيادة المستقبل، ولكي نصل بالشباب إلى المستوى الذي يتطلع إليه الكتاب، فنحن نحتاج إلى مجهود كبير: إعلام قوي، مراكز شبابية تُبشر بهذا الوعي المتوازن، وتهيئ المُناخ أمام ممارسة الحاجات العشر. ولذلك أُكرر اقتراح تبني تأسيس مركز قومي لإعداد الشباب، تبدأ الرعاية فيه منذ الطفولة وصولاً إلى مرحلة الشباب؛ لإننا وبصراحة إذا كُنا قد فشلنا في إعداد المُستقبل للشباب فلنعُد الشباب للمستقبل. والسلام عليكم تنويه: لضيق الزمن تم اختصار الكلمة من قبل المتحدث Alzbeir mohammed ali [[email protected]]